المعلم
07-03-2007, 09:26 PM
عبده خال أي رقبة تتحمل كل هذا الدم..؟!
التقيت بأبي تهاني في الصباح الباكر.. هذا هو الاسم الذي يفاخر به وهو القبلي الذي لم يستبدله باسماء ابنائه الذكور وأبقى اسم ابنته البكر شارة لوجوده.
كلنا نناديه بأبي تهاني فيهش كحمامة وديعا محبا للجميع، طلابه الصغار يعشقون حصته كما يعشقون الغيم.
كان صباحا لايشي بشيء سوى تكرار الملل، صباح كبقية الصباحات المضجرة حين تجد أن الحياة تسرقك عنوة، التقينا كالعادة، وتبادلنا تحية الصباح المألوفة، كان خارجا من ألم جرح اجتزأ مؤخرة قدمه ، ومع ارتفاع رنين جرس الحصة الثانية، تحامل على نفسه ساندا جسده بعكاز يقيم صلبه ومتوجها لحصته وفق جدوله اليومي..بدا أكثر هرما، وعيناه غير ثابتتين في مكانهما هل كان ينتظر الفجيعة؟
تلقيت في الحصة الخامسة تكليفا بملء فراغها، وبخط صغير قرأت أسفل التكليف: حدث لزميلكم أبو تهاني ظرف طارىء يرجى أن تحل محله.
كانت مشيته الصباحية وتوكأه على عكازه وعيناه الزائغتان المنتظرتان لفجيعة ستحل بهما مثبطة لتبرمي من الحصص الاحتياطية.
انتهى اليوم صاخبا بصيحات الاطفال وشغبهم، وانعتقنا من أجواء المدرسة المكتظ بالزحام والصراخ والتحذيرات والتوجيهات، وعدنا الى مساكننا استعدادا ليوم مقبل يعاد فيه كل ما يحدث يوميا داخل المدارس.
لكن أبا تهاني لم يعد الى بيته..كان على موعد مع الموت ، فتلك العينان الزائغتان من الصباح الباكر كانتا تنتظران موعداً فاجعاً وعليهما أن ترياه.
أبو تهاني تلقى خبرا عجل به لأن يتجه الى العيص حيث كان عليه أن يخرج تهاني من بين حطام الجمس الذي أودى بخمس معلمات في سن الزهور، تلك الزهور التي فرمها الحديد حتى غدت عصارة من دم.. ماتت تهاني، بينما كان أبوها يقف متوكئا على عكازه في مدرسة أخرى.
كنت أقرأ دوما عن حوادث المعلمات ويصيبني الكدر حينا وحينا اضرب كفا بكف لكل هذه الدماء المسفوكة على ممشى المعلمات وهن يتنقلن بين القرى والنجوع وبين الطرق السيئة لينتهي بهن المطاف قطعاً من لحم لانقدر على تكفينها.
في كل مرة تموت فيه معلمة أكون بعيدا عن معرفتها، إلا أن موت تهاني جعلني استشعر ان شيئا مني سرقته تلك الدروب الوعرة.
حوادث المعلمات غدت كارثة وطنية تنتجها وزارة التربية والتعليم ووزارة النقل والاسعاف وجهات مختلفة تشارك في مثل هذه الجرائم اليومية..ومع كل حادث مأساوي نسمع أن هناك حلولاً سوف تتبناها وزارة التربية والتعليم حتى اذا تيبس دم المعلمات على الطرق البعيدة والسيئة تنصّلت كل جهة عن دورها..ولايبقى من تلك الوعود سوى انتظار ماسأة كي يكون للتعازي معنى.
هناك حلول كثيرة كتبها الكتاب لصيانة دم بناتنا لكن من يسمع ؟
مشكلتي الآن أن يوم السبت سيأتي فيه الاستاذ حمادي القايدي إلى طابور الصباح كعادته فهل سأجرؤ على مناداته يا أبا تهاني.!
رحلت الوردة التي كان يزين بها اسمه، فليرحمها الله هي وزميلاتها ويكفي وزارة التربية والتعليم كل الدماء التي سفكت أم أن ذمتها لازالت قادرة على تحمل دماء جديدة.!!
التقيت بأبي تهاني في الصباح الباكر.. هذا هو الاسم الذي يفاخر به وهو القبلي الذي لم يستبدله باسماء ابنائه الذكور وأبقى اسم ابنته البكر شارة لوجوده.
كلنا نناديه بأبي تهاني فيهش كحمامة وديعا محبا للجميع، طلابه الصغار يعشقون حصته كما يعشقون الغيم.
كان صباحا لايشي بشيء سوى تكرار الملل، صباح كبقية الصباحات المضجرة حين تجد أن الحياة تسرقك عنوة، التقينا كالعادة، وتبادلنا تحية الصباح المألوفة، كان خارجا من ألم جرح اجتزأ مؤخرة قدمه ، ومع ارتفاع رنين جرس الحصة الثانية، تحامل على نفسه ساندا جسده بعكاز يقيم صلبه ومتوجها لحصته وفق جدوله اليومي..بدا أكثر هرما، وعيناه غير ثابتتين في مكانهما هل كان ينتظر الفجيعة؟
تلقيت في الحصة الخامسة تكليفا بملء فراغها، وبخط صغير قرأت أسفل التكليف: حدث لزميلكم أبو تهاني ظرف طارىء يرجى أن تحل محله.
كانت مشيته الصباحية وتوكأه على عكازه وعيناه الزائغتان المنتظرتان لفجيعة ستحل بهما مثبطة لتبرمي من الحصص الاحتياطية.
انتهى اليوم صاخبا بصيحات الاطفال وشغبهم، وانعتقنا من أجواء المدرسة المكتظ بالزحام والصراخ والتحذيرات والتوجيهات، وعدنا الى مساكننا استعدادا ليوم مقبل يعاد فيه كل ما يحدث يوميا داخل المدارس.
لكن أبا تهاني لم يعد الى بيته..كان على موعد مع الموت ، فتلك العينان الزائغتان من الصباح الباكر كانتا تنتظران موعداً فاجعاً وعليهما أن ترياه.
أبو تهاني تلقى خبرا عجل به لأن يتجه الى العيص حيث كان عليه أن يخرج تهاني من بين حطام الجمس الذي أودى بخمس معلمات في سن الزهور، تلك الزهور التي فرمها الحديد حتى غدت عصارة من دم.. ماتت تهاني، بينما كان أبوها يقف متوكئا على عكازه في مدرسة أخرى.
كنت أقرأ دوما عن حوادث المعلمات ويصيبني الكدر حينا وحينا اضرب كفا بكف لكل هذه الدماء المسفوكة على ممشى المعلمات وهن يتنقلن بين القرى والنجوع وبين الطرق السيئة لينتهي بهن المطاف قطعاً من لحم لانقدر على تكفينها.
في كل مرة تموت فيه معلمة أكون بعيدا عن معرفتها، إلا أن موت تهاني جعلني استشعر ان شيئا مني سرقته تلك الدروب الوعرة.
حوادث المعلمات غدت كارثة وطنية تنتجها وزارة التربية والتعليم ووزارة النقل والاسعاف وجهات مختلفة تشارك في مثل هذه الجرائم اليومية..ومع كل حادث مأساوي نسمع أن هناك حلولاً سوف تتبناها وزارة التربية والتعليم حتى اذا تيبس دم المعلمات على الطرق البعيدة والسيئة تنصّلت كل جهة عن دورها..ولايبقى من تلك الوعود سوى انتظار ماسأة كي يكون للتعازي معنى.
هناك حلول كثيرة كتبها الكتاب لصيانة دم بناتنا لكن من يسمع ؟
مشكلتي الآن أن يوم السبت سيأتي فيه الاستاذ حمادي القايدي إلى طابور الصباح كعادته فهل سأجرؤ على مناداته يا أبا تهاني.!
رحلت الوردة التي كان يزين بها اسمه، فليرحمها الله هي وزميلاتها ويكفي وزارة التربية والتعليم كل الدماء التي سفكت أم أن ذمتها لازالت قادرة على تحمل دماء جديدة.!!