المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عبء الصداقة.. مع مُضطربي الشخصية..!



المعلم
27-10-2006, 04:57 PM
د.ابراهيم الخضير
من أجمل الأمور في حياة كلٍ منّا الصداقة.. الصداقة هي الشيء الذي نختاره بمحض إرادتنا، فنحن لا نختار آباءنا أو أمهاتنا أو أقاربنا، بينما نختار أصدقاءنا..! أصدقاؤنا هم الذين نتكئ على أكتافهم عندما نشعر بمتاعب تُثقل كاهلنا في مشوار الحياة. عادةً ما نختار الأصدقاء لأسباب تنبع من داخلنا، أحياناً بشعورٍ واضح ومشاعر صادقة تؤثر فينا وثمة مراتٍ نختار لأسباب لا نعيها تماماً، جزء من اللاوعي عندنا يُشير إلى هؤلاء الأشخاص الذين نرتبط معهم بعلاقاتٍ قوية، قد تكون في بعض الأحيان أكثر قُرباً من كثير من أشخاصٍ تربطنا بهم روابط دم وقُربى..!
الصديق الوفي، والذي قالت العرب قديماً إنه ثالث المسُتحيلات في الحياة "الخلُ الوفي..!". الصديق الوفي؛ الصديق الصدوق قد يكون فعلاً من الصعب أن تجده في حياتك، ولكن ربما يمنحك الله هذا الكنز الكبير حقاً.. الصديق الوفي، الذي تعتمد عليه في حياتك الصعبة ويُشاركك أفراحك ويفرح معك بها إذا منّ الله به عليك فإنها نعمةٌ لا تُقّدر بثمنٍ، ويعرف ذلك كل من رزقه الله صديقاً عزيزاً، وفياً أو كل من فقد صديقاً عزيزاً، كان أكثر من الأخ وربما كان من أقرب الناس إلى هذا الإنسان.

الوجه الآخر للصداقة، وهو أن تُخدع بأشخاص، يبهرونك في البدء بشخصياتهم الرائعة، ثم تكتشف مدى الخطأ الذي أوقعت به نفسك به، وكيف تورّطت في علاقةٍ مزُعجةٍ للغاية لك ولمن حولك..!

عادةً ما يكون بعض الأشخاص الذين يُعانون من اضطرابات شخصية مرضية - وللأسف نحن لا نعرف هذه الشخصيات، فليس ثمة علامةٍ على جبهة الشخص الذي يُعاني من شخصية مرضية من التي تُزعج وتُسبّب مشاكل جمة في العلاقة بها..!!-، في المقابلات الأولى رائعين.. يأسرونك بشخصياتهم الودودة.. اللطيفة، الذين تشعر بأنك وجدت الشخص الذي تُريد في حياتك كصديق.. هؤلاء الأشخاص يتصرفون وفق طبيعة شخصياتهم المرضية..!

هناك شخصيات اعتمادية، تشعر في البدء بأنهم أشخاص طيبون، تائهون في هذه الحياة تُريد أن تُساعدهم، وتكسب نوعاً من إرضاء الذات بمساعدة شخصٍ لطيف، طيب الرفقة، ثم تكتشف بأن هذه الشخصية وبالاً عليك.. خاصة إذا كان اضطراب الشخصية هذا ممزوجاً بالشخصية الحدية، وهي شخصية تحدثنا عنها قبل عدة أسابيع (Borderline Personality Disorder) هذا النوع من الأشخاص من أصعب الأشخاص الذين يُصعب التعايش معهم أو التخّلص منهم في الصداقة وكذلك في العلاقات العاطفية.!

حدثتني سيدة فاضلة، بأنها تعّرفت على إنسانة لطيفة، جاءت للعمل معهم كموظفةٍ جديدة. كانت هذه السيدة الأخرى (الموظفة الجديدة)، سيدة خجولة، انطوائية، لا تعرف كيف تتدبر أمورها في العمل. حاولت الموظفة القديمة، التي أشفقت عليها من العمل وسط مجتمعٍ جديد عليها و مناخ مُختلف عما كانت تعمله من قبل، أرادت مساعدتها والأخذ بيدها، وارتاحت لهذه السيدة اللطيفة الجديدة الخجولة، ولكن بعد فترة لم تطل، اتضحت الصورة الحقيقية للسيدة اللطيفة الخجول، بأنها سيدة مُتعبة.. اعتمادية، لا تقُدّر ظروف الطرف الآخر.. سلبية في أمور حياتها، تعتمد على السيدة التي أحسنت إليها. لا تُقدّر ظروف السيدة في حياتها الخاصة أو العامة، كل ما يهمها هو أن تُلبى رغباتها، بل إنها أصبحت عبئاً حقيقياً على هذه السيدة التي أشفقت عليها عندما جاءت جديدة للعمل. أصبحت شخصاً فضولياً، يُحب أن يعرف كل شيء عن حياة صديقتها الجديدة، وبعد ذلك بدأت توقع الصديقة في مآزق صعبة نتيجة سلوكياتها الصعبة في حياتها الخاصة..!

المهم أن السيدة المسكينة التي تورّطت في هذه العلاقة مع شخصية مختلفة عن الشخصية المحبوبة التي تعّرفت عليها..!

حاولت أن تتخلص من العلاقة معها بعد أن أصبحت عبئاً عليها بمعنى الكلمة.. أصبحت لا ترد على مُكالماتها، لكنها تجدها قد حضرت إلى المنزل دون موعد وتطرق الباب وتدخل دون أن تُقّدر الحياة الخاصة للإنسانة التي تعرّفت عليها منذ فترةٍ وجيزة.. كانت تأتي إلى المنزل وإذا لم تجد صاحبة المنزل موجودة فإنها تنتظر في المنزل وتتصرف كأنما هي صاحبة المنزل.. تُقلب الأغراض في المنزل، تدخل المكتبة، تُقلب الكُتب، وتطءلع على الأوراق وتقرؤها، وتبقى في المنزل حتى تأتي صاحبة المنزل التي أصبحت لا تعرف كيف تتعامل مع هذه الصديقة التي تورّطت في العلاقة بها وصداقتها..!

إننا نفرح بالتعّرف على شخصٍ نتوقع أن يكون صديقاً حميماً، وعوناً على الحياة القاسية التي قد لا نعرف ما تُخبئ لنا الأيام في مستقبلها، لكن التوّرط في مثل هذه العلاقات قد يجعلنا نمل ونخشى التورّط في علاقاتٍ قد تكون عبئاً بل ربما وبال علينا..!

إن اختيار الأصدقاء أمرٌ في غاية الصعوبة، خاصةً إذا كان التعرّف يأتي في وقتٍ قصير و باندفاعٍ قد ندفع ثمنه من راحتنا النفسية، وتتأثر بهذه الصداقة حياتنا العائلية والأسرية كما حدث مع هذه السيدة الكريمة التي أرادت أن تكوّن صداقة تحمل المحبة والمساعدة لهذه السيدة التي أصبحت وبالاً عليها حتى انها أصبحت تُعاني نفسياً جراّء هذه العلاقة التي كانت تتوقعها صداقة جميلة.

بالتأكيد لا نعرف جميعاً شخصية من نميل إليهم في البداية، ولكن هناك صعوبات في التخلص من مثل هذه العلاقة الشائكة، خاصةً إذا كان الشخص الآخر لا يقدر مثل هذه الصداقة، بل ولا يعرف حدوداً، و بطبيعة شخصيته المرضية لن يترك شخصاً وجد فيه ما يتمناه من تلبيةٍ لحاجاته النفسية.. لكن يجب أن لا نقف مكتوفي الأيدي بل يجب أن نضع حداً لمثل هذه العلاقات،حتى لو اضطررنا أن نكون قساةً أو غير مؤدبين لأن مثل هذه العلاقات لا تأتي بخير أبداً..! ثم إنه لن يلومنا أحد إذا ما حاولنا إصلاح خطأ جسيم ارتكبناه في حق أنفسنا وحق من يُحيطون بنا وهم فعلاً بحاجةٍ لأوقاتنا التي يحاول بعض الأشخاص الذين توّرطنا معهم في علاقة صداقة فكانت علاقة مُعاناة ومكابدة.. ليس عيباً أن نترك مثل هؤلاء الشخصيات المريضة قبل أن يُخربوا حياتنا التي تعبنا وعملنا بكل ما نملك من جهد لبنائها.. إذا كان لديك واحدٌ من هؤلاء الأصدقاء فأتركه الآن قبل أن يوقعك في مشاكل ويُدمر حياتك الأسرية وعلاقتك الاجتماعية الأخرى..!!!