المعلم
07-09-2006, 12:24 PM
ممدوح المهيني
تهرع بعد غد جموع من الصغار الدامعين والمذعورين نحو بناء جديد وغريب هو المدرسة، إن هذا اول اختبار حقيقي يخوضه الأطفال في مسيرة حياتهم، قبل هذا كان هناك خيط شفاف يربط الطفل بعائلته، مهما ابتعد عنهم يشعر بأنه تحت أنظارهم وفي نطاق حدودهم التي لن يتجاوزها خطوة حتى يصرخوا باسمه، ولكن اليوم الأول في المدرسة يبدو أول متاعب الحياة الفعلية ويفكر الأطفال بعد أن يضعهم أبويهم في هذا المكان الغريب ووسط هذه الوجوه الجديدة أنهم رموه بدون رحمة في مواجهة مع المجهول.
يبدو اليوم الأول في المدرسة من بين الذكريات القلائل في الحياة التي لا تمحى، أسأل أي صديق عن أول ايامه المدرسية ولا تستغرب أن يغمره الحنين وهو يستذكر تلك المشاهد التي أشبه بفيلم سوريالي مكان جديد وأنظمة جديدة وجوه لأول مرة يشاهدها وأشخاص لا يعرفهم يسمون أنفسهم مدرسين وباحة واسعة مكتظة بالزحام وشعاع صباحي قوي مزعج وأبواق صادحة وأبوك يذهب ويتركك وحيدا كل هذا يختلط ويدور عليك وكأنه حلم وأنت إن لم تكن انخرطت في نوبة عنيفة من البكاء أو تماسكت وأخفيت الذعر بجوفك فانك ستشعر أن هذا اليوم هو أسوأ أيام حياتك خلال السبعة أعوام الماضية التي تعادل عمرك.
ينقسم الأولاد في الغالب إلى ثلاثة أقسام: البكاءون والمتجلدون واللامبالون وهذه أقل الفئات في اليوم الأول بالمدرسة يشعر الطفل انه بالعراء بعد أن تخلى عنه أهله وأصبح مسؤولا عن نفسه انه لم يفكر بهذا الشيء على الاطلاق لأنه اعتقد أن كل شيء سيأتيه عن طريق أبويه، وبوجود اعداد كبيرة من البشر الذي لا يعرفهم مع وجود أنظمة تجبره على الجلوس والقيام والدخول والخروج والصمت والكلام كل هذا سيجعله أصعب وأغرب اختبار يواجهه.
في السابق كان الدخول إلى المدرسة أشد قسوة من الآن، الوضع الحالي يعتمد على أيام تمهيدية تحاول أن تسهل انخراط الطالب في المدرسة، في السابق كان أي طالب تفر من عينيه دمعة واحدة معرض لتلقي لطمة على خده أو ضربة مفاجئة بالعصا على ظهره.
يقول محمد العمرو (37 عاما): (ذلك اليوم من أقسى أيام حياتي على الاطلاق، كنت مدللا في حضن والدي وفوجئت برجال لا أعرفهم يلوحون بالعصا ويهددون بضرب كل من لا يمتثل لأوامرهم أو يبكي كالنساء، لم استطع الا ان ابكي حالتي المأساوية ولكن المدرس ضربني بقوة وهو يطلب مني أن أسكت، حاولت أن أسكت ولكني استطعت في النهاية أن أغلق فمي ودموعي تنهمر على وجهي وتتسرب من بين شفتي وكان هذا حلاً مرضياً ومناسباً لمدرسي صاحب العينين المخيفتين).
هذا الوضع القاسي تغير بعد ذلك وأصبح أكثر نعومة، ولكن الذين في عمر الثلاثين يدركون انها كانت نعومة مزيفة ومخادعة، في أول يوم يوزعون البسكويت والفشار ولكن في اليوم الثاني يمكن أن تتلقى صفعة من المدرس الذي تحول بين يوم وليلة من شخص رقيق إلى شخص غليظ قد يوجه لك صفعة اذا بالغت في البكاء.
يقول فيصل العبيد (27 عاما): (في اليوم الأول بكيت كثيرا بعدما تركني أبي فجأة وسط ساحة المدرسة ذهبت للفصل البارد، وزعوا علينا كيساً من الفش فاش وعصير البرتقال المصاص وكان المدرسون يدخلون ويخرجون وهم يطبطون علينا ويسمعوننا بعض الكلمات التشجيعية في اليوم التالي حدث نفس الشيء، هرب ابي من بين يدي بعد ان سلمني للمدرس الذي سار بي الى فصلي، لم يكن هناك لافش فاش ولا عصير ولا كلمات مهدئة. عندما لم أتوقف عن البكاء وجه لي المدرس صفعة قوية في اليوم الثالث هربت من المدرسة في الصباح قبل ان يغلقوا الأبواب ولكن امي اعادتني محمولا من أذني لمسافة كيلومتر كانت أياماً سيئة جدا ولم تتغير ذكراها في ذهني الا قبل بضعة أعوام).
هذه الأيام الأوضاع تبدو أكثر دلالا، هناك اسبوع ترحيبي بالطلاب الصغار يجلب لهم الأكل والألعاب وتوضع في ساحات المدرسة ألعاب مطاطية يقفزون فوقها، ولكن هذا ربما لم يغير كثير شعور الذعر الذي يصيب الأطفال مع دخول المدرسة هناك اطفال وصلوا للصف الثالث الابتدائي ولا زال آباؤهم يذهبون معهم للمدرسة في الأيام الأولى.
تقول نورة الشمري: (جميع الطلاب يصابون بالذعر ولكن مقدار هذا يرجع للطفل نفسه، ابنتي فيء دخلت المدرسة ولم اعان معها الكثير من المشاكل المتعلقة بالاندماج ولكني ما زلت اذهب مع ابنتي عبير وهي الآن في الصف الثالث).
يقول الاستاذ محمد حمد الحربي: (نقوم بالكثير من التحضيرات والتجهيزات لنجعل الطلاب الصغار يندمجون في مفهوم المدرسة والدراسة بأسرع وقت، المشاكل الآن أقل من السابق ولكن هناك الكثير من الأطفال الذين يشعرون بالخوف لمدة طويلة).
بالنسبة للفتيات فإن الأمر قد يبدو أصعب، الفتيات رقيقات بطبعهن وأي شيء قادر على افزاعهن وهن لا يخرجن كثيرا من البيت ولا يبتعدن عن أمهاتهن الا اذا تزوجن.
تقول المعلمة آمال محمد:«نقوم بأسبوع تمهيدي ونبذل فيه جهوداً كبيرة نزركش الغرف ونزينها.. البنات يكن سعيدات وأمهاتهن قريبات منهن.
الأوضاع تبدو جيدة يوم السبت في الاسبوع الثاني ينقلب الوضع رأسا على عقب وتبكي البنات كلهن بصوت واحد يأكلن الشيكولاته ويشربن العصير وبعد أن تفرغ الواحدة منهن تقول: «ابي ارجع البيت.. ابي ماما» بعد ذلك يتم استخدام سياسة الشدة وتنساب الأمور ولكن يظل هناك جزء مرتعب يسكن بأعماقهن ويبقى ربما لسنوات».
هناك الآن آلاف الطلاب والطالبات سيذهبون الى المدارس بعد غد. ياصغاري الأعزاء استعدوا ليومكم الصعب والمخيف الأول في الحياة. مرحبا بكم في الحياة الحقيقية..
تهرع بعد غد جموع من الصغار الدامعين والمذعورين نحو بناء جديد وغريب هو المدرسة، إن هذا اول اختبار حقيقي يخوضه الأطفال في مسيرة حياتهم، قبل هذا كان هناك خيط شفاف يربط الطفل بعائلته، مهما ابتعد عنهم يشعر بأنه تحت أنظارهم وفي نطاق حدودهم التي لن يتجاوزها خطوة حتى يصرخوا باسمه، ولكن اليوم الأول في المدرسة يبدو أول متاعب الحياة الفعلية ويفكر الأطفال بعد أن يضعهم أبويهم في هذا المكان الغريب ووسط هذه الوجوه الجديدة أنهم رموه بدون رحمة في مواجهة مع المجهول.
يبدو اليوم الأول في المدرسة من بين الذكريات القلائل في الحياة التي لا تمحى، أسأل أي صديق عن أول ايامه المدرسية ولا تستغرب أن يغمره الحنين وهو يستذكر تلك المشاهد التي أشبه بفيلم سوريالي مكان جديد وأنظمة جديدة وجوه لأول مرة يشاهدها وأشخاص لا يعرفهم يسمون أنفسهم مدرسين وباحة واسعة مكتظة بالزحام وشعاع صباحي قوي مزعج وأبواق صادحة وأبوك يذهب ويتركك وحيدا كل هذا يختلط ويدور عليك وكأنه حلم وأنت إن لم تكن انخرطت في نوبة عنيفة من البكاء أو تماسكت وأخفيت الذعر بجوفك فانك ستشعر أن هذا اليوم هو أسوأ أيام حياتك خلال السبعة أعوام الماضية التي تعادل عمرك.
ينقسم الأولاد في الغالب إلى ثلاثة أقسام: البكاءون والمتجلدون واللامبالون وهذه أقل الفئات في اليوم الأول بالمدرسة يشعر الطفل انه بالعراء بعد أن تخلى عنه أهله وأصبح مسؤولا عن نفسه انه لم يفكر بهذا الشيء على الاطلاق لأنه اعتقد أن كل شيء سيأتيه عن طريق أبويه، وبوجود اعداد كبيرة من البشر الذي لا يعرفهم مع وجود أنظمة تجبره على الجلوس والقيام والدخول والخروج والصمت والكلام كل هذا سيجعله أصعب وأغرب اختبار يواجهه.
في السابق كان الدخول إلى المدرسة أشد قسوة من الآن، الوضع الحالي يعتمد على أيام تمهيدية تحاول أن تسهل انخراط الطالب في المدرسة، في السابق كان أي طالب تفر من عينيه دمعة واحدة معرض لتلقي لطمة على خده أو ضربة مفاجئة بالعصا على ظهره.
يقول محمد العمرو (37 عاما): (ذلك اليوم من أقسى أيام حياتي على الاطلاق، كنت مدللا في حضن والدي وفوجئت برجال لا أعرفهم يلوحون بالعصا ويهددون بضرب كل من لا يمتثل لأوامرهم أو يبكي كالنساء، لم استطع الا ان ابكي حالتي المأساوية ولكن المدرس ضربني بقوة وهو يطلب مني أن أسكت، حاولت أن أسكت ولكني استطعت في النهاية أن أغلق فمي ودموعي تنهمر على وجهي وتتسرب من بين شفتي وكان هذا حلاً مرضياً ومناسباً لمدرسي صاحب العينين المخيفتين).
هذا الوضع القاسي تغير بعد ذلك وأصبح أكثر نعومة، ولكن الذين في عمر الثلاثين يدركون انها كانت نعومة مزيفة ومخادعة، في أول يوم يوزعون البسكويت والفشار ولكن في اليوم الثاني يمكن أن تتلقى صفعة من المدرس الذي تحول بين يوم وليلة من شخص رقيق إلى شخص غليظ قد يوجه لك صفعة اذا بالغت في البكاء.
يقول فيصل العبيد (27 عاما): (في اليوم الأول بكيت كثيرا بعدما تركني أبي فجأة وسط ساحة المدرسة ذهبت للفصل البارد، وزعوا علينا كيساً من الفش فاش وعصير البرتقال المصاص وكان المدرسون يدخلون ويخرجون وهم يطبطون علينا ويسمعوننا بعض الكلمات التشجيعية في اليوم التالي حدث نفس الشيء، هرب ابي من بين يدي بعد ان سلمني للمدرس الذي سار بي الى فصلي، لم يكن هناك لافش فاش ولا عصير ولا كلمات مهدئة. عندما لم أتوقف عن البكاء وجه لي المدرس صفعة قوية في اليوم الثالث هربت من المدرسة في الصباح قبل ان يغلقوا الأبواب ولكن امي اعادتني محمولا من أذني لمسافة كيلومتر كانت أياماً سيئة جدا ولم تتغير ذكراها في ذهني الا قبل بضعة أعوام).
هذه الأيام الأوضاع تبدو أكثر دلالا، هناك اسبوع ترحيبي بالطلاب الصغار يجلب لهم الأكل والألعاب وتوضع في ساحات المدرسة ألعاب مطاطية يقفزون فوقها، ولكن هذا ربما لم يغير كثير شعور الذعر الذي يصيب الأطفال مع دخول المدرسة هناك اطفال وصلوا للصف الثالث الابتدائي ولا زال آباؤهم يذهبون معهم للمدرسة في الأيام الأولى.
تقول نورة الشمري: (جميع الطلاب يصابون بالذعر ولكن مقدار هذا يرجع للطفل نفسه، ابنتي فيء دخلت المدرسة ولم اعان معها الكثير من المشاكل المتعلقة بالاندماج ولكني ما زلت اذهب مع ابنتي عبير وهي الآن في الصف الثالث).
يقول الاستاذ محمد حمد الحربي: (نقوم بالكثير من التحضيرات والتجهيزات لنجعل الطلاب الصغار يندمجون في مفهوم المدرسة والدراسة بأسرع وقت، المشاكل الآن أقل من السابق ولكن هناك الكثير من الأطفال الذين يشعرون بالخوف لمدة طويلة).
بالنسبة للفتيات فإن الأمر قد يبدو أصعب، الفتيات رقيقات بطبعهن وأي شيء قادر على افزاعهن وهن لا يخرجن كثيرا من البيت ولا يبتعدن عن أمهاتهن الا اذا تزوجن.
تقول المعلمة آمال محمد:«نقوم بأسبوع تمهيدي ونبذل فيه جهوداً كبيرة نزركش الغرف ونزينها.. البنات يكن سعيدات وأمهاتهن قريبات منهن.
الأوضاع تبدو جيدة يوم السبت في الاسبوع الثاني ينقلب الوضع رأسا على عقب وتبكي البنات كلهن بصوت واحد يأكلن الشيكولاته ويشربن العصير وبعد أن تفرغ الواحدة منهن تقول: «ابي ارجع البيت.. ابي ماما» بعد ذلك يتم استخدام سياسة الشدة وتنساب الأمور ولكن يظل هناك جزء مرتعب يسكن بأعماقهن ويبقى ربما لسنوات».
هناك الآن آلاف الطلاب والطالبات سيذهبون الى المدارس بعد غد. ياصغاري الأعزاء استعدوا ليومكم الصعب والمخيف الأول في الحياة. مرحبا بكم في الحياة الحقيقية..