النادر
25-12-2006, 12:44 PM
http://www.yabdoo.com/users/26693/gallery/2191_p87029.jpg
صالح إبراهيم الطريقي
يوم الأربعاء الماضي صدر الحكم بحق مرتكبي جريمة الاغتصاب بحق فتاة القطيف ، وكان الحكم "بسجن الأربعة وجلدهم على التوالي : 5 سنوات و 1000 جلدة للأول ، الثاني 4 سنوات و350 جلدة ، أما الاثنان الباقيان فلكل منهما سنة و80 جلدة ، كما خلص الحكم إلى جلد الفتاة والشاب الذي كان برفقتها قبيل الاختطاف 90 جلدة لكل منهما " .
قبل أن أمضي لما أريد دعوني أنشط ذاكرتكم ، هل تذكرون قضية برجس الشهيرة التي حدثت قبل عامين ؟
في تلك القضية صدر حكم بسجن برجس 12 عاما و 1200 جلدة ، كما حكم على يوسف أبكر بالسجن 6 سنوات و 600 جلدة ، أما الثالث عبدالرحمن فحكم عليه بالسجن عامين و 200 جلدة .
والقضيتان إلى حد ما متشابهتان ، وإن كان برجس لم يتهم بالاغتصاب بل ، كانت تهمته أنه أحضر الفتاة التي رفضت الشاب الغني جدا عبدالرحمن ، فقرر أن يعاقبها بأن يتركها فريسة للنيجيري يوسف الذي اغتصبها ، كذلك صديقة برجس لم تجلد ، عكس فتاة القطيف ، مع أنها كانت صديقة برجس أي هناك خلوة غير شرعية .
ثمة حكاية أخرى تستحق الذكر لتنشيط الذاكرة أكثر ، وهي قصة تحرش شباب بفتاتين ، وكان الحكم الصادر عبارة عن : السجن 12 عاما و 600 جلدة للمتهم الأول ، الثاني كان نصيبه 10 أعوام و 600 جلدة ، الثالث 7 أعوام و 400 جلدة ، السبعة الباقون حكم عليهم بالسجن 6 أعوام و 400 جلدة ، أما الأخير فحكم عليه 4 أشهر لأنه مريض .
أظن الاغتصاب أشد وأقصى من التحرش أو هكذا تبدو الأمور ، كيف يحدث هذا ، أو ما الذي جعل هذا التفاوت بالأحكام يصل لهذا الحد ؟
فالتحرش لا يمكن له أن يرق لحد الاغتصاب ، فكيف هو وصل لأن يصبح مثله ، أو يفوقه كما حدث مع فتاة القطيف التي حكم على من اغتصبها بخمس سنوات وما دون ، فيما من مارس التحرش حكم عليه بالسجن 12 عاما ؟
كيف يحدث هذا ؟
سأؤجل الإجابة على السؤال وأنشط الذاكرة ، قبل سنوات في مدينة شقراء قرر ثلاثة مراهقين أن يسطوا على محطة بنزين ، وطعن أحدهم العامل في كتفه .
فيما بعد تعرف العامل عليهم ، فصدر حكم بالقصاص في حق الثلاثة ، وكان الحكم بالنسبة لأهل مدينة شقراء صادما ، فلا أحد توقع أن يحكم القاضي بقطع رؤوس الثلاثة بسبب سرقة مبلغ بسيط .
يروي لي أحد أصدقائي عن قضية شخص في مدينة "رفحة" ، كان يسرق الإطارات والمحلات فحكم عليه بالسجن 18 عاما ، وربما هو عاطل عن العمل فأصبح سارقا .
قبل أشهر كان هناك قضية جمارك في منطقة جازان ، وحكم على من اختلس ومن ارتشى بالسجن ، وكان هناك 14 متهما ، سجن المتهم الأول والذي كان يعمل مستشارا قانونيا بالمصلحة العامة للجمارك بالرياض بالإضافة لكونه مساعدا لمدير جمرك الطوال سابقا، 8 أشهر تحتسب منها المدة التي قضاها في السجن وتغريمه 20 ألف ريال، وذلك جراء تقاضيه مبلغ 100 ألف ريال كرشوة ليخل بواجباته الوظيفية .
ترى ما الذي يجعل هذا التناقض في الأحكام ؟
للإجابة على هذا السؤال يبرز لنا "القانون الجنائي" الذي هو "مجموعة القواعد التي تحدد الجرائم المختلفة والعقوبات المقررة لكل جريمة ، هو أيضا في شقه الثاني الإجراءات التي تتبع في تعقب المتهم ومحاكمته وتوقيع الجزاء عليه " .
في هذا الموضوع يهمنا الشق الأول ، أي مجموعة القواعد التي تحدد الجريمة وعقوباتها ، فهل لدى المحاكم هذه المجموعة التي تحدد للقاضي ما هي العقوبة ، أعني هل لدينا قانون محصور في مجلدات يحدد ما هو أقصى حد وأدنى حد لعقوبة ما ، فيلجأ لها القضاة ؟
للأسف لا يوجد ، وترك الأمر للقاضي ليحدد العقوبة كما يراها هو ، وهذا ما جعل البعض يرى أن هناك تناقضات ، فالقاضي الذي حكم على المتحرش هو غيره الذي حكم على المغتصب ، ومن حكم على سارق الإطارات غير الذي حكم على المستشار القانوني ، وكل منهم كان يحاول تحقيق العدل في حكمه أو هكذا كانت نواياه ، فهل حدث هذا ؟
بالنسبة لأفراد المجتمع وحين يربطون هذه الأمور سيجدون أن نوايا القضاة لم تتحقق ، لأن هناك فارقا كبيرا في العقوبات بين قضية وأخرى مشابهة ، أو بين قضية التحرش والاغتصاب .
على مستوى مرتكب الجريمة ، وأعني المتحرش وسارق الإطارات ، فهما وإن كانا يشعران بتأنيب الضمير ، ستتحول هذه المشاعر وهما يسمعان أو يقرأن الحكم الصادر بحق المغتصب أو المرتشي ، وسيشعر كل منهما أنه مظلوم .
وأظن تحويل المجرم إلى مظلوم أمر في غاية السوء ، فلا هو سيشعر بتأنيب الضمير ، ولا هي العقوبة ستصحح من مساره ، وبالتأكيد ستورثه حقدا على المجتمع ، وسيخرج لينتقم من مجتمع يرى أنه ظلمه .
إن ميزة الإسلام عدم جموده ، ومنح مساحة كبيرة للاجتهاد ، في نفس الوقت كان يلح على العدل ، ويطالب به ، لأنه أساس لتقدم المجتمعات وتطورها وتحقيق الرفاهية لأبنائها .
لهذا على وزارة العدل أن تضع مجموعة القواعد التي تحدد الجريمة وعقوبتها في كتب ، ليلجأ لها القضاة ، وأن تترك للقاضي فرصة الاجتهاد في أن يأخذ الحد الأعلى من العقوبة أو الحد الأدنى .
أما ترك الاجتهاد لهذا الحد ، فسيظهر للكثير أن المحكمة متناقضة في أحكامها ، وهذا ما يجعلنا نتساءل : مما صنع قانوننا الجنائي ، وما هو المقياس الذي اتخذه القاضي ليحكم على المرتشي بالسجن 8 أشهر ، وعلى سارق الإطارات 18 عاما ، وما هو مستقبل المتحرش حين يظن أنه مظلوم ؟
أسئلة كثيرة وملحة يرددها المواطن السعودي ، على وزارة العدل ألا تؤجلها ، وأن تجيب عليها ، حتى لا يتوه المواطن ، ويفقد عقله البوصلة ، فيظن أن العدل والظلم متساويان ؟
صالح إبراهيم الطريقي
يوم الأربعاء الماضي صدر الحكم بحق مرتكبي جريمة الاغتصاب بحق فتاة القطيف ، وكان الحكم "بسجن الأربعة وجلدهم على التوالي : 5 سنوات و 1000 جلدة للأول ، الثاني 4 سنوات و350 جلدة ، أما الاثنان الباقيان فلكل منهما سنة و80 جلدة ، كما خلص الحكم إلى جلد الفتاة والشاب الذي كان برفقتها قبيل الاختطاف 90 جلدة لكل منهما " .
قبل أن أمضي لما أريد دعوني أنشط ذاكرتكم ، هل تذكرون قضية برجس الشهيرة التي حدثت قبل عامين ؟
في تلك القضية صدر حكم بسجن برجس 12 عاما و 1200 جلدة ، كما حكم على يوسف أبكر بالسجن 6 سنوات و 600 جلدة ، أما الثالث عبدالرحمن فحكم عليه بالسجن عامين و 200 جلدة .
والقضيتان إلى حد ما متشابهتان ، وإن كان برجس لم يتهم بالاغتصاب بل ، كانت تهمته أنه أحضر الفتاة التي رفضت الشاب الغني جدا عبدالرحمن ، فقرر أن يعاقبها بأن يتركها فريسة للنيجيري يوسف الذي اغتصبها ، كذلك صديقة برجس لم تجلد ، عكس فتاة القطيف ، مع أنها كانت صديقة برجس أي هناك خلوة غير شرعية .
ثمة حكاية أخرى تستحق الذكر لتنشيط الذاكرة أكثر ، وهي قصة تحرش شباب بفتاتين ، وكان الحكم الصادر عبارة عن : السجن 12 عاما و 600 جلدة للمتهم الأول ، الثاني كان نصيبه 10 أعوام و 600 جلدة ، الثالث 7 أعوام و 400 جلدة ، السبعة الباقون حكم عليهم بالسجن 6 أعوام و 400 جلدة ، أما الأخير فحكم عليه 4 أشهر لأنه مريض .
أظن الاغتصاب أشد وأقصى من التحرش أو هكذا تبدو الأمور ، كيف يحدث هذا ، أو ما الذي جعل هذا التفاوت بالأحكام يصل لهذا الحد ؟
فالتحرش لا يمكن له أن يرق لحد الاغتصاب ، فكيف هو وصل لأن يصبح مثله ، أو يفوقه كما حدث مع فتاة القطيف التي حكم على من اغتصبها بخمس سنوات وما دون ، فيما من مارس التحرش حكم عليه بالسجن 12 عاما ؟
كيف يحدث هذا ؟
سأؤجل الإجابة على السؤال وأنشط الذاكرة ، قبل سنوات في مدينة شقراء قرر ثلاثة مراهقين أن يسطوا على محطة بنزين ، وطعن أحدهم العامل في كتفه .
فيما بعد تعرف العامل عليهم ، فصدر حكم بالقصاص في حق الثلاثة ، وكان الحكم بالنسبة لأهل مدينة شقراء صادما ، فلا أحد توقع أن يحكم القاضي بقطع رؤوس الثلاثة بسبب سرقة مبلغ بسيط .
يروي لي أحد أصدقائي عن قضية شخص في مدينة "رفحة" ، كان يسرق الإطارات والمحلات فحكم عليه بالسجن 18 عاما ، وربما هو عاطل عن العمل فأصبح سارقا .
قبل أشهر كان هناك قضية جمارك في منطقة جازان ، وحكم على من اختلس ومن ارتشى بالسجن ، وكان هناك 14 متهما ، سجن المتهم الأول والذي كان يعمل مستشارا قانونيا بالمصلحة العامة للجمارك بالرياض بالإضافة لكونه مساعدا لمدير جمرك الطوال سابقا، 8 أشهر تحتسب منها المدة التي قضاها في السجن وتغريمه 20 ألف ريال، وذلك جراء تقاضيه مبلغ 100 ألف ريال كرشوة ليخل بواجباته الوظيفية .
ترى ما الذي يجعل هذا التناقض في الأحكام ؟
للإجابة على هذا السؤال يبرز لنا "القانون الجنائي" الذي هو "مجموعة القواعد التي تحدد الجرائم المختلفة والعقوبات المقررة لكل جريمة ، هو أيضا في شقه الثاني الإجراءات التي تتبع في تعقب المتهم ومحاكمته وتوقيع الجزاء عليه " .
في هذا الموضوع يهمنا الشق الأول ، أي مجموعة القواعد التي تحدد الجريمة وعقوباتها ، فهل لدى المحاكم هذه المجموعة التي تحدد للقاضي ما هي العقوبة ، أعني هل لدينا قانون محصور في مجلدات يحدد ما هو أقصى حد وأدنى حد لعقوبة ما ، فيلجأ لها القضاة ؟
للأسف لا يوجد ، وترك الأمر للقاضي ليحدد العقوبة كما يراها هو ، وهذا ما جعل البعض يرى أن هناك تناقضات ، فالقاضي الذي حكم على المتحرش هو غيره الذي حكم على المغتصب ، ومن حكم على سارق الإطارات غير الذي حكم على المستشار القانوني ، وكل منهم كان يحاول تحقيق العدل في حكمه أو هكذا كانت نواياه ، فهل حدث هذا ؟
بالنسبة لأفراد المجتمع وحين يربطون هذه الأمور سيجدون أن نوايا القضاة لم تتحقق ، لأن هناك فارقا كبيرا في العقوبات بين قضية وأخرى مشابهة ، أو بين قضية التحرش والاغتصاب .
على مستوى مرتكب الجريمة ، وأعني المتحرش وسارق الإطارات ، فهما وإن كانا يشعران بتأنيب الضمير ، ستتحول هذه المشاعر وهما يسمعان أو يقرأن الحكم الصادر بحق المغتصب أو المرتشي ، وسيشعر كل منهما أنه مظلوم .
وأظن تحويل المجرم إلى مظلوم أمر في غاية السوء ، فلا هو سيشعر بتأنيب الضمير ، ولا هي العقوبة ستصحح من مساره ، وبالتأكيد ستورثه حقدا على المجتمع ، وسيخرج لينتقم من مجتمع يرى أنه ظلمه .
إن ميزة الإسلام عدم جموده ، ومنح مساحة كبيرة للاجتهاد ، في نفس الوقت كان يلح على العدل ، ويطالب به ، لأنه أساس لتقدم المجتمعات وتطورها وتحقيق الرفاهية لأبنائها .
لهذا على وزارة العدل أن تضع مجموعة القواعد التي تحدد الجريمة وعقوبتها في كتب ، ليلجأ لها القضاة ، وأن تترك للقاضي فرصة الاجتهاد في أن يأخذ الحد الأعلى من العقوبة أو الحد الأدنى .
أما ترك الاجتهاد لهذا الحد ، فسيظهر للكثير أن المحكمة متناقضة في أحكامها ، وهذا ما يجعلنا نتساءل : مما صنع قانوننا الجنائي ، وما هو المقياس الذي اتخذه القاضي ليحكم على المرتشي بالسجن 8 أشهر ، وعلى سارق الإطارات 18 عاما ، وما هو مستقبل المتحرش حين يظن أنه مظلوم ؟
أسئلة كثيرة وملحة يرددها المواطن السعودي ، على وزارة العدل ألا تؤجلها ، وأن تجيب عليها ، حتى لا يتوه المواطن ، ويفقد عقله البوصلة ، فيظن أن العدل والظلم متساويان ؟