الحُر
16-04-2007, 03:18 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه قصيدة رائعة لجبران خليل جبران، اعجبتني واحببت ان انقلها لكم (مع أنني قمت بحذف بعض الأبيات الغير لائقة بنا كمسلمين، وثانياً حتى لا تجرح ذوقنا العام) ...
أتمنى ان تحوز على اعجابكم
المواكب
الخير في الناس مصنوعٌ اذا جُبروا
و الشرُّ في الناس لا يفنى و إِن قبروا
و أكثر الناس آلاتٌ تحركها
أصابع الدهر يوماً ثم تنكسرُ
فلا تقولنَّ هذا عالم علمٌ
و لا تقولنَّ ذاك السيد الوَقُرُ
فأفضل الناس قطعانٌ يسير بها
صوت الرعاة و من لم يمشِ يندثر
ليس في الغابات راعٍ..لا ولافيها القطيعْ
فالشتا يمشي ولكن..لايُجاريهِ الربيعْ
خُلقَ الناس عبيداً..للذي يأْبى الخضوعْ
فإذا ماهبَّ يوماً..سائراً سار الجميعْ
أعطني النايَ وغنِّ.. فالغنا يرعى العقولْ
وأنينُ الناي أبقى.. من مجيدٍ وذليلْ
وماالحياةُ سوى نومٍ تراوده
احلامُ من بمرادِ النفس يأتمرُ
والسرُّ في النفس حزن النفس يسترهُ
فإِن تولىَّ فبالأفراحِ يستترُ
والسرُّ في العيشِ رغدُ العيشِ يحجبهُ
فإِن أُزيل توَّلى حجبهُ الكدرُ
فإن ترفعتَ عن رغدٍ وعن كدرِ
جاورتَ ظلَّ الذي حارت بهِ الفكرُ
ليس في الغابات حزنٌ.. لا ولا فيها الهمومْ
فإذا هبّ نسيمٌ..لم تجىءْ معه السمومْ
ليس حزن النفس الاَّ.. ظلُّ وهمٍ...لا يدومْ
وغيوم النفس تبدو.. من ثناياها النجومْ
أعطني الناي و غنِّ.. فالغنا يمحو المحنْ
وأنين الناي يبقى.. بعد أن يفنى الزمنْ
وقلَّ في الأرض مَن يرضى الحياة كما
تأتيهِ عفواً ولم يحكم بهِ الضجرْ
لذلك قد حوَّلوا نهر الحياة الى
أكواب وهمٍ اذا طافوا بها خدروا
فالناس ان شربوا سُرَّوا كأنهمُ
رهنُ الهوى وعَلىَ التخدير قد فُطروا
فذا يُعربدُ ان صلَّى وذاك اذا
اثرى وذلك بالاحلام يختمرُ
فالأرض خمارةٌ والدهر صاحبها
وليس يرضى بها غير الألى سكروا
فإن رأَيت اخا صحوٍ فقلْ عجباً
هل استظلَّ بغيم ممطر قمرُ
ليس في الغابات سكرٌ.. من مدامِ او خيالْ
فالسواقي ليس فيها.. غير اكسير الغمامْ
انما التخدير ُ ثديٌ.. وحليبٌ...للانامْ
فاذا شاخوا وماتوا..بلغوا سن الفطامْ
اعطني النايَ وغنِّ..فالغنا خير الشرابْ
وأنين الناي يبقى.. بعد أن تفنى الهضاب
والعدلُ في الأرضِ يُبكي الجنَّ لو سمعوا
بهِ ويستضحكُ الاموات لو نظروا
فالسجنُ والموتُ للجانين إن صغروا
والمجدُ والفخرُ والإثراءُ إن كبروا
فسارقُ الزهر مذمومٌ ومحتقرٌ
وسارق الحقل يُدعى الباسلُ الخطر
وقاتلُ الجسمِ مقتولٌ بفعلتهِ
وقاتلُ الروحِ لا تدري بهِ البشرُ
ليس في الغابات عدلٌ.. لا ولا فيها العقابْ
فاذا الصفصاف ألقى.. ظله فوق الترابْ
لا يقول السروُ هذي.. بدعةٌ ضدالكتابْ
انَّ عدلَ الناسِ ثلجُ.. إنْ رأتهُ الشمس ذابْ
اعطني الناي وغنِ..فالغنا عدلُ القلوبْ
وأنين الناي يبقى.. بعد أن تفنى الذنوبْ
والحقُّ للعزمِ والارواح ان قويتْ
سادتْ وإن ضعفتْ حلت بها الغيرُ
ففي العرينة ريحٌ ليس يقربهُ
بنو الثعالبِ غابَ الأسدُ أم حضروا
وفي الزرازير جُبن وهي طائرة
وفي البزاةِ شموخٌ وهي تحتضر
والعزامُ في الروحِ حقٌ ليس ينكره
عزمُ السواعد شاءَ الناسُ ام نكروا
فإن رأيتَ ضعيفاً سائداً فعلى
قوم اذا مارأَوا اشاههم نفروا
ليس في الغابات عزمٌ.. لا ولا فيها الضعيفْ
فإذا ما الأُسدُ صاحت.. لم تقلْ هذا المخيفْ
انَّ عزم الناس ظلٌّ.. في فضا الفكر يطوفْ
وحقوق الناس تبلى.. مثل اوراق الخريفْ
أعطني الناي وغنِّ.. فالغنا عزمُ النفوسْ
وأنينُ الناي يبقى.. بعد أن تفنى الشموسْ
والعلمُ في الناسِ سبلٌ بانَ أوَّلها
امَّا اواخرها فالدهرُ والقدرُ
وأفضلُ العلم حلمٌ ان ظفرت بهِ
وسرتَ ما بين ابناء الكرى سخروا
فان رأيتَ اخا الاحلام منفرداً
عن قومهِ وهو منبوذٌ ومحتقرُ
فهو النبيُّ وبُرد الغد يحجبهُ
عن أُمةٍ برداءِ الأمس تأتزرُ
وهو الغريبُ عن الدنيا وساكنها
وهو المهاجرُ لامَ الناس او عذروا
وهو الشديد وإن ابدى ملاينةً
وهو البعيدُ تدانى الناس ام هجروا
ليس في الغابات علمٌ.. لا ولا فيها الجهولْ
فاذا الأغصانُ مالتْ.. لم تقلْ هذا الجليلْ
انّ علمَ الناس طرَّا.. كضبابٍ في الحقولْ
فاذا الشمس اطلتْ.. من ورا آلافاقِ يزولْ
اعطني النايَ وغنِّ.. فالغنا خير العلومْ
وأنينُ الناي يبقى.. بعد أن تطفى النجومْ
والحرُّ في الأرض يبني من منازعهِ
سجناً لهُ وهو لايدري فيؤتسرْ
فان تحرَّر من ابناءِ بجدتهِ
يظلُّ عبداً لمن يهوى ويفتكرُ
فهو الاريب ولكن في تصلبهِ
حتى وللحقِّ بُطلٌ بل هو البطرُ
وهو الطليقُ ولكن في تسرُّعهِ
حتى الى اوجِ مجدٍ خالدٍ صِغرُ
ليس في الغابات حرٌّ.. لا ولا العبد الدميمْ
انما الأمجادُ سخفٌ .. وفقاقيعٌ تعومْ
فاذا ما اللوز القى.. زهره فوق الهشيمْ
لم يقلْ هذا حقيرٌ.. وانا المولى الكريمْ
اعطني الناي وغني.. فالغنا مجدٌ اثيلْ
وأنين الناي ابقى.. من زنيمٍ وجليلْ
والظرفُ في الناس تمويهٌ وأبغضهُ
ظرفُ الأولى في فنون آلاقتدا مهروا
من مُعجبٍ بأمورٍ وهو يجهلها
وليس فيها له نفعٌ ولا ضررُ
ومن عتيٍّ يرى في نفسهِ ملكاً
في صوتها نغمٌ في لفظها سُوَرُ
ومن شموخٍ غدت مرآتهُ فلكاً
وظلهُ قمراً يزهو و يزدهرُ
ليس في الغابات ظريف.. ظرفهُ ضعف الضئيلْ
فالصبا وهي...عليل.. مابها سقمُ العليلْ
انّ بالانهار طعماً.. مثل طعم السلسبيلْ
وبها هولٌ وعزمٌ.. يجرفُ الصلدَ الثقيلْ
اعطني الناي وغنِّ.. فالغنا ظرفُ الظريفْ
وأنين الناي ابقى...من رقيق و كثيفْ
والحبُّ في الناس أشكالٌ وأكثرها
كالعشب في الحقل لازهرٌ ولا ثمرُ
وأكثرُ الحبِّ مثلُ الراح ايسرهُ
يُرضي وأكثرهُ للمدمنِ الخطرُ
والحبُّ ان قادتِ الاجسامُ موكبهُ
الى فراش من الاغراض ينتحرُ
كأنهُ ملكٌ في الاسر معتقلٌ
يأبى الحياة وأعوان له غدروا
ليس في الغب خليعٌ.. يدَّعي نُبلَ الغرامْ
فاذا الثيران خارتْ.. لم تقلْ هذا الهيامْ
انَّ حبَّ الناس داءٌ.. بين حلمٍ وعظامْ
فاذا ولَّى شبابٌ.. يختفي ذاك السقامْ
اعطني النايَ وغنِّ.. فالغنا حبٌّ صحيحْ
وأنينُ الناي ابقى..من جميل ومليحْ
فان لقيتَ محباً هائماً كلفاً
في جوعهِ شبعٌ في وِردهِ الصدرُ
والناسُ قالوا هوَ المجنونُ ماذا عسى
يبغي من الحبِّ او يرجو فيصطبرُ
أَفي هوى تلك يستدمي محاجرهُ
وليس في تلك ما يحلو ويعتبرُ
فقلْ همُ البهمُ ماتوا قبل ماوُلدوا
أنَّى دروا كنهَ من يحيي وما اختبروا
ليس في الغابات عذلٌ.. لا ولا فيها الرقيبْ
فاذا الغزلانُ جُنّتْ.. اذ ترى وجه المغيبْ
لايقولُ النسرُ واهاً.. ان ذا شيءٌ عجيبْ
إنما العاقل يدعى.. عندنا الأمر الغريبْ
اعطني الناي وغنِّ..فالغنا خيرُ الجنون
وأنين الناي ابقى.. من حصيفٍ و رصينْ
وقل نسينا فخارَ الفاتحينَ وما
ننسى المجانين حتى يغمر الغمرُ
قد كان في قلب ذى القرنين مجزرةٌ
وفي حشاشةِ قيسِ هيكلٌ وقرُ
ففي انتصارات هذا غلبةٌ خفيتْ
وفي انكساراتِ هذا الفوزُ والظفرُ
والحبُّ في الروح لا في الجسم نعرفهُ
كالخمر للوحي لا للسكر ينعصرُ
ليس في الغابات ذكرٌ..غير ذكر العاشقينْ
فالأولى سادوا و مادوا.. وطغوا.. بالعالمين
اصبحوا مثل حروفٍ.. في أسامي المجرمينْ
فالهوى الفضّاح يدعى.. عندنا الفتح المبينْ
اعطني الناي وغنّ.. وانس ظلم الأقوياء
انماالزنبق كأسٌ.. للندى لا للدماء
وما السعادة في الدنيا سوى شبحٍ
يُرجى فإن صارَ جسماً ملهُ البشرُ
كالنهر يركض نحو السهل مكتدحاً
حتى اذا جاءَهُ يبطي ويعتكرُ
لم يسعد الناسُ الا في تشوُّقهمْ
الى المنيع فان صاروا بهِ فتروا
فإن لقيتَ سعيداً وهو منصرفٌ
عن المنيع فقل في خُلقهِ العبرُ
ليس في الغاب رجاءٌ.. لا ولا فيه المللْ
كيف يرجو الغاب جزءا.. وعَلىَ الكل حصلْ
و بما السعيُ بغابٍ.. أَملاً وهو الأملْ
انماالعيش رجاءً.. إِحدى هاتيك العللْ
اعطني النايَ وغنِّ.. فالغنا نارٌ ونورْ
وأنين الناي شوقٌ.. لايدانيهِ الفتور
وغايةُ الروح طيَّ الروح قد خفيتْ
فلا المظاهرُ تبديها ولا الصوَرُ
فذا يقول هي الأرواح إن بلغتْ
حدَّ الكمال تلاشت و انقضى الخبرُ
كأنما هي أثمار إذا نضجتْ
ومرَّتِ الريح يوماً عافها الشجرُ
وذا يقول هي الأجسام ان هجعت
لم يبقَ في الروح تهويمٌ ولا سمرُ
كأنما هي ظلٌّ في الغدير اذا
تعكر الماءُ ولّت ومَّحى الاثرُ
ضلَّ الجميع فلا الذرَّاتُ في جسدٍ
تُثوى ولا هي في الارواح تختضرُ
فما طوتْ شمألٌ اذيال عاقلةٍ
الاّ و مرَّ بها الشرقيْ فتنتشرُ
لم اجدْ في الغاب فرقاً.. بين نفس وجسدْ
فالهوا ماءٌ تهادى.. والندى ماءٌ ركدْ
والشذا زهرٌ تمادى.. والثرى زهرٌ جمدْ
وظلالُ الحورِ حورٌ.. ظنَّ ليلاً فرقدْ
اعطني النايَ وغنِّ.. فالغنا جسمٌ وروح
وأنينُ الناي ابقى.. من غبوق وصبوحْ
والجسمُ للروح رحمٌ تستكنُّ بهِ
حتى البلوغِ فتستعلى وينغمرُ
فهي الجنينُ وما يوم الحمام سوى
عهدِ المخاض فلا سقطٌ ولا عسرُ
لكن في الناس اشباحاً يلازمها
عقمُ القسيِّ التي ما شدَّها وترُ
فهي الدخيلةُ والأرواح ما وُلدت
من القفيل و لم يحبل بها المدرُ
وكم عَلَى الارض من نبتٍ بلا أَرجٍ
وكم علا الافقَ غيمٌ ما به مطرُ
ليس في الغاب عقيمٌ.. لا ولا فيها الدخيلْ
إنَّ في التمر نواةً..حفظت سر النخيلْ
وبقرص الشهد رمزٌ.. عن فقير وحقولْ
انما العاقرُ.. لفظ صيغ من معنى الخمولْ
اعطني الناي وغنِّ.. فالغنا جسمٌ يسيلْ
وأنينُ الناي ابقى.. من مسوخ ونغولْ
والموتُ في الأرض لابن الارض خاتمةٌ
وللأثيريّ فهو البدءُ والظفرُ
فمن يعانق في احلامهِ سحراً
يبقى ومن نامَ كل الليل يندثرُ
ومن يلازمُ ترباً حالَ يقظتهِ
يعانقُ التربَ حتى تخمد الزهرُ
فالموتُ كالبحر , مَنْ خفّت عناصره
يجتازه , وأخو الاثقال ينحدرُ
ليس في الغابات موتٌ.. لا ولا فيها القبور
فاذا نيسان ولىَّ.. لم يمتْ معهُ السرورْ
إنَّ هولِ الموت وهمٌ.. ينثني طيَّ الصدورْ
فالذي عاش ربيعاً.. كالذي عاش الدهورْ
اعطني الناي وغنِّ.. فالغنا سرُّ الخلود
وأنين الناي يبقى.. بعد ان يفنى الوجود
اعطني الناي وغنِّ.. وانس ما قلتُ وقلتَ
انما النطقُ هباءٌ.. فأفدني ما فعلتَ
هل اتخذتَ الغاب مثلي.. منزلا دون القصورْ
فتتبعت السواقي.. وتسلقتَ الصخورْ
هل تحممتَ بعطرٍ.. وتنشقت بنورْ
وشربت الفجر خمراً.. في كؤُوس من اثيرْ
هل جلست العصر مثلي.. بين جفنات العنبْ
والعناقيد تدلتْ.. كثريات الذهبْ
فهي للصادي عيونٌ.. ولمن جاع الطعامْ
وهي شهدٌ وهي عطرٌ.. ولمن شاءَ المدامْ
هل فرشتَ العشب ليلاً.. وتلحفتَ الفضا
زاهدا في ما سيأْتي.. ناسياً ماقد مضى
وسكوت الليل بحرٌ.. موجهُ في مسمعكْ
وبصدر الليل قلبٌ.. خافقٌ في مضجعكْ
اعطني الناي وغنِّ.. وانسَ داًْ ودواء
انماالناس سطورٌ.. كتبت لكن بماء
ليت شعري اي نفعٍ.. في اجتماع وزحامْ
وجدالٍ وضجيجٍ.. واحتجاجٍ وخصامْ
كلها انفاق خُلدٍ. وخيوط العنكبوتْ
فالذي يحيا بعجزٍ.. فهو في بطءٍ يموتْ
العيشُ في الغاب والأيام لو نُظمت
في قبضتي لغدت في الغاب تنتثر
لكن هو الدهرُ في نفسي له أَربٌ
فكلما رمتُ غاباً قامَ يعتذرُ
وللتقادير سبلٌ لا تغيرها
والناس في عجزهم عن قصدهم قصروا
هذه قصيدة رائعة لجبران خليل جبران، اعجبتني واحببت ان انقلها لكم (مع أنني قمت بحذف بعض الأبيات الغير لائقة بنا كمسلمين، وثانياً حتى لا تجرح ذوقنا العام) ...
أتمنى ان تحوز على اعجابكم
المواكب
الخير في الناس مصنوعٌ اذا جُبروا
و الشرُّ في الناس لا يفنى و إِن قبروا
و أكثر الناس آلاتٌ تحركها
أصابع الدهر يوماً ثم تنكسرُ
فلا تقولنَّ هذا عالم علمٌ
و لا تقولنَّ ذاك السيد الوَقُرُ
فأفضل الناس قطعانٌ يسير بها
صوت الرعاة و من لم يمشِ يندثر
ليس في الغابات راعٍ..لا ولافيها القطيعْ
فالشتا يمشي ولكن..لايُجاريهِ الربيعْ
خُلقَ الناس عبيداً..للذي يأْبى الخضوعْ
فإذا ماهبَّ يوماً..سائراً سار الجميعْ
أعطني النايَ وغنِّ.. فالغنا يرعى العقولْ
وأنينُ الناي أبقى.. من مجيدٍ وذليلْ
وماالحياةُ سوى نومٍ تراوده
احلامُ من بمرادِ النفس يأتمرُ
والسرُّ في النفس حزن النفس يسترهُ
فإِن تولىَّ فبالأفراحِ يستترُ
والسرُّ في العيشِ رغدُ العيشِ يحجبهُ
فإِن أُزيل توَّلى حجبهُ الكدرُ
فإن ترفعتَ عن رغدٍ وعن كدرِ
جاورتَ ظلَّ الذي حارت بهِ الفكرُ
ليس في الغابات حزنٌ.. لا ولا فيها الهمومْ
فإذا هبّ نسيمٌ..لم تجىءْ معه السمومْ
ليس حزن النفس الاَّ.. ظلُّ وهمٍ...لا يدومْ
وغيوم النفس تبدو.. من ثناياها النجومْ
أعطني الناي و غنِّ.. فالغنا يمحو المحنْ
وأنين الناي يبقى.. بعد أن يفنى الزمنْ
وقلَّ في الأرض مَن يرضى الحياة كما
تأتيهِ عفواً ولم يحكم بهِ الضجرْ
لذلك قد حوَّلوا نهر الحياة الى
أكواب وهمٍ اذا طافوا بها خدروا
فالناس ان شربوا سُرَّوا كأنهمُ
رهنُ الهوى وعَلىَ التخدير قد فُطروا
فذا يُعربدُ ان صلَّى وذاك اذا
اثرى وذلك بالاحلام يختمرُ
فالأرض خمارةٌ والدهر صاحبها
وليس يرضى بها غير الألى سكروا
فإن رأَيت اخا صحوٍ فقلْ عجباً
هل استظلَّ بغيم ممطر قمرُ
ليس في الغابات سكرٌ.. من مدامِ او خيالْ
فالسواقي ليس فيها.. غير اكسير الغمامْ
انما التخدير ُ ثديٌ.. وحليبٌ...للانامْ
فاذا شاخوا وماتوا..بلغوا سن الفطامْ
اعطني النايَ وغنِّ..فالغنا خير الشرابْ
وأنين الناي يبقى.. بعد أن تفنى الهضاب
والعدلُ في الأرضِ يُبكي الجنَّ لو سمعوا
بهِ ويستضحكُ الاموات لو نظروا
فالسجنُ والموتُ للجانين إن صغروا
والمجدُ والفخرُ والإثراءُ إن كبروا
فسارقُ الزهر مذمومٌ ومحتقرٌ
وسارق الحقل يُدعى الباسلُ الخطر
وقاتلُ الجسمِ مقتولٌ بفعلتهِ
وقاتلُ الروحِ لا تدري بهِ البشرُ
ليس في الغابات عدلٌ.. لا ولا فيها العقابْ
فاذا الصفصاف ألقى.. ظله فوق الترابْ
لا يقول السروُ هذي.. بدعةٌ ضدالكتابْ
انَّ عدلَ الناسِ ثلجُ.. إنْ رأتهُ الشمس ذابْ
اعطني الناي وغنِ..فالغنا عدلُ القلوبْ
وأنين الناي يبقى.. بعد أن تفنى الذنوبْ
والحقُّ للعزمِ والارواح ان قويتْ
سادتْ وإن ضعفتْ حلت بها الغيرُ
ففي العرينة ريحٌ ليس يقربهُ
بنو الثعالبِ غابَ الأسدُ أم حضروا
وفي الزرازير جُبن وهي طائرة
وفي البزاةِ شموخٌ وهي تحتضر
والعزامُ في الروحِ حقٌ ليس ينكره
عزمُ السواعد شاءَ الناسُ ام نكروا
فإن رأيتَ ضعيفاً سائداً فعلى
قوم اذا مارأَوا اشاههم نفروا
ليس في الغابات عزمٌ.. لا ولا فيها الضعيفْ
فإذا ما الأُسدُ صاحت.. لم تقلْ هذا المخيفْ
انَّ عزم الناس ظلٌّ.. في فضا الفكر يطوفْ
وحقوق الناس تبلى.. مثل اوراق الخريفْ
أعطني الناي وغنِّ.. فالغنا عزمُ النفوسْ
وأنينُ الناي يبقى.. بعد أن تفنى الشموسْ
والعلمُ في الناسِ سبلٌ بانَ أوَّلها
امَّا اواخرها فالدهرُ والقدرُ
وأفضلُ العلم حلمٌ ان ظفرت بهِ
وسرتَ ما بين ابناء الكرى سخروا
فان رأيتَ اخا الاحلام منفرداً
عن قومهِ وهو منبوذٌ ومحتقرُ
فهو النبيُّ وبُرد الغد يحجبهُ
عن أُمةٍ برداءِ الأمس تأتزرُ
وهو الغريبُ عن الدنيا وساكنها
وهو المهاجرُ لامَ الناس او عذروا
وهو الشديد وإن ابدى ملاينةً
وهو البعيدُ تدانى الناس ام هجروا
ليس في الغابات علمٌ.. لا ولا فيها الجهولْ
فاذا الأغصانُ مالتْ.. لم تقلْ هذا الجليلْ
انّ علمَ الناس طرَّا.. كضبابٍ في الحقولْ
فاذا الشمس اطلتْ.. من ورا آلافاقِ يزولْ
اعطني النايَ وغنِّ.. فالغنا خير العلومْ
وأنينُ الناي يبقى.. بعد أن تطفى النجومْ
والحرُّ في الأرض يبني من منازعهِ
سجناً لهُ وهو لايدري فيؤتسرْ
فان تحرَّر من ابناءِ بجدتهِ
يظلُّ عبداً لمن يهوى ويفتكرُ
فهو الاريب ولكن في تصلبهِ
حتى وللحقِّ بُطلٌ بل هو البطرُ
وهو الطليقُ ولكن في تسرُّعهِ
حتى الى اوجِ مجدٍ خالدٍ صِغرُ
ليس في الغابات حرٌّ.. لا ولا العبد الدميمْ
انما الأمجادُ سخفٌ .. وفقاقيعٌ تعومْ
فاذا ما اللوز القى.. زهره فوق الهشيمْ
لم يقلْ هذا حقيرٌ.. وانا المولى الكريمْ
اعطني الناي وغني.. فالغنا مجدٌ اثيلْ
وأنين الناي ابقى.. من زنيمٍ وجليلْ
والظرفُ في الناس تمويهٌ وأبغضهُ
ظرفُ الأولى في فنون آلاقتدا مهروا
من مُعجبٍ بأمورٍ وهو يجهلها
وليس فيها له نفعٌ ولا ضررُ
ومن عتيٍّ يرى في نفسهِ ملكاً
في صوتها نغمٌ في لفظها سُوَرُ
ومن شموخٍ غدت مرآتهُ فلكاً
وظلهُ قمراً يزهو و يزدهرُ
ليس في الغابات ظريف.. ظرفهُ ضعف الضئيلْ
فالصبا وهي...عليل.. مابها سقمُ العليلْ
انّ بالانهار طعماً.. مثل طعم السلسبيلْ
وبها هولٌ وعزمٌ.. يجرفُ الصلدَ الثقيلْ
اعطني الناي وغنِّ.. فالغنا ظرفُ الظريفْ
وأنين الناي ابقى...من رقيق و كثيفْ
والحبُّ في الناس أشكالٌ وأكثرها
كالعشب في الحقل لازهرٌ ولا ثمرُ
وأكثرُ الحبِّ مثلُ الراح ايسرهُ
يُرضي وأكثرهُ للمدمنِ الخطرُ
والحبُّ ان قادتِ الاجسامُ موكبهُ
الى فراش من الاغراض ينتحرُ
كأنهُ ملكٌ في الاسر معتقلٌ
يأبى الحياة وأعوان له غدروا
ليس في الغب خليعٌ.. يدَّعي نُبلَ الغرامْ
فاذا الثيران خارتْ.. لم تقلْ هذا الهيامْ
انَّ حبَّ الناس داءٌ.. بين حلمٍ وعظامْ
فاذا ولَّى شبابٌ.. يختفي ذاك السقامْ
اعطني النايَ وغنِّ.. فالغنا حبٌّ صحيحْ
وأنينُ الناي ابقى..من جميل ومليحْ
فان لقيتَ محباً هائماً كلفاً
في جوعهِ شبعٌ في وِردهِ الصدرُ
والناسُ قالوا هوَ المجنونُ ماذا عسى
يبغي من الحبِّ او يرجو فيصطبرُ
أَفي هوى تلك يستدمي محاجرهُ
وليس في تلك ما يحلو ويعتبرُ
فقلْ همُ البهمُ ماتوا قبل ماوُلدوا
أنَّى دروا كنهَ من يحيي وما اختبروا
ليس في الغابات عذلٌ.. لا ولا فيها الرقيبْ
فاذا الغزلانُ جُنّتْ.. اذ ترى وجه المغيبْ
لايقولُ النسرُ واهاً.. ان ذا شيءٌ عجيبْ
إنما العاقل يدعى.. عندنا الأمر الغريبْ
اعطني الناي وغنِّ..فالغنا خيرُ الجنون
وأنين الناي ابقى.. من حصيفٍ و رصينْ
وقل نسينا فخارَ الفاتحينَ وما
ننسى المجانين حتى يغمر الغمرُ
قد كان في قلب ذى القرنين مجزرةٌ
وفي حشاشةِ قيسِ هيكلٌ وقرُ
ففي انتصارات هذا غلبةٌ خفيتْ
وفي انكساراتِ هذا الفوزُ والظفرُ
والحبُّ في الروح لا في الجسم نعرفهُ
كالخمر للوحي لا للسكر ينعصرُ
ليس في الغابات ذكرٌ..غير ذكر العاشقينْ
فالأولى سادوا و مادوا.. وطغوا.. بالعالمين
اصبحوا مثل حروفٍ.. في أسامي المجرمينْ
فالهوى الفضّاح يدعى.. عندنا الفتح المبينْ
اعطني الناي وغنّ.. وانس ظلم الأقوياء
انماالزنبق كأسٌ.. للندى لا للدماء
وما السعادة في الدنيا سوى شبحٍ
يُرجى فإن صارَ جسماً ملهُ البشرُ
كالنهر يركض نحو السهل مكتدحاً
حتى اذا جاءَهُ يبطي ويعتكرُ
لم يسعد الناسُ الا في تشوُّقهمْ
الى المنيع فان صاروا بهِ فتروا
فإن لقيتَ سعيداً وهو منصرفٌ
عن المنيع فقل في خُلقهِ العبرُ
ليس في الغاب رجاءٌ.. لا ولا فيه المللْ
كيف يرجو الغاب جزءا.. وعَلىَ الكل حصلْ
و بما السعيُ بغابٍ.. أَملاً وهو الأملْ
انماالعيش رجاءً.. إِحدى هاتيك العللْ
اعطني النايَ وغنِّ.. فالغنا نارٌ ونورْ
وأنين الناي شوقٌ.. لايدانيهِ الفتور
وغايةُ الروح طيَّ الروح قد خفيتْ
فلا المظاهرُ تبديها ولا الصوَرُ
فذا يقول هي الأرواح إن بلغتْ
حدَّ الكمال تلاشت و انقضى الخبرُ
كأنما هي أثمار إذا نضجتْ
ومرَّتِ الريح يوماً عافها الشجرُ
وذا يقول هي الأجسام ان هجعت
لم يبقَ في الروح تهويمٌ ولا سمرُ
كأنما هي ظلٌّ في الغدير اذا
تعكر الماءُ ولّت ومَّحى الاثرُ
ضلَّ الجميع فلا الذرَّاتُ في جسدٍ
تُثوى ولا هي في الارواح تختضرُ
فما طوتْ شمألٌ اذيال عاقلةٍ
الاّ و مرَّ بها الشرقيْ فتنتشرُ
لم اجدْ في الغاب فرقاً.. بين نفس وجسدْ
فالهوا ماءٌ تهادى.. والندى ماءٌ ركدْ
والشذا زهرٌ تمادى.. والثرى زهرٌ جمدْ
وظلالُ الحورِ حورٌ.. ظنَّ ليلاً فرقدْ
اعطني النايَ وغنِّ.. فالغنا جسمٌ وروح
وأنينُ الناي ابقى.. من غبوق وصبوحْ
والجسمُ للروح رحمٌ تستكنُّ بهِ
حتى البلوغِ فتستعلى وينغمرُ
فهي الجنينُ وما يوم الحمام سوى
عهدِ المخاض فلا سقطٌ ولا عسرُ
لكن في الناس اشباحاً يلازمها
عقمُ القسيِّ التي ما شدَّها وترُ
فهي الدخيلةُ والأرواح ما وُلدت
من القفيل و لم يحبل بها المدرُ
وكم عَلَى الارض من نبتٍ بلا أَرجٍ
وكم علا الافقَ غيمٌ ما به مطرُ
ليس في الغاب عقيمٌ.. لا ولا فيها الدخيلْ
إنَّ في التمر نواةً..حفظت سر النخيلْ
وبقرص الشهد رمزٌ.. عن فقير وحقولْ
انما العاقرُ.. لفظ صيغ من معنى الخمولْ
اعطني الناي وغنِّ.. فالغنا جسمٌ يسيلْ
وأنينُ الناي ابقى.. من مسوخ ونغولْ
والموتُ في الأرض لابن الارض خاتمةٌ
وللأثيريّ فهو البدءُ والظفرُ
فمن يعانق في احلامهِ سحراً
يبقى ومن نامَ كل الليل يندثرُ
ومن يلازمُ ترباً حالَ يقظتهِ
يعانقُ التربَ حتى تخمد الزهرُ
فالموتُ كالبحر , مَنْ خفّت عناصره
يجتازه , وأخو الاثقال ينحدرُ
ليس في الغابات موتٌ.. لا ولا فيها القبور
فاذا نيسان ولىَّ.. لم يمتْ معهُ السرورْ
إنَّ هولِ الموت وهمٌ.. ينثني طيَّ الصدورْ
فالذي عاش ربيعاً.. كالذي عاش الدهورْ
اعطني الناي وغنِّ.. فالغنا سرُّ الخلود
وأنين الناي يبقى.. بعد ان يفنى الوجود
اعطني الناي وغنِّ.. وانس ما قلتُ وقلتَ
انما النطقُ هباءٌ.. فأفدني ما فعلتَ
هل اتخذتَ الغاب مثلي.. منزلا دون القصورْ
فتتبعت السواقي.. وتسلقتَ الصخورْ
هل تحممتَ بعطرٍ.. وتنشقت بنورْ
وشربت الفجر خمراً.. في كؤُوس من اثيرْ
هل جلست العصر مثلي.. بين جفنات العنبْ
والعناقيد تدلتْ.. كثريات الذهبْ
فهي للصادي عيونٌ.. ولمن جاع الطعامْ
وهي شهدٌ وهي عطرٌ.. ولمن شاءَ المدامْ
هل فرشتَ العشب ليلاً.. وتلحفتَ الفضا
زاهدا في ما سيأْتي.. ناسياً ماقد مضى
وسكوت الليل بحرٌ.. موجهُ في مسمعكْ
وبصدر الليل قلبٌ.. خافقٌ في مضجعكْ
اعطني الناي وغنِّ.. وانسَ داًْ ودواء
انماالناس سطورٌ.. كتبت لكن بماء
ليت شعري اي نفعٍ.. في اجتماع وزحامْ
وجدالٍ وضجيجٍ.. واحتجاجٍ وخصامْ
كلها انفاق خُلدٍ. وخيوط العنكبوتْ
فالذي يحيا بعجزٍ.. فهو في بطءٍ يموتْ
العيشُ في الغاب والأيام لو نُظمت
في قبضتي لغدت في الغاب تنتثر
لكن هو الدهرُ في نفسي له أَربٌ
فكلما رمتُ غاباً قامَ يعتذرُ
وللتقادير سبلٌ لا تغيرها
والناس في عجزهم عن قصدهم قصروا