المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصيدة ياقــــــــــــدس للدكتور عبدالرحمن العشماوي



الجهني
09-01-2003, 10:54 PM
اخواني هذه القصيدة للشاعر الدكتور / عبدالرحمن العشماوي بعنوان ياقدس


ما كلُّ مَنْ نطقوا الحروفَ أبانوا = فلقد يَذوبُ بما يقولُ لسانُ
لغة الوفاءِ شريفةٌ كلماتُها = فيها عن الحبِّ الأصيلِ بَيانُ
يسمو بها صدقُ الشعور إلى الذُّرا = ويزُفُّ عِطْرَ حروفها الوجدانُ
لغةٌ تَرَقْرَقَ في النفوس جمالُها = وتألَّقتْ بجلالها الأَذهانُ
يجري بها شعري إليكم مثلما = يجري إلى المتفضِّل العِرْفانُ
لغةُ الوفاء، ومَنْ يجيد حروفَها = إلا الخبير الحاذق الفنَّانُ؟
أرسلتُها شعراً يُحاط بموكبٍ = من لهفتي، وتزفُّه الألحانُ
ويزفُّه صدقُ الشعور وإِنَّما = بالصدق يرفع نفسَه الإِنسانُ
أرسلتُ شعري والسَّفينةُ لم تزلْ = في البحر، حار بأمرها الرُّبَّانُ
والقدس أرملةٌ يلفِّعها الأسى = وتُميت بهجةَ قلبها الأحزانُ
شلاَّلُ أَدْمُعِها على دفَقاته = ثار البخار فغامت الأَجفانُ
حسناءُ صبَّحها العدوُّ بمدفعٍ = تَهوي على طلقاته الأركانُ
أَدْمَى مَحاجرها الرَّصاص ولم تزلْ = شمَّاءَ ضاق بصبرها العُدوانُ
لْقَى إليها السَّامريُّ بعجله = وبذاتِ أَنواطٍ زَهَا الشَّيْطَانُ
نَسي المكابرُ أنَّ عِجْلَ ضلالِه = سيذوب حين َتَمُّسه النيرانُ
حسناءُ، داهمَها الشِّتاءُ، ودارُها = مهدومةٌ، ورضيعُها عُريانُ
وضَجيج غاراتِ العدوِّ يَزيدها = فَزَعاً تَضَاعف عنده الَخَفقانُ
بالأمسِ ودَّعها ابنُها وحَليلُها = وابنُ اْختها وصديقُه حسَّانُ
واليوم صبَّحتِ المدافعُ حَيَّها = بلهيبها، فتفرَّق الجيرانُ
باتت بلا زوجٍ ولا إِبنٍ ولا = جارٍ يَصون جوارَها ويُصَانُ
يا ويحَها مَلَكتْ كنوزاً جَمَّة = وتَبيت يعصر قلبَها الِحرْمانُ
تَستطعم الجارَ الفقيرَ عشاءَها = ومتى سيُطعم غيرَه الُجوْعَانُ
صارتْ محطَّمةَ الرَّجاء، وإنَّما = برجائه يتقوَّت الإِنسانُ
يا قدسُ يا حسناءُ طال فراقُنا = وتلاعبتْ بقلوبنا الأَشجانُ
من أين نأتي، والحواجزُ بيننا: = ضَعْفٌ وفُرْقَةُ أُمَّةٍ وهَوانُ؟
من أين نأتي، والعدوُّ بخيله = وبرَجْلهِ، متحفِّزٌ يَقْظَانُ؟
ويَدُ العُروبةِ رَجْفَةٌ ممدودةٌ = للمعتدي وإشارةٌ وبَنانُ؟
ودُعاةُ كلِّ تقُّدمٍ قد أصبحوا = متأخرين، ثيابُهم أَدْرَانُ
متحدِّثون يُثَرْثِرُون أشدُّهم = وعياً صريعٌ للهوى حَيْرانُ
رفعوا شعارَ تقدُّمٍ، ودليلُهم = لِينينُ أو مِيشيلُ أو كاهانُ
ومن التقدُّم ما يكون تخلُّفاً = لمَّا يكون شعارَه العصيانُ
أين الذين تلثَّموا بوعودهم = أين الذين تودَّدوا وأَلانوا؟
لما تزاحمت الحوائجُ أصبحوا = كرؤى السَّراب تضمَّها القيعانُ
كرؤى السَّرابِ، فما يؤمِّل تائهٌ = منها، وماذا يطلب الظمآنُ؟
يا قدس، وانتفض الخليلُ وغَزَّةٌ = والضِّفتان وتاقت الجولانُ
وتلفَّت الأقصى، وفي نظراته = أَلَمٌ وفي ساحاته غَلَيانُ
يا قُدس، وانبهر النِّداءُ ولم يزلْ = للجرح فيها جَذْوةٌ ودُخانُ
يا قدس، وانكسرتْ على أهدابها = نَظَراتُها وتراخت الأَجفانُ
يا قُُدْسُ، وانحسر اللِّثام فلاحَ لي = قمرٌ يدنِّس وجهَه استيطانُ
ورأيتُ طوفانَ الأسى يجتاحُها = ولقد يكون من الأسى الطوفانُ
كادت تفارق مَنْ تحبُّ ويختفي = عن ناظريها العطف والتَّحنانُ
لولا نَسائمُ من عطاءِ أحبَّةٍ = رسموا الوفاءَ ببذلهم وأعانوا
سَعِدَتْ بما بذلوا، وفوقَ لسانها = نَبَتَ الدُّعاءُ وأَوْرَقَ الشُّكرانُ
لكأنني بالقدس تسأل نفسَها = من أين هذا الهاطلُ الَهتَّانُ؟
من أين هذا البذلُ، ما هذا النَّدى = يَهمي عليَّ، ومَنْ هُم الأَعوانُ؟
هذا سؤال القدس وهي جريحةٌ = تشكو، فكيف نُجيب يا سَلْمانُ؟
ستقول، أو سأقول، ما هذا الندى = إلاَّ عطاءٌ ساقه المَنَّانُ
هذا النَّدى، بَذْلُ الذين قلوبُهم = بوفائها وحنانها تَزْدَانُ
أبناءُ هذي الأرض فيها أَشرقتْ = حِقَبُ الزمان، وأُنزِل القرآنُ
صنعوا وشاح المجد من إِيمانهم = نعم الوشاحُ ونِعْمَتِ الأَلوانُ
وتشرَّف التاريخ حين سَمَتْ به = أخبارُهم، وتوالت الأَزمانُ
في أرضنا للناس أكبرُ شاهدٍ = دينٌ ودنيا، نعمةٌ وأَمانُ
هي دوحةُ ضَمَّ الحجازُ جذورَها = ومن الرياض امتدَّت الأَغصانُ
الأصل مكةُ، والمهاجَرُ طَيْبةٌ = والقدسُ رَوْضُ عَراقةٍ فَيْنَانُ
شيمُ العروبة تلتقي بعقيدةٍ = فيفيض منها البَذْلُ والإحسانُ
للقدس عُمْقٌ في مشاعر أرضنا = شهدتْ به الآكامُ والكُثْبانُ
شهدت به آثارُ هاجرَ حينما = أصغتْ لصوت رضيعها الوُديانُ
شهدت به البطحاء وهي ترى الثرى = يهتزُّ حتى سالت الُحْلجانُ
ودعاءُ إبراهيمَ ينشر عطره = في الخافقين، وقلبُه اطمئنان
هذي الوشائج بين مهبط وحينا = والمسجد الأقصى هي العنوانُ
هو قِبلةٌ أُولى لأمتنا التي = خُتمت بدين نبيِّها الأديانُ
أوَ لَمْ يقل عبدالعزيز وقد رأى = كيف الْتقى الأحبار والرُّهبانُ
وأقام بلْفُورُ الهياكلَ كلَّها = للغاصبين وزمجر البُركان
وتنمَّر الباغي وفي أعماقه = حقدٌ، له في صدره هَيجَانُ
وتقاطرتْ من كلِّ صَوْبٍ أنْفُسٌ = منها يفوح البَغْيُ والطغيانُ
وفدوا إلى القدس الشريف، شعارهم = طَرْدُ الأصيل لتخلوَ الأوطانُ
وفد اليهود أمامهم أحقادهم = ووراءهم تتحفَّرُ الصُّلبان
أوَ لم يقل عبدالعزيز، وذهنُه = متوقدٌ، ولرأيه رُجْحَانُ
وحُسام توحيد الجزيرة لم يزلْ = رَطْباً، يفوح بمسكه الميدانُ
في حينها نَفضَ الغُبارَ وسجَّلَتْ = عَزَماتِه الدَّهناءُ والصُّمَّانُ
أوَ لم يَقُلْ، وهو الخبيرُ وإِنما = بالخبرةِ العُظْمى يقوم كيانُُ:
مُدُّوا يدَ البَذْلِ الصحيحةَ وادعموا = شعبَ الإِباءَ فإنهم فُرْسَانُ
شَعْبٌ، فلسطينُ العزيزةُ أَنبتتْ = فيه الإباءَ فلم يُصبْه هَوانُ
شَعْبٌ إذا ذُكر الفداءُ بَدا له = عَزْمٌ ورأيٌ ثاقبٌ وسنانُ
شعبٌ إذا اشتدَّتْ عليه مُصيبةٌ = فالخاسرانِ اليأسُ والُخذلاُن
لا تُخرجوهم من مَكامنِ أرضهم = فخروجُهم من أرضهم خُسران
هي حكمةٌ بدويَّة ما أدركتْ = أَبعادَها في حينها الأَذهانُ
يا قُدْسُ لا تَأْسَي ففي أجفاننا = ظلُّ الحبيبِ، وفي القلوبِ جِنانُ
مَنْ يخدم الحرمين يأَنَفُ أنْ يرى = أقصاكِ في صَلَفِ اليَهودِ يُهانُ
يا قُدسُ صبراً فانتصاركِ قادمٌ = واللِّصُّ يا بَلَدَ الفداءِ جَبَانُ
حَجَرُ الصغير رسالةٌ نُقِلَتْ على = ثغر الشُّموخ فأصغت الأكوانُ
ياقدسُ، وانبثق الضياء وغرَّدتْ = أَطيارُها وتأنَّقَ البستانُ
يا قدس، والتفتتْ إِليَّ وأقسمتْ = وبربنا لا تحنَثُ الأَيمانُ
واللّهِ لن يجتازَ بي بحرَ الأسى = إلاَّ قلوبٌ زادُها القرآنُ



منقول من ديون الشاعر