الغفاري
19-04-2006, 12:21 AM
كتبه عبد الرحمن اللاحم
أصدر مجلس الوزراء في 14/9/1401ه قراراً يحمل الرقم 167 وتضمن ذلك القرار جملة من القضايا كان من أبرزها التوجيه بتدريس الأنظمة في المعهد العالي للقضاء وفي كليات الشريعة إضافة إلى إنشاء محاكم متخصصة للفصل في المنازعات التجارية والعمالية والمرورية طبقاً للأنظمة والتعليمات وأن تخصص دائرتان لتمييز أحكامهما ونص القرار على (تشكيل) لجنة لدراسة تنفيذ القرار ورفع توصياتها ولا نعلم عن توصيات تلك اللجنة لكن الذي نعلمه أن فحوى ذلك القرار لم ينفذ بكامله مع أهميته وإمكانية أحداثه (هزة) جذرية لو تم تطبيقه - في حينه- في تحديث مشهدنا القضائي وخصوصاً وأننا نتحدث عن ربع قرن كانت كفيلة بأن تبني قيادات قضائية تجمع بين التخصص الشرعي والقانوني.
والذي يهمنا في ذلك القرار - في هذا المقال - هو ما يتعلق بتدريس المواد القانونية في الكليات الشرعية والتي تعد الجهة الأكاديمية المتخصصة في إعداد كوادر المؤسسة القضائية ولاسيما وأن الأوضاع القانونية تغيرت بشكل كبير منذ صدور قرار مجلس الوزراء المذكور حيث تم تشريع جملة من الوثائق القانونية المتعلقة بشكل مباشر بالعملية القضائية كان من أبرزها الأنظمة العدلية الثلاثة (نظام المرافعات الشرعية - نظام الإجراءات الجزائية - نظام المحاماة)
وبالتالي أصبحت النصوص القانونية حاضرة في المداولات القضائية بخلاف ما كانت عليه في السابق فالدعوى من حيث الشكل أصبحت محكومة بنظام إجرائي مدون يحكم الخصومة ويلتزم كافة أطراف الخصومة بتطبيقه والإذعان له بخلاف ما كانت عليه بالسابق حيث لا يوجد نظام إجرائي يحكم إيقاع سير الدعوى ويحدد حقوق المتقاضيين وصلاحيات القاضي.
لذا وبما أن كليات الشريعة هي الجهة الأكاديمية التي تخرج أضلاع العملية القضائية من قضاة ومحامين وأعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام فإنه من الضروري إعادة النظر في مناهج كليات الشريعة التي غابت عنها المواد القانونية وثقافتها بشكل كامل فنجد أن الطالب يتخرج ويكون مهيأ (نظامياً) لتولي إحدى الوظائف القضائية دون أن يكون قد خضع لدراسة أية مادة تتعلق بالأنظمة المطبقة في المحاكم والتي تحتم عليه مهامه الوظيفية التعامل معها بشكل يومي سواء كانت أنظمه إجرائية أو كانت أنظمة موضوعية وهو الأمر الذي يعيق تطور الكوادر القضائية ويعطل الكثير من الأنظمة ويحد من تطويرها كي تتلاءم مع الحراك التحديثي في المملكة العربية السعودية.
وفي قراءة لخارطة المناهج في كلية الشريعة التابعة لجامعة الإمام نجد أن الطالب يتلقى على سبيل المثال (6) ساعات في مادة التربية(22) ساعة في ماده النحو و(4) ساعات في مناهج بحث وطرق تدريس حتى ان المواد الاختيارية المقررة على الطالب طوال ثمانية فصول دراسية لم يكن لدراسة الأنظمة أي نصيب منها والمثير للدهشة أن مادة ثانونة بالنسبة لطلاب الشريعة مثل للغة الإنجليزية كانت حاضرة في الخارطة الدراسية بواقع ساعتين دراسيتين في الوقت الذي غُيبت فيه المواد الأساسية عن منهاج الكلية.
لذا فإن أي خطوة نحو تحديث القضاء لابد أن تبدأ بمراجعة جذرية لتلك المناهج التي يتلقاها طالب كلية الشريعة حيث انه الشخص الذي سينوء بحمل عبء إدارة العملية القضائية والمشاركة فيها وبالتالي لابد أن يهيأ من الناحية العقلية بحيث يستطيع التعامل مباشرة مع النصوص القانونية وجذورها الفلسفية ويهيأ من الناحية العلمية عن طريق تلقيه مناهج قانونية مركزة حتى يكون قادراً على ممارسة العملية القضائية والتعامل مع النصوص النظامية بشكل جيد حتى لا تفقد تلك الأنظمة العائد المرجو من تشريعها أو تُفرغ من محتواها لأنه لا يمكن مواصلة سن الأنظمة الحديثة دون تدريب وتأهيل من يقوم بالتعامل معها وتطبيقها على أرض الواقع.
إضافة إلى ذلك فإن تدريس المواد القانونية وجعلها قريبة من الطالب سيساهم بشكل كبير في خلخلة الكثير من الأفكار المترسخة لدى جملة من المنخرطين في الكليات الشرعية والذين لا زالت تنتابهم شكوك وريبة تجاه أي مفردة أو مصطلح قانوني حيث لا زال الكثير منهم يعتقد بأن (القانون) إنما هو مرادف (لتحييد شرع الله) لأن فكرة التقنين لا زالت تثير لديهم حرجاً شرعياً بسبب الرواسب التاريخية حول هذه القضية بالذات وبالتالي فإن قراراً بإدخال مقررات القانونية إلى كليات الشريعة سيساهم في تصحيح تلك الأفكار المغلوطة كما انه سيساهم في خلق أنموذجنا التشريعي الخاص وفقاً لثوابتنا الشرعية وموروثنا الثقافي.
نحن بحاجة إذا ما أردنا أن نحدث القضاء أن نوجد أرضية بشرية تستطيع أن تتفاعل مع التطور التشريعي وتتحرر من التراكمات الأيدلوجية السابقة وهذا لن يحدث إلا من خلال مقاعد الجامعة وعلى وجه التحديد من مقاعد كليات الشريعة في المملكة.
محام وكاتب سعودي
مـنقــول
أصدر مجلس الوزراء في 14/9/1401ه قراراً يحمل الرقم 167 وتضمن ذلك القرار جملة من القضايا كان من أبرزها التوجيه بتدريس الأنظمة في المعهد العالي للقضاء وفي كليات الشريعة إضافة إلى إنشاء محاكم متخصصة للفصل في المنازعات التجارية والعمالية والمرورية طبقاً للأنظمة والتعليمات وأن تخصص دائرتان لتمييز أحكامهما ونص القرار على (تشكيل) لجنة لدراسة تنفيذ القرار ورفع توصياتها ولا نعلم عن توصيات تلك اللجنة لكن الذي نعلمه أن فحوى ذلك القرار لم ينفذ بكامله مع أهميته وإمكانية أحداثه (هزة) جذرية لو تم تطبيقه - في حينه- في تحديث مشهدنا القضائي وخصوصاً وأننا نتحدث عن ربع قرن كانت كفيلة بأن تبني قيادات قضائية تجمع بين التخصص الشرعي والقانوني.
والذي يهمنا في ذلك القرار - في هذا المقال - هو ما يتعلق بتدريس المواد القانونية في الكليات الشرعية والتي تعد الجهة الأكاديمية المتخصصة في إعداد كوادر المؤسسة القضائية ولاسيما وأن الأوضاع القانونية تغيرت بشكل كبير منذ صدور قرار مجلس الوزراء المذكور حيث تم تشريع جملة من الوثائق القانونية المتعلقة بشكل مباشر بالعملية القضائية كان من أبرزها الأنظمة العدلية الثلاثة (نظام المرافعات الشرعية - نظام الإجراءات الجزائية - نظام المحاماة)
وبالتالي أصبحت النصوص القانونية حاضرة في المداولات القضائية بخلاف ما كانت عليه في السابق فالدعوى من حيث الشكل أصبحت محكومة بنظام إجرائي مدون يحكم الخصومة ويلتزم كافة أطراف الخصومة بتطبيقه والإذعان له بخلاف ما كانت عليه بالسابق حيث لا يوجد نظام إجرائي يحكم إيقاع سير الدعوى ويحدد حقوق المتقاضيين وصلاحيات القاضي.
لذا وبما أن كليات الشريعة هي الجهة الأكاديمية التي تخرج أضلاع العملية القضائية من قضاة ومحامين وأعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام فإنه من الضروري إعادة النظر في مناهج كليات الشريعة التي غابت عنها المواد القانونية وثقافتها بشكل كامل فنجد أن الطالب يتخرج ويكون مهيأ (نظامياً) لتولي إحدى الوظائف القضائية دون أن يكون قد خضع لدراسة أية مادة تتعلق بالأنظمة المطبقة في المحاكم والتي تحتم عليه مهامه الوظيفية التعامل معها بشكل يومي سواء كانت أنظمه إجرائية أو كانت أنظمة موضوعية وهو الأمر الذي يعيق تطور الكوادر القضائية ويعطل الكثير من الأنظمة ويحد من تطويرها كي تتلاءم مع الحراك التحديثي في المملكة العربية السعودية.
وفي قراءة لخارطة المناهج في كلية الشريعة التابعة لجامعة الإمام نجد أن الطالب يتلقى على سبيل المثال (6) ساعات في مادة التربية(22) ساعة في ماده النحو و(4) ساعات في مناهج بحث وطرق تدريس حتى ان المواد الاختيارية المقررة على الطالب طوال ثمانية فصول دراسية لم يكن لدراسة الأنظمة أي نصيب منها والمثير للدهشة أن مادة ثانونة بالنسبة لطلاب الشريعة مثل للغة الإنجليزية كانت حاضرة في الخارطة الدراسية بواقع ساعتين دراسيتين في الوقت الذي غُيبت فيه المواد الأساسية عن منهاج الكلية.
لذا فإن أي خطوة نحو تحديث القضاء لابد أن تبدأ بمراجعة جذرية لتلك المناهج التي يتلقاها طالب كلية الشريعة حيث انه الشخص الذي سينوء بحمل عبء إدارة العملية القضائية والمشاركة فيها وبالتالي لابد أن يهيأ من الناحية العقلية بحيث يستطيع التعامل مباشرة مع النصوص القانونية وجذورها الفلسفية ويهيأ من الناحية العلمية عن طريق تلقيه مناهج قانونية مركزة حتى يكون قادراً على ممارسة العملية القضائية والتعامل مع النصوص النظامية بشكل جيد حتى لا تفقد تلك الأنظمة العائد المرجو من تشريعها أو تُفرغ من محتواها لأنه لا يمكن مواصلة سن الأنظمة الحديثة دون تدريب وتأهيل من يقوم بالتعامل معها وتطبيقها على أرض الواقع.
إضافة إلى ذلك فإن تدريس المواد القانونية وجعلها قريبة من الطالب سيساهم بشكل كبير في خلخلة الكثير من الأفكار المترسخة لدى جملة من المنخرطين في الكليات الشرعية والذين لا زالت تنتابهم شكوك وريبة تجاه أي مفردة أو مصطلح قانوني حيث لا زال الكثير منهم يعتقد بأن (القانون) إنما هو مرادف (لتحييد شرع الله) لأن فكرة التقنين لا زالت تثير لديهم حرجاً شرعياً بسبب الرواسب التاريخية حول هذه القضية بالذات وبالتالي فإن قراراً بإدخال مقررات القانونية إلى كليات الشريعة سيساهم في تصحيح تلك الأفكار المغلوطة كما انه سيساهم في خلق أنموذجنا التشريعي الخاص وفقاً لثوابتنا الشرعية وموروثنا الثقافي.
نحن بحاجة إذا ما أردنا أن نحدث القضاء أن نوجد أرضية بشرية تستطيع أن تتفاعل مع التطور التشريعي وتتحرر من التراكمات الأيدلوجية السابقة وهذا لن يحدث إلا من خلال مقاعد الجامعة وعلى وجه التحديد من مقاعد كليات الشريعة في المملكة.
محام وكاتب سعودي
مـنقــول