المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هدايا ذهبية لزوار المجالس الينبعاوية



naji2003
17-04-2006, 08:38 AM
آداب إسلامية


أولاً : التحية في الإسلام



السلام.. تحية الإسلام:



يقول صلي الله عليه وسلم في المسلم يقابل المسلم : (( إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه)). فالسلام هو التحية التي أنزلها الله علي رسوله صلي الله عليه وسلم وهي تحية أهل الجنة. قال تعالي: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلام)(الأحزاب: الآية44). وهي التحية التي رضيها الله ورسوله صلي الله عليه وسلم لأتباعه وأمته من بعده، ولا يجوز للمسلم أن يستبدل بتحية الإسلام غيرها من تحايا الأمم الأخرى، لا بصباح الخير، ولا أهلاً وسهلاً، ولا أنعم صباحاً، ولا غير ذلك. قال عمران بن حصين كنا في الجاهلية نقول: أنعم الله بك عينا، وأنعم صباحاً ، فلما كان الإسلام نهينا عن ذلك.

وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان، قال: كانوا في الجاهلية يقولون : حييت مساءً، حييت صباحاً، فغير الله ذلك بالسلام.

إذن فلابد أن يبدأ المسلم بهذه التحية العظيمة ، بالسلام الشرعي السني الموروث عنه عليه الصلاة والسلام.

قال الله ـ عز وجل ـ : (َإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً) (النساء:86)

((بِأَحْسَنَ مِنْهَا)) : أي تزيد علي تحية، فإذا قال : السلام عليكم ورحمة الله فقل: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، أو بمثلها بأن تقول: وعليكم السلام ورحمة الله.

وعند أبي داود والترمذي بسند صحيح عن عمران بن حصين؛ أن رجلاً جاء إلي النبي صلي الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم، فرد عليه ثم جلس . فقال النبي صلي الله عليه وسلم (( عشر)) ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله، فرد عليه، فجلس فقال: (( عشرون)) ثم جاء آخر، فقال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فرد عليه، فقال (( ثلاثون)) . أي ثلاثون حسنة لمن أدي التحية بتمامها.

هذه تعاليمه عليه الصلاة والسلام، وهذا هديه في تعليم أصحابه، انظر كيف يحبب السنة إلي قلوب أصحابه عن طريق إبلاغهم بالأجر العظيم الذي ينتظرهم من الله الواحد الأحد، إذا هم طبقوا تعاليمه وساروا علي هديه.



2-علي من نسلم؟!



ورد عند البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أن رجلاً سأل النبي صلي الله عليه وسلم : أي الإسلام خير؟ قال : (( نطعم الطعام، وتقرأ السلام علي من عرفت ومن لم تعرف)).

وهذا أيضاً هدي إسلامي نبوي شريف؛ أن تسلم علي من عرفت من المسلمين ومن لم تعرف!! قال بعض السلف: أصبح السلام عند المتأخرين علي المعرفة، وهذه من علامات الساعة، فالواجب علي المسلم أن يفشي السلام بين الناس؛ من عرف ومن لم يعرف خلا أهل الكتاب، خلا المشركين، خلا الوثنين، فالمسلم هو المقصود بهذا الحديث وغيره من الأحاديث التي تبين حقوق الناس بعضهم علي بعض. فإذا كان الإنسان يعيش في المجتمعات الإسلامية، فإنه يطلب منه لإفشاء السلام علي من لقيه، سواء عرفه وكان صديقاً أو قريباً، أم لم يعرفه.

ومن الملاحظات الاجتماعية أننا نسلم الآن علي المعرفة فقط! وتري الناس في الطرقات لا يسلمون إلا علي من عرفوه! أما من لم يعرفوه فلا يسلمون عليه! وهذا من عمل الجاهلية، وهو مخالف لسنته عليه الصلاة والسلام، ففي الصحيحين أن آدم لما خلقه الله قال: (( اذهب فسلم علي أولئك النفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحبونك، فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فذهب فقال : السلام عليكم. فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه: ورحمة الله)) .

هذه هي تحية آدم، وتحية ذريته، وتحية أهل الجنة، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنا حتى تحابوا، أولا أدلكم علي شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)).

فبين عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أن الجنة لا تدخل إلا بالأيمان ، وان الإيمان لا يحصل إلا بالحب، وان الحب لا يحصل إلا بإفشاء السلام.

وإفشاء السلام يزيل الضغينة من القلوب خاصة بين الأقارب والجيران. ومعناه في الإسلام أنك ترفع رايتك البيضاء المسالمة، كأنك تقول: أتيت ارفع رايتي البيضاء، فامنوني ولا تتهيبوا مني.

وهذا هو شعار المحبة والود الذي أقامه رسولنا صلي الله عليه وسلم وحث علي إرسائه وتثبيته في قلوب أصحابه وأمته من بعده.

وعند البخاري موقوفاً علي عمار بن ياسر رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: (( ثلاث من جمعهن فقد جمع الإيمان: الإنصاف من نفسك، وبذل السلام للعالم، والإنفاق من الإقتار)). وبذل السلام للعالم هنا يتضمن تواضع العبد، وأنه لا يتكبر علي أحد، بل يبذل السلام للصغير والكبير،والشريف والوضيع، ومن يعرفه ومن لا يعرفه، والمتكبر ضد هذا ، فإنه لا يرد السلام علي كل من سلم عليه كبراً منه وتهياً، فكيف يبذل السلام لكل واحد؟!.

وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أن الرسول صلي الله عليه وسلم مر علي غلمان فسلم عليهم.

وهذا من شدة تواضعه ولينه ورحمته صلي الله عليه وسلم ، وهو بذلك يدخل أعظم البهجة علي نفوس هؤلاء الصغار، لأنهم سوف يتشرفون بسلام رسول الله صلي الله عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ ليه وسلم عليهم، وسوف يحكون ذلك في المجالس.

فعلي المسلم أن يتواضع لمثل هؤلاء، ولا يتجاهلهم لأنهم صغار، بل يتفقدهم، وسلامه عليهم يعلمهم بذلك الحب، ويدفعهم إلي مكارم الأخلاق.

وقد رأينا في السيرة أن عمر رضي الله عنه علي هيبته وقوته في الحق كان إذا مر الصبيان وقف وسلم عليهم، ومازحهم، وهو خليفة المسلمين!!.

وقد مر علي صبيان المدينة وهم يلعبون، فعندما رأوه وسمعوا جلجلته وهيلمانه وسلطانه فروا إلي بيوتهم.

الشياطين تفر من عمر فكيف الصبيان؟!!

كيف بالصبيان الذين قلوبهم كقلوب الطير، أما يفرون من إنسان أصاب قياصرة الدنيا باليأس، وأكاسرة المعمورة بالذهول؟!

ففروا جميعا إلا عبد الله بن الزبير، فإنه لم يفر، كان شاباً صغيراً. فقال له عمر يمازحه: فر أصحابك ولم تفر أنت، أما خفت؟

قال عبد الله : ما فعلت جرما ًفأخافك، وليست الطريق ضيقة فأوسع لك!

فاستدل علي ذكائه وشجاعته من تلك اللحظة، وكيف لا يكون ذكياً وأبوه الزبير بن العوام، وأمه أسماء رضي الله عنهم جميعاً؟! )ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (آل عمران:34)

3-أمانة تحمل السلام وتبليغه:



كان صلي الله عليه وسلم يسلم بنفسه علي من يواجهه، ويحمل السلام لمن يريد السلام عليه من الغائبين ، كما ثبت أنه صلي الله عليه وسلم بعث فتي إلي رجل مريض، فلما أتاه قال: إن رسول الله صلي الله عليه وسلم يقرئك السلام ... الحديث.

وكان صلي الله عليه وسلم يتحمل السلام لمن يبلغه إليه، فعند البخاري ومسلم أن جبريل عليه السلام نزل من السماء، فأتت خديجة رضي الله عنها، فقال جبريل عليه السلام : (( يا رسول الله، هذه خديجة أتتك بالطعام فأقرأ عليها السلام من ربها، وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب))

وقد بلغ كذلك صلي الله عليه وسلم السلام لعائشة أم المؤمنين من جبريل (متفق عليه).

وينتهي السلام علي الصحيح عند قول(( وبركاته)) كما روي ذلك أبو داود والترمزي بسند قوي، وقد زاد بعضهم (( ومغفرته)). ولكن هذه الزيادة ضعيفة، ذكرها أبو داود في حديث لا يثبت.

وكان عليه الصلاة والسلام كما عند البخاري والترمزي والحاكم عن أنس أنه إذا سلم ثلاثاً ، ولعل هذا كان هدية صلي الله عليه وسلم في السلام علي الجمع الكثير الذين لا يبلغهم سلام واحد، إن ظن أن الأول لم يحصل به الإسماع ، كما بينت ذلك رواية الحاكم



وقد ورد في السنة: أن الرسول صلي الله عليه وسلم ذهب يزور سعد بن عبادة ، فأتى الباب فقال: (( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، فسمعه سعد فرد في نفسه ، ولم يرفع صوته! فذهب صلي الله عليه وسلم فلحقه سعد بن عبادة، وقال ك يا رسول الله، والله ما سلمت من سلام إلا سمعتك، وقد رددت في نفسي، لكن أردت أن تزيدنا من السلام، فقال عليه الصلاة والسلام: السلام عليكم أهل البيت ورحمته، إنه حميد مجيد)).

naji2003
17-04-2006, 08:42 AM
4- السلام علي النساء:



ورد عند الترمزي وأبي داود وابن ماجة والبخاري في الأدب المفرد أن الرسول صلي الله عليه وسلم مر يوماً بجماعة من النسوة فألوى بيده بالتسليم جماعة من النسوة كن في طرف الطريق وهو مار صلي الله عليه وسلم فالتفت إليهن وقال : السلام عليكن ورجمة الله وبركاته. وهذا خلقه عليه الصلاة والسلام؛ لأنه رسول للرجال والنساء جميعاً.

قال بعض أهل العلم: إذا انتفت الموانع، وأمنت الفتنة فيجوز السلام علي النساء، كالعجوز الكبيرة مثلاً ، فإن عليك أن تسلم عليها وتصحبها، وتسألها عن حالها، كما فعل الصحابة رضي الله عنهم ، فقد كانوا ـ كما في حديث سهل بن سعد عند البخاري ـ يصلون الجمعة ثم يأتون إلي عجوز في طريقهم فيسلمون عليها، وهذا مرغوب فيه من باب الرحمة بالكبير من المسلمين الطاعنين في السن، وهذا مما حث عليه الإسلام في كثير من النصوص، وقد ذهب الإمام ابن القيم إلي ذلك في زاد المعاد.

من آداب السلام:

صح عنه عليه الصلاة والسلام عند البخاري ومسلم والترمزي أنه قال : (( يسلم الصغير علي الكبير ، والمار علي القاعد، والراكب علي الماشي، والقليل علي الكثير)).

*الصغير يسلم علي الكبير: فقوله صلي الله عليه وسلم: (( يسلم الصغير علي الكبير)) لحكمة، فإن الكبير له حق الوقار فيبدؤه الصغير بالسلام، فأنت إذا لقيت برجل أكبر منك سناً، فالواجب عليك أن تبدأه بالسلام لتشعره باحترامك له وتقديرك لكبره، ولو بدأك هو بالسلام فهو أفضل منك بلا شك.

فصغير السن يبدأ بالسم علي الكبير، ويقاس علي ذلك أنه يبدأ العالم، والشيخ الجليل، وعلي من له مكانة ووجاهة، وعلي من له بلاء حسن، أو منزلة في الإسلام، فيبدأ كل هؤلاء بالسلام.

*المار يسلم علي القاعد: وأما قوله صلي الله عليه وسلم : (( المار علي القاعد)). فالواجب علي الماشي أن يبدأ القاعد بالسلام، لا كما يفعل بعض الناس فهم دائماً ينتظرون من يبدأهم بالسلام ، لا كما فعل بعض الناس فهم دائماً ينتظرون من يبدأهم بالسلام علي أي حال؛ سواء كان راكباً أو ماراً، أو قاعداً، وهذا خطأ ويخشى علي صاحبه من الكبر، فلابد من معرفة السنة في هذا الأمر، والالتزام بها كما جاءت عن رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فالمار هو الذي يبدأ الجلوس بالسلام، لأنه هو الطارئ علي المكان، وفي الغالب يكون وحده، بينما يكون الجلوس جماعة.

*الراكب يسلم علي الماشي: وأما قلوه صلي الله عليه وسلم : (( والراكب علي الماشى)) فإن الراكب يسلم علي الماشي، ويبدؤه بالسلام، فراكب السيارة ـ مثلاً ت يسلم علي من يمش، وكذلك راكب الدابة، ونحو ذلك ، وقد ذكر بعض الشراح ـ كما في فتح الباري ـ لطائف منها قولهم: إن الراكب يشعر بزهو دائماًن فألزمه الإسلام بالسلام علي الماشي تواضعاً وخفضاً للجناح، حتى لا يتطرق الكبر إلي صدره.

*القليل يسلم علي الكثير: وقال صلي الله عليه وسلم:(( والقليل علي الكثير)) . فإذا مر الواحد علي الجماعة فالواجب أن يبدأ هو بالسلام، وإذا مر الخمسة علي العشرة سلم الخمسة علي العشرة، ولم يسلم العشرة علي الخمسة.

و(( يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن يسلم أحدهم، ويجزئ عن الجلوس أن يرد أحدهم)). كما عند أبي داود وله شاهد يحسنه عند مالك في الموطأ.

وورد عند الترمزي أنه صلي الله عليه وسلم قال: (( يسلم الماشي علي القائم)).

فهذه آدابه صلي الله عليه وسلم وهذه تعاليمه وحكمه ولطائفة، فإنه لم يترك خيراً إلا وحثنا علي فعله، ولم يترك شراً إلا وحذرنا منه.



فضل البدء بالسلام:



جاء عند ابن حبان والبراز عن جابر قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( ليسلم الراكب علي الماشي، والماشي علي القاعد، والماشيان أيهما بدأ هو أفضل)).

وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه أحمد وأبو داود بسند صحيح ك (( إن أولي الناس بالله من بدأهم بالسلام)).

والمعني : أن أقرب الناس إلي الله ـ عز وجل ـ وأكثرهم ولاية وحباً وزلفي إلي الله، الذي يبدا المسلمين بالسلام، وكانت هذه عادة أخيار الصحابة والتابعين أنهم يبدون غيرهم بالسلام.

وورد عنه عليه الصلاة والسلام كما عند ابن السني، قال: (( السلام قبل السؤال، فمن بدأكم بالسؤال قبل السلام فلا تجيبوه)).

ومعني الحديث أنه لا يبدأ أحد في سؤال ولا في كلام حتى يسلم، فإذا سلم بدأ في سؤاله وموضوعه.

وعند الترمذي وأبي داود وأحمد بسند صحيح عن كلدة بن حنبل أن صفوان بن أمية بعثه بلبن ولبأ((أول ما يحلب عند الولادة)، وجداية ( الصغير من الظباء)، وضغابيس ( صغار القثاء) إلي النبي صلي الله عليه وسلم ، والنبي صلي الله عليه وسلم بأعلى الوادي، قال: (( فدخلت عليه، ولم اسلم، ولم استذان، فقال النبي صلي الله عليه وسلم : (0أرجع فقل : السلام عليكم،أأدخل؟)).

أمة امية.. (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (الجمعة:2) بعث الله في هذه الأمة هذا الرسول صلي الله عليه وسلم؛ ليزكيها ويفقهها في دينها، ويعلمها الآداب الرفيعة والأخلاق العالية.

والشاهد في حديث كلدة: أن البدء بالسلام يكون قبل الدخول ، وقبل الكلام ، وقبل أي شيء.

وكان صلي الله عليه وسلم كما في سنن أبى داود من حديث عبد الله بن بسر، إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، فيقول: (( السلام عليكم ، السلام عليكم)) حديث حسن.

وكان من هديه عليه الصلاة والسلام أنه يبدأ من لقيه بالسلام. وكان يحرص علي ذلك، خلافاً للمتكبرين، فإنهم يتحرون أن يبدأهم الناس بالسلام.

وابتداء السلام بلفظ: (( السلام عليكم ورحمة الله وبركاته))، ويرد الراد (( وعليكم السلام)) بالواو. وقد أتثبتها النووي وابن القيم، وهي اجمل وأحسن من لفظ : (( عليكم السلام)).

ويكره أن يقول المبتدئ : (( عليكم السلام))، قال أبو جري الهجيمي كما عند أبي داود والترمذي وأحمد بسند صحيح : أتيت النبي صلي الله عليه وسلم فقلتك عليك السلام يا رسول الله، فقال(( لا تقل عليك السلام، فإن عليك السلام تحية الموتى)).

فعلينا تجنب قول: (( عليك السلام)) فإنهم كانوا يحيون موتاهم بذلك، كما قال الشاعر لما مر بقبر قيس بن عاصم:

عليك سلام الله قيس بن عاصم

ورحمته ما شاء أن يتزحما

تحية من ألبسته منك نعمة

إذا زار عن شحط بلادك سلما

وما كان قيس موته موت واحد

ولكنه بنيان قوم تهدمـــا

فبدأ بالجار والمجرور لأنه ميت.

فكره النبي صلي الله عليه وسلم أن يحيي بتحية الأموات، ومن كراهته لذلك لم يرد علي المسلم بها.



3-آداب السلام في المجالس:



قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داود والترمذي وأحمد والبخاري في الدب المفرد والحميدي وابن حبان بسند حسنك (( إذا قعد أحدكم فليسلم النبي صلي الله عليه وسلم وإذا قام فيسلم، وليست الأولي أحق من الآخرة)).

والمعني: إذا أردت أن تودع إخوانك وأصحابك عليك أن تسلم فتقول وأنت تغادر المكان والمجلس: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وهذه سنة غفل كثير من المسلمين عنها، حتى تجد الكثير يقول: في أمان الله، أو استودعكم الله، ويترك هذه السنة العظيمة التي نص عليها رسول الهدى عليه الصلاة والسلام!

وعند أبي داود بسندين أحدهما مرفوع وسنده صحيح، والآخر موقوف وسنده ضعيف عنه صلي الله عليه وسلم : (( إذا لقي أحدكم صاحبه فيسلم عليه، فإن حال بينهما شجرة أو جدار، ثم لقيه فيسلم عليه أيضاً)).

وقد ورد هذا من عمل الصحابة عند الطبراني في الأوسط، وابن السني، وأخرجه البخاري في الأدب المفرد، عن أنس رضي الله عنه قال: (( كان أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم يتماشون ، فإذا استقبلتهم شجرة أو أكمة تفرقوا يميناً وشمالاً، وإذا التقوا من روائها سلم بعض علي بعض)) سنده حسن.

ويقاس علي هذا الداخل والخارج في المجلس، فإنه يسلم كلما دخل أو خرج ، وهذا فعل حسن يثاب فاعله.



3- آداب السلام عند دخول المسجد:



قال ابن القيم ـ يرحمه الله ـ : (( ون هديه صلي الله عليه وسلم أن الداخل إلي المسجد يبتدئ بركعتين تحية المسجد ، ثم يجئ فيسلم علي القوم)). واستدل ـ رحمه الله ـ بحديث رفاعة في المسيء صلاته أنه صلي ثم أتي فسلم فقال له صلي الله عليه وسلم : (( وعليك ، فأرجع فصل فإنك لم تصل)) الحديث.

وهذا رأيه ـ يرحمه الله ـ ولكن ليس هناك دليل علي أن الرجل لم يسلم أول ما دخل المسجد، ثم إنه قد يكون بعيداً في طرف المسجد فابتدأ بالصلاة أولاً ثم جاء فسلم.

والأقرب أنه إذا دخل المسلم المسجد أن يسلم علي إخوانه المسلمين ، ثم يصلي ركعتين.

وإذا سلم عليك مسلم وأنت في الصلاة ـ نافلة كانت أو فريضة ـ فإن السنة في ذلك كما صح عند مسلم وغيره، أن تبسط يدك فتجعل باطنها إلي الأرض، وظاهرها إلي اتجاه وجهك، ولا تقل بلسانك وأنت في الصلاة : وعليكم السلام.

وبعض أهل العلم يقول: تشير بسبابتك، ولكن بسط الكف أولي عند أهل العلم ، وهو القول الراجح.

naji2003
17-04-2006, 08:57 AM
5- آداب السلام علي الأهل:



كان صلي الله عليه وسلم إذا دخل علي أهله بالليل يسلم تسليماً لا يوقظ النائم، ويسمع اليقظان. رواه مسلم. فلا يدخل الإنسان علي أهله فيسلم بإزعاج فيوقظ أهله! فانظر إلي لطافته ورقته وصفوة صلي الله عليه وسلم.

أما حديث : (( السلام قبل الكلام)). فهو باطل لا يصح عنه صلي الله عليه وسلم ، فقد ورد عند الترمزي من حديث جابر ، لكن في سنده عنبسة بن عبد الرحمن وهو متروك، ورماه أبو حاتم بالوضع. فقال : وضاع: يعني كذاب، كما أن شيخ عنبسة وهو محمد ابن زاذان متروك أيضاً ، فالحديث باطل.



6- حكم السلام علي أهل الكتاب:



كان صلي الله عليه وسلم لا يبدأ أهل الكتاب بالسلام ، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام عند مسلم وأبي داود والترمزي ، أنه قال: (( لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام)). فالسنة لمن يعمل مع اليهود والنصارى ألا يبدأهم بالسلام، لكن إذا سلموا قال: وعليكم.

ومر صلي الله عليه وسلم كما في البخاري ومسلم وأحمد علي مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين عبدة الأوثان واليهود، فسلم عليهم. فإذا مررت بمجلس فيه مسلمون ( وهذا شرط) وفيه يهود ونصارى، فسلم عليهم السلام الشرعي.

وكتب عليه الصلاة والسلام كما في البخاري ومسلم لهرقل وغيره: (( السلام علي من أتبع الهدي)).

وقد ورد ذلك في كتاب الله ـ سبحانه وتعالي ـ في قول موسي لفرعون: ) وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى)(طـه: الآية47) فإذا سلمت أو كتبت رسالة لأهل الكتاب فإنك تقول : (( السلام علي من أتبع الهدى)). لكن لا تبدأهم بالسلام.



7- ترك السلام علي العاصي حتى يتوب:



كان من هديه صلي الله عليه وسلم ترك السلام ابتداء وردا علي من أحدث حدثاً حتى يتوب منه ، كما فعل صلي الله عليه وسلم بكعب بن مالك مع صاحبيه كما عند البخاري ومسلم والترمذي وأبي داود وأحمد ، فإن الرسول صلي الله عليه وسلم لم يكن يبدؤهم بالسلام ، بل قال كعب بن مالك: فكنت اسلم علي الرسول صلي الله عليه وسلم فلا أدري هل يرد علي أن لا ؟! وهل حرك شفتيه بالسلام أم لا ؟!

ومثل ذلك المبتدع الذي عرف بابتداعه ، أو أحدث حدثاً في الدين، فلك أن تهجره، لا تسلم عليه، ولا ترد عليه السلام حتى يتوب، وذلك بعد نصحه وتخويفه وحثه علي ترك الابتداع في الدين.

وكذلك مثل من ترك صلاة الجماعة بلا عذر وهو جار للمسجد، معافي، وفي صحة ، فلك أن تهجره من السلام، ومن الرد حتى يصلي مع الجماعة.

وورد من حديث أبى أيوب الأنصاري أن الرسول صلي الله عليه وسلم قال: (( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه المسلم فوق ثلاث، يلتقيان ، فيعرض هذا، ويعرض هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.

وهذا في أمور الدنيا، فإن الغضب والغيظ في الدنيا ينتهي بثلاث، ويحرم الهجر بعد ذلك ،أما في الدين فلا ينتهي حتى يتوب من ابتداعه.

*السلام عند الشعراء:

قال كثير عزة في السلام:

حيتك عزة بالتسليم وانصرفت

فحيها مثلما حيتك يا جمل

ليت التحية كانت لي فأشكرها

ما كان يا جملاً حييت يا رجل

وذكر أهل الأدب أن رجلاً طلق امرأته، فتزوجها رجل آخر؛ فأراد الأول أن تعود إليه، فقال مهدداً الثاني:

سلام الله يا مطــــر عليها

وليس عليك يا مطر السلام

فطلقها فلست لها بكـــفء

وإلا يعل مفرقتك الحســـام!!

ويقول جرير الخطفي في ديوانه:

يا أم ناجية الســـــلام عليكم

قبل الرواح وقبل لــوم العذل

لو كنت أعلم أن آخر عهدكـــم

يوم الرحيل فعلت ما لم أفعــل

***

ثانياً : إجابة الدعوة
1-حكم إجابة دعوة المسلم:



ومن جسور المحبة قوله صلي الله عليه وسلم : (( وإذا دعاك فأجبه))

ومن الدعوات ما تكون واجبة، ومنها ما تكون سنة، ومنها ما يحرم إجابتها.

فأما ما هي واجبة: فدعوة الزواج ـ إذا لم يكن هناك منكر ـ ففي الصحيحين من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ : إذا دعي أحدكم إلي الوليمة فليأتها)). والوليمة هي وليمة العرس؛ لأنها تسمي هكذا في كتب اللغة. وفي لفظ مسلم: (( إذا دعا أحدكم أخاه فليجب ، عرساً كان أو نحوه)).

قال أهل العلم: هذا الأمر للوجوب، أي يجب عليك شرعاً أن تجيب الداعي ما لم يكن هناك منكر مخالف للشرع.



2-آداب الدعوة:



ورد عند مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال : (( شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها ، ويدعي إليها من يأباها، ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله)).

فشر الولائم التي للرياء والسمعة ، يدعي إليها عليه الناس، ويمنع منها الفقراء، وعند مسلم ـ أيضاً ـ (( إذا دعي أحدكم إلي طعام فليجب، فإن شاء طعم، وإن شاء ترك)).

فأنت تحضر وليس المقصود أن تأكل، فإن البعض الآن إذا دعي إلي وليمة قال: ما أستطيع لأني أكلت، أو يقول : لا أريد الأكل، فهذا خطأ ، ليس المقصود أن تأكل، احضر وادع لهم، وتحدث معهم وآنسهم، فإن كثيراً من السلف كانوا يحضرون وهم صيام، فكانوا يدعون لأهل المنزل من حسن خلقهم.

وعن ابن مسعود مرفوعاً: (( طعام الوليمة أول يوم حق ، وطعام الوليمة في اليوم الثاني سنة، وطعام الوليمة في اليوم الثالث سمعة، ومن سمع سمع الله به)). رواه أبو داود، وأحمد وفي سنده مجهول، وهذا الحديث ضعيف. والبخاري يري ضعف الحديث.

وقد قال البخاري في الصحيح : (( لم يوقت النبي صلي الله عليه وسلم يوماً ولا يومين )).

فللإنسان أن يزيد علي يوم أو يومين أو ثلاث، لكن الأقرب للسنة يوم واحد، ووليمة واحدة.

والمقصود إجابة الدعوة إذا لم يكن هناك منكر.

والدعوة لمن سبق: فإذا دعاك داعيان في يوم واحد، أو في أيام مختلفة، فقدم الذي سبق إلي دعوتك، واعتذر للثاني ، وقل له: سبقك فلان بالدعوة ، فإذا تساوي أهل الدعوة ، فالأقرب منهم الأولي بالإجابة، وذوي الأرحام أولي بك بإجابة دعوتهم من الجيران إذا دعوك سوياً.

وإذا كان هناك منكر فليس عليه أن يحضر ـ كما سبق ـ إلا إذا علم أن في حضوره منعاً للمنكر ، أو حداً منه ، فله أن يحضر.

***

ثالثا: الدين النصيحة



1-وجوب النصيحة:



أما قوله صلي الله عليه وسلم في الحديث : (( وإذا استنصحك فانصح له)). فهذا أدب ثالث يبينه عليه الصلاة والسلام لنا، وهو شعار المحبة، وهو الواجب الشرعي علينا بعضنا لبعض.

فالنصيحة واجبة عند أهل العلم، وقد قال صلي الله عليه وسلم كما عند مسلم. : (( الدين النصيحة ، فقلنا: لمن؟ قال : لله ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم)).

وقد قال صلي الله عليه وسلم كما في الصحيحين ، وهذا من باب النصيحة : (( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً، قلنا: يا رسول الله، ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟ قال : ترده عن الباطل فإن ذلك نصره)).

فالواجب علينا أن نتناصح فيما بيننا ، والإنسان لا يسلم من الخطأ والنسيان، ونحن جميعاً يعترينا النقص والخطأ في كثير من تصرفاتنا، لأن العصمة لرسول الهدى عليه الصلاة والسلام، فالواجب علي الأخ إذا رأي أخاه قد أخطأ في مسألة، أو في اجتهاد أو في تصرف، أو في أسلوب، أن يذهب إليه وينصحه، ولن يجد الناصح إلا الحب والدعاء والبشر والاستقبال الحسن. يقول علي ـ رضي الله عنه ـ : (( المؤمنون نصحة، والمنافقون غششة)).

فإذا رأيت الإنسان ينتقد إخوانه وينالهم في المجالس، ويتعرض لأعراضهم، ثم لا ينصحهم في وجوههم، فأعلم أنه غاش لله ولرسوله صلي الله عليه وسلم وللمؤمنين.

ومن علامة المؤمن إذا أراد أن يقوم أخاه أن يذهب إليه، ويأخذه علي حدة، وينصحه ويوجهه، ويحن عليه، ويتعاطف معه، ويتلطف به حتى يقومه إن كان يريد النصح حقاً، وإن كان يريد التشهير بأخيه المسلم فالله يتولاه، والله حسيبه، والله من رواء قصده.

وقد ذكر الله ـ عز وجل ـ في كتابه طريقة الأنبياء في الدعوة، وأنها قامت علي النصيحة، فهذا نوح عليه السلام يقول لقومه: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ )(لأعراف: الآية62) ويقول لهم ـ أيضاً ـ )وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ)(هود: الآية34) وهذا نبي الله صالح عليه السلام يقول لقومهك )َ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ )(لأعراف: الآية79). وقال شعيب: ) يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُم)(لأعراف: الآية93) فهؤلاء هم أنبياء الله ـ عز وجل ـ وصفوة خلقهن ومن تشبه بقوم فهو منهم.



3-آداب النصيحة:



للنصيحة آداب ثلاثة: الأول: الإخلاص، الثاني اللين ، والثالث: الإسرار بها.

وكثيرا ما يخطي العبد، فنحن لسنا معصومين من الخطأ ، وغني اكرر ذلك ليعلم الناصح أن الخطأ والنسيان شيء عادي مركوز في أصل الجبلة، فلا يتعصب في نصيحته. يقول الشاعر:

من ذا الــــذي ما ساء قط

ومـــن لــه الحسنى فقط



ويقول الآخر:



تــريد مهذباً لا عيب فيه

وهل عودة يفوح بلا دخـــــان!!

ويقول ثالث:

ولســـت بمستبق أخاً لا تلمه

علي شعث أي الرجال المهذب؟!

ويقول رابع:

من ذا الذي ترضي سجاياه كلها

كفي المرء نبلاً أن تعد معايبه

وإن الإسرار بالنصيحة من هديه صلي الله عليه وسلم فإن النصيحة علي رءوس الأشهاد فضيحة.

قال الشاعر:

تغمدني بنصحك في انفراد

وجنبني النصيحة في الجماعة

فإن النصح بين الناس نوع

من التوبيخ لا أرضي استماعه

فإن خالفتني وعصيت أمري

فلا تجزع إذا لم تلق طاعــه

وكان عمر ـ رضي الله عنه ـ يقول: (( رحم الله امرأً أهدي إلي عيوبي، وكان يستمع للصحابة وهم ينصحونه)).

naji2003
17-04-2006, 09:01 AM
رابعاً : تشميت العاطس



1-متي يشمت العاطس وكيفية التشميت؟!



قال عليه الصلاة والسلام في الحديث : (( وإذا عطس فحمد الله فشمته)).

ويقول صلي الله عليه وسلم : (( عن الله يحب العطاس، ويكره التثاؤب)).

فالعطاس رحمة من الله، والتثاؤب من الشيطان ؛ لأن العطاس فيه تفتيح لشرايين القلب ، وانشراح للصدر، وهو رحمة من الله، والله أعلم بالسر في ذلك . فكان الواجب أن تقول: الحمد لله.

أما التثاؤب: فإنك تكظم ما استطعت، وقد قال صلي الله عليه وسلم كما عند البخاري وأحمد : (( إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله ، وليقل له أخوه: يرحمك الله ، فإذا قال له يرحمك الله فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم)).

وعند البخاري ومسلم والترمزي وابن ماجة وأحمد عن أنس : (( أنه عطس عنده رجلان فشمت أحدهما، ولم يشمت الآخر، فقال الذي لم يشمته: عطس فلان فشمته، وعطست فلم تشمتني، فقال: هذا حمد الله، وأنت لم تحمد الله)).

وعند مسلم وأحمد من حديث أبى موسى الشعري أنه صلي الله عليه وسلم قال: (( إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه، فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه)).

ففهم من الحديث انه من قال: الحمد لله ، فعلينا وجوباً أن نقول له: يرحمك الله، وإذا سكت ولم يحمد الله، فليس عليك أن تقول له : يرحمك الله ، بل تسكت.



2- هل التشميت فرض عين أم فرض كفاية؟‍‍!



ذهب المالكية ومنهم ابن أبي زيد وابن العربي إلي أن التشميت فرض عين، وهو الصحيح ،فإن علي أهل المجلس ـ مثلاً ـ إذا سمعوا (( الحمد لله)) أن يقولوا : (( يرحمك الله)) لا يكفي منهم واحد، فهو فرض عين وليس فرض كفاية.

وكان من هديه صلي الله عليه وسلم في العطاس ما ذكره أبو داود والترمزي واحمد وابن السني ـ وسنده حسن ـ كما أن الحاكم صححه، أنه كان إذا عطس وضع يده أو ثوبه علي فيه، وخفض أو غض به صوته. فالسنة ألا يرفع المسلم صوته بالعطاس.

وهناك حديثان ضعيفان أشير إليهما:

الحديث الأول: (( التثاؤب الشديد والعطسة الشديدة من الشيطان)). رواه ابن السني، وهو ضعيف لا يصح عنه صلي الله عليه وسلم .

الحديث الثاني: (( إن الله يكره رفع الصوت بالتثاؤب والعطاس)). حديث ضعيف لا يصح عنه صلي الله عليه وسلم .

وقد قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه أبو داود بسند حسن. (( شمت أخاك ثلاثاً ، فما زاد فهو زكام)).

يعني أنه يعطس في المرة الأولي فيحمد الله، فقل له: يرحمك الله. وفي الثانية قل له: يرحمك الله. وفي الثالثة قل له : يرحمك الله، وفي الرابعة قل له: عافاك الله.

وقد عطس رجل عنده عليه الصلاة والسلام النبي صلي الله عليه وسلم فقال له: (( يرحمك الله)). ثم عطس أخري فقال له صلي الله عليه وسلم : (( الرجل مزكوم)).

قال ابن القيم: وقوله في الحديث : (( الرجل مزكوم)) تنبيه علي الدعاء له بالعافية؛ لأن الزكمة علة، وفيه اعتذار من ترك تشميته بعد الثلاث، وفيه تنبيه له علي هذه العلة ليتداركها ولا يهملهما، فيصعب أمرها، فكلامه صلي الله عليه وسلم كله حكمة، ورحمة وعلم، وهدى.

وقد قال صلي الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود بسند حسن: (( إذا عطس أحدكم فليشمته جليسه، فإن زاد علي الثلاثة فهو مزكوم، ولا تشمته بعد الثلاث.

وذكر أهل العلم أنه إذا زاد علي الثلاث فيدعو لصحابه بالعافية.

هنا مسألة: إذا لم تسمع أنت حمد العاطس، لكن سمع من بجانبه أنه حمد الله ـ فماذا تفعل إذا تبين لك أنه حمد الله؟ ولو لم تسمعه، فقل : يرحمك الله، أما إذا لم يتبن لك، فلا تشمته.

مسألة ثانية: هل تذكر العاطس إذا نسي الحمد؟

ذهب إلي ذلك نفر من أهل العلم كالننوي وغيره من العلماء، واستحسنوا ذلك، وقد فعله إبراهيم التيمي، كما فعله أيضاً ابن المبارك، فقد عطس رجل عند ابن المبارك ولم يحمد الله، فقال ابن المبارك: ماذا يقول الرجل إذا عطس؟قال يقول الحمد لله، قال: يرحمك الله، (( هذا قول)).

والقول الصحيح : أنه لا يلزمك أن تذكره؛ لأنه لو كان يلزمك أن تذكره لكان النبي صلي الله عليه وسلم أولي بتذكير من عطس ولم يشمته، ولم يذكره، وهذا تعزيز له وحرمان لبركة الدعاء، لما حرم نفسه بركة الحمد.

وقد تعاطس الناس في مجلسه، ولم يذكرهم عليه الصلاة والسلام، بل لم يشمتهم، وهذا هو القول الراجح.

وكان اليهود يتعاطسون عنده عليه الصلاة والسلام فيقولونك الحمد لله، فيقول ك (( يهديكم الله ويصلح بالكم)).

رواه أبو داود والترمذي واحمد والبخاري في الدب المفرد ، وصححه الترمذي والنووي والحاكم.

فانظر إلي الحكمة: اليهود بحاجة إلي الهداية، وليسوا أهلاً للرحمة ، فهل يترحم عليهم وهم مخالفون؟!

لا . هم بحاجة إلي أن يهديهم الله أولاً، قبل أن يرجمهم، فعدل عليه الصلاة والسلام عن لفظ: (( يرحمكم الله)). إلي لفظ (( يهديكم الله ويصلح بالكم)).



***

خامساً: عيادة المريض



فضل عيادة المريض والدعاء له:



قال عليه الصلاة والسلام : (( وإذا مرض فعده)).

وهذا جسر آخر من جسور المحبة بين المسلمين، فمن حق المسلم علي أخيه المسلم إذا مرض أن يعوده، والعيادة لها آداب ، ولها فضل من الله ـ عز وجل ـ فقد روي مسلم عن ثوبان قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( من عاد مريضاً لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع)). وفي لفظ : قيل : يا رسول الله، وما خرفة الجنة؟ قال : ((جناها)). يعني كأنه يمشي في بساتين الجنة. وقد عاد عليه الصلاة والسلام أصحابه، فقد عاد سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه و؟أرضاه ـ ودعا له، وقال له: (( ولعلك تخلف حتى ينفع بك أقوام. ويضربك آخرون))

وعاد عليه الصلاة والسلام جابراً ـ رضي الله عنه ـ فوجده مغمي عليه فتوضأ عليه الصلاة والسلام وصب عليه الماء فاستفاق.

وكان صلي الله عليه وسلم إذا عاد مريضاً دعا له، وجلس قليلاً عند رأسه، ووضع يده الكريمة علي صدره ، وهذا من الإنس والملاطفة.

2-آداب العيادة:

العيادة عند أهل السنة كل ثلاثة أيام، إلا أن يكون قريباً كالأب والابن والأخ ومن في حكمهم، أما إذا كان غير ذلك، فإنك تزوره كل يوم ثلاثة أيام، أما أن تأتيه كل يوم، أو تأتيه مرة في الصباح ومرة في المساء وهذا مزعج!

وقد ذكر الذهبي في ترجمة سليمان بن مهران الملقب (( بالأعمش)) أنه مرض مرضاً زمناً، فدخل عليه الناس، وترددوا عليه كثيراً فأزعجوه، فكتب وصف مرضه في ورقة، ووضعها تحت مخدته التي ينام عليها، فكان كلما سأله أحد عن مرضه، أخرج هذه الورقة، وقال له أقرأ!

فلما كثر الناس عليهن قفز فأخذ المخدة، وجعلها تحت إبطه ، ووقف وقال : شافي الله مريضكم!

وعلي المسلم أن يتحرى وقت العبادة ، بحيث يكون مناسباً للمريض، فلا يكون عند نومه، ولا عند طعامه، ولا عند صلاته، ولا في وقت يري انه يرتاح فيه المريض، بل يتوخي وقت العيادة المناسب.

ومن آداب العيادة أنك لا تطيل الجلوس عند المريض، فإن بعض الناس إذا زار المريض زاده مرضاً علي مرضه، فيبقي الساعة والساعتين!وهذا ليس من أدب العيادة.

فإذا عدت المريض وكان مرضه خفيفاً، حسنت له صحته، وهونت عليه مرضه، وقلت : ما شاء الله، ما كنت أظن أنك هكذا.. صحتك طيبة.. وحالك طيبة، شافاك الله وعافاك، قريباً تخرج من هذا المرض ـ إن شاء الله ـ ونحو ذلك من الكلام، لا أن تأتي العائد بوجه آخر، فيزيد المريض مرضاً علي مرضه ، فبعض الناس ، هداهم الله ـ يشعر المريض انه أسوأ حال، وأن مرضه ليس له علاج البتة، وأنه يجب عليه أن يوصي بماله، ويوزع تركته، وهكذا حتى يجعل المريض في عداد الموتى!

وهذا خطأ، فالحالة النفسية لها دورها، فأنت إذا أشعرته أنه سليم معافى، يمكن أن يكون ذلك سبباً في شفائه ـ بإذن الله ـ ولذلك كان النبي صلي الله عليه وسلم إذا عاد مريضاً قال له : (( لا بأس طهور إن شاء الله)). ونحو ذلك كما تقدم في عيادته للأعرابي.

ولكن يقول أهل العلم: إذا وصلت غلي رجل أصبح قريباً من الآخرة، ومرض مرضاً لا يرجي برؤه، فحسن ظنه بالله، وحسن قدومه علي الله، وحسن رجاءه في الله، هذه هي السنة في العيادة.

قال أحدهم:

مرض الحبيب فعـــدته

فمرضت من خوفـــــي عليه

وأتي الحبيب يعودنــي

فشفيت مـــن نظـــري إليه



وقال آخر وهو القاضي الحنفي الشهرزوي:



والله مــــا جئتكم زائراً إلا

وجدت الأرض تطوي لــــي

لا انثنى وجهي عن بابكم

إلا تعــثرت بأذيالــــــي



ويقول أبو تمام:



إذا مرضنـــا أتيناكـــم نعودكـــم

وتذنبون فنأتيكم ونعتــذر



وقال آخر في ذكره سبحانه:



إذا مرضنا تداوينا بذكـــركم

ونترك الذكر أحياناً فننتكس

ولا يكثر العائد عند المريض من ذكر الدنيا، وكثرة المزاح، ولا من الكلام الذي لا يليق، ولكن يخفف الزيارة ويذهب.

سادساً: اتباع الجنازة



1-فضل اتباع الجنازة:



يقول صلي الله عليه وسلم في الحديث: (( وإذا مات فاتبعه))، ضريبة المسلم علي المسلم!! حتى بعد أن اصبح جثماناً ، وأصبحت روحه في عليين، تتبعه وتقوم بحقوقه، وتشفع له وأنت تصلي علي جنازته، وتترحم عليه وهو في الثري،وتواصله بالدعاء، وتدعو له بظهر الغيب.

هذه أخوة الإسلام، وهذا ميثاق الإيمان ، وتلك حقوق المسلم علي المسلم التي تقتصر علي الحياة فقط، بل تشمل المسلم بعد موته أيضاً. قال عليه الصلاة والسلام كما عند الترمزي بسند ضعيف: (( من تبع جنازة وحملها ثلاث مرات، فقد قضي ما عليه من حقها))

ولكن في الصحيحين أنه قال ك (( من شهد الجنازة حتى يصلي عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان)) قيل : وما القيراطان؟ قال: (( مثل الجبلين العظيمين)) .

فانظر ما اسهل العمل، وأعظم الجر.



2- آداب الجنازة والعزاء:



من السنة أن يمشي أما الجنازة، وفي هذا تفصيل، قال ابن عمر عند الخمسة، وصححه، ابن حبان، وأعله النسائي بالإرسال: (( رأيت النبي صلي الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يمشون أما الجنازة)). فالسنة المشي أمام الجنازة، لكن الراكب يمشي خلفها، والماشي أمامها، وإن مشي خلفها فلا بأس.

وقالت أم عطية ـ كما في الصحيحين : (( نهينا عن اتباع الجنائز ؛ لن المرأة ضعيفة ، وتصاب بالجزع، وربما تفتن، وربما تتسخط علي قضاء الله وقدره، فليس للمرأة ـ ولو كانت عجوزاً ـ اتباع الجنازة، ولا زيارة القبور.

وهنالك عادات تخالف الشرع، نبه عليها أهل العلم، وكتبوا فيها، وبينوا الخطأ ، ونبهوا عليه، وأشاروا إلي الصواب فجزاهم الله خيراً، ومن هذه العادات:

الاجتماع علي العزاء ، ونصب الخيام والولائم، والقيام بالصياح والنياحة، وضرب الوجه، وشق الجيب، وكذلك الجزع من القضاء والقدر.

ومن المخالفات الشرعية أيضاً: أن يمزح بعض الناس في العزاء، أو أن يضحكوا مما يثير نتباه الحضور، أو يتحدثوا بإسهاب في أمور الدنيا، إلي غير ذلك من الصور المخالفة للشرع التي بينها ونبه عليها العلماء.

هذه بعض جسور المحبة التي أتي بها محمد صلي الله عليه وسلم والتي اتصف بها أصحابه رضوان الله تعالي عليهم فحققوا هذه الصفات في عالم الواقع. وكانت استجابتهم استجابة فذة من كل جوانبها ، وهم الذين امتلأت قلوبهم بهذه الأخلاقيات حتى أعماقها ، فآتت ثمارها بإذن الله ، فوصلوا بذلك إلي القمة الني لا يحسن صعودها إلا من أحسن العبودية لله، وتمسك بكتاب الله وبسنة رسوله صلي الله عليه وسلم ، واتصف وتخلق بأخلاق الإسلام.

والحمد لله ... ما زال الباب مفتوحاً النبي صلي الله عليه وسلم وما زالت البضاعة مطروحة أما الجميع، وليس علينا إلا أن نتاجر مع الله ـ عز وجل ـ ولا يكون ذلك إلا بالتخلق بأخلاقيات هذا الجيل العظيم، وإذا فعلنا ذلك فسوف نصل غلي أرقي صورة بشرية يمكن أن يصل إليها الإنسان علي وجه الأرض النبي صلي الله عليه وسلم صورة الإنسان الذي توشك أن تصافحه الملائكة!!

naji2003
17-04-2006, 09:04 AM
فـن تأليف الأرواح



أولاً: مثل عليا تربي عليها الصحابة


أما فن تأليف القلوب فنستمده بسند صحيح من سيرة النبي محمد صلي الله عليه وسلم ، من ميراثه، من دعوته ، نتذاكره ونتعلمه، ونتربى عليه، كما تربي عليه السابقون الأولون من سلفنا ـ رضوان الله تعالي عليهم . وسوف نذكر بعضاً من العناصر التي يقوم عليها بناء هذا الفن الجليل .



كظم الغيظ:



ذكر الله ـ عز وجل ـ في محكم كتابه أصول هذا الفن، وذكرها رسولنا عليه الصلاة والسلام بكلامه وبعلمه وبأخلاقه الشريفة العالية صلي الله عليه وسلم ، فقال المولى جلت قدرته: ) وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(آل عمران: الآية134).

قال أهل العلم: ثلاث منازل للمبتدئين والمقصدين والسابقين بالخيرات:

المنزلة الأولي: من أسيء إليه فليكظم ، وهذه درجة المقصرين من أمثالنا من المسلمين أن يكظم غيظه، ولا يتشفى لنفسه في المجالس ولا يتعرض للأعراض.

المنزلة الثانية: فإن زاد وأحسن ( وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ) يذهب إلي من أساء إليه ويقول له: عفا الله عنك.

المنزلة الثالثة: فإن زاد وأحسن ( وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) يذهب بهدية أو بزيارة إلي من أساء إليه، ويصافحه ويقبله.

قال أهل السيرة: قام خادم علي هارون الرشيد بماء حار يسكب عليه، فسقط الإبريق بالماء الحار علي رأس الخليفة أمير المؤمنين.. حاكم الدنيا!! فغضب الخليفة، والتفت إلي الخادم.

فقال الخادم ـ وكان ذكياً ـ والكاظمين الغيظ!

قال الخليفة: كظمت غيظي..

قال: والعافين عن الناس!

قالت : عفوت عنك..

قال : والله يحب المحسنين.

قال : اذهب فقد أعتقتك لوجه الله!!



2- نزع الغل والبغضاء:



في معركة الجمل خرجت عائشة وطلحة والزبير وغيرهم ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ وخرج الصحابة معهم بالسيوف وخرج علي ـ رضي الله عنه ـ ومعه بعض الصحابة من أهل بدر ومعهم السيوف يلتقون! قيل لعامر الشعبي: الله أكبر! يلتقي الصحابة بالسيوف ولا يفر بعضهم من بعض قال: أهل الجنة التقوا فاستحيا بعضهم من بعض! فلما قتل طلحة في المعركة وكان في الصف المضاد لعلي ـ نزل علي من علي فرسه وترك السف، وترجل نحو طلحة، ونظر إليه وهو مقتولـ وطلحة أحد العشرة المبشرين بالجنةـ فنفض التراب عن لحية طلحة وقال: يعز علي يا أبا محمد أن أراك علي هذه الحال، ولكن أسال الله أن يجعلني وإياك ممن قال فيهم سبحانه وتعالي: )وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) (الحجر:47).

فانظر إلي الصفاء ، والنقاء، وانظر إلي العمق، وانظر غلي الروعة! وهم يقتتلون، والدماء تسيل وعلي يحتضن طلحة ويسلم عليه ، ويذكره أنه سوف يجلس معه في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر، حقاً إنه مشهد رائع، وأنموذج باهر.

هذا الأنموذج الحي يدلنا دلالة واضحة علي أن هؤلاء البشر لم يخرجوا عن بشرتهم، ولم يكونوا يوماً من الأيام ملائكة، ولكنهم كانوا في أروع صورة بشرية عرفتها الدنيا.

مر علي ابن السماك صاحب له عتب عليه، فقال لبن السماك: غداَ نتحاسب ـ يعني غداً ألتقي معك أحاسبك وتحاسبني، وألومك وتلومني، ونعرف من هو المخطئ منا ـ فقال ابن السماك: لا والله، غداً نتغافر!

فالمؤمنون لا يتحاسبون ، ولا يقول أحدهم للآخر : أنت كتبت في كذا.. وقلت كذا، وسمعت أنك تغتابني.. و.. .. إلخ، لا .. هذا أسلوب خاطئ ، والصحيح أن يقول له: (( غفر الله لك)).



3-بذل الأعراض والأموال في سبيل الله:



لقد وصل الجيل المبارك إلي حد أن يقوم أحدهم وهو أبو ضمضم يصلي في الليل ثم يتوجه إلي الله ـ تعالي ـ بالدعاء قائلاً: اللهم إنه ليس لي مال أتصدق به في سبيلك، ولا جسم أجاهد به في ذاتك ، ولكني أتصدق بعرضي علي المسلمين.. اللهم من شتمني، أو سبني، أو ظلمني، أو اغتابني، فاجعلها له كفارة!!

ويروي أن النبي صلي الله عليه وسلم حث علي الصدقة ذات يوم ، فقام علبة ابن زيد فقال : يا رسول الله! حثثت علي الصدقة، وما عندي إلا عرضي، فقد تصدقت به علي من ظلمني، قال: فأعرض عنه رسول صلي الله عليه وسلم . ولما كان في اليوم الثاني قال: ((أين علية ابن زيد ، أو أين المتصدق بعرضه، فإن الله ـ تبارك وتعالي ـ قد قبل ذلك منه)).

فهذا هو المتصدق بالأعراض ، ولابد أن يبذل الدعاة وطلبة العلم أعراضهم كما بذلها محمد صلي الله عليه وسلم ، فإن بذل عرضه وماله ودمه لهذه الدعوة الخالدة، فعسي الله أن يجعل دماءنا وأنفسنا وأعراضنا وأموالنا وأبناءنا وأهلنا فداء ل ((لا إله إلا الله محمد رسول الله)).



4- تحمل زلات الغير:



ذكر الغزالي ـ صاحب الإحياء ـ أن الحسن البصري ـ رحمه الله ـ جاءه رجل فقال: يا أبا سعيد ، أغتابك فلان!، قال: تعال، فلما أتي إليه أعطاه طبقاً من رطب، وقال له اذهب إليه وقل له : أعطيتنا حسناتك، وأعطيناك رطباًً ! فذهب بالرطب إليه!

فالمقصود من هذا أن الدنيا أمرها سهل وهين، وأن بعض الناس يتصدق بحسناته ، فلا عليك مهما نالك حاسد، أو ناقم ، أو مخالف، أو منحرف! فاعتبر ذلك في ميزان حسناتك، واعلم أن ذلك رفعة لك.

ويروي في مسيرة موسى عليه السلام أنه قال : يا رب، أريد منك أمراً! قال: ما هو يا موسى ؟ ـ والله أعلم به ـ قال: اسالك أن تكف ألسنة الناس عني! قال الله ـ عز وجل ـ : يا موسى ، وعزتي وجلالي، ما اتخذت ذلك لنفسي، إني اخلقهم، وأرزقهم وإنهم يسبونني ويشتمونني!!سبحان الله ! الله! الرحمن، الأحد، الفرد، الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، يسب من الناس!! هذا المخلوق الضعيف، الذليل الحقير، الحشرة، يخرج نطفة، ثم يسب الله ويشتمه ـ جلا وعلا؟!.

وفي البخاري عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (( قال الله ـ تعالي ـ شتمني ابن آدم ، وما ينبغي له أن يشتمني، ويكذبني وما ينبغي له ! أما شتمه فقوله: إن لي ولداً، وأما تكذيبه فقوله: ليس يعيدني كما بدأني)).

وعند احمد في كتاب الزهد أن الله ـ عز وجل ـ يقول: (( عجباً لك يا ابن آدم، خلقتك وتعبد غيري! ورزقتك وتشكر سواي! أتحبب إليك بالنعم، وأنا غني عنك، وتتبغض إلي بالمعاصي، وأنت فقير إلي! خيري إليك نازل، وشرك إلي صاعد))

فما دام أن الواحد الأحد ـ سبحانه وتعالي ، يسبه ويشتمه بعض الأشرار من خلقه ـ فكيف بنا نحن ، ونحن أهل التقصير؟!

إذا علم هذا فإنه خير دليل علي المثل العليا التي حملها أصحابه عليه الصلاة والسلام ـ ورضي الله عنهم ـ فتراضوا واختلفوا كما يختلف البشر، وأتت بينهم نفرة في أيام من حياتهم! ولكنهم عادوا في صفاء، وفي عناق ، وفي صبور، وفي محبة؛ لأن المبدأ الذي يحملونه مبدأ واحد، وليس مبادئ متعددة، فمبدؤهم: (( لا إله إلا الله محمد رسول الله)). وما حصل بينهم دليل علي أنهم لم يخرجوا عن بشرتهم، ولم يصبحوا ملائكة، ولم يخرجوا من عموم قوله صلي الله عليه وسلم : (( كل بني آدم خطاء)).

ولم يصبحوا كذلك صفحات بيضاء لا أثر فيها ولا نقيضة، كلا ما كانوا كذلك!

كانوا بشراً تعتمل في نفوسهم دوافع الشر، ويتحركون في الأرض بدوافع البشر، ولكنها دوافع البشر في اصفي حالاتها وأعلاها، دوافع البشر حين يتخففون إلي أقصي حد من ثلة الأرض ، فيصعدون أقصي ما يتاح للبشر من الصعود.

كانوا يعلمون.. فإذا هبطت بهم ثقلة عن المستوى السامق لم يستكينوا للهبوط، وإنما عادوا يعلمون للصعود من جديد.. فيصعدون ويصعدون.

وفي سيرة أبي بكر ـ رضي الله عنه ت أن رجلاً قال لأبي بكر: والله يا أبا بكر لأسبنك سباً يدخل معك في قبرك ، قال أبو بكر: بل يدخل معك قبرك أنت لا معي!!

صدق ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ فإن المسبوب لا يدخل معه السب، ولكن يدخل السب مع الساب الذي سلط لسانه علي عباد الله. أفيظن هذا الجاهل أنه إذا سب أو شتم أو نال من أبي بكر أن شتمه هذا سوف يدخل مع أبي يكر القبر؟ فهذا جهل، وأي جهل !!

ثم انظر وتأمل جواب أبي بكر عليه (( بل يدخل معك قبرك ولا يدخل معي)) فقط كان هذا جوابه؟! ولم يقل له: بل سأسبك سباً يدخلك قبرك! وسأفعل بك كذا!! وسأريك كذا!! الخ، لا بل (( يدخل معك قبرك))!

وقول أبي بكر وتصرفه هو الصحيح ، فإن الكلمة العوراء والكلمة الآثمة، والكلمة الجارحة، تكون وبالاً وحسرة وندامة علي من تجرأ وجرح ونال بها من أخيه.



5- إنهاء الخصام والسعي إلي الصلح:



قال رجل لعمرو بن العاص: والله لا تفرغن لك!

قال عمرو: إذن تقع في الشغل!

وهذا هو الحق ، فإن الذي يتفرغ لينال من الناس، ويشتم الناس، ويكيد للناس، هذا لا يكون فارغاً أبداً! وإنما يشغله الله بالناس!وهذا يضيع عمره في الترهات والتفاهات وما لا ينفع!

وقول عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه وأرضاه ـ هو الصواب، وهو الحكمة ) وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً )(البقرة: الآية269) ويروي أهل الحديث أن عامر الشعبي ت وهو من علماء التابعين المشهورينـ قام أمامه رجل وقال له ك كذبت يا عامر!

فقال عامر: إن كنت صادقاً فغفر الله لي ، وإن كنت كاذباً فغفر الله لك!!

فماذا قال الرجل بعدها يا تري؟!

سكت !! لأن من استطاع أن ينهي الخصام، وأن يجعل للصلح موضعاً، وألا يستعدي الناس خاصة أهل الفضل وأهل المنزلة وأهل الصدارة والمكانة، كان محسناً علي نفسهن وعلي الإسلام ، وعلي المسلمين.



6- محاسبة النفس:



في مسيرة سالم بن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ أن رجلاً زاحمه في مني، فالتفت الرجل إلي سالم ـ وسالم علامة التابعين ـ فقال له : إني لظنك رجل سوء. فقال سالم: ما عرفني إلا أنت! لأن سالماً ت رضي الله عنه ـ يشعر في نفسه انه رجل سوء، وهذا صواب لأن المؤمن يرمي نفسه بالتقصير كلما رآها تعالت أو تطاولت أو نسيت، كما أنه يلوم نفسه ويحاسبها. لكن الفاجر والمنافق يزكي أما الناس!

وكان سعيد بن المسيب يقوم وسط الليل ويقول لنفسه: قومي يا مأوي كل شر!

سعيد بن المسيب يقول لنفسه هذا الكلام!! ونحن ماذا نقول لأنفسنا؟ اللهم استرنا بسترك.

وفي قصة ثابتة بأسانيد صحيحة، قام رجل في الحرم أمام ابن عباس ـ حبر الأمة وترجمان القرآن ت فسبه أمام الناس، وابن عباس ينكس رأسه!! أعرابي جلف يسب علامة الدنيا ولا يرد عليه.. وواصل الأعرابي الشتم، فرفع ابن عباس رأسه وقال: أتسبني وفي ثلاث خصال؟!

قال: ما هي يا ابن عباس؟

قال: والله ما نزل المطر بأرض إلا سررت بذلك، وحمدت الله علي ذلك، وليس لي بها ناقة ولا شاة!!

قال: والثانية؟

قال: ولا سمعت بقاض عادل إلا دعوت الله له بظهر الغيب وليس لي عنده قضية!!

قال: والثالثة؟

قال: ولا فهمت آية من كتاب الله إلا تمنيت أن المسلمين يفهمون كما أفهم منها!!

هذه هي المثل العليا التي حملها أصحابه عليه الصلاة والسلام، وهو الذي رباهم أصلاً علي أسس العقيدة وأخلاق الإيمان، وإلا فهم أمة أمية خرجت من الصحراء، لكنه صلي الله عليه وسلم بناهم شيئاً فشيئاً ، ورصع مجدهم، واعتني بهم، حتى أصبحوا قادة الأمم النبي صلي الله عليه وسلم وقدوة حسنة للناس!

وقالوا في المثل: (( من لك بأخيك كله)) تريد أخاً مهذباً كله، لا ، هذا لا يكون.. خذ بعضه، خذ نصفه ، خذ ثلثه، خذ ثلثيه.

فهل وجدت في المجتمع المسلم شخصاً ـ مهما بلغ من الرقي وحسن الخلق ـ أن يكون كاملاً، لا حيف فيه ولا نقص؟! كلا، هذا لا يكون ) وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ )(النور: الآية21).

تجد هذا كريماً لكنه غضوب! وتجد هذا حليماً لكنه بخيل! وتجد هذا طيباً لكنه عجول! لأن الله وزع المناقب والمثالب علي الناس.

من ذا الذي ترضـــي سجاياه كلها

كفي المرء نبلاً أن تعد معايبه

فإذا عدت معايب الإنسان فاعلم أنه صالحن ولكن بعض الناس لا تستطيع أن تعد معايبه أبداً مهما حاولت!!

وبعضهم لخيره وصلاحه، تقول: ليس فيه إلا كذا، وهذا هو الخير ، ومن غلبت محاسنه مساوئه فهو العدل في الإسلام. ومن غلبت مساوئه محاسنه ، فهو المنحرف عن منهج الله ـ عز وجل ـ لن الله يزن الناس يوم القيامة بميزان آية الأحقاق النبي صلي الله عليه وسلم يقول تعالي: )أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) (الاحقاف:16)

فبين الله في الآية أن لهم مساوئ ، وأنه يتجاوز عنهم ـ سبحانه وتعالي ـ وأن لهم خطايا النبي صلي الله عليه وسلم وأن لهم ذنوباً، ولكنهم كما يقول الحديث: (( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)).فبعض الناس ماؤه قليل.. أي شيء يؤثر فيه، قطرة تؤثر فيه! ولكن بعضهم لمحاسنه ومناقبه بلغ قلتين، فمهما وضعت فيه لا يتغير أبداً لكرمه، وبذله، وعطائه، وعلمهن وسخائه، وفضله، ودعوتهن وخيره، وصلاحه، وصدق نيته غلي غير ذلك من الصفات. وهذا تأتيه أحياناً نزغات من نزغات الشيطان، لكنها لا تؤثر فيه.

ولذلك يقول ابن تيمه ونقلها ابن القيم عنه في مدارج السالكين: أما موسى عليه السلام فإنه أتى بالألواح فيها كلام الله ـ عز وجل ـ فألقاها في الأرض، وأخذ برأس أخيه يجره إليه. يقول ابن تيمية: أخوة كان نبياً مثله، ومع ذلك جره بلحيته أمام الناس، ولكن عفا الله عنه!



قال ابن القيم:



وإذا الحبيب أتي بذنب واحد

جاءت محاسنه بألف شفيع

وفي حديث رواه البهقي بسند حسن، قال: (( أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم)).

قال ابن القيم: إلا الحدود ، وهذه عبارة تثبت في بعض الروايات من لفظه صلي الله عليه وسلم فإن الناس متساوون في الحدود، لكن في المسائل التي ليس فيها حدود، فعلينا أن نقيل صاحب العثرة ـ من أهل الهيئات ـ عثرته، وأهل الهيئات هم الذين لهم قدم صدق في الإسلام، وفي الدعوة، وفي الخير، وفي الكرم، وفي الصدارة، وفي التوجيه، وفي التأثير، وهم وجهاء الناس، وأهل الخير، وأهل الفضل، فهؤلاء إذا بدرت منهم بادرة فعلينا أن نتحملها جميعاً، وعلينا أن ننظر إلي سجل حسناتهم، وإلي دواوين كرمهم، ومنازلهم عند الله وعند خلقه.

يقول بشار بن برد:

إذا كنت في كل الأمور معاتباً

صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه

ويقول في بيت آخر:

إذا أنت لم تشرب مراراً علي القذى

ظمئت وأي الناس تصفو مشاربه

فصاحب أخاك، وتحمل منه الزلة، واغفر له العثرة، وتجاوز عن خطئه.

وكان ابن المبارك إذا ذكر له أصحابه قال: من مثل فلان، فيه كذا وكذا من المحاسن، ويسكت عن المساوئ.

وليتنا نتذكر حسنات الناس ، فما أعلم أحداً من المسلمين مهما قصر إلا وله حسناته، ولو لم يكن من حسناته إلا انه يحب الله ورسوله المصطفي صلي الله عليه وسلم لكفي.

يؤتي برجل يشرب الخمر إلي الرسول صلي الله عليه وسلم فأمر به فجلد، وكان قد أتي به كثيراً. فقال رجل من القوم: اللهم العنه ما أكثر ما يؤتي به. فقال المعلم العظيم صلي الله عليه وسلم : (( لا تلعنوه فوالله ما علمت أن يحب الله ورسوله)).

وفي لفظ : قال رجل: ما له أخزاه الله. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم ك (( لا تكونوا عوناً للشيطان علي أخيكم)).

فاثبت له صلي الله عليه وسلم أصل الحب، وهي حسنة، واثبت له بقاءه في دائرة الأخوة الإسلامية، وهذه من أعظم الحسنات، فلماذا لا نتذكر للناس محاسنهم وبلاءهم في الإسلام؟!

إنك لا تجد شريراً خالصاً إلا رجلاً كفر بالله، أو تعدي علي حدوده، أو أعلن الفجور، أو خلع ثوب الحياء، أو عادي الأولياء والأخيار الصالحين، ونبذ الإسلام وراءه ظهرياً.

naji2003
17-04-2006, 09:06 AM
ثانياً: المنهج الإسلامي لنبذ الخلاف


أمثلة تطبيقية:



مرت نماذج خيرة في حياته عليه الصلاة والسلام، سطرها أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ ومن هذه النماذج:

1-الخلاف بين بلال وأبي ذر:



فهذا أبو ذر ـ رضي الله عنه ـ عير بلاباً بأمه، فشكاه بلال إلي النبي صلي الله عليه وسلم ثم ندم أبو ذر علي ما بدر منه من قول، فوضع خده علي التراب، وقال لبلال: والله لا أرفع حدي حتى تطأه بقدمك! فتعانقا وتصافحا.



2-الخلاف بين المهاجرين والأنصار:



كاد المهاجرون والأنصار أن يقتلوا وذلك بعد الإسلام! وسلوا السيوف ، وتهيئوا للقتال! فخرج عليهم الرسول صلي الله عليه وسلم وقال: (( ما بال دعوى جاهلية)) ثم قال : (( دعوها فإنها منتنه)).

فبكوا ، واسقطوا السيوف من أيديهم ، وتعانقوا فهذه الأخوة المعتصمة بالله نعمة يمتن الله بها علي المسلمين، وهي نعمة يهيئها الله لمن يحيهم من عبادة، وما كان إلا الإسلام وحده يجمع هذه القلوب المتنافرة ، وما كان إلا خبل الله الذي يعتصم به الجميع، فيصبحون بنعمة الله إخواناً، وما يمكن أن يجمع القلوب إلا أخوة في الله تصغر إلي جانبها الأحقاد التاريخية، والثأرات القبلية، والأطماع الشخصية، والرايات العنصرية!

)وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا )(آل عمران: الآية103)

ذكر أهل التاريخ بسند صحيح أن الصحابة خرجوا في غزوة بني المصطلق ، وكان لعمر مولى اسمه جهجاه، فقام فاختصم مع رجل من الأنصار اسمه سنان بن وبرة، فغضب الأخير غضباً شديداً حتى تصايحا، فقال مولى عمر: يا للمهاجرين! وقال الأنصاري: يا للأنصار!فبلغت في النفوس حزازات، وأخبروا بها رأس النفاق عبد الله بن أبي بن سلول فقال: صدق المثل القائل: جوع كلبك يتبعك، وسمن كلبك يأكلك! لو أنا صرفناهم عن دارنا ما فعلوا هذا، لئن رجعنا إلي المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل.فقال عمر: ائذن لي أن أقتله يا رسول الله، فقال صلي الله عليه وسلم : (( يا عمر، لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه)).

هذا هو المنهج الصحيح في التعامل مع الخصوم في هذه المرحلة من مراحل الدعوة المباركة، فالنبي صلي الله عليه وسلم عنده منهج دعوى يسير عليه، يريد مصلحة هذه الدعوة، وما عليه من دمه ولا من نفسه، ولا من ماله، ولا من زوجه، ولا من أهله، لأنه يريد للدعوة أن تستمر ، وأن يستفيد الناس، وأن يسمع الناس، وأن يتعظ الناس، وأن يهتدي علي يديه بشر كثير، أما قضية الانتقام الشخصي أو أن يقوم الإنسان ويغضب لنفسه، فليست من صفاته صلي الله عليه وسلم .

ومنع عليه الصلاة والسلام عمرن فأتي عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول فقال: يا رسول الله، سمعت أنك تريد قتل أبي، فإنك أن أرسلت رجلاً لقتل أبي، والله لا تطمئن نفسي أن أري قاتل أبي يمشي علي وجه الأرض حتى أقتله، لكن يا رسول الله ائذن لي أن أهذب الآن وآتيك برأس أبي! والله يا رسول الله لئن شئت لأقتلنه، فإنك الأعز وهو الأذل!!

انظر إلي الإسلام! وإلي عظمة الانتساب إليه؛ فصل بين الولد وأبيه، وهو من صلبه، ومن دمه، من عروقه!

ثم انظر إلي الإيمان الذي تغلغل في أحشاء هذا الصحابي الجليل، وتسرب إلي عروقه ومشاعره، وجري منه مجرى الروح والدم ‍‍!

حقاً، بـ (( لا إله إلا الله محمد رسول الله)) يظهر من روائع الإيمان واليقين والشجاعة، وخوارق الأفعال والأخلاق ، ما يخير العقول والألباب ، ويعجز عن تفسيره أهل البصائر والعقلاء.

ويموت هذا الشقي، فيجيء ابنه عبد الله بن عبد الله إلي رسول الله صلي الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه، فأعطاه، ثم سأله أن يصلي عليه ، فقام رسول الله صلي الله عليه وسلم ليصلي عليه، فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلي الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أتصلي عليه وقد نهاك ربك أن تصلي عليه؟! فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : ((إنما خيرني الله فقال: )اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ)(التوبة: الآية80) وسأزيده علي السبعين)).

قال عمر: إنه منافق!! فصلي عليه رسول الله صلي الله عليه وسلم وصلي معه المسلمون. فأنزل الله عليه قوله: )وَلا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ)(التوبة: الآية84)

ويأتي إلي الرسول صلي الله عليه وسلم متخلفون من المنافقين الذين أساءوا وتركوا الغزو، وخالفوا أمرهن وعصوا الله، فيقول أحدهم : يا رسول الله، إني مريض!فيقول له: صدقت. وهو ليس مريضاً في جسمه، لكنه مريض القلب. ويأتيه الثاني فيقول له: امرأتي مرضت في الغزوة! فيقول له: صدقت. ويأتيه الثالث يقول له: فقير ما استطعت أن أشتري جملاً! فيقول له الرسول صلي الله عليه وسلم : صدقت ، فيقول تعالي: )عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) (التوبة:43) .

فماذا أحدث عليه الصلاة والسلام بهذا الخلق؟

جمع القلوب بدعوته، وألف بين الأرواح بحكمته، أتاه أحدهم فقال له: والذي لا إله إلا هو إنك أحب إلي من نفسي!!

وقال الثاني: والله ما ملأت عيني منه إجلالاً له، والله لو سألتموني أن أصفه لكم، ما استطعت أن أصفه من حبي وإجلالي له.

ولقد كانوا رضي الله عنهم يتمنون أن تسيل دماؤهم، وتندق أعناقهم، ولا يشاك رسول الله صلي الله عليه وسلم بشوكة.. هذا هو الحب!



3- الخلاف بين معاوية وابن الزبير:



كان لمعاوية مزرعة في المدينة، وله عمال، وكان لابن الزبير مزرعة بجانبها، ومعاوية آنذاك يحكم ما يقارب العشرين دولة، وابن الزبير راع من رعيته، وكان بينهما حزازات قديمة، فأتي عمال معاوية ودخلوا في مزرعة ابن الزبير ، فكتب ابن الزبير لمعاوية كتاباً ، وكان رضي الله عنه غضوباً، فقال له:

بسم الله الرحمن الرحيم، من عبد الله بن الزبير ابن حواري الرسول، وابن ذات النطاقين، إلي معاوية بن هند بن آكلة الأكباد! أما بعد : فقد دخل عمالك مزرعتي، فو الذي لا إله إلا هو إن لم تمنعهم ليكون، لي معك شأن!!

فقرأ معاوية الرسالة ـ وكان حليماً ـ فاستدعي ابنه يزيد، وكان يزيد متهوراً ، فعرض عليه معاوية الرسالة، وقال : ماذا تري أن نجيبه؟

قال: أرى أن ترسل له جيشاً أوله في المدينة، وآخره عندك في دمشق يأتونك برأسه!!

فقال معاوية: لا ، خير من ذلك وأقرب رحماً، فكتب معاوية: بسم الله الرحمن الرحيم، من معاوية بن أبي سفيان، إلي عبد الله بن الزبير بن حواري الرسول، وابن ذات النطاقين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فلو كانت الدنيا بيني وبينك، ثم سألتها لسلمتها لك، فإذا أتاك كتابي هذا، فضم مزرعتي إلي مزرعتك، وعمالي إلي عمالك فهي لك، والسلام!!

وصلت الرسالة إلي ابن الزبير ، فقرأها وبلها بدموعه، وذهب غلي معاوية في دمشق، وقبل رأسه، وقال له : لا أعدمك الله عقلاً أنزلك هذا المنزل من قريش.

***



ثالثاً: الاجتماع تحت راية الإسلام



إننا نختلف عن سائر الأمم.. فلم نجتمع علي حب الوطن! فالوطنية ليست هي التي جمعتنا، فإن أوطاننا هي كل بلاد المسلمين، وأينما ذكر اسم الله في بلد كان هذا البلد وطناً لكل المسلمين.

ولم نجتمع كذلك علي دم، فإن الدم دعوة أرضية لم ينزلها الله في كتابه، ولم نجتمع علي لغة، فإن اللغات شتي.

ولكن اجتمعنا علي عقيدة، وعلي مبدأ أتي به محمد صلي الله عليه وسلم وهو (( لا إله إلا الله محمد رسول الله)).

هذا المبدأ ، جعلنا نتآخى ونجتمع بعد فرقة وشتات.

إن كيد مطرف الإخاء فإننا

نغدوا ونسري في إخاء تالــد

أو يختلف ماء الغمام فماؤنا

عذب تحدر من غمام واحد

أو يختلف نسب يؤلف بيننا

دين أقمناه مقام الوالـــد

فكلما حدثت جفوة، أو حصل هجر، عدنا غلي الدين، وتذكرنا أننا نصلي الصلوات الخمس، وأننا نتجه إلي قبلة واحدة، ونتبع رسولاً واحداً ونعبد رباً واحداً، ومعنا كتاب واحد، وسنة واحدة، فلله الحمد.

إن ما يجري بين الأحبة من خلاف ـ أحياناً ـ لا يفسد للود قضية، ولا يغير ما في النفوس، فإن الله يقول: ) وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ )(الأنعام: الآية112). فإنه ـ بمشيئة الله ـ يحدث مثل هذا، وفي ذلك من المصالح العظيمة ما الله به عليم.



يقول المتنبي:



لعــــل عتبك محمود عـواقبه

وربما صحت الأجساد بالعلل

ولعلنا نكره شيئاً فيه خير كثير، ونحب شيئاً فيه شر كثير.ولله الحكمة البالغة.

لا تـــدبر لــك أمــراً

فأولو التدبيــــر هلكي

وارض بــالله حكيمــــاً

نحن أولى بك منكــــا

فلا تكره من أمر الله شيئاً ، (( ورب ضارة نافعة)). فأحياناً تحدث أمور يكون فيها من المصالح العظيمة التي لا يدركها البشر بعقولهم، ولا بتخطيطهم، ولا بتصرفهم!

ومن هذه الأمور ما يكون قوة للإنسان ورفعة، ومنزلة وحماية، وكفارة النبي صلي الله عليه وسلم ودرجة، وكان يحسب هو أنها نقمة، وأنها ضربة له، وأنها كارثة ، فله الحكمة البالغة، ولابد للعبد أن يقول كلما اصبح وأمسي : (( رضيت بالله رباً،وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلي الله عليه وسلم نبياً)).

وفي سنن أبى داود بسند صحيح: (( من قال رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً، وجبت له الجنة)).

فإنه ليس بيننا وبين أحد من الناس شجار لأسباب دنيوية، ولا لذواتنا، ولا لأنفسنا، فإن العبد عليه أن يسعى لمصلحة هذا الدين، ولمصلحة الأمة والبلاد والعباد، وأن يسعى لجمع الصف، ونبذ الفرقة، ودرء الفتن عن الأمة حتى تكون الأمة تحت مظلة: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (لأنفال:63) .

اللهم أعصمنا من الزلل، وأنقذنا من الخطل، وأخرجنا من الحادث الجلل.

اللهم ثبت منا الأقدام ، وسدد منا السهام، وارفع منا الأعلام ، وانصرنا بالإسلام.

اللهم انزع من قلوبنا الغل علي الأخوان،والضغينة علي الجيران،والحسد للأقران.

اللهم اغسل قلوبنا بماء اليقين،واسق أرواحنا من كوثر الدين، وأثلج صدورنا بسكينة المؤمنين. سبحان ربك العزة عما يصفون، وسلام علي المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

وصلي الله وسلم وبارك علي نبينا محمد، وعلي آله وصحبه أجمعين