المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متى ينقلب السحر على الساحر ؟؟ بقلم أبو سفيان



محمد عبد الله الذبياني
25-06-2006, 12:39 PM
وجدت هذا الموضوع الثرى جداً والذي خطته يد المربي الفاضل الأستاذ عواد الصبحي المشرف العام بالمنتدى وجدته في موقعة الشخصى وقد حوى في مضمونه درراً ثمينة بعد أن أجمل وأوجز في عرضه ، لا أدعوا لقراءه هذا الموضوع مره واحدة فقط بل مرات .


متى ينقلب السحر على الساحر ??

باسم الله العادل في حكمه ، الشديد في أخـذه وبطشه ، الحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم .. يـُعين منْ يلتجئ إليه ، ويـُنجي منْ يعتـمد عليه .. فينقلب السحر على الساحر..

وهـذا مثل مشهور يُستشهد به في مواقع الدلالة وإثبات الحدث ؛؛ ولكن متى يحدث هــذا الانقلاب ؟؟

إنه يحدثُ في أحوال كثيرة عندما يجد شخص نفسه في موقع لا يـُحسد عليه من الإذلال والمهانة والفشل في تحقيق مقاصده السيئة بإيـذاء الآخرين والترصد لهم والتخطيط للنيل منهم فيصبح في موقف المـدان الذي يبحث عن مخرج من هـذا المأزق وعندها ينقلب السحر على الساحر

كما ينقلب السحر على الساحر في مواطن كثيرة عندما يـُعجب إنسان بنفسه إعجابا غير مشروع ؛؛ ويزين له الشيطان سوء عمله ويرى نفسه من أهل الخير والصلاح ؛؛ فالإعجاب بالنفس أحد المهلكات الأخلاقية التي سماها علماؤنا: "معاصي القلوب " وقد حذر منها الحديث النبوي الشريف
" ثلاث مهلكات: شح مطاع , وهوى متبع , وإعجاب المرء بنفسه"
ويؤكد أهل العلم أنّ هذا ما وقع فيه الخوارج في فجر الإسلام , والذين كانوا من أشد الناس تمسكا بالشعائر التعبدية , صياما وقياما وتلاوة قرآن , ولكنهم أتوا من فساد الفكر, فـزُين لهم سوء عملهم فرأوه حسنا , وضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.. وهذا الصنف من الناس مغرور بعمله ، يضع شخصه في مصاف المتقين الأبرار، وفي الوقت نفسه يستصغر غيره ويراهم ضالين لاينالون رحمة ، ولا تشملهم مغفرة إلا بنصحه وهدايته وإرشاده ...وقد ذكر لي أحد الإخوة أن خطيبا من هذا الصنف في إحدى المدن المجاورة صعد المنبر وأدى خطبة الجمعة وفي آخرها قال :
" والله يا إخـوان إنني لا أضمن لنفسي الجنة فكيف أنتم " !!! فتبسم المصلون استخفافا بهذا التفكير الأعرج وأصبحت سيرة هذا الخطيب على ألسنة العامة ..فانقلب سحره عليه .
وهكذا .... فالمحامي الذي يترافع في قضية خاسرة لن تنفعه مرافعاته وبيانه عندما ينكشف المستور وتصبح محاماته مزيدا من إثبات إدانة موكله .
وينقلب السحر على الساحر عندما تبلغ الحماقة بإنسان أن يشكك في نوايا البشر ويحاسبهم على المظنة وما يمليه عليه خياله ـ والشك يخرج لا ريب من رحم عقلية مريضة ــ ؛؛ فكلما كانت النوايا سيئة كان العبء ثقيلا على صاحبه فلا يجد إلا مسارا يقوده إلى نفق مظلم .
وينقلب السحر على الساحر عندما يحصد الإنسان ما زرعه من أحقاد وضغائن فينبذه المجتمع ولات ساعة منـدم

وينقلب السحر على الساحر عندما يفصّـل الإنسان ثوبا لنفسه أكبر من حجمه ، وأوسع من جسمه ويظن بنفسه أنه في عداد الأتقياء الورعين ، وفي دائرة الداعين الخيرين ، فلما ينكشف أمره وتتضح سطحيته يصبح أضحوكة بين الناس وسخرية لكل من رآه شكلا وموضوعا ؛؛

أسوق لكم هذه القصة التي قرأتها عن رجل يقال عنه متدين وملتزم

ذهب إلى جامعة من الجامعات في إحدى بلدان العالم الإسلامي، فوجد فيها تيارات علمانية ، وغزوا فكريا مركزا ، وتوجهات مسيئة للعقيدة وعندما فشل في التعامل مع هذا الوضع بالحكمة رجع من هناك ليقول: إنهم أشخاص سوء ، إنهم يدخنون ليل نهار ولا تسقط السجائر من أفواههم !!
بهذه السطحية يتعامل البعض مع أهم الأشياء وأكثرها حساسية فهو لا يرى منكرا أعظم من التدخين !! وعندها سينظر الناس لهذا الشخص نظرة احتقار فينقلب عليه سحره الذي غش به الناس وادعاءه بأنه من أهل التقى والصلاح يتقلب في مجالسهم ويدعي العمل بعملهم ..
ومن السحرة المعجبين بأنفسهم من يصنفون أنفسهم مع الأبطال ، ويقولون ما يعتقدون أنه كلام جريء ليلفتوا الأنظار بجرأتهم وتطاولهم على الأكابر والفضلاء من الناس وعندما لا يصدقهم أحد ينقلب سحرهم عليهم فينالون قسطا وافرا من السخرية والاستهزاء
وأيضا ينقلب السحر على الساحر عندما يتعصب الإنسان لرأيه ويحقد على من يخالفه في رأي أو سلوك تبعا لوجهة نظره الضيقة وعندما يعجز عن المحاورة والإتيان بالدليل ومقارعة الحجة بالحجة يتهم الآخرين في دينهم وعقيدتهم ويجرّمهم بالمعصية أو الابتداع أو احتقار السنة، أو ما شاء له من سوء الظن ولا يكاد ينجو أحد ممن يخالفه من هذه التهم الظالمة
وينقلب السحر على الساحر عندما يرجـّح أحدهم احتمال الشر على احتمال الخير في تصرفات أخيه المسلم ؛؛ وذلك خلافاً لما ذكره علماء الأمة من أن الأصل حمل حال المسلم على الصلاح والعمل على تصحيح أقواله وتصرفاته بقدر الإمكان. فتجد هؤلاء يفرحون بما يظنون ، وتراهم يطبـّلون وينتشون وعندما تظهر الحقائق ينتكسون وينقلب عليهم سحرهم وبالا وخزيا أمام الجميع .
وأخيرا ينقلب السحر على الساحر عندما يستخدم بعض المغرضين التحريض وسيلة ، والغيبة منهجا ، ويستغـلون وجودهم للإيقاع بمن لا يؤيد رأيهم ، ولا يـُصنف من فـئتهم فيقلبون الحق باطلا، ويزينون أفعالهم لغيرهم ويلبسونها لباس الدين كي يأخذوا تأشيرة المرور .. لكنهم في النهاية ينقلب سحرهم عليهم وتكون حجتهم إدانة لسوء سلوكهم ، ومهانة يتجرعونها ، وذلا يلاحقهم صباح مساء
أما الطامة الكبرى فهي التي تأتيك ممن كنتَ تعتقد أنه من المخلصين الأوفياء
وأهلا للصداقة والوفاء ، يستحسن حديثك ، ويثني على منهجك ، ويمتدح سلوكك ويسحرك بحلو كلامه ، وجميل خصاله ؛؛؛وفجأة وبدون إنـذار يكن لك العـداء ، ويكيد لك في الخفاء ، ويعلن استعداده أن يشهد ضدك عند القضاء حتى ولو كانت شهادة زور وابتــلاء !!

فسبحان مغير الأحوال ، ومبدل أخلاق الرجال ؛؛؛ وهذا الصنف من البشر ينقلب عليهم سحرهم ندامة وحسرة وتأنيبا للضمير لا ينقطع ..

والعلة في فشل هؤلاء السحرة وكل من ينهج على منوالهم أن قراءتهم للأمور قراءة خاطئة ؛ فهي قراءة على قـدر فهمهم ، وفي مستوى إدراكهم ومن الطبيعي أن تكون النتائج خاطئة ووبالا عليهم . والعلة تكمن أيضا في عقلية بعض الواهمين ممن يعتقدون أنهم قادرون على تشويه سمعة الشرفاء فينقلب سحرهم عليهم وتصبح سمعتهم في الحضيض
هذه مجرد أمثلة بسيطة وهناك إحصائيات وقصص كثيرة لهؤلاء السحرة فهم شرائح من البشر يعيشون بيننا ويتبادلون معنا الكلام والضحك وأجمل العبارات ؛؛ ولكنهم منهزمون من الداخل لا يثقون بأنفسهم وعند ما يواجهون مصيرهم لا يجدون أمامهم إلا سهام الشر والحقد والكراهية يوجهونها لكل من لا يسير في ركابهم وإلى كل من لا يوافق هواهم ..
ولو بحثوا وتمعنوا ـ إن كانت لهم قلوب يفقهون بها ، أو لهم أعين يبصرون بها أو لهم ءاذان يسمعون بها ـ
لوجدوا أن أسباب فشلهم نابع من دواخلهم وليس لأي شخص تأثير عليهم إلا بما يتوهمونه وما يرسمونه في مخيلتهم وما تظهره أمزجتهم الفاسدة ..
إن بعض مرضى القلوب لا ينظرون إلى الآخرين إلاَّ من خلال منظار أسود ، الأصل عندهم في الناس أنهم سيئون ، والمؤكد لديهم أنهم مدانون ، بينما يقول رب العزة والجلال

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}

وأما السنة فقد ورد فيها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظنّ؛ فإن الظن أكذبُ الحديث وقد قال بعض العلماء
وكل من رأيته سيئ الظن بالناس طالبًا لإظهار معايبهم فاعلم أن ذلك لخبث باطنه ، وسوء طويته فإن المؤمن يطلب المعاذير لسلامة باطنه ، والمنافق يطلب العيوب لخبث باطنه
فإياك أخي والظن، وادع ربك أن يصرف عنك خواطر السوء، وإن لم تستطع أن تدفع عن نفسك فلا أقل من السكوت وعدم الكلام بما ظننت لعلك تسلم ، فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة وإلاَّ فإني لا أخالك ناجيًا
ختاما : اللهم يا رب اهد ِ حيارى البصائر إلى نورك ، وضُلاَّل المناهج إلى صراطك ، والزائغين عن السبيل إلى هداك

******

عواد محمود الصبحي ـ 12/3/1427هـ