الشاهين
16-06-2007, 09:59 PM
أحمد بن عثمان بن عبدالعزيز التويجري الحياة - 16/06/07//
كان - رحمه الله - أباً وأخاً أكبرَ ومعلّماً وصديقاً لا يدّعي لنفسهِ على رغم محامده الكثيرة إلا محبَّةَ من يُحب. أحببتُهُ حباً كتمتُ كثيراً منهُ عنهُ، خشيةَ أن أحُمّلهُ أكثرَ مما هو متحمّلٌ، وأحبّني حبّاً طالما شعرتُ بتأنيبِ الضميرِ لتقصيري في أداءِ ما يجبُ تجاهه.
كلّ من عرفَهُ عن قربٍ أدرك بلا عناءٍ أن من أعظمَ ما وهبهُ الله، إنسانيّتَهُ وعطفَهُ على الضعفاء. كان ينتشي إذا تمكن من مدِّ يدِ العونِ لأيّ أحدٍ، وكان لا يبوحُ بما يفعلُ إلا لِمن يرغبُ في أن يعلّمهم ويربيهم بفعله. كان يتألمُ لآلامِ المتألمينَ ويئنُ لأنينِ المستضعفين، وكانت دموعُهُ قريبةً في ساعاتِ العطفِ على رغم بلوغِ همّتِهِ أقاصى المجرّات.
منحه الله سعةَ صدرٍ لا حدودَ لها خصوصاً مع ذوي القربى والبسطاء، كما منحه قدرةً على معرفةِ الناسِ وإنزالِهِمْ منازِلَهُم ، وكم أحبّوهُ جميعاً على اختلافِ مشارِبِهِم وتنوّعِ اهتماماتِهِم. لم تُلْهِهِ الشهواتُ ولم تشغلهُ الملذاتُ عن طلبِ المعالي، فكان جلُّ وقتِهِ منصرفاً لما يمكثُ في الأرضِ وينفعُ النَّاس. كان يعرفُ للعلماءِ قدرَهَم ومكانَتَهم، ولأهلِ التقوى ما يليقُ بهم من مودةٍ وإجلال، وكان يحبُّ المفكرين وأهل الرأي، مثلما كان يأنَسُ للأدباءِ والشعراء. مَجَالسُه كانت منتدياتٍ عامرةً بالعلمِ والفكرِ والأدب، وكان لا يفوّتُ فرصةً فيها للدفاعِ عن المملكةِ والإشادةِ بالأفذاذِ من قادَتِهَا. لم يكن متزلفاً ولا مُبتَذلاً في ذلك، وإنّما كان سياسيّاً بارعاً وشاهداً صادقاً على عصرِه. كان لا يملُّ الحديثَ عن الملك عبدالعزيز رحمه الله ولا عن أميرِه وفارسِهِ ورفيقِ عُمرهِ عبدالله بن عبدالعزيز.
حضرتُ مجالسَ كثيرةَ له - رحمه اللهُ - داخلَ المملكةِ وخارجها، التقى فيها كثيراً من مناوئي المملكةِ ومخالفيها الموقفَ والرأي، فاستطاعَ خلال ساعاتٍ تحقيقَ ما لم تحققه سفاراتٌ وهيئاتٌ خلال شهورٍ وسنوات. كانت بساطتُهُ مطيّتَه إلى قلوبِ الناسِ وعقولِهِم، يستوي في ذلك العالمُ والجاهلُ والغنيُّ والفقيرُ والكبيرُ والصغير.
كان مخلصاً لوطنه يغار على حرماته ويتألم لآلامه ويفرح لإنجازاته. كانت الوطنيّة معياراً مهماً في تقويمه للآخرين. وبقدر ما كان وطنياً كان قومياً من الطراز الرفيع. لم تفقده قوميته انتماءه الوطني ولا هويته الدينية وإنما كان يرى العروبة وعاء للإسلام لا قيمة لها بدونه، ولا إمكانية لفصله عنها. كان يعرف قيمة تحوّل مجتمع المملكة من التشرذم إلى الوحدة ومن الفوضى إلى الاستقرار، ومن الخوف إلى الأمن، ومن التخلف إلى المدنية، فكان لا يفتأ يذكّر بذلك، ويحذّر من عدم إدراك هذه النعمة ومعرفة حجمها، ولطالما قرأ على مجالسيه شيئاً مما كتبه العلماء والمفكرون والأدباء والشعراء عن تلك الحقبة. كان لا يعرف الحقدَ ولا يحمِلُهُ ، فقد امتلأ قلبُهُ بالحبِ، فشغله عن كلِّ شيءٍ سواه. آمن بقوّتِهِ وتأثيرِهِ، بل كان يعتقد جازماً أنه أنقى وأقربَ السُّبُلِ إلى اللهِ عزّ وجلّ.
رحمك الله يا والدي أبا عبدالمحسن وأسكنك أعلى المنازل في الجنان، وأحسن عزاء الملك عبدالله بن عبدالعزيز وعزاء المملكة فيك، وعوضنا وعوض المملكة فيك خيراً، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
أَجَلْ لِفَقْدِكَ سَاوى عَيْشَنَا العَدَمُ=فلا سلو ولاأنس ولانغمُ
وَلا مُنَىً تُشْـتَهَى كَلّا وَلا مُـتَع=رَفِيقَ شَيْـــخِ القَوَافِي أيَّ قَافِيَةٍ
وَأيُّ قَوْلٍ سَــــيَشْفِي مَا تُكَابِدُهُ=وَأيُّ قَـافِـيَةٍ بِكْرٍ سَتَحْـمِلُنِي
رَحَلْتَ يَا سَــيِّدِي أَوَّاهُ كَمْ كَبِدٍ=وَكَمْ مُخَــبّأةٍ لا الــنَّاسُ تَعْرِفُهَا
وَكَمْ أَدِيبٍ جَــفَاهُ النّـاسُ ظَلَّلَهُ=رغم المشقة منك الجود والكرم
يَاسَيّدِي مَنْ سَنَبْكِي ؟ سِرَّ بَهْجَتِنَا ؟=ام نورنا إن تداعت الظلمُ
وَمَنْ نُـوَدِّعُ؟ دُنْيَانَا بَأكْمَــلِهَا ؟=ام كل مُشرق فكر فيك يحتدم
رَحَلْتَ ! لا والذي سَوَّاكَ بَلْ رَحَلَتْ=كل الشهامة والاحسان والشيمُ
رَحَلْتَ يَا سَيِّدِي وَالمُسْلِمُونَ قَذَىً=في الارض أعيا الناس أمرهم
رَحَلْتَ وَالعُرْبُ وَيْحَ العُرْبِ لا شِيَمٌ=تحمي الذمام ولاسيفُ ولاقلمُ
فِي الرَّافِدَيْنِ دِمَانَا نَحْنُ نَسْفُكُهَا= ونحتسي نخبها بغياً ونقتسمُ
وَلا حَيَاءٌ نُدَارِيهِ وَلا رَحِمٌ= ولاوفاء ولاعهـــــــــد ولاذمــــــــم
وَفِي فِلِسْطينَ لا الزّيتُونُ مُورِقَةٌ= اغصانهُ لا ولاتينُ ولاعنمُ
وَفِي ذُرَى الأرْزِ مَاَت الأرْزُ مُكتَئباً=الجهل في ساحة الميثاقُ والحكمُ
وَرُبَّ طّاهِرَةٍ كَادَ العُدَاةُ لَهَا=باتت تنادي ومافي الساح معتصمُ
أُولاءِ قَوْمُكَ يَا مَنْ رُمْتَ عِزَّهُمُ=لكم عصوك وكم خارت لهم همومُ
سَهِرْتَ لَيْلَكَ تَرْجُو فَجْرَهُمْ حُلُمَاً= هاقد رحلت ولما يشرق الحلمُ
رَفِيقَ شَيْخِ القَوَافِي وَالشُّجُونُ دُنَاً= ذكراك تملؤها والشوق والندمُ
كَمْ مَرّةٍ فِي مَغَانٍ أَنْتَ بَهْجَتُهَا=سرنا وحيدين والاشجار تضطرم
وَكَمْ على شَاطِئٍ هَيْمَاَن تَألَفُهُ=أنشدتك الضشعر والاقدارُ تبتسم
وَكَمْ طَرِبْتَ وَفِي بُرْدَيْكَ مَلْحَمَةٌ=من القصيد وكون كله حكم
تَقُولُ كَيْفَ يَشُكُّ النَّاسُ وَيْحَهُم=والحق آياته في الكون تذدحم
وَكَيْفَ يُلْحِدُ قَلْبٌ في تَقَلُّبِهِ=ذاق الهوى يا لجهل الناس كم ظلموا
تَقُولُ يا سيّدي والقلبُ مُنشَغِلٌ=بما تقول وجند الفكر تختصم
تَطُوفُ في مَلَكُوتِ اللهِ أنفُسُـنَا=وانت تسبقنا فيه وتقتحم
لقدْ عَرَفْتَ الهَوَى حَقّاً فَقُلْتَ لَنَا=إن الهوى ذروة الايمان لو علموا
رَفِيقَ شَيْخَ القَوافِي لَا تَلُمْ دَنِفَاً=ضاقت به بعدك الآفاق والأجم
وَطِبْ مَقَاماً لَدَى الرَّحْمَنِ يَا رَجُلاً=ماتت لميتته ياسيدي أمم
كان - رحمه الله - أباً وأخاً أكبرَ ومعلّماً وصديقاً لا يدّعي لنفسهِ على رغم محامده الكثيرة إلا محبَّةَ من يُحب. أحببتُهُ حباً كتمتُ كثيراً منهُ عنهُ، خشيةَ أن أحُمّلهُ أكثرَ مما هو متحمّلٌ، وأحبّني حبّاً طالما شعرتُ بتأنيبِ الضميرِ لتقصيري في أداءِ ما يجبُ تجاهه.
كلّ من عرفَهُ عن قربٍ أدرك بلا عناءٍ أن من أعظمَ ما وهبهُ الله، إنسانيّتَهُ وعطفَهُ على الضعفاء. كان ينتشي إذا تمكن من مدِّ يدِ العونِ لأيّ أحدٍ، وكان لا يبوحُ بما يفعلُ إلا لِمن يرغبُ في أن يعلّمهم ويربيهم بفعله. كان يتألمُ لآلامِ المتألمينَ ويئنُ لأنينِ المستضعفين، وكانت دموعُهُ قريبةً في ساعاتِ العطفِ على رغم بلوغِ همّتِهِ أقاصى المجرّات.
منحه الله سعةَ صدرٍ لا حدودَ لها خصوصاً مع ذوي القربى والبسطاء، كما منحه قدرةً على معرفةِ الناسِ وإنزالِهِمْ منازِلَهُم ، وكم أحبّوهُ جميعاً على اختلافِ مشارِبِهِم وتنوّعِ اهتماماتِهِم. لم تُلْهِهِ الشهواتُ ولم تشغلهُ الملذاتُ عن طلبِ المعالي، فكان جلُّ وقتِهِ منصرفاً لما يمكثُ في الأرضِ وينفعُ النَّاس. كان يعرفُ للعلماءِ قدرَهَم ومكانَتَهم، ولأهلِ التقوى ما يليقُ بهم من مودةٍ وإجلال، وكان يحبُّ المفكرين وأهل الرأي، مثلما كان يأنَسُ للأدباءِ والشعراء. مَجَالسُه كانت منتدياتٍ عامرةً بالعلمِ والفكرِ والأدب، وكان لا يفوّتُ فرصةً فيها للدفاعِ عن المملكةِ والإشادةِ بالأفذاذِ من قادَتِهَا. لم يكن متزلفاً ولا مُبتَذلاً في ذلك، وإنّما كان سياسيّاً بارعاً وشاهداً صادقاً على عصرِه. كان لا يملُّ الحديثَ عن الملك عبدالعزيز رحمه الله ولا عن أميرِه وفارسِهِ ورفيقِ عُمرهِ عبدالله بن عبدالعزيز.
حضرتُ مجالسَ كثيرةَ له - رحمه اللهُ - داخلَ المملكةِ وخارجها، التقى فيها كثيراً من مناوئي المملكةِ ومخالفيها الموقفَ والرأي، فاستطاعَ خلال ساعاتٍ تحقيقَ ما لم تحققه سفاراتٌ وهيئاتٌ خلال شهورٍ وسنوات. كانت بساطتُهُ مطيّتَه إلى قلوبِ الناسِ وعقولِهِم، يستوي في ذلك العالمُ والجاهلُ والغنيُّ والفقيرُ والكبيرُ والصغير.
كان مخلصاً لوطنه يغار على حرماته ويتألم لآلامه ويفرح لإنجازاته. كانت الوطنيّة معياراً مهماً في تقويمه للآخرين. وبقدر ما كان وطنياً كان قومياً من الطراز الرفيع. لم تفقده قوميته انتماءه الوطني ولا هويته الدينية وإنما كان يرى العروبة وعاء للإسلام لا قيمة لها بدونه، ولا إمكانية لفصله عنها. كان يعرف قيمة تحوّل مجتمع المملكة من التشرذم إلى الوحدة ومن الفوضى إلى الاستقرار، ومن الخوف إلى الأمن، ومن التخلف إلى المدنية، فكان لا يفتأ يذكّر بذلك، ويحذّر من عدم إدراك هذه النعمة ومعرفة حجمها، ولطالما قرأ على مجالسيه شيئاً مما كتبه العلماء والمفكرون والأدباء والشعراء عن تلك الحقبة. كان لا يعرف الحقدَ ولا يحمِلُهُ ، فقد امتلأ قلبُهُ بالحبِ، فشغله عن كلِّ شيءٍ سواه. آمن بقوّتِهِ وتأثيرِهِ، بل كان يعتقد جازماً أنه أنقى وأقربَ السُّبُلِ إلى اللهِ عزّ وجلّ.
رحمك الله يا والدي أبا عبدالمحسن وأسكنك أعلى المنازل في الجنان، وأحسن عزاء الملك عبدالله بن عبدالعزيز وعزاء المملكة فيك، وعوضنا وعوض المملكة فيك خيراً، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
أَجَلْ لِفَقْدِكَ سَاوى عَيْشَنَا العَدَمُ=فلا سلو ولاأنس ولانغمُ
وَلا مُنَىً تُشْـتَهَى كَلّا وَلا مُـتَع=رَفِيقَ شَيْـــخِ القَوَافِي أيَّ قَافِيَةٍ
وَأيُّ قَوْلٍ سَــــيَشْفِي مَا تُكَابِدُهُ=وَأيُّ قَـافِـيَةٍ بِكْرٍ سَتَحْـمِلُنِي
رَحَلْتَ يَا سَــيِّدِي أَوَّاهُ كَمْ كَبِدٍ=وَكَمْ مُخَــبّأةٍ لا الــنَّاسُ تَعْرِفُهَا
وَكَمْ أَدِيبٍ جَــفَاهُ النّـاسُ ظَلَّلَهُ=رغم المشقة منك الجود والكرم
يَاسَيّدِي مَنْ سَنَبْكِي ؟ سِرَّ بَهْجَتِنَا ؟=ام نورنا إن تداعت الظلمُ
وَمَنْ نُـوَدِّعُ؟ دُنْيَانَا بَأكْمَــلِهَا ؟=ام كل مُشرق فكر فيك يحتدم
رَحَلْتَ ! لا والذي سَوَّاكَ بَلْ رَحَلَتْ=كل الشهامة والاحسان والشيمُ
رَحَلْتَ يَا سَيِّدِي وَالمُسْلِمُونَ قَذَىً=في الارض أعيا الناس أمرهم
رَحَلْتَ وَالعُرْبُ وَيْحَ العُرْبِ لا شِيَمٌ=تحمي الذمام ولاسيفُ ولاقلمُ
فِي الرَّافِدَيْنِ دِمَانَا نَحْنُ نَسْفُكُهَا= ونحتسي نخبها بغياً ونقتسمُ
وَلا حَيَاءٌ نُدَارِيهِ وَلا رَحِمٌ= ولاوفاء ولاعهـــــــــد ولاذمــــــــم
وَفِي فِلِسْطينَ لا الزّيتُونُ مُورِقَةٌ= اغصانهُ لا ولاتينُ ولاعنمُ
وَفِي ذُرَى الأرْزِ مَاَت الأرْزُ مُكتَئباً=الجهل في ساحة الميثاقُ والحكمُ
وَرُبَّ طّاهِرَةٍ كَادَ العُدَاةُ لَهَا=باتت تنادي ومافي الساح معتصمُ
أُولاءِ قَوْمُكَ يَا مَنْ رُمْتَ عِزَّهُمُ=لكم عصوك وكم خارت لهم همومُ
سَهِرْتَ لَيْلَكَ تَرْجُو فَجْرَهُمْ حُلُمَاً= هاقد رحلت ولما يشرق الحلمُ
رَفِيقَ شَيْخِ القَوَافِي وَالشُّجُونُ دُنَاً= ذكراك تملؤها والشوق والندمُ
كَمْ مَرّةٍ فِي مَغَانٍ أَنْتَ بَهْجَتُهَا=سرنا وحيدين والاشجار تضطرم
وَكَمْ على شَاطِئٍ هَيْمَاَن تَألَفُهُ=أنشدتك الضشعر والاقدارُ تبتسم
وَكَمْ طَرِبْتَ وَفِي بُرْدَيْكَ مَلْحَمَةٌ=من القصيد وكون كله حكم
تَقُولُ كَيْفَ يَشُكُّ النَّاسُ وَيْحَهُم=والحق آياته في الكون تذدحم
وَكَيْفَ يُلْحِدُ قَلْبٌ في تَقَلُّبِهِ=ذاق الهوى يا لجهل الناس كم ظلموا
تَقُولُ يا سيّدي والقلبُ مُنشَغِلٌ=بما تقول وجند الفكر تختصم
تَطُوفُ في مَلَكُوتِ اللهِ أنفُسُـنَا=وانت تسبقنا فيه وتقتحم
لقدْ عَرَفْتَ الهَوَى حَقّاً فَقُلْتَ لَنَا=إن الهوى ذروة الايمان لو علموا
رَفِيقَ شَيْخَ القَوافِي لَا تَلُمْ دَنِفَاً=ضاقت به بعدك الآفاق والأجم
وَطِبْ مَقَاماً لَدَى الرَّحْمَنِ يَا رَجُلاً=ماتت لميتته ياسيدي أمم