المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : على درب التَّسنيدة : الخَيف (2)



مفوز الفواز
27-02-2007, 12:53 AM
{الخَيف}
2



القنوات الجالبة للماء والموزعة له



1- القنوات الجالبة للماء

القنوات الجالبة للماء تقع تحت سطح الأرض وهي نوعان ، قناة رئيسية يُقال لها القصب أو[صُلب الخيف] وهي جامعة المياه لتجري فيها حتى تخرج متدفقة كالنهر إلى خارج الأرض ، وهذه القنوات الداخلية لا تعتمد على رشح المياه فيها من باطن الأرض ، إنما الأساس فيه يبدأ من موقع يحتوي مخزون مياه غزيرة ، أكان ذلك محصوراً بين صخور الجبال ، أو في باطن الأرض مما جاور مجاري السيول ، وهذه الأماكن تكون مرتبطة بصلب الخيف ، وتسمى هذه الأماكن المحصور الماء فيها بالمنبع أو [ الرواة ] ومنها شُقت القناة [قصبة الخيف] الموصلة بينها والمكان المقترح لإقامة المزارع التي سوف تسقيها هذه العيون. والنوع الآخر قنوات ماصة راشحة للتربة تُسمى الروافد متفرعة على جانبي القصبة لِتدعَم هذا المنبع فتساعد في زيادة المياه من المناطق التي يمر بها قصبة الخيف .

تكوين قصب الخيف

يتكون قصب الخيف من قناة مبنية تحت الأرض وهي الجزء الأعظم وتسمى [القصبة] ولها فتحات تصلها مع سطح الأرض ليست متباعدة عن بعضها تسمى [ فِقير] جمعها أَفقُر وهي تختلف في أعماقها وِفق بُعد أو قرب القصب عن سطح الأرض ولهذا فالفِقير إما عادي وله [واقعة] واحدة ، أي فتحة واحدة تمكن العمال من الوقوع إلى القصب وهذه الفتحة مغطاة بحصاة يُقال لها [الخرزة] ، أو [مُطيَّر] أي له واقعتين ، أي فتحتان الأولى عند مستوى سطح الأرض والأخرى في منصفه ومنها يتم الوصول إلى القصب وهذا النوع لا يكون إلا في الأماكن المرتفعة من الأرض كالبيوت مثلاً إذا كان القصب ماراً من أسفلها. وعن طريق هذه الأفقر يتم النزول إلى داخل القصب لإجراء أعمال الصيانة أو النظافة وليتسرب الضوء والهواء إلى داخل القصب يُفتح اثنان منها أحدهما في أول العمل والآخر بعده .
وهناك أجزاء منحوتة وتُسمى [جهَوَه] ولا يوجد بها أفقر لأن الأفقر قاصرة على القصب المبني ، وتلتقي في الجهَوَه الروافد أو [أيادي الرواة] وهي قنوات على جانبي القصبة الرئيسية تطول أو تقصر ولكن نهاياتها في الغالب تعود للتصل ببعضها أو بقناة أخرى وهذا الالتفاف يسمى [ المغواه] . تتراوح أعماق القصب بين المرتفع بحيث يستطيع الإنسان أن يمشي بداخله ، والمنخفض جداً حتى أن أجزاء من سقفه تُُلامس سطح الماء فلا يمكن الدخول فيه إلا حبواً حتى أنه يصعب على العاملين فيها الدخول لمسافات بعيدة إذا كان الماء غزيراً مع عدم توفر الآلات المعينة على التنفس المتوفرة في عهدنا الحاضر ، ولذا يلجؤون إلى أصحاب الخبرة والممارسة في هذا الشأن ومع هذا فإنهم عندما يشتد عليهم الكرب بانقطاع الأكسجين عنهم يبحثون بأنوفهم عن فراغ ولو بسيط بين صخور سقف القصب ليتمكنوا من طرد الهواء الفاسد في جوفهم واستنشاق ما يجدوه بين الصخور فيعينهم على إكمال الغوص إلى النقطة المقابلة للخروج ، وإذا لم يتمكنوا من ذلك عادوا أدراجهم حرصاً على حياتهم من الاختناق ليبحثوا عن وسيلة أخرى للدخول.
بُني القصب من صفائح الحجر سقفُه وجانبيه ، أما أرضيته فهي مرصوفة بالحجارة الأصغر حجماً مثبتة على [الحُصَيْني] وهي طينة قوية إذا ما تصلبت تقاوم الماء شبيهة بالجبس أو الاسمنت في وقتنا الراهن ، وتُسمى أرضية القصب [صحن الخيف] ، ومجموع القصب يُدعى [صُلب الخيف] وهو ما كان في باطن التربة ، وما اعتلاها حتى وجه الأرض يُسمى [ ظهر الخيف] ويعلوه حَرمٌ لحمايته يُوازيه بما يُقارب العشرين متراً تقريباً من كُل جانب ، ما عدا الجزء الذي يمرَّ في مُلك الغير فللخيف موقع الفقير فقط مع حَرمِ جوانبه بمقدار عُمقه . وقبل نهاية القصب بعدة أمتار ثُبت في سقفه عدة صخور متلاصقة وبشكل منخفض جداً إلى ما تحت مستوى سطح الماء تدعى [ الغاطسة] حتى تمنع الفضوليون من دخوله حرصاً على حياتهم ، وحمايته أيضاً من دخول الحيوانات أو الطيور.

العناية بقصب الخيف ، ومن يقوم بذلك ؟ .

تتم العناية بقصب الخيف من قبل عمال مهرة ذوي جسارة وخبرة عالية في مثل هذه الأعمال ، وبعدد يفوق التصور ، فالعمل في الخيوف لا يقبل الانفرادية لما يكتنفها من مخاطر أثناء العمل لضيق المساحة وعدم القدرة على التحرك فيه ببساطة وحرية ؛ إنما العمل فيها يجب أن يكون جماعياً مترابطاً كحلقات السلسلة ، كل حلقة فيها لها عمل محدد وكل فرد فيها يكمل عمل الذي قبله إلى أن ينتهي عند نقطة الالتقاء بالحلقة الثانية فيتبدل العمل وهكذا حتى النهاية ، ولذلك فإنه يحتاج إلى مجموعة من العمال تم التعريف بمسمياتهم حسب تخصصاتهم ومقدرتهم المعرفية والبدنية على العمل ، ويُصنَّفون كالآتي :

قبل أن نُعرِّف بمسميات العمال ودور كل واحد منهم ، يجدر الإشارة أن الخيف مثله مثل أي مؤسسة تعاونية لها مؤسسيها وهم مُلاك الخيف ، وله أعضاء إدارة تديره لكي يستمر في العطاء فللخيف عموماً شخص يرعى مصالحه ويُمثله في المحافل والترافع عنه في القضايا ويدير شؤونه المالية والإدارية ، هو [رئيس الخيف] إلا أنه في الغالب يبقى الرئيس محتفظاً بكل تخصصاته عدا الأمور المالية والإدارية المتعلقة بالخيف فإنها تُسند أحياناً إلى شخص آخر يُقال له [أمين الخيف] ويحلُّ مَحل الرئيس في كل ما يتعلق بهذا الشأن ، وتُحفظ عنده الإيرادات فيصرف أجور العمال ويُلبي جميع ما يتطلبه الخيف ، وهي وظيفة تكاد تكون شرفية لا يتقاضى عليها أجراً ، ويتم الانتخاب عليها كل عدة سنوات حسبما تقتضيه مصلحة الخيف ، أما بقية العاملين في الخيف فإنهم يتقاضون أجورهم من إيرادات الخيف ، وهم كما يلي :

1- القيِّم : وهو رئيس العمال والمسؤول الأول عن العمل تنظيمه والبدء فيه والحث على إنجازه ، أو إيقافه إذا رأى لزاماً عليه ذلك ــ كأن تكون هناك مخاطر على العمال أو رغب في زيادتهم ــ وهو الذي يُحدد أجرتهم اليومية .

2- الكاتب : هو المسؤول عن ضبط العمل وعدد العمال حسب تخصصاتهم وقيد حساباتهم ، وتسجيل كل ما يخص الخيف من زيادات أو وِسْقٍ ونحوها .

3- ضابط الوقت :وهو العامل المسؤول عن معرفة مقدار الوقت الذي تتم به السقاية لكل مُزارع ، فيقدرها بواسطة آلة لقياس الوقت يُقال لها [ القِدرُ] وهي ساعة مائية ، ويتم حسابها بأن يوضع ماء في إناءٍ متوسط الحجم ثم يضع المسؤول عن تقدير الزمن على سطح الماء إناء [القِدْر] وهذا القدر ليس له من شكله صلة باسمه ، فربما غلب عليه شكل الإناء الذي يوضع فيه الماء ، إنما الأصوب هو من [قَدَّر] أي قدَّر الوقت وحصر زمنه ، وهو إناء من نحاس على شكل نصف كرة قد لا يتجاوز قطر دائرتها الخمس عشرة سنتيماً تقريباً به ثقبٌ صغير في قاعدته ينفذ منه الماء حتى يمتلئ ويغوص ، وزمن امتلائه خمس دقائق ، وكل اثنتي عشرة مرة تعادل ساعة كاملة كما في اليوم اثنتا عشرة ساعة للنهار ومثلها لليل ، ثم يرفعه ضابط الوقت ليفرغه ويعيده إلى وضعه السابق و يعقدُ عقدة مستخدماً في ذلك سعف النخيل وبعدد العُقد يَحسب الزمن المطلوب للسقاية ، وتستخدم هذه الآلة في قياس زمن السقاية ذات الأزمنة القصيرة كالساعة وأجزائها .

4- الطواف :هو العامل الأول الذي يبدأ بأمر [القيِّم] النزول إلى قصب الخيف للكشف عن مكان الخلل قبل بداية العمل ، ويبقى مستمراً مع العمال جاهزا للطلب طيلة أيام العمل للكشف عن ما يعيق العمل أو تحديد أماكن الأفقر والكشف عن مواقعها إذا اختفت معالمها من على سطح الأرض بطمسها بالرمال نتيجة تعاقب الرياح أو مرور السيول فوقها ، ويتم التعرف عليها بأن يقوم الطواف بعد أن يصل إلى داخل الفقير بالطرق على سقفه من أسفل ثلاث طرقات بحصاة يتردد صداها في الخارج فيسمعها من كان منصتاً لها في المكان الذي يُقَدِّر أن يكون هو أو بجواره حسب خبرته ، فيعيد له الطرق بنفس العدد بحصاتين غرس إحداها في الأرض ، وهكذا يُكرر كلٌ منهما الطرقات الثلاث حتى يسمعها الطواف بوضوح ، وإذا تأكد من أنه يطرق على فتحة الفقير من أعلى ، أعاد له الطواف الطرق سبع مرات ويؤكدها له بالطرق سبعاً من كان في الأعلى بأنه سمعها ، عندها يعود أدراجه خارجاً من القصب ليأذن القيِّم بالحفر عن الفقير المختفي .

5- القَطَّاع :هو العامل الذي يقوم بقطع ما يُعيق جريان الماء من ترابٍ متراكمٍ أو جذور نبات ونحوه ويدفعه إلى خلفه ليتم نقله خارجاً مستخدماً آلة حادة شبيهة بالقدوم النجاري لها مقبض كالحلقة لتثبيتها في يده.

6- المُناول :هو (مساعد القطاع) ويقوم بتعبئة ما دفعه إليه القطاع في المعاري[جمع مُعرى وهو شبيه بالزنبيل المصنوع من سعف النخيل وله عروتان إلا أنه يصغره حجماً وفتحة فمه تساوي قاعدته] .

7- السَّحَّاب: هو العامل الذي يسحب المُعرى المملوء بالتراب ويناوله إلى من خلفه حتى يصل إلى واقعة الفقير ( الواقعة أسفله مما يلي القصب) ، وعددهم يزيد أو ينقص بمقدار طول المسافة داخل القصب .

8- الحَبَّال : هو العامل الذي يقف على فتحة الفقير من أعلى لرفع [المعاري المملوءة بالأتربة] بالحبل إلى سطح الأرض ويناولها لِلنَّكاب.

9- النَّكَّاب : هو الذي يرمي بالتراب بعيداً عن الفقير ، وعددهم حسب بعد مسافة المرمى .

10- عامل الفُرَّغ : هو العامل الذي يُعيد المعاري الفارغة إلى فم الفقير لإعادتها إلى القصب مرة أُخرى لتعبئتها .

جُملة العمال [الحبَّال ــ النكَّابة ــ وعمال الفُرَّغ] يُطلق عليهم عمال [ المَحالة] فهم الذين يقومون بالكشف عن فتحة الفقير ورمي ترابه بعيداً عنه ، ويقومون بإغلاقه ودفنه بعد الانتهاء من عملية تنظيف القصب .


[يتبع.....]

أبو رامي
27-02-2007, 02:54 AM
يا سلام يا أبا محمد
علم شامل .. وتنظيم متكامل . وتوثيق دقيق
زدنا فنحن بالانتظار .. وتسلم التسنيدة التي أخرجت لنا هذه الكنوز

أبو زارع
27-02-2007, 04:29 AM
الأستاذ مفوز نتابع ما تدونه بكل شوق ومجهودكم محل تقدير يعطيك الف عافيه . لك كل الود والأحترام

المعلم
27-02-2007, 08:00 AM
أبو محمد
سلمت يمينك على هذا الوصف الدقيق والشامل
نترقب المزيد المفيد كعادتك
حفظك الله وبارك لك
تحيتي وتقديري

البندر
27-02-2007, 05:58 PM
الأستاذ مفوز نتابع ما تدونه بكل شوق
ومجهودكم محل تقدير يعطيك الف عافيه .
لك كل الود والأحترام دمت بكل الود ابنكم البندر

ينبع
28-02-2007, 02:19 PM
حقيقة إبداع يا أبو محمد
علم غزير وقلم رصين وأسلوب شيق.
أما المحتوى فيدل على رجل يصف لنا ما رأى وليس ما سمع .
وعندما يصف فهو يصور وفي تصوير ه تسبح معه في الخيال .
ومن يستطيع سواه في ذلك وهو الفنان .
عرفته صاحب ريشة مبدع واليوم صاحب قلم وأسلوب لا يشبع منه .

لذلك لي رجاء عند أبو محمد أستاذي مفوز مفيز

فأقول ليت قلمك و ريشتك يجتمعان وتخرج لنا كتابا عن ينبع بيوتها وحواريها وأسواقها وطرقها بإسلوبك الجميل الأخاذ .
ولكن جزيل الشكر والتقدير.

مفوز الفواز
01-03-2007, 01:15 AM
أخي الكريم : الأستاذ أحمد ظاهر حفظه الله

شكراً جزيلاً على هذه العبارات الجميلة .. والتي كانت من أولى الدوافع لي ، وهذا من ذوقك
فجزى الله الأسباب .
****
الأخ الكريم : أبو زارع حفظه الله

عافاك الله ورعاك .. آمل أن أُوفق فيما أُقدب ليلقى رضاكم .
****

الأخ الكريم : الأستاذ مبارك القش حفظه الله

أنت السبَّاق .. فما قدمته في شعرك كان له الأثر الكبير لتحريك شجوني للتسنيدة .
****

الأخ الكريم : البندر . حفظه الله

شكرا جزيلاً لمشاعرك الفياضة ..
حفظك الله وأدامك .
****

الأخ الكريم : " ينبع " حفظه الله

شكراً جزيلاً على مداخلتك .. وما هذا إلا دليل على حُسن تذوقك ..
رجاؤك محل الاهتمام .. آمل دوام المواصلة لتحقيقه إن شاء الله .