وريث الرمل
03-06-2002, 09:18 PM
إطلالة انطباعية :
( طه بخيت ..الصورة الآنية الناطقة ..)
رغم قناعتي الدائمة بالدور الكبير الذي يقوم به الإيقاع في مراحل تكوين الصورة الشعرية المجنحة .. واعتباره الترمومتر الدقيق الذي بإمكانه قياس درجة الطقس الإنفعالي للقصيدة .. إلا إن الصديق الشاعر طه بخيت يصر دائمًا على أن يهدد هذه القناعات في داخلي من خلال تحليقه بالصورة المجنِّحة داخل القالب التقليدي
المتوارث ..
هذا الصديق الحميم ( الذي عرفته منذ قدم شاعرًا أصيلاً ) استطاع بهدوء وعقلانية تتجاوز الجدل القائم منذ نصف قرن بين القديم والحديث أن يكشف ببراعة عملية على أن الشعر فكرة وصورةً ثم بعد ذلك قالبًا ..!
طه بخيت كان دائمًا منتصرًا للحديث من خلال القديم ! وهذه قمة الروعة .. فما أجمل أن تجمع بين الأصالة والحداثة في صورة زاهية استطاعت أن تحتوي ( هذا الصفر الجديد ) للألفية الذي أقام الدنيا وأقعدها تحت تلك العباءة البكر التي تدثَّر بها عن صقيع العصور كل شعراء موروثنا بدءًا بامرئ القيس وانتهاءً بأحفاده من الشعراء العظماء ليكون بالتالي امتدادًا لهم في أصالته وروعته ..
حقًّا لاأعرف لماذا .. حينما أقرأ شعره يمتد أمامي البحر مسرحًا صاخبًا بالنجوم التي تحمل في تجاويف أضوائها رمال كل الصحاري مرَّةً !..وفي مراتٍ كثيرة أشعر أنني أمرق أزقة ( ينبع البحر الحالمة ) أقف أمام تلك المشربيات والرواشين أتنفس من رئة الشعراء العذريين وأنتظر ليلى وعفراء ولبنى تطل علي من شرفة ظلت سادرة تعانق القمر ..!
أعلم يقينًا أن هذا ليس تقديمًا لمجموعة شعرية جادة لست جديرًا بتقديمها .. لكنها لغة الحميمية والتوق الذي يحتويني وأنا أقلب صفحاتها الثرية لأجدني فجأة أمام قوله :
خذي بعينيك ماعانيت من سهري وجربي مرة مايفعل الســهرُ
وشاطريني عناء الليل واقتســـمي سقم النهار وما ألقى وأنتظرُ
من منَّا تنتشق أذنه عبير هذين البيتين ولايقف بهما ؟!!
هذان البيتان هما لغة التفكير التي تختلج في دواخلنا في كل موقفٍ عاطفي يمكن أن نمر به .. لكننا نعجز بالفعل أن نخرجه إلى مجرى الكلام ...!
في حين أن طه الشاعر جاء به مموسقًا يبرز فيه الشعور الإنساني في أبهى صوره وأنقاها التي تندمج فيه الأنا الناطقة بالأنا المتلقية فيندغم بالتالي الخاص بالعام تحت مظلة حميمية البوح الصامت ..!
هذا نموذج واحد لما يمكن أن تحتوي عليه الصفحات التي بين يدي ..
والتي من أهم مميزات قصائدها القصر.. مما يعني أن كل قصيدة فيها بمثابة كبسولة مضغوطة لكوة من الصور الشعرية المنتقاه بإتقان بديع.. بعيدًا عن الحشو والتوطئة للمعنى التي يقع ضحيتها جل الشعراء الملتزمين بالبناء الموسيقي التقليدي للقصيدة العربية ..
لن أسهب أكثر في الحديث عن هذه القصائد المتدفقة من ينبوع الأمس الثري لتكون بالتالي شرابًا سائغًا في حداثة مفرداتها وصورها .. لكنني اختم هذه الانطباعية بإيجاز وأقول إنها باختصار تجربة شعرية فريدة ومدهشة بالفعل ومكمن الدهشة فيها يتأتى من خلال إمساكها بطرفي جديلة متناقضين هما ( الحداثة والأصالة ) وهذا سر الإبداع عند هذا الشاعر الصديق ( طه بخيت ) ..!
إبراهيم أحمد الوافي
( طه بخيت ..الصورة الآنية الناطقة ..)
رغم قناعتي الدائمة بالدور الكبير الذي يقوم به الإيقاع في مراحل تكوين الصورة الشعرية المجنحة .. واعتباره الترمومتر الدقيق الذي بإمكانه قياس درجة الطقس الإنفعالي للقصيدة .. إلا إن الصديق الشاعر طه بخيت يصر دائمًا على أن يهدد هذه القناعات في داخلي من خلال تحليقه بالصورة المجنِّحة داخل القالب التقليدي
المتوارث ..
هذا الصديق الحميم ( الذي عرفته منذ قدم شاعرًا أصيلاً ) استطاع بهدوء وعقلانية تتجاوز الجدل القائم منذ نصف قرن بين القديم والحديث أن يكشف ببراعة عملية على أن الشعر فكرة وصورةً ثم بعد ذلك قالبًا ..!
طه بخيت كان دائمًا منتصرًا للحديث من خلال القديم ! وهذه قمة الروعة .. فما أجمل أن تجمع بين الأصالة والحداثة في صورة زاهية استطاعت أن تحتوي ( هذا الصفر الجديد ) للألفية الذي أقام الدنيا وأقعدها تحت تلك العباءة البكر التي تدثَّر بها عن صقيع العصور كل شعراء موروثنا بدءًا بامرئ القيس وانتهاءً بأحفاده من الشعراء العظماء ليكون بالتالي امتدادًا لهم في أصالته وروعته ..
حقًّا لاأعرف لماذا .. حينما أقرأ شعره يمتد أمامي البحر مسرحًا صاخبًا بالنجوم التي تحمل في تجاويف أضوائها رمال كل الصحاري مرَّةً !..وفي مراتٍ كثيرة أشعر أنني أمرق أزقة ( ينبع البحر الحالمة ) أقف أمام تلك المشربيات والرواشين أتنفس من رئة الشعراء العذريين وأنتظر ليلى وعفراء ولبنى تطل علي من شرفة ظلت سادرة تعانق القمر ..!
أعلم يقينًا أن هذا ليس تقديمًا لمجموعة شعرية جادة لست جديرًا بتقديمها .. لكنها لغة الحميمية والتوق الذي يحتويني وأنا أقلب صفحاتها الثرية لأجدني فجأة أمام قوله :
خذي بعينيك ماعانيت من سهري وجربي مرة مايفعل الســهرُ
وشاطريني عناء الليل واقتســـمي سقم النهار وما ألقى وأنتظرُ
من منَّا تنتشق أذنه عبير هذين البيتين ولايقف بهما ؟!!
هذان البيتان هما لغة التفكير التي تختلج في دواخلنا في كل موقفٍ عاطفي يمكن أن نمر به .. لكننا نعجز بالفعل أن نخرجه إلى مجرى الكلام ...!
في حين أن طه الشاعر جاء به مموسقًا يبرز فيه الشعور الإنساني في أبهى صوره وأنقاها التي تندمج فيه الأنا الناطقة بالأنا المتلقية فيندغم بالتالي الخاص بالعام تحت مظلة حميمية البوح الصامت ..!
هذا نموذج واحد لما يمكن أن تحتوي عليه الصفحات التي بين يدي ..
والتي من أهم مميزات قصائدها القصر.. مما يعني أن كل قصيدة فيها بمثابة كبسولة مضغوطة لكوة من الصور الشعرية المنتقاه بإتقان بديع.. بعيدًا عن الحشو والتوطئة للمعنى التي يقع ضحيتها جل الشعراء الملتزمين بالبناء الموسيقي التقليدي للقصيدة العربية ..
لن أسهب أكثر في الحديث عن هذه القصائد المتدفقة من ينبوع الأمس الثري لتكون بالتالي شرابًا سائغًا في حداثة مفرداتها وصورها .. لكنني اختم هذه الانطباعية بإيجاز وأقول إنها باختصار تجربة شعرية فريدة ومدهشة بالفعل ومكمن الدهشة فيها يتأتى من خلال إمساكها بطرفي جديلة متناقضين هما ( الحداثة والأصالة ) وهذا سر الإبداع عند هذا الشاعر الصديق ( طه بخيت ) ..!
إبراهيم أحمد الوافي