المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأحلام وكل الأماني والآمال . . . حثونا عليها التراب!



محمد عبد الله الذبياني
22-10-2006, 12:08 PM
أسدر سائباً في مسارب الماضي ، أجول في رياض الذكريات ، أقطف من كل حقل زهرة ، لكل زهرة لون يفوح منها الأريج ،أرواها بماء زلال نقىّ كنقاءه صفىّ كصفاءه فبسقت أدواح الحب في أرجاءها وامتدت ظلالها وملأ الجِـواء ريّا زهرها ، هكذا ألج في سالفات الدهر فأنتشي بذكرى أيام ماضيات ، وأرتشف مِـمّـا كان من لقاءات ورحلات ، فيستبشر القلب فتشتاق النفس لهاتيك السالفات ولكن هيهات هيهات ، فلا إلاّ أن تلملم بقايا ما تسرب في دهاليز المكان وفي أوديه الزمان ، فالواقع لديه اعتي حجه وأكبر برهان ، هي كلمة من ثلاثة حروف تأبى إلا أن تلّج في الأذن كل حين ، وتتردد على القلب كل لحظة وتتمثل مع كل بسمه ، تقرنها بأغلى إنسان في حياتك، فتقنع نفسك وتقطع أنفاسك وتتصدع أعصاب رأسك .
أي باقة تريد؟ وأي ورد تصففه؟ أشواك إن جلت في ميادينها أدمت قلبك وجرحت مشاعرك وأبكت عينك ولن تشتم إلا رائحة الفناء وما فيها من الحزن والأسى، ليس أمامك إلا أن تعود حاذراً أن تطأ على رفات الذكريات.

الأيام . . . هذه هي الأيام توهمك أن لا يعكر صفوها عاكر ، فتقوم فجأة إلي عنوان سعادتك فتثله ، تأتيك على غره ، فتفجعك في أعز آمالك ، وتسلب منك من يحقق أحلامك ويداوي جراحك ، هو المبضع الشافي يطبب آلامك ويبعث الأمل في وجدانك ، أنها لا تنتظر منك إذن ولا تبالي بمواعيد ، ولا تأبه بكل جميل ، لن تلتفت أن قلت لها هذا من أقبس الجزل من فضله وأرى الفذ من نبله ، أضرب معه آفاق الحديث ، أتـقـرّى سلائقه وأتحرّى خلائقه ، أبثه أحزاني وأنفض إليه وفاضى ، لا يهمها كل ذلك فلن ترأف لحالك ولا تحزنها أحزانك ، هكذا تصيبك في القلب فلا تعلم كيف تسلطت عليه، فيشأزك ما يغشاك ، تجيش نفسك ثم تصعد إلي رأسك ثم تجده في قصبة أنفك فتتحجر الدموع في عينك ، يدق قلبك دقاً شديداً فلا تعلم ما ينتابك ولا تدرى ما أصابك، تصدقك نفسك بعواطفها ، وما يجيش بخلجاتها ، فتلطمك بإستفهاماتها ، تواليها عليك تباعاً فإذا . . .
إذا ماذا ؟
- إذا ما جاء العيد فمن يفيض على العيد بهاءه ؟ ومن يعيد له بسمته وصفاءه ؟
آهـ . . .كيف تثوب أفراح العيد وقد طوت الأيام مشعل أفراحها ؟ لا يا نفس لا تنتظري بعد اليوم عيد.
ثم كيف . . .
وكيف ماذا ؟
- كيف لا تخبوا البسمة ومنارها المنير أنطفأ ؟
- و كيف تسير في الظلام ، فمن يحمل مشاعل الضياء لتسير خلفه أفل؟
حملها عالياً فسطعت شمس أفراحك وبسماتك في أيهما وجهـة ٍ أدرت وأنـّى أرض وطأت.
- ألست قد ترعرت تتفيأ ظلاله ، ونموت تستلذ طيب ثمره ، وعشت تستنشق عبق زهره الصافي. ( والمنة لله أولاً)
فأي ظلال بعده تستفيئه ؟ وأي ثمر تستلذه ؟ وأي هواء تستنشقه؟
-أما كنت تنتعش بحديثه كما ينتعش النبات أرواه الماء؟.

- و إذا هلت الأمطار، ونزلت رحمات الخالق على الديار ، ثم إذا ما ثويت للوديان وقطعت الفيافي وجـُبت القفار، ألن تسألك عمّن سلخت معه الليالي والنهارات ، ألم ترتج هنا ضحكات ، وهناك قـُصت الحكايات ودامت السمرات بكل المسرات ، وفي ذاك اشتعلت الحوارات، وفي هذا أقيم الغداء ، وفي تلك العشاء ، أما جزتما هذه الوديان وولجتما تلك ، أما أنـّبـثت بسماته هنا وهناك فعمّت الأرجاء ثم سامت النجم فمست السماء ، أما قد تواعدتما على قضاء أيام ماتعه وأخذتم على ذلك الإصر؟
لا . . . لا يا نفس لا تنتظري بعد اليوم سعادة فليس لكي فيما بقى من العمر منها نصيب . . . هذا قدرك
وما ذا تريدين بعد اليوم وأي شئ بالله عليك تنتظرينه ؟
أفما تبصري إلا عشيه ساكتة لا يـُسمع فيها إلا الصمت ولا يُـرى إلا السكون.
أما ترين الليل قد دجى وامتد وألقى غلائله السود وأطفئ مصباح الكون، وليس لك إلا أن تقلبي الصفحات الفريدة على ضياء نجمه الذكرى التي تلمع في سواد حالك . . .

صـه . . . ذاك منادي يقول الأمل مادامت الحياة ؟؟

يا نفس . . . كل الناس تقول : الأمل البسام يلوح لليائس في غمرة القنوط ، ولا يدرون أن الأمل يا نفس هو من نعيناه .
فلم لعمرى ننسج بعده الآمال ؟ ، لقد أستنكف القلب عنها ، محا كل سطورها ، ونذر أن لا يخوض بحورها ، فكم من آمالك حققها ، وكم من أحلامك ترجمها ، كفاك يا نفس أن تعيشي ذكرها ، لقد خلت الحياة من الحياة فليس بعد اليوم سرور.

لقد ألغينا كل المواعيد ودفنا الأحلام وبجوارها الأماني وكل الآمال وكما حثونا على العزيز التراب نحثو عليها بلا تردد غير مبالين ولا آسفين فهي ليست بأعز من أعز الأعزاء .
مهلاً يانفس ، مهلاً . . . لقد أبقينا على أمل واحد ننشده رب العزة والجلال المتفضل على المؤمنين بالإحسان أن يشملنا بسعة رحمته وكريم عفوه وأن يقنا السيئات وأن يكتبنا من الفائزين فوزاً عظيماً فيجمعنا في الجنة .
لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

الخاتمة
نقطة . . . انتهى كل جميل





أخذ القلم يدون هذه الحروف بعد صلاة الفجر في نفس الوقت الذي لم تشأ قدرة الله أن يتم كالمعتاد مع من رئمته ، فما انثالت الكلمات وجرى القلم بما انبثق من الذاكرة يستلهما الحزن في من يتربع في دواخل الثلاث ، النفس والقلب والذاكرة حتى جاشت العين وزاد كمد القلب فانكفأت المعاني وانتحت وتزحزحت وابتعدت، وجف الحبر واعوجت أسنه الأقلام فاسودت القراطيس . . . أسودت إلي الأبد ، وازدلفت بقايا الذكرى إلي مكامنها.

بعد فجر يوم الخميس السابع عشر من الشهر السادس لعام سبعة وعشرون بعد الأربع ماية والألف