المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإستقلال والطرابيش



محمد عبد الله الذبياني
14-07-2007, 04:11 PM
قرأت منذ أمد غير بعيد مقالاً لأديب قام يعترض ويحتج فيه على ربان وموظفي باخرة فرنسية أقلته من سورية إلي مصر . ذلك لأن هؤلاء قد أجبروه ، أو حاولوا إجباره على خلع طربوشه أثناء جلوسه إلي مائدة الطعام ، وكلنا يعلم أن خلع القبعات تحت كل سقف عادة مرعية عند الغربيين .

ولقد أعجبني هذا الاحتجاج لأنه أبان لي تمسك الشرقي برمز من رموز حياته الخاصة.
ُأعجبت بجرأة ذلك السوري كما ُأعجبت مرة بأمير هندي دعوته إلي حضور رواية غنائية في مدينة ميلانو في إيطاليا فقال لي : ( لو دعوتني إلي زيارة جحيم دانتي لذهبت معك مسروراً ولكني لا أستطيع الجلوس في مكان يحظرون فيه عليَ استبقاء عمامتي وتدخين اللفائف).

أجل يعجبني أن أرى الشرقي متمسكاً ببعض مزاعمه قابضاً ولو على ظل من ظلال عاداته القومية .
ولكن إعجابي هذا لا ولن يمحو ما وراءه من الحقائق الخشنة المستتبـّة المتشبثة بذاتية الشرف ومنازع الشرق ومزاعم الشرق .
ولو فكر ذاك الأديب الذي أستصعب خلع طربوشه في الباخرة الإفرنجية بأن ذلك الطربوش الشريف قد صنع في معمل إفرنجي هان عليه خلع في أي مكان في أيـّة باخرة إفرنجية.

لو فكر أديبنا بأن الاستقلال الشخصي في الأمور الصغيرة كان وسيكون رهن الاستقلال الفني والاستقلال الصناعي، وهما كبيران، لخلع طربوشه متمثلاً صامتاً.
لو فكـّر صاحبنا بأن الأمة المستعبدة بروحها وعقليتها لا تستطيع أن تكون حرّة بملابسها وعاداتها.
لو فكر بذلك لما كتب مقاله معترضاً .
لو فكر أديبنا بأن جدّه السوري كان يبحر إلي مصر على ظهر مركب سوري مرتدياً ثوباً غزلته وحاكته وخاطته الأيدي السورية لما تردي بطلنا الحر إلاّ بالملابس المصنوعة في بلاده ولما ركب سوى سفينة سوريّه ذات ربّان سوري وبحاّرة سوريين.
مصاب أديبنا الشجاع أنّه قد اعترض على النتائج ولم يحفل بالأسباب فتناولته الأعراض قبل أن يستميله الجوهر، وهذا شأن أكثر الشرقيين الذين يأبون أن يكونوا شرقّيين إلاّ بتوافه الأمور وصغائرها مع أنّهم يفاخرون بما اقتبسوه من الغربيين مما ليس بتافه أو صغير.
أقول لأديبنا وأقول لجميع المتطربشين : ألا فاصنعوا طرابيشكم بيدكم ثم تخيروا في ما تفعلونه بطرابيشكم على ظهر الباخرة أو على قمّة الجبل أو في جوف الوادي .
وتعلم السماء أن هذه الكلمة أن هذه الكلمة لم تكتب في الطرابيش أو في شأن خلعها أو استبقائها على الرؤوس تحت السقوف أو تحت المجرّة . تعلم السماء أنّها كتبت في أمر أبعد من كل طربوش ، فوق كل رأس ، فوق كل جثة مختلجة.


من كتاب جبران خليل جبران البدائع والطرائف


_________
وأنت تتأمل بعض ما خطه جبران تتملكك رغبة جامحة في التعليق سرعان ما تتلاشى أفكارك
وترى مدى تواضع قدرتك على البيان عجزاً عن تسجيل كلمة تقتنع أنها جيده للموضوع
ولكن لعله يكفيك النقل وقل يدهشني وليقل آخر يعجبني وليقل ثالث يأسرني وليقل
رابع يطربني وليقل خامس . . . الخ

أبو عماد
15-07-2007, 08:36 AM
شكرا أخى محمد على هذا النقل الموفق لمقطوعة من الادب الرمزى يصورحالة من معاناتنا الابدية وما أجمل ا العبارة التى تقول :من لا يملك غذاءه لا يملك حريته . المحافظة على الرموز مطلوب وليتنا نصنع الرموز

المنار 2000
15-07-2007, 08:42 AM
شكرآ الأستاذ محمد على هذا الموضوع
وبالتوفيق للجميع