المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : غياب التخطيط يربك العمل بمستشفيات المدينة



ناجي قروان
06-02-2007, 03:30 PM
بحث متقدم


الثلاثاء 18 محرم 1428 - الموافق - 6 فبراير 2007 - ( العدد 15994) ( Tuesday 18 Muharram 1428 - 6 February 2007 - (Issue 15994





جريدة المدينة




شؤون محلية طيبة

شؤون دولية
منبر القراء
ثقافة
الملعب الرياضي
تحقيقات
الأخيرة










الرئيسية





اليوم2007/05/022007/04/022007/03/022007/02/022007/01/022007/31/012007/30/01المزيد








إستفتاء














غياب التخطيط السليم يربك العمل بمستشفيات المدينة المنورة



يكشف الواقع الصحي لمنطقة المدينة المنورة عن تناقضات واضحة وتضارب ملموس في ترتيب أولويات العمل، فالقائمون على هذا القطاع الحيوي يحرصون في بعض الأحيان على وضع تلفزيونات بلازما في ردهات بعض المستشفيات ، وينسوْن أو يتناسون في الوقت نفسه توفير سيارة اسعاف لمركز قرية يولد أبناؤها ويموتون على قارعة الطريق الذي يربطهم بالمدينة.. أو دعم صيدلية مستشفى بعقار تتوقف عليه حياة آلاف المرضى .. ومن أولوياتهم كذلك توفير أجهزة (برافو) تعطلت بعد فترة وجيزة رغم ان قيمتها تجاوزت (التسعمائة) الف ريال وتجاهلوا أهمية توفير أدوات طبية وأدوية للعديد من المراكز الصحية بالمنطقة.

ويحتاج قطاع الصحة بالمدينة العديد من المطالب الملحة لكن يبدو ان المسؤولين لديهم أولويات أخرى يرون أنها أكثر أهمية !!!!!! فالمواطنون يطالبون بتوفير أدوية القلب بدلا من تحويلهم الى الصيدليات الخاصة، فعلى سبيل المثال يدفع المريض الواحد فيها من 700 ريال الى 1000 ريال شهريا، لمداواة قلبه الذي زادته الشؤون الصحية اعتلالا ، ناهيك عن مرضى السكر الذين أعياهم البحث عن الانسولين في كل مكان خصوصا ذلك النوع رخيص السعر الذي أصبحوا يطلبونه من الدول المجاورة لعدم توافره محليا بالكميات الكافية.

وقد كشفت دراسة ميدانية أجريت بعيادات القلب ان 85% من المرضى لا يستطيعون الحصول على العلاج الموصوف لهم من قبل أطبائهم وذلك لعدم توفر غالبية هذه الأدوية بالمستشفيات الحكومية وتزداد الصورة قتامة عندما تشير الدراسة الى عدم قدرة المرضى على شراء الادوية من الصيدليات الخاصة لارتفاع اسعارها .. كما أكدت الدراسة ان ارتفاع اسعار الادوية وعجز المرضى عن شرائها يؤدي الى تدهور حالتهم الصحية ويضطرهم للعودة الى المستشفيات مرة أخرى في حالة متردية وهو ما يزيد نسبة الاشغال بالمستشفيات ولو تم الاهتمام بتوفير الادوية لانخفضت معدلات الاشغال السريري ولخف الضغط على اقسام الطوارئ والعناية المركزة والاقسام الداخلية التي تكلف الصحة اضعاف ما ينفق على توفير الادوية المطلوبة.

وما ينطبق على مرضى القلب ينطبق على كثير من الامراض الأخرى المزمنة والتي تحتاج إلى استمرارية العلاج مثل مرضى السكر.. فالمرضى عندما لا يصرف لهم الانسولين تتدهور حالاتهم الصحية ويتم تنويمهم في المستشفيات بعد دخولهم في حالة الغيبوبة السكرية وهي بالطبع أعباء اضافية على اطباء الطوارئ والعناية المركزة ، إضافة إلى الاعباء المالية فما ينفق على المريض في هذه الحالة يفوق تكلفة توفير الانسولين الذي يحتاجه لمدة ثلاثة اشهر.

ومن هنا ينبع أهمية توفير العلاج لجميع أصحاب الامراض المزمنة من قبل وزارة الصحة وهو الامر الذي سيساهم في تقليل التكلفة على المستشفيات بالإضافة إلى انه يتيح الأَسِرّة لمرضى آخرين في ظل النقص الواضح في عدد أَسِرّة المنطقة.

المستشفيات الخاصة تفتك بالمرضى

ولعل من أهم الانتقادات التي توجه للشؤون الصحية سوء الرقابة على القطاع الخاص فالمستشفيات الخاصة اضحت أكثر نفوذاً والسبب انها تمتلك امكانيات وتجهيزات لا يملكها القطاع الحكومي ولهذا السبب اصبحت جيوب المواطنين غنيمة للقطاع الصحي الخاص دون حسيب أو رقيب. فكل مستشفى خاص و(شطارته) فمواعيد عيادات الاسنان مثلاً في القطاع الحكومي تقضي بانتظار المريض في بعض الأحيان لاكثر من ستة اشهر وقد ساهم ذلك في انتشار عيادات الاسنان في كل مكان في المنطقة واصبح كل من (هب ودب) يمارس تجارة (علاج الاسنان) إذا جاز التعبير بل ان بعض هذه العيادات مملوكة لاطباء يعملون في القطاع الحكومي وفي نفس العيادات الخاصة بالاسنان.

وكذلك أدى سوء مستوى المختبرات الحكومية في المستشفيات إلى نشاط المختبرات الخاصة التي اصبحت ترفع اسعارها دون رقابة وذلك لعدم توفر الأجهزة الحديثة في المستشفيات الحكومية. وتوفر أفضل الأجهزة في القطاع الخاص.

وينطبق هذا الوضع كذلك على باقي التخصصات فمثلاً عيادات الأطفال في مستشفى النساء والولادة لا تستطيع استيعاب اعداد المرضى ورغم استطاعة الشؤون الصحية توفير أكثر من 6 عيادات للاطفال الا انها تكتفي بفتح 3 عيادات يومياً على احسن تقدير بل وعيادتين في بعض الايام والنتيجة زحام شديد امام تلك العيادات يؤدي في النهاية إلى هروب اولياء الأمور بصغارهم إلى العيادات الخاصة.

هذا الوضع المغلوب وغير المنطقي والمسكوت عنه طوعاً أو غفلة) ساهم في استبداد مستشفيات القطاع الخاص. ومغالاتها في الاسعار وعدم اهتمامها بمستوى خدماتها لان المريض (جاي جاي) والرقابة (نامية) وكثيرة من مراقبي الصحة. كما أن موظفيها يعملون (بالقطعة) أو بعض الوقت مع القطاع الخاص. بالإضافة إلى العلاج المجاني الذي يحصلون عليه هم وأحباؤهم.

ولان الرقابة (نائمة) من هذه المستشفيات فقد أضحى الفتح والبقر لبطون المرضى أمراً معتاداً.. فطبعاً لرؤية هذه المستشفيات كل المرضى يحتاجون إلى عمليات جراحية. ولا تقيدهم الأدوية لأن المقياس الحقيقي الكفاءة الأطباء وهو قدرتهم على تحقيق المستهدفات المالية. وليس المعايير الطبية أو المهنية. والعقوبة الوحيدة لا تصدر إلا بعد ان يصل عدد (ضحاياه) إلى حد مخجل لا يمكن معه السكوت فالمريض ليس مهماً.. المهم الارباح وزيادتها المطردة !!.

وقد أكد لـ (المدينة) أحد المختصين في هذا المجال أن 50% من أطباء القطاع الخاص يحتاجون إلى إعادة تقييم وللتأكد من قدرتهم وأهليتهم لممارسة الطب موضحاً ان العديد منهم يتطور مستواهم العلمي بعد تجارب متعددة على (مرضانا) !! خصوصاً في ظل تدني (أجورهم) ومرتباتهم الشهرية التي لا تمكنهم من الدراسة والتعرف على الجديد في مجالات تخصصهم.

البت في الأخطاء الطبية فاقم الأخطاء

والنتيجة الطبية لهذا الوضع المتدني هي زيادة مخيفة في الاخطاء الطبية من قبل المستشفيات الخاصة وكذلك الحكومية فاللجنة الطبية الشرعية تنظر عدداً كبيراً من الشكاوى التي تقدم بها أبرياء دفعوا عن هذا الوضع.. وبالطبع عدد الشكاوى المتطورة لا يعكس حجم المشكلة وذلك ما يصل منها فهناك عدد من الاخطاء الطبية لا يكشف عنه لتنازل (الشاكي) وديّاً تحت ضغوط المستشفيات، والبعض الآخر منها لا يعلم عنه المريض (نهائياً) وتصبح مسألة إدارية داخلية يتوقف مصيرها على ضمير المسؤول.

وتُوجّه للجنة العديد من الانتقادات لتأخير البت في هذه الشكاوى ولجوئها للحلول الودّية، وعدم الحكم المباشر على ما يصلها وعدم التشهير بمرتكبي الاخطاء وهو ما يطالب به العديد من المرضى حتى يكون المتسببون عبرة لغيرهم.

المراكز الصحية (المهملة)

ورغم أن مراكز الرعاية الصحية الأولية تعتبر خط الدفاع الأول في مواجهة المرضى إلا أنها تعاني من إهمال واضح وتجاهل جعلها غير مهيأة لتقديم خدمات صحية حقيقية ويكفي أن نعرف أنه من أصل 42 مركزاً بالمدينة يوجد 39 مركزاً مستأجراً لا تتوفر بالعديد منها التجهيزات اللازمة ولا حتى الأدوية سوى (الفيفادول) ومشتقاته ولا زال العديد منها يمارس نظام الأرشفة اليدوية بل أن بعضها يحاول تجميل مظهره وتحسينه بالجهود الذاتية.

أما العمل الصحي نفسه فيجري بأساليب ودّعها العالم منذ سنوات طويلة فعيادات الأسنان بهذه المراكز لا زالت تستخدم آلات (بائدة) وكراسي عفا عليها الزمن وأضحت غير قادرة على حمل المرضى.

أما مراكز القرى والهجر فحدث ولا حرج فالكوادر الطبية ناقصة وتعاني من الوحدة الشديدة في هذه القرى والبعض منها أقيم في مبان تهالكت وانتهى عمرها الافتراضي ولا يوجد في البعض الآخر حتى الكهرباء لأنها لم تصل إلى القرية من الأساس كما أن الأدوية الطبية غير متوفرة والعديد من هذه المراكز لا يملك سوى أوراق (الإحالة) إلى المستشفيات الكبيرة ويعجز عن تقديم أبسط الخدمات لمرضاه.. وسيارات الإسعاف إن وجدت لا تكاد تصل إلى المدينة وربما تحتاج من الطرق إلى من يسعفها.. والواضح أن هذه المراكز أنشئت لإسكات القرى التي تطالب بالمدن الصحية.

تبرع أجنبي

ولكي يتضح حجم هذه المأساة إليكم القصة الفريدة :(ففي إحدى القرى بالمدينة لاحظ مدير إحدى الشركات الأجنبية العاملة بالقرية وهو (بريطاني) الجنسية سوء سيارات الإسعاف الخاصة بمركز القرية فقام بالتبرع بترميمها بالكامل على نفقته الخاصة حتى يساعد سكان هذه القرية ويقلل معاناتهم بعد أن أعياهم الطلب من الشؤون الصحية بتوفير سيارة إسعاف لمركزهم وتطويره.

هنا انتهت القصة ولم يتبق سوى التأكيد من جديد على أن القطاع الصحي بالمنطقة يحتاج بالفعل إلى خطة استراتيجية ورؤية واضحة تحدد أهدافه وأولوياته وتطور إمكاناته فهذا القطاع يعاني من قلة كوادره البشرية فحسب ولا يعاني من نقص الخبرة أو الكفاءة.