المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الدنمارك وحرية التحقير



المعلم
08-02-2006, 01:09 AM
فائق بن منيف المطيري
في بداية عام 1401 للهجرة اتفقت الحكومتان السعودية والدنماركية في إطار التعاون الثنائي على تشغيل مستشفى الملك فهد بجيزان والذي كان حديث الإنشاء حينذاك ، فكان المستشفى يدار ويشغل بكوادر طبية وإدارية معظمها دنماركية الجنسية، والباحث في الدراسات الصحية يجد دراسات دنماركية تناقش أداء وتطور المشروع في مراحله الزمنية المختلفة. طوال هذه العقود وما قبلها كانت العلاقة بين الدولتين والشعبين من أميز العلاقات في جميع المجالات ومنها الصحية ولم يحدث ما يكدر صفوها حتى أصيبت الدنمارك بجنون بقر اليمين الأوروبي المتطرف الذي وصل مده لهذه الدولة المسالمة، فاستلمت الرئاسة حكومة يمينية متعجرفة أججت بقصد أو بدون قصد مشاعر العنصرية والكراهية في أفراد مجتمعها، وما اجتراء صحف من صحفها على النبي صلى الله عليه وسلم إلا نتاج لسلوكيات الحكومة الخاطئة؛ فأين كانت حرية التعبير التي تقوم على السخرية بمعتقدات وثوابت الآخرين منذ عقود ولماذا لم تظهر إلا في الآونة الأخيرة؟. لو أن الصحيفة لم تجد أرضا خصبة لإغاظة المسلمين واحتقار رمزهم لما أقدمت على هذه الفعلة النكراء. وإذا كانت الحكومة تحترم الأديان فلماذا رفض رئيس وزرائها مقابلة عدد من سفراء الدول الإسلامية لشرح موقفه حيال ذلك؟. إن من المؤسف أن تتحول حرية التعبير إلى حرية للتحقير ثم إلى حرية للتدمير والتفجير لتتحول بعدها الشعوب والثقافات إلى ساحات للصراع وتبادل الاتهامات والسخرية الفجة.
إن تعنت الحكومة وإعراضها وتكبرها عن الاعتذار عن جرمها الدنيء لدليل على تورط الحكومة ودعمها الخفي لهذه الحرية الإجرامية. وفشلها وإصرارها طوال هذه المدة على دعم التطاول الديني هو ما حدا بالحكومة السعودية التي تقوم علاقاتها مع جميع الدول على الاحترام المتبادل إلى أن تستدعي سفيرها للتشاور، وكيف لا تفعل ذلك وهي مولد الرسول عليه الصلاة والسلام وحاملة اسمه في علمها الرسمي وهي من قامت وأسست على شعار التوحيد. إن الغضبة التاريخية الأخيرة شهدت تلاحما كبيرا شعبيا واقتصاديا لم يسبق أن حدث بهذا الوهج فالمواطنون مستهلكون ورجال أعمال وعلماء وإعلاميون وأدباء شكلوا قوة شعبية استخدمت سلاح الشراء لتوجيه رسالة لحكومة متعجرفة مفادها أن لهم حرية التحقير ولنا حرية الاختيار والقرار. وعلى القطاع الصحي ممثلا في الصيدليات وشركات توريد الأجهزة الطبية أن يشاركوا في مقاطعة المنتجات الطبية والصيدلانية والمعدات والأجهزة الخاصة بالمستشفيات حتى يكون لحكومتهم وقفة جادة مع العابثين ؛ وإن زادوا استكبارا وتجبرا عن الاعتذار فإن خيارات الشراء مفتوحة من جميع الدول المنتجة والتي تحترم علاقاتها بالآخرين.

إن في هذه الثورة الاقتصادية البيضاء دروساً وعبر للقطاع الصحي تتمثل في إبراز أهمية الاقتصاد كمصدر قوة وضغط كبيرين في يد من يحسن استخدامه ولعل المسؤولين عن مشروع الشراء الموحد للأدوية على المستوى المحلي والخليجي والعربي يستفيدون من آثار هذه التجربة في تسريع تنفيذ الشراء الموحد الذي يزحف كسلحفاة أصابها الدوار. ومن المهم أيضا تشجيع الاستثمار المحلي في صناعة الأدوية والمنتجات الصحية فالاكتفاء بمنتجات الألبان المحلية جعل من استخدام منتجات الدولة المتعجرفة ترفا يمكن الاستغناء عنه، ولعل من الفوائد أيضا أن تتجه بوصلة الاستيراد شرقا بالاستثمار في مصانعه ومساعدته على تطوير جودة الإنتاج وتبادل الاتفاقيات الثنائية فالشرق حتى الآن لم يشتم أو يحتقر أو يغزو بتمويل من استهلاكنا المحلي.