المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محطات في حياة نامي المحامي



رضا الأهدل
28-07-2007, 10:42 AM
المحطة الأولى:-


*تحرك نامي من نومةٍ عميقة في ليلة ربيعية تهامية بعد أن لامست أذنيه عبارةٌ شجيةٌ من مؤذن الحي لصلاة الفجر ((الصلاة خير من النوم))

نعم الصلاة خير من النوم !!!!،

*انتهى الأذان فسها الصبي في غفوةٍ لا ارادية وإذا بصوت والدته:-

نامي قِمْ يا نامي عَجِّل الصلاة قامت. لايفوتك الفلاح !!!!!!

*هب فزعا ليدرك من الصلاة الركعة الثانية مع امام الحي .

*أكمل مافاته عَجِلاً بطريقة طفولية بريئة معتادة من ابناء القرى المحافظين على اداءها منذ السابعة من اعمارهم كما عوَّدهم اباؤهم عليها عملا بقول المصطفى عليه الصلاة والسلام (مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع).

*سلَّم من صلاته وقفل مسرعا للمنزل ، وصوت إمام الحي ملء أذنيه وهويردد مستغفرا في مجلس صلاته (استفغر الله استغفر الله استغفر الله يالله اليوم على بابك ما خاب طلابك اصبحنا واصبح الملك لله )

*يصل المنزل فتتواصل بمسامعه تمتمات والدته في مصلاها بالمنزل (يالله يا كافي سترك الضافي علينا وعلى من حوالينا ) بعبارات عفوية تنم عن فطرة سليمة خالط التوحيد دماءها.

*يتدثر بلحافه مكورا جسمه بشكل عفوي مرتعشا من نسمات الصباح الربيعية الباردة ليغتنم ملء جفنيه نومه قبل موعد الذهاب للمدرسة (السَّرْحة) بلغة اهل القرية من سرح يسرح فهو سارح أي منطلق الى وجهته التي يقصدها صباحا او في أول النهار وهي الغدوة وضدها الرواح بعد الظهيرة أي الأوبة بعد البكور .

*لم تكتحل عيناه بالنوم الا وصوت والدته يزلزل في اذنيه الصغيرتين (نامي قم ياميت القلب ) قم هيا فك الريق (الافطار) واسرح السرحة فرحة يا وليدي قم .


*كان لهذه الكلمات وقعا في نفسيته ووجدانه فهي اشد من جلد السياط .

* تناول قطعة خبز من دخن قد اعدتها والدته مع جفافها وخشونتها ساخنة من لهب تنور أُوقد بحطب السمر (الدوح) وقد عركتها بشيء من سمن قليل .

*انطلق وقرع سياط قم ياميت القلب تلهب نشاطه وتلسع وجدانه كلما شرد ذهنه مسترجعا الشريط الصوتي لدعوات الامام وتمتمات والدته (اذكار الصباح) !!!! فقد حفظها عن ظهر قلب لتكرار سماعه لها منهما كل يوم منذ إدراكة .


*واصل مسيره وقد اختلط بمسامعه شقشقات العصافير واستقبله عبير نسمات المزارع مع الصبح النّدي وهو يتنقل ببصره بين زهرها ووردها واصناف الفل وانواعه شتى .

* انتهت خطواته إلى ظل سمرة كبيرة(شجرة الدوح) بجوار مبني المدرسة اعتاد هو ولدّاته من أطفال القرية الدارسين المكوث بها حتى حين بداية الاصطفاف الصباحي لطلاب المدرسة في فناء العراء سمي فناء تجوزا والا فهو متاح لكل غادٍ ورائح . يمر بجواره الجادون وأهل الفضول ،ومنهم من يتوقف يمتع ناظريه بمشهد التمارين الصباحية للطلاب ولا يتحرك حتى يتوارى الاطفال في الفصول!!!

*شب نامي على هذا المنوال واشتد عوده وتفوق في الحصول على شهادة اتمام الدراسة الابتدائية.

*ماذا بعد ؟؟؟؟؟
هل يطلب العمل بهذه الشهادة فلها وزنها في ذلك الزمان حتى ان بعض الحاصلين عليها من قبلهم يعين معيدا لمزاولة التدريس بمدرسته القروية لندرة المعلمين.

للحديث صلة

بشير
28-07-2007, 12:56 PM
شكر الأستاذ رضا الأهدل
حلقت بنا في عالم فضاءات الماضي الجميل
لنشاهد لوحة وضعنا انفسنا في ادق التفاصيل
انا نامي وانت نامي ولو بفرق قليل
ننتظر البقية لهذا الابداع الأصيل

رضا الأهدل
29-07-2007, 08:23 AM
لله درك أخي بشير سروري كبير بما يسرك .
نعم هو ما قلت كلنا نامي وإن اختلفت الاسامي
سنواصل قريبا بمشيئة الله تعالي

أبو عمرو
29-07-2007, 02:25 PM
شكراً عزيزي رضا الأهدل

واصل فنحن معك في انتظار محطات نامي المحامي القادمة.

زعيم المجالس
29-07-2007, 02:37 PM
شكرآ اخي رضاء الاهدل
هذه قصة ولا في الخيال ويعطيك العافية ،،،،،،،،،

رضا الأهدل
30-07-2007, 09:17 AM
أخي ابو عمرو

أخي زعيم المجالس

مرور سرني ورفع معنويتي ستجدون مايسركم
تحياتي للجميع

الشاهين
30-07-2007, 12:09 PM
هلا وغلآ ابن العم العزيز رضا الاهدل شئ جديد من ابداعاتك تكشفه لنا الايام وهانحن امام بداية رواية جديدة نعرف ان حبيبنا شاعر يجيد فنون القوافي ورسمها واليوم نشاهده تباشير كاتب قصة ممتاز .
المحامي نامي ومحطاته في انتظار القادم في شوق دمت بود وسلام .

رضا الأهدل
30-07-2007, 10:27 PM
ياهلا بالشاهين الله يغليك ويطول لياليك يابن العم شرفني مرورك وهذا مما عندك بارك الله فيك نتمنى التوفيق من الله لمزيد من امتاعكم

رضا الأهدل
05-08-2007, 03:39 PM
المحطة الثانية
• حصل نامي على قرار نهائي من والده بمواصلة الدراسة بالمرحلة ( الإعدادية - المتوسطة)
• *انهى التسجيل بمدرسة خارج قريته تقع في ضاحية قريبة من إحدى المدن الساحلية الكبيرة . ولهذا القرب اثر مباشر في بَرَكة تمدد تأسيس مدارس هذه المرحلة وما فوقها الذي يشبه الطل لا يتوغل في الصحاري والقفار بعيدا عن شواطئ البحار .

*كان لمشورة ونُصْح بعض الدارسين قبله لهذه المرحلة من أهل قريته دور كبير في إقناع والده بذلك. ! فوالده يتوجس على فلذة كبده اليافع وبكر أولاده الذكور من غربة الوحدة وخطر الاختلاط لتباين الحراك الاجتماعي على كافة الاصعده بين القرية من جهةٍ والمدينة وضواحيها من جهة أخرى !

.
*انهالت علي نامي النصائح من الكل (تهيئة نفسية) قبل التوجه للمناخ الجديد (كلها لم تصل لرسوخ الحديث الشريف في ذهنه :-الجليس الصالح وجليس السؤ !!!)

* بدت عليه بصمات المحطة الثانية تدريجيا وذلك في النقلة النوعية الثقافية .لتعدد مصادرها في مناخه الجديد . ففي القرية كان الراديو هو المصدر الرئيس لثقافته مع المقررات الدراسية . إما هنا فالمصادر كثيرة الصحف والمجلات التي ولَّدَتْ فيه حب القراءة ونهمِها مع التلفاز بنظام الأبيض والأسود بمقهى سوق الضاحية الذي يكتظ بالمشاهدين حين عَرْض تصوير مباراة مهمة بعد يوم أو يومين من إقامتها وفي ليلة الحلقة الأسبوعية للمسلسل (بدوي أو بوليسي أو غيرهما ) وليلة المصارعة الحرة.كان يرقب تفاعل المتابعين من ابناء الضاحية الذين لا يملكون تلفزيونات بمنازلهم ويلاحظ ردود أفعالهم حين يحمى الوطيس بين المصارعين او عند انتهاء آخر مشهد للمسلسل حيث تستدعي حبكته ولزوم الصنعة للمخرج ان يوقفه عند موقفٍ حرجٍ . وتدور في ذهنه تساؤلات لا تحصى يجد لبعضها جوابا وتبقى الأخرى مخزونة في الذاكرة إلى حين يجد الجواب المقنع لها مع الأيام!!!
* يضاف لهذه المصادر أيضا المصادر الجانبية . بالمدرسة أنشطة صفية ولا صفية صحف حائطية وسائل تعليمية مصورة كلمات الصباح بطابور الاصطفاف وأهمها إقامة حفل مسرحي آخر العام فقد كان ابرز ممثليه لصفات حباه الله إياها جعلت من مشرف الأنشطة يتمسك به ويسند له أدوار مهمة . وشاهد في حفلات أهل الضاحية ومناسباتهم العابا شعبية وممارسات اجتماعية أثْرَتْ مخزونه السابق لتراثيات قريته.
* زار المدينة الكبيرة مرات عديدة خلال فترة دراسته اطّلع على كثير من معالمها قرر فيما بينه وبين نفسه مواصلة الدراسة للمرحلة التالية بها.

*أتم دراسة المرحلة الإعدادية بنجاح فانخرط بعد تحقق أمنيته في معهد من معاهد المدينة الكبيرة حيث كان محطته الثالثة!!!!

ما قبل المحطة الثالثة
*صيف نامي خرِّيج الإعدادية غير!
الصيف في العادة موسم جميل لمناسبات الأعراس .ونامي في هذا الصيف غير! بلغ الحلم أصبح شابا يافعا يُعْتَمد عليه بالمشاركة الفاعلة في مناسبات الأقارب والجيران متقد الذهن بتفاعل ثقافة القرية بثقافة ضاحية المدينة البحرية في بوتقته الذهنية .
•في صيف تخرجه هذا كان يعقد مقارنات ذهنية بين معطيات القرية ومعطيات المدن وضواحيها وتأثير هذه المعطيات على أفقه الثقافي
•فيوم طالب القرية ، يبدأ بصلاة الفجر ثم الإفطار. فالمدرسة بطابور صباح بسيط يشرف عليه أي معلم ! ثم الحصص الثلاث الأولى .فالفسحة الكبيرة فمن لديه نقود يذهب للدكان المجاور وخياره الوحيد بسكويت أو عصير من الرف !!! فالإفطار المبكر لا يتيح مجالا لغيره والعوز أدرى بالحال!!!!! حصة الرياضة فرصة لراحة المعلم المكلف فلا متخصص !!! يرمي المعلم بأي كرة بين أ قدام الحفاة بالملابس العادية ليمارسوا نشاطا بدنيا كبيرا طوال الحصة جريٌ في كل الاتجاهات ركلٌ بأي موضع من القدم ولو كانت الكرة المستعملة للسلة أو الطائرة سيان فثقافتهم لاتسمح لهم بالتمييز ! المهم مدورة وتتدحرج !!!فهما بديلتان لانفجار الأولى بغصن شوك أو ظفر إبهام وقد تكون شبه فارغة من الهواء .فالتأمين من مستودعات التعليم بالمدينة لمدارس القرى النائية هو من الفائض عن مدارس المدن وضواحيها !!! أقدام الطلاب القرويين الحافية تجيد الركل لأي نوع من الكرات وقانونهم يجيز أن يعترض احد اللاعبين المشاغبين الكرة بيديه فينطلق بها لخطوات قبل أن يدحرجها أمام أقدامه وسط صراخهم الذي لا يلفت انتباه معلمهم البعيد والمشغول بسوالف الفراش أو احد المار ة من المعارف!!! ومادة التربية الفنية ليست بأسعد حالا من شقيقتها فهي في الحصص الأخيرة وتبدأ بعبارة ارسم منظرا يعجبك . والتقليد للفكرة مشاع بين الطلاب كأقلام الألوان المستعملة في الحصة فمالكيها بالفصل قلّة وعادة يكونوا من الكرام والفرق بين اللوحات في النهاية يتسق مع الفروق الفردية لدقة التقليد والاقتباس!!! لوحاتهم البريئة عمادها النخلة ومسجد بمنارة شاهقة أو شجرة من محيط الحقل وجبل وجدول ماء وبعض حيوانات التربية و الطيور المعروفة ونادرا ما يكسر هذا الروتين منظرٌ للمطر أو السيل!!!. بعد إتمام اليوم الدراسي يتوجه للمزرعة حيث يجد والده قد سبقه مع الظهيرة إليها! فالقيلولة بمفهومنا الحديث التي بعد صلاة الظهر ووجبة الغداء في قاموسهم لاتسمح بها ظروف المعيشة . هي للكبار فقط ولكن قبل صلاة الظهر! وقد علم نامي مؤخرا أنها هي السنة فالبادية إذا على الفطرة ! ثم يُمضي بقية يومه في المزرعة ويعود مساءً للمنزل عشاؤه قبل العِشاء . يذاكر على فانوس متواضع قد ينازعه بعض أشقاؤه عليه ويتعاركون لمجرد المناكفة فالضوء يكفي الجميع !!! وهو ممنوع من مجالسة الكبار من الجيران بعد صلاة العشاء بحجة المذاكرة والنوم مبكرا لاستقبال يوم جديد مماثل بنشاط وهمّة!!! لكن ليلة مجلس سمر الجيران بمنزلهم يتظاهر بالنوم وأذنه لا تنام يتابع حكاياتهم وعيناه تلتقط ما يمكن التقاطه خلسة . وسروره وشغفه لا يوصفان حينما يكون الحديث لجارهم صاحب السرد الشيق والمثير وصاحب الحبكة النادرة للرواية فهو يتقمص أدور من يرد ذكرهم في الحكاية وردود أفعالهم كأنك تشاهد الحدث بعينيك . فكان مدرسته الأولى في هذا الجانب،تعلم منه الكثير .
قارن نامي هذا بما وجده من تفرغ كامل للدراسة يحظى به طالب المدن والضواحي .مع معلمين متخصصين لكل المواد .مادة الرياضة تمارس بملابس خاصة إحماء تدريب على بعض المهارات لمختلف الألعاب تعلم قوانين كرة القدم وفنونها عرف كرة الطائرة رأى ملعب كرة السلة فهم كيف تحسب الأهداف والنقاط ترحّم على تلك الأيام!يوم أن كانت كرة السلة تسلع قدميه الصغيرتين الحافيتين عند ركلها فهي لم تصنع لهذا .تعرّف على اسماء أشياء وأشياء كان يراها مكدسة في مستودع مدرسة القرية وقد خالطت الكتب الدراسية الفائضة !!!

في حصة التربية الفنية تعلم كيف يرسم بالفرشاة وشاهد انواعها وتخصصات استعمالها فهو لم يعرف الا الرسم بقلم الرصاص!!! عرف أنواع الآلوان المائية والزيتيه فهم أن الرسم ليس حكرا على ورق الكراس !!! شاهد لوحات من خشب ومن حديد بل على أصداف البحر ولكل خامة مادة ألوان خاصة !!!
وجد يقينا أن البون شاسع في فعاليات اليوم الدراسي قاطبة .الطعام متيسر مخبز مطاعم بقالات تعج بأصناف المعلبات مقصف بالمدرسة به شاطر ومشطور وبينهما طازج مشروبات غازية كانت. قبل التنبه لمخاطرها على الأطفال لاحقا.النزهة عنده تبدلت من الحقل إلى شاطئ البحر القريب من مسكنه كان يلازم نافذة المنزل عند سويعات الغروب يمتع ناظريه بمناظر السفن الشراعية العائدة من رحلة صيد. يلمح من خلف الصواري جدائل الشمس الذهبية التي يداعبها البحر بأمواجه فتكسو زُرْقَتَه بلونها العَسْجَدِي. فيتسمر مكانه ليتابعها وهي تتهادى لمعانقته بخدها المُحْمَرِّ خجلا ونسيمه الهادى ينقل إليه فحوى همساتها الغنجاء لتظفر منه بسرٍ من أسرار أعماقه. وهو يقاوم ويتمنّع في ضعف فتسعفه سرعةُ انسلالها متوارية في وجلٍ من الليل الذي يلف البحر في لحظات فيخفي أسراره بغلسه البهيم ، حتى موعد لقاء الغد ثانية وقد زاده غموضا إلى غموضه. يتداخل هذا المشهد مع مخزون ذاكرته من مشاهد الأصيل في قريته بين النخيل وأسراب الطيور تعود إلى وكناتها ولم ينس مشهد تلك القمرية التي عادت في ليلة وحيدة إلى عشها بعد أن كُنّ اثنتين اعتاد مشاهدتهن مرارا في طريقه إلى منزله !؟ مثيرات تُنَشِّط كل ليلة ذاكرته المكتظة بذكريات ومشاهد لا تحصى . ستجد لها متنفسا واسعا لترى النور في لاحق الأيام من محطاته.

بشير
07-08-2007, 04:17 PM
شكرا استاذنا رضا الأهدل
كلنا شوق لمواصلة ابداعتك ومعرفة ما يؤول به الطريق في حياة نامي

ملحوظة = ارجو من الاستاذ رضا تكبير الخط مراعاة لظروف من هم امثالي

الشاهين
07-08-2007, 05:07 PM
اصدقك اخي العزيز رضا سرحت كثيرا وانا التهم سطور محطات نامي قريته والحياة بها ودقة الوصف في تفاصيل حياته نعم كنت اقرأ وفي الخيال صورة قريتي
وتتوالى المشاهد تكاد تكون هي نفس الصورة التي عشناها وعاشها ابن القريةمع الاختلاف البسيط عن قرية نامي .
ابن العم العزيز بقدر تعلقنا وحبنا لحياة الماضي الجميل ننتظر القادم والجديد في حياة نامي .

رضا الأهدل
07-08-2007, 11:54 PM
ابشر يا استاذ بشير سوف اكبر الخط فيما بعد وسنواصل المشوار مع محطات نامي حتى عصرنا الحاضر ورؤيته لمستقبل الأيام فهو محامي تخرج من مدرسة الدنيا العجيبة

ابن العم الشاهين هو كما قلت التشابه حاصل والفارق لايؤثر فحياتنا مشتركة في أغلب المناحي وسنواصل بما يسرك

رضا الأهدل
12-08-2007, 02:44 AM
مازلنا في صيف التخرج !!!

لاتِكْثِرْ النَّوح يا القمري = حركت بالقلب أنكاده
يا طير إن همّكم أمري= جارك تناحى عن أسياده

شيلة بالحدري بصوت ندي هزت كيان نامي وهو يسمعها في عز ظهيرةِ يومٍ من أيام ( صيفه الغير) صدح بها ذلك المزارع الأربعيني الذي أعتلى نخلة من نخيل مزرعته يجنى الرطب فهاجت أحزانه بنواح تلك القمرية التي كانت تتنقل من نخلة إلى أخرى بجواره كأنها تشتكي له ما نابها فناح بتلك الأبيات يحاكيها ويبث مكنونه !
فناح بنواح الاثنين الشاب الغر ولكن بصوت خافت ومبحوح بالكاد يُسْمِعْ نفسه وعلى منوال شيلة المزارع يجاوبهما على استحياء! . فالبوح لأمثاله الصغار والتصريح بلواعجهم مستهجن من الكبار !!!
يقول:-
من نوحكم زاد بي قهري= نوحٍ على نوح شا الْفَادَة
محروم ما ابوح من صُغْرِي=ضايع ولا عنه نشَّادة
أبيات قد لاتصل لمستوى سبك ذلك الأربعيني ولكنها تنبئ عن قدوم شاعرٍ من بيئةِ أمةٍ ( الشعر ديوانها) توارثته من أول يوم نطقت به الضاد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها!
هو يصر دائما أن تكون ردة أفعاله ووجهات نظره توصيفها شعرا . فتؤثر في المتلقي وتبقي محفورة في الذاكرة .
فقناعاته التامة من خلال دراسته و قراءاته الثقافية بأن أمته المعاصرة هي امتداد لتلك الأمة الأمية العظيمة التي حفظت بالشعر تاريخها وأيامها و به تلهب حماسها لأيامها الخوالي فهو الحبل الوثيق بين سلَف الأمجاد وخلَف الأحفاد .جعلت منه يستزيد من معلم اللغة العربية بمرحلته الإعدادية طوال سنوات دراسته بها وينهل من علمه الوفير فلقد كان معلمه متخصصا بمعنى الكلمة ونمّى به كل هذه القناعات . وكان دائما ما يداعبه بقوله:-((أنت تنمو سريعا يا نامي)) مما يزيد من ضحكات أقرانه بالفصل ويضحك هو بضحكهم ! لأن فهمهم كان منصبا على قوامه البدني ولا يرون مصداق لكلام المعلم فيعتبرونها نكته . ولكن ضحكه هو امتزج بالفرحة والنكتة!!! النكته المضادة لسؤ فهمهم لمقصد المعلم. والفرحة بتزكية المعلم لثقافته وفهمه فاعتبر مداعباته وسام له . فما أحلى الضحك على الضحك!!!
وبلغ سروره الذروة يوم أن قام أحد الطلاب متسائلا في مكرٍ لمعلم العربية ! يا أستاذ ليه أكثر مناقشاتك مع نويمي؟!!! أقصد نامي ! فابتسم المعلم وأجاب :- العرب يا بني من عاداتهم يحبون الفأل فيسمون الأسماء الدالة على الخير تيمنا بها فهم يسمون مثلا ( سالم ) من السلامة و(سليم) زيادة في تأكيدها ! ويسمون رباحا وفلاحا من الربح والنجاح . واسم نامي من النماء والزيادة اللا متناهية وليس النماء محصورا في المظهر الخارجي لقوام البدن فقط ولكنه يعم العقل والفهم والمرء بأصغريه قلبه ولسانه وانته يا بني صغّرت اسم زميلك والعرب تصغر أيضا للتعظيم كذلك! وليس للتحقير فقط ! والكلام من سياقه وصِيَغْ اسم نامي كلها خير وبركة ! أفهمت يا بني؟!
فساد الصف سكونٌ جرّاء كلام المعلم . وأطرق المتسائل ببصره لا ينبس ببنت شفة!

*بذرة المحاماة !
كان لهذا الصيف نصيبا من استنباتها فمن هم في سنه يسمح لهم بحضور جميع مناسبات أهل قريته ومن أهم هذه المناسبات في الصيف (المَشْوَر)أو الرأي وهي عادة ما تسبق مناسبة الزواج فيجتمع فيها أبناء الأسرة الواحدة القريبة للتشاور في شؤون العرس عرس أي ابن من ابنائهم كاختيار يوم إقامته وتحديد المدعوين وتوزيع جميع المسؤوليات في هذه المناسبة ((خطة عمل)) وهي منهجية جميلة تحظي بالإجماع والتوافق ومراعاة ظروف الجميع ! فقد يكون أحد أبناء الأسرة لديه ارتباطات في قابل الأيام تتعارض مع الموعد المقترح فيتحاشونها !
وفيها أيضا تصفية خلافات أبناء الأسرة بحلها قبل الزواج . ليكون عرسا حقيقيا بصفاء نفوس الجميع!
فلا ينفض هذا المجلس قبل تصفية حسابات الجميع إما في الحال أو بموعدٍ مؤجل بكفالة أهل الحل والعقد من كبار الأسرة بأن يُحكم فيها بالعدل وإرضاء الجميع.
وآليتها كالتالي :-
بعد تناول وجبة العشاء المعدة لهذه المناسبة من صاحب الزواج للحاضرين، يتكلم كبير الأسرة موجها الحديث للجميع بأن فلان يريد إقامة مناسبة زواجه في هذا الصيف ولا يستغني عن آرائكم ومشورتكم !
وبعد الانتهاء من توزيع المسؤوليات وتحديد الوجبة المناسبة أو بالأصح إجازتهم للوجبة المقترحة من صاحب المناسبة إن سلمت من العوارض والإشكاليات .
يتقدم من لديه شكوى بالكلام موجها إياه لكبير الأسرة بأن فلان بن فلان قد حصل منه كذا وكذا خلال هذا العام تجاهي وأطلب منه بذل الحق على أيديكم!
فيتوجه كبير الأسرة يا فلان (للمشكٍي) يناديه باسمه فيجب بنعم فيقول له :- سمعت الشكوى فيقول نعم فيقول له:- جوابك ؟
فتبدأ المرافعات والبيّنات .كأنك في محكمة ! فيحدد كبير الأسرة الخطأ وبعد تبيانه. يحاول الإصلاح والتسامح .
وعند الإصرار من صاحب الحق المحكوم له ،بطلب التكميل ( رد إعتبار) يحدده حكم كبير الاسرة وهو بحجم الخطأ المرتكب قد يصل أحيانا إلى الذهاب الى منزل صاحب الحق بوليمة تكاليفها على المخطئ ردعا له وتحذيرا لأمثاله!!!. وإذا أحتج (باعتراض أو استئناف ) على حكم كبير الأسرة يفرض عليه المعدال (شرط جزائي)وهو مبلغ من المال ليسمح له بعرض القضية على ثقات اشتهروا بالفصل في مثل هذه الأمور فيحدد هوا شخصا ويحدد الشيخ شخصا آخر. فيميزان القضية .فإن صوّبا حكم الشيخ كان تكلفة استضافة هؤلاء من الشرط الجزائي علي المعترض . وإن نقضوا الحكم ، سَلِمَ له ماله واعيد اعتباره وكانت التكلفة على الشيخ ومن حكم له مسبقا.فكان هذا ضابطا مهما للمجتمع البسيط .وكبحا لوباء اللامبالاة بحقوق الآخرين فمن أمن العقوبة أساء الأدب !!!

كان نامي يتابع بشغف وحرص تلك المرافعات والمداولات ويقارن بين من أوتوا فهوما ونباهة وسرعة إجابة وحسن بيان ممن عداهم ولو كانوا أصحاب حق بيِّن ولكن تخونهم الحجة ويخذلهم البيان !!!
فحفظ قواعد كثيرة لتلك القضايا منها (الحق يرضي والنفوس طياب) (الأبلج خير من الملجلج)
واستفاد من التحليلات الخاصة التي تعقب تلك الليلة حيث تعاد إثارتها بمجلس الجيران اللاحق . فيسمع الاستدراكات على المحاكمة والمرافعات. وإصدار عموم وجهات النظر من الجميع وخاصة عندما يحتدم النقاش بين اثنين من الجيران كل واحد منهما يتبنى رأيا مخالفا للآخر . فيشهد مرافعات وحجج أخرى تعلم منها الكثير والكثير!
نترككم في رعاية الله حتى موعد المحطة القادمة

أبو عمرو
23-08-2007, 11:33 PM
محطات جميلة نقلتنا إليها أخي / رضا ، من حياة نامي المحامي بأسلوب قصصي رائع ، أشكرك كثيراً عليها ، متمنياً من الله العلي القدير لك التوفيق في أكمالها.

في رعاية الله وحفظه.

رضا الأهدل
24-08-2007, 05:21 PM
اللهم آمين وجزاك الله خيرا يا أخي ابو عمرو

سوف نواصل بتوفيق الله

أبو سفيان
24-08-2007, 06:53 PM
ما شاء الله ولا قوة إلا بالله

رائع أيها الأهدل .. أمتعتنا بمحطات روائية من النوع الجميل

الراقي ..واكتشفنا أن أخينا / رضا يتمتع بموهبة فذة

في الرواية ؛؛ عبارات منتقاة بعناية ، تصوير بديع للمكان والزمان

وللأحداث ، لغة سهلة وسليمة ..

أرجو أن تستمر المحطات ,, ولم أكن مرتاحا للشطر

الثاني من العنوان ( نامي المحامي) ؛؛ إن كان ذلك ينبئ

عن مستقبل بطل الرواية ...شكرا رضا الأهدل ونحن سنتابع معك ..

محمد علاقي
24-08-2007, 07:55 PM
تحية اليك اخي رضا ويسعدك ربي ويسعد اوقتاكم بكل خير
استمر فلا زلنا معكم في هذه القصة الجميلة
ياسلام رحلة من الابداع والوصف نحن معك
في انتظار ماتبقى من فصول هذه المحطات 00

محمد علاقي 000 جدة

لهفة الخاطر
24-08-2007, 10:04 PM
استمر فلا زلنا معك في هذه القصة الجميلة الله يعطيك العافيه علي هذ المجهود الرائع

بشير
29-08-2007, 11:42 PM
شكرا استاذ رضا
كل عام والجميع بخير
اسعدتنا وافدتنا فزندنا بارك الله فيك

رضا الأهدل
23-10-2007, 10:24 PM
ابو سفيان ياهلا ومن العايدين ستستمر الرواية بتوفيق الله وسوف ترتاح للشطر الثاني بإذن الله فالمحاماة فضاء واسع
الأرض وهاده والسماء عماده




أخي محمد علاقي الله يجعل أيامك كلها سعادة عيد ك مبارك ابشر سنستمر بتوفيق الله


لهفة الخاطر يعافيك ربي ويبارك فيك اسأل الله التوفيق والسداد لكي نواصل فصول الرواية لتتواصل سعادتكم كل سنة وانت من عواده


بشير بشرك الله بالسعد في الدنيا والآخرة وابشر بما يسرك والتوفيق بيد الله سبحانه وعساك من عواده