المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : على درب التَّسنيدة : الخَيف



مفوز الفواز
24-02-2007, 01:35 AM
{الخَيف}



سبق أن تحدثنا في المواضيع السابقة عن مدلول الخيف وقلنا أنه مجموع ما تحويه القرية من عين جارية ومزارع تُغذيها هذه العين ومساكن لمُلاك المزارع والعاملين فيها ، ولو أن كلمة [خيف] أعم وأشمل من كلمة [قرية] فكل خيف يُطلق عليه اسم قرية لأن الخيف لا يمكن له أن يُسمى بهذا الاسم ما لم تجتمع هذه العناصر كاملةً في مكان واحدٍ أما القرية فلا يُطلق عليها مسمى خيفاً لأنها قد تكون قاصرة على المساكن وساكنيها فقط ، إلا إذا احتوت على ما ذكر . ولهذا سوف نسعى بقدر المستطاع في هذا المقال ولو بشكل مبسطٍ إلى توضيح مفهوم الخيف وتركيبته ونُظُمه التي حافظ عليها طوال قرون من الزمن من لحظة نشأته حتى تاريخه اليوم .. ولا ندري كم يدوم بعد هذا ، فالحياة لن تنتهي بدمار هذا الخيف أو ذاك ، فالشواهد التاريخية تدلل على استمرارها رُغمَ ما مرَّت به من كوارث طبيعية أدت إلى انقطاع الماء فيها أو دمرت أجزاء منها .. إلا أن الله هو المدبر للأمر وبإرادته يُحيي ويُميت ، ثم يُعيدها إلى سيرتها الأولى ، لكي تستمر الحياة بما قَدَّره لها عز وجل



نشأة الخيف


بنظرة مُفكرة وعميقة عُمق الزمن الذي قضاه هذا المُنجز الجبار والذي يُضاهي في تكوينه أي أثرٍ يقفُ الباحثون عنده مشدوهين في الكيفية التي تم إنجازُ ةه فيه حتى يبقى طوال التاريخ يُصارع الزمن وعوامله دون أن يختفي عن الأنظار وبقي شاهداً على أقوام عِظام أنجزوا هذه الصروح التي أفادتهم وأفادت الأجيال من بعدهم ، هذه الخيوف التي نراها اليوم في ينبع النخل وفي أجزاء من الجزيرة العربية ويعيش فيها من ورثوها واعتبروها جزءاً من حياتهم وليس من ماضيهم ينتظرون أن تعود لها الحياة بعد أن يأذن لها الله بذلك دون أن يُشغِلوا بالهم في من بناها ، لأن أحداً لا يعرفُ بالتحديد تاريخ نشأة هذه الخيوف فهي لم تُعط حقها من البحث والتقصِّي من قبل الباحثين المختصين في علم الآثار أو التاريخ ، ولو كان هناك شيء من ذلك لنُشر وتم الاطلاع عليه ، ولكن المؤكد أن الذي بناها هم أجدادنا الذين أقاموا في هذه الديار في غابر الأزمان وكانوا بحق عظماء .. هندسوا بناءها ، وشرعوا نظاماً بقي موروثاً معها ، شاهداً على عظمة إنجازهم ، فهم لا يَقلِّون شأناً عن الذين نحتوا من الجبال بيوتاً ، والذين بنوا الأهرامات وسور الصين العظيم .


تركيبة الخيف

لتركيبة الخيف وضعان :
الوضع الأول : قنوات تحت سطح الأرض ، ولا يتعرض لها الإنسان بعد أن أُتفِق على تكوينها عند إنشائها أول مرة إلا لإصلاحها أو العناية بها.
الوضع الثاني : قنوات فـوق سطح الأرض ، وهذا يسمح به للإنسان بالتدخل فيها بما يتناسب واحتياجه للزراعة ، شريطة أن لا يتعارض ذلك مع قوانين ونظم الخيف كتوزيع الأملاك أو السقاية وكذلك عدم التعرض لفلج الخيف إلا ما كان للعناية به .
والوضعان متشابهان تماماً في الشكل ولكنهما يختلفان في الأداء ، فأداء الأول هي قنوات جالبة للماء من باطن الأرض ليظهر على سطحها ، أما أداء الثاني فهي قنوات على سطح الأرض لتوزيع وتصريف المياه لتعود إلى باطنها بعد السقاية.



وجه التشابه في شكل القنوات الجالبة للماء أو الموزعة له

وجه التشابه بين القنوات أَنَّ كِلا القناتين : [ القصب ] لها قنوات فرعية [روافد] لتغذيتها بالماء من باطن الأرض ، أما [ الفلج ] فله قنوات فرعية [السواقي] لتوزيع الماء على الأحواض .. ولو أمعنا النظر في هذا التقسيم وأخذنا مقطعاً من شجرة لوجدناه قريب الشبه منها ، فهي تجذب الماء بواسطة جذورها المتفرعة في داخل التربة ماراً بساقها فيتوزع على فروعها لينتهي إلى أوراقها التي تمثل الأحواض الزراعية في الخيف ، فسبحان الله على عظيم صنعه وإلهامه .


[يتبع.....]

أبو رامي
24-02-2007, 06:36 AM
أخي الأستاذ القدير مفوز
أشكرك على هذا الموضوع الثري .. فكم نحن بحاجة إلى معرفة كل ما يتعلق بالخيف .. وإن كنت ستتعرض فيما يتبع إلى نظام الخيف وطريقة إدارته فهذا ما كنا نبغي .. فقد سبق لي أن سمعت عن هذا النظام سماعا متفرقا يبعث على الإعجاب بذلك النظام الدقيق الذي وضعه أجدادنا لجانب مهم من جوانب حياتهم .. ولكنني فيما أعلم لم أجد من كتب عن
الخيوف والعيون كتابة موسعة مفصلة .. ولذلك سأنتظر ما يتبع من هذا البحث ولا شك أنني سأجد فيه ما يروي غليلي فالبداية تنبئ بهذا وفقك الله وسدد خطاك

أبو سفيان
24-02-2007, 08:34 AM
أبدعت أخي / مفوز في وصف مثالي لمعنى الخيف ومحتوياته
وقد شدني وأعجبني تشبيهك قنوات المياه ومجاريها في الخيف
بالشجرة من جذورها حتى أوراقها وهو تشبيه يدعو للتأمل في حكمة
الخالق جل وعلا ..
كما ألفت النظر إلى أن الأستاذ / صالح السيد في كتابه ملامح من تاريخ ينبع
قد تعرض باختصار لهذه المسميات ومعانيها ص 365 ولكن المعلومات التي
أتى بها الأستاذ مفوز مهمة وتعتبر إضافة جيدة فهو بالتأكيد حريص على جمع هذه
المعلومات من معايشته ومن مصادره التي يعول عليها ..
أشكره مرة أخرى وأرجو أن يواصل هذه التحركات الأدبية الممتعة لجزء من تراثنا
وحياة الآباء والأجداد وأحوالهم المعيشية ، وأذكـّره بأن لا ينسى قدر الخيف .

أبو عماد
25-02-2007, 12:34 AM
أخى أبو محمد لا أجد فى روعة ماكتبت إلا أن أقول :

قرأتها كل حرف يستعيد معى = ذكرى ويرجع فى عينى ما ضيها

أيام كان الهوى عينا وساقية =والنخل يرقص نشوانا بواديها

مفوز الفواز
25-02-2007, 01:12 AM
أخي الكريم : أحمد محمد ظاهر
أخي الكريم : عواد محمود الصبحي
أخي الكريم : طه محمد حسن بخيت

حفظكم الله

حقيقة .. فأنا لا أجد ما أقوله بعدما قرأت الذي كتبتموه سوى
" جزاكم الله خيراً عن كل حرف وجهتموه لي "
وما كان مني إلا بعض ما عندكم وصنيع فكركم ، وفي ظني أن شكراً أوجهها لكم لا تكفي .. فأنتم تستحقون أكثر من ذلك وزيادة .

أبو ياسر
26-02-2007, 01:15 AM
مع التحية والتقدير لأستاذي / مفوز الفواز ( أبو محمد )
قرأت موضوع الخيف أكثر من مرة فوجدت شرحا علميا مفصلا ودقيقا بخلاف ماأختزن من معلومات غير علمية إستقاها العقل من قصص الأساطير التي لامفر من سماعها وتصديقها في ذلك الوقت .
كأن قالوا لنا بأنها من صنع ( جند النبي سليمان ) ، وكذلك قصة ذلك المسن الذي سقط عكازه في إحدى العيون في منطقة خيبر أو منطقة العلا ، وقالوا له ستجدها في العين الفلانية في ينبع النخل .
كما أنني أتذكر منذ أربع سنوات وكنت في مزرعة في سوريا وشاهدت صاحب المزرعة يقوم بعملية الري ولاحظت أن الساقي الذي تمر عبره المياه يستمر لمدة ساعتين ثم يتحول الماء لمزرعة أخرى .
وسألته عن هذه العملية وبدا يشرح لي بأن هذه القنوات متوارثة منذ عهود غابرة وإن عمرها يرجع لآلاف السنين وبالنسبة للسقيا فلها نظام يسمى الساعة حيث يتم شراءها ولها لجنة تشرف عليها وتحدد لكل شخص وقته حسب المقدار الذي يملكه وتتم عملية قياس الوقت بواسطة قدر مثقوب من الأسفل
ومن خلال حديثه لاحظت توافق كبير بين نظامهم ونظام ينبع النخل وتذكرت قصص الخيف والعين والقصبة والفقير
إلا أن هناك عدم توافق في مسميات المواضع فقط .
أستاذي أبومحمد
إستمر أعانك الله ووفقك
وجزاك الله خيرا على هذا التوثيق

مفوز الفواز
01-03-2007, 12:37 AM
[قرأت موضوع الخيف أكثر من مرة فوجدت شرحا علميا مفصلا ودقيقا بخلاف ماأختزن من معلومات غير علمية إستقاها العقل من قصص الأساطير التي لامفر من سماعها وتصديقها في ذلك الوقت] .


ألأخ الكريم : محمد عباس الأنصاري

شُكراً لإيضاحك ما عناه المقال ..
مع تقيري واحترامي لك .. وفقك الله .

البندر
02-03-2007, 10:41 AM
أستاذي أبومحمد
إستمر أعانك الله ووفقك
وجزاك الله خيرا على هذا التوثيق