الرأي الخاص
09-12-2005, 12:49 AM
الشيخ الدكتور / عائض القرني يكشف أسرار اعتزاله الحياة العامة
كشف فضيلة الشيخ الدكتور عائض القرني في حديث خص به (الوفاق) أسرار اعتزاله الحياة العامة واعتكافه في منزله، وقال إنه يمر بظروف دعته إلى اتخاذ هذا القرار وإنه سيعتكف في منزله بالرياض لمدة شهر في مكتبته بين أكثر من عشرة آلاف كتاب لكبار علماء الأمة، ولن يخرج من منزله إلا لأداء صلاة الجماعة، وأضاف قائلا: سوف أصل بعد فترة اعتكاف الشهر إلى قرار مدروس عن مستقبل حياتي في المجال الدعوي ومشروعاتي الأخرى.
وفيما يلي نص حوار (الوفاق) مع الشيخ عائض بن عبدالله القرني:
* فضيلة الشيخ: لماذا قرار اعتزال الحياة العامة؟
ـ لقد أوضحت الأسباب في قصيدتي التي نشرتها، وعموما هو قرار يخصني شخصيا ومستقبلي الدعوي.
* ولماذا الآن؟!
ـ إنها حالة أمر بها، وعلى الجميع أن يقدر ظروفي..
* ولكنها مفاجئة وجديدة وأثارت الجدل!!
ـ ليست جديدة، وإن كانت مفاجئة فقد مر بها كبار العلماء أمثال ابن الجوزي والطنطاوي والسيوطي.
* مررت بظروف كثيرة وواجهتك صعوبات كبيرة، ولكن لم تعلن اعتزال الحياة العامة رغم كل ذلك، فلماذا الآن؟
ـ نعم هذا صحيح، لقد مررت بصعوبات كثيرة، وصراعات كبيرة، وتعرضت لكدمات ليست بالهينة، ولكن هذه المرة هي دعوة للمراجعة والتوقف.
* ولكنك لم تصدر بيانا توضيحيا لمحبيك وطلابك!!
ـ آثرت أن يكون هذا القرار في قصيدة شعرية قلت فيها كل شيء.
* لماذا؟
ـ أردت ذلك وأتمنى أن تصل إلى جميع المحبين وغيرهم، ولذا أتمنى نشرها في كل مكان.
* ولماذا الشهر؟
ـ أردت أن يكون الاعتكاف لمدة شهر كامل وبعد ذلك أقرر.
* هل ستذهب إلى بلاد بلقرن حيث مكانك المحبب الذي بدأت به القصيدة، أم ستبقى في منزلك بالرياض؟
ـ لن أغادر الرياض، وسأبقى في بيتي..
* أليس شهرا كاملا صعبا على داعية مشهور ملء السمع والبصر؟
ـ إنه شهر، أردت أن أبقى فيه معتكفا داخل مكتبتي بين أكثر من عشرة آلاف كتاب لكبار علماء الأمة.
* هل هو اعتكاف في داخل المنزل؟
ـ نعم فلن أخرج إلا لأداء صلاة الجماعة فقط.
* وماذا بعد الشهر؟
ـ سوف أصل بإذن الله إلى قرار مدروس يحدد مستقبل حياتي في المجال الدعوي وسائر المشروعات الأخرى الخاصة بي.
* وهل مسموح لأحد من طلابك أو من الدعاة زيارتك خلال الشهر؟!
ـ لقد اعتذرت من الجميع..
* وماذا عن من فوجؤوا بالقرار؟
ـ لقد تفهموا القرار..
* وهل اتصل بك العلماء والمشايخ؟
ـ جزى الله علماءنا ومشايخنا وطلاب العلم والدعاة والمسؤولين على اتصالهم والسؤال عني والوقوف على الحقيقة.
* نراك في معنويات مرتفعة جدا وأنت تتخذ قرارا صعبا!!
ـ الحمد لله المسلم صلته بالله عز وجل، وهذا قرار يخصني شخصيا وقد درسته جيدا قبل الإقدام عليه.
__________________
الـــقـــرار الأخـــيـــر
الشيخ الدكتور / عائض بن عبد الله القرني
يا أرضَ بالقـرن مازلنـا محبينـا
لا البعدُ ينسي ولا الأعـذارُ تثنينـا
فسائلي الغيمَ كـم أسقـى معاطفَنـا
وسائلي البرقَ كـم أحيـا مغانينـا
لي فيكِ يا دوحةَ الأمجـادِ ملحمـةٌ
محفورةٌ فـي كتـابٍ مـن ليالينـا
يوم الصبا كقميـصِ الخـزِ ألبسُـه
والروضُ اخضرُ مملـوءٌ رياحينـا
والرملُ لوحي وأقلامي غصونُ ندا
والربعُ يمطـرهُ القمـريْ تلاحينـا
يا ارضَ بالقرن لو فتشتِ في خَلَدي
وجـدتِ فيـه أخاديـدًا وتأبيـنـا
جرحٌ من الحبِ يا بالقرن ما اندملتْ
أطرافُـهُ بـاتَ يُقصينـا ويُدنينـا
قد زرتُ بعدكِ يا بالقرن كلَّ حمى
وطرتُ في الجو حتى جئتُ برلينـا
فما رضيتُ سواكم في الهوى بـدلاً
لأننـي عاشـقٌ دنيـاك والديـنـا
رأيتُ باريسَ في جلبـابِ راهبـةٍ
شمطاءَ قد بلغتْ في العمرِ سبعينـا
وأنتِ في ريَعَـان العمـرِ زاهيـةٌ
في ميعةِ الحسن إشراقـاً وتكوينـا
أتيتُ واشنطنًـا لا طـاب مربعُهـا
رأيتُ ساحتَها في الضيـقِ سجِّينـا
فلا نسيـمَ كأرضـي إذ يُصبِّحنـا
ولا ندى الطلِ في الـوادي يمسِّينـا
ارضُ السنابلِ لا ارضَ القنابلِ يـا
سِحْرَ الوجودِ ويا حـرزَ المحبينـا
يا روضةً طالما هـزَّتْ معاطفَهـا
كأنـهـا بتبـاشـيـرٍ تحيـيـنـا
وربوةٍ كم درجنـا فـي ملاعبهـا
عهدُ الطفولة يزهـو مـن أمانينـا
والأربعون علـى خـدي مروِّعـةٌ
يا ليت أني أهادي سـنَّ عشرينـا
والغبنُ يكتب في أضلاعنـا خطبًـا
مـدربُ القلـف يعطينـا تمارينـا
يقتاتُ من لحمنا غصْبًـا ويجلُدنـا
ويستقـي دَمَنـا زورًا ويظميـنـا
وإن نظَمْنا بيوتَ الشعـرِ نمدحـه
يظـل بالشَّعَـر المفتـولِ يلوينـا
إذا اقترحنـا علـى أيامنـا طلبًـا
ذقنا المنايا التـي تطـوي أمانينـا
آهٍ علـى قهـوةٍ سمـراءَ نشربُهـا
في غرفةٍ من ضميمِ الطيِن تؤوينـا
سِجادُها بحصيـرِ النخـلِ ننسجـه
وريشُهـا بنقـي الصـوفِ يدفينـا
بعنـا الهمـومَ بدنيانـا صيارفـةً
لسنـا جبـاةً ومـا كنـا مرابينـا
لم ندّخِرْ قوتَنـا بخـلاً ليـومِ غـدٍ
لكل يـومٍ طعـامٌ سـوف يأتينـا
ونمـلأُ الضيـفَ ترحابًـا لننسيَـهُ
ما غابَ من أهلـه عنـه ويُنسينـا
أمام غرفتِنا يجري الغديـرُ علـى
صـوتِ الحمـامِ بأبيـاتٍ يُغنينـا
قلوبُ أصحابِنـا طُهْـرٌ وسيرتُهـم
مثلُ الزلالِ الذي في القيظِ يروينـا
أيـامَ لا كدلـكٍ يعـوي بحارتنـا
ولا البواري تـدوّي فـي نوادينـا
واليـومَ أموالُنـا باتـتْ تؤرقُـنـا
همًـا وأولادُنـا بالغـمِّ تؤذيـنـا
إذا رفعـنـا بـآيـاتٍ عقيرتَـنـا
قالوا: غلـوٌ وهـذا خالـفَ الدينـا
وإن همسنا بحـبٍّ فـي مجالِسنـا
قالـوا: يدبـر أعمـالاً لترديـنـا
وإن لبسنا بشوتًا عرَّضـوا سفهًـا
بأننـا نزدهـي فيـهـا مرائيـنـا
وإن تقشَّـف منـا صــادقٌ ورِعٌ
قالـوا: يخادِعُنـا عمْـدًا ويغوينـا
إذا صمتنا اقضَّ الصمتُ مضجعَهم
وإن نطقنـا شربنـا كأسَنـا طينـا
إذا أجبْنا علـى الجـوالِ أمطَرَنـا
بالسبِّ مَـنْ كـان نغليـه ويغلينـا
وإن أبينـا أتتنـا مـن رسائـلـه
مثل السعيرِ على الرمضاء تشوينـا
قلنـا لهـم هـذه الأشيـاءُ حلَّلَهـا
أبو حنيفـة بـل سُقنـا البراهينـا
قالوا: خرقتَ لنا الإجماعَ في شُبَـهٍ
مِن رأيِك الفـجِّ بالنكـراءِ تأتينـا
وإن ضحكنـا أضافونـا بسخريـة
صفـراءَ تملؤنـا غبنًـا وتذوينـا
وإن بكينـا لظلـوا شامتيـن بنـا
كأنهم وحدَهُـم صـاروا موازينـا
تفـردوا بخطايـانـا وأشغلَـهُـم
عن ذكرِ سُوئِهُمُ المُـرْدي مساوينـا
ويفرحـون إذا زل النعـال بـنـا
ويهـزؤون بمـن يـروي معالينـا
ولا يرون سـوى أغلاطِنـا أبـدًا
فنقدُهُمْ صارَ فـي أهوائهـم دينـا
وشتْمُهُمْ هو محضُ النصحِ عندهـمُ
وردُّنـا هـو زورٌ مـن مغاوينـا
لحومُهُـم عندنـا مسمومـةٌ أبـدًا
ولحمُنا صارَ تحت النقـدِ سردينـا
فنحـن عنـد الحداثييـن قافـلـةٌ
من الخوارج نقفـو النهـجَ تالينـا
أما الغـلاةُ فإنـا عنـد شيخهمـو
لسنـا ثقـاتٍ ومـا كنـا موامينـا
ونحن في شرعِـهِ خُنَّـا عقيدتَنـا
مـن بائعيـن مبادينـا وشاريـنـا
حتى السياسي مرتابٌ ولـو حلفـتْ
لنـا ملائكـةٌ جــاءوا مزكيـنـا
كم مولَعٍ بخلافـي لـو أقـولُ لـه
هذا النهارُ لقـالَ الليـلُ يضوينـا
إذا طلبنـا جليـسًـا لا يوافقُـنـا
واديه ليس علـى قـربٍ بوادينـا
فتاجـرٌ لاهـثٌ ألهتْـهُ ثـروتُـه
عبدَ الدراهمِ قد عـادى المساكينـا
وجاهلٌ كافرٌ بالحرفِ ما بصُـرَت
عينـاه سِفْـرًا ومـا أمَّ الدواوينـا
ومعْجَـبٌ صَلِـفٌ زاهٍ بمنصـبـه
تواضعٌ منـه فضـلاً أن يماشينـا
فالآن حلَّ لنا هجرُ الجميـعِ وفـي
لـزومِ منزِلِنـا غُـنْـمٌ يواسيـنـا
نصاحبُ الكُتُبَ الصفـراءَ نلْثِمُهـا
نشكو لها صخَبَ الدنيـا فتشكينـا
تضمُّنا من لهيبِ الهجـرِ تمطِرُنـا
بالحبِّ تُضحِكُنـا طـورًا وتُبْكينـا
ما في الخيامِ أخو وجـدٍ نطارِحُـه
حديـثَ نجـدٍ ولا خـلٌ يصافينـا
فالزمْ فديتُـك بيتًـا أنـتَ تسكُنُـه
واصمتْ فكلُّ البرايا أصبحوا عينـا
شكرًا لكم أيها الأعـداءُ فابتهجـوا
صارت عداوتُكُـم تينًـا وزيتونـا
علَّمتمونا طِلابَ المجـدِ فانطلقـتْ
بنـا المطامـحُ تهدينـا وتعليـنـا
جزاكم اللهُ خيرًا إذْ بكـم صلحـت
أخطاؤنا واستَفَقْنـا مـن معاصينـا
دلَلْتُمونـا علـى زلاتِنـا كـرمًـا
وغيرُكُـم بِسُكـارِ المـدحِ يُعمينـا
فسامِحونـا إذا سالـتْ مدامعُـنـا
من لذعِ أسياطِكُم كنتـم مصيبينـا
تجاوزوا عن زفيرٍ مـن جوانِحنـا
حلمًا على زفـراتٍ فـي حواشينـا
ثنـاءُ أحبابِنـا قـد عـاقَ همتَنـا
ولـومُ حسادِنـا أذكـى مواضينـا
ماذا لقينا مـن الدنيـا وعشرتِهـا
عشاقُها نحنُ وهـي الدهـرَ تقلينـا
على مصائبهـا ناحـتْ مواجعُنـا
ومـن نكائدِهـا ذابـتْ مآقيـنـا
تغتالُـنـا بدواهيـهـا وتنحـرُنـا
صـارتْ مخالبُهـا فينـا سكاكينـا
والآن في البيتِ لا خِلٌّ نُسَـرُّ بـه
إلا الكتـابُ يناجيـنـا ويشجيـنـا
كشف فضيلة الشيخ الدكتور عائض القرني في حديث خص به (الوفاق) أسرار اعتزاله الحياة العامة واعتكافه في منزله، وقال إنه يمر بظروف دعته إلى اتخاذ هذا القرار وإنه سيعتكف في منزله بالرياض لمدة شهر في مكتبته بين أكثر من عشرة آلاف كتاب لكبار علماء الأمة، ولن يخرج من منزله إلا لأداء صلاة الجماعة، وأضاف قائلا: سوف أصل بعد فترة اعتكاف الشهر إلى قرار مدروس عن مستقبل حياتي في المجال الدعوي ومشروعاتي الأخرى.
وفيما يلي نص حوار (الوفاق) مع الشيخ عائض بن عبدالله القرني:
* فضيلة الشيخ: لماذا قرار اعتزال الحياة العامة؟
ـ لقد أوضحت الأسباب في قصيدتي التي نشرتها، وعموما هو قرار يخصني شخصيا ومستقبلي الدعوي.
* ولماذا الآن؟!
ـ إنها حالة أمر بها، وعلى الجميع أن يقدر ظروفي..
* ولكنها مفاجئة وجديدة وأثارت الجدل!!
ـ ليست جديدة، وإن كانت مفاجئة فقد مر بها كبار العلماء أمثال ابن الجوزي والطنطاوي والسيوطي.
* مررت بظروف كثيرة وواجهتك صعوبات كبيرة، ولكن لم تعلن اعتزال الحياة العامة رغم كل ذلك، فلماذا الآن؟
ـ نعم هذا صحيح، لقد مررت بصعوبات كثيرة، وصراعات كبيرة، وتعرضت لكدمات ليست بالهينة، ولكن هذه المرة هي دعوة للمراجعة والتوقف.
* ولكنك لم تصدر بيانا توضيحيا لمحبيك وطلابك!!
ـ آثرت أن يكون هذا القرار في قصيدة شعرية قلت فيها كل شيء.
* لماذا؟
ـ أردت ذلك وأتمنى أن تصل إلى جميع المحبين وغيرهم، ولذا أتمنى نشرها في كل مكان.
* ولماذا الشهر؟
ـ أردت أن يكون الاعتكاف لمدة شهر كامل وبعد ذلك أقرر.
* هل ستذهب إلى بلاد بلقرن حيث مكانك المحبب الذي بدأت به القصيدة، أم ستبقى في منزلك بالرياض؟
ـ لن أغادر الرياض، وسأبقى في بيتي..
* أليس شهرا كاملا صعبا على داعية مشهور ملء السمع والبصر؟
ـ إنه شهر، أردت أن أبقى فيه معتكفا داخل مكتبتي بين أكثر من عشرة آلاف كتاب لكبار علماء الأمة.
* هل هو اعتكاف في داخل المنزل؟
ـ نعم فلن أخرج إلا لأداء صلاة الجماعة فقط.
* وماذا بعد الشهر؟
ـ سوف أصل بإذن الله إلى قرار مدروس يحدد مستقبل حياتي في المجال الدعوي وسائر المشروعات الأخرى الخاصة بي.
* وهل مسموح لأحد من طلابك أو من الدعاة زيارتك خلال الشهر؟!
ـ لقد اعتذرت من الجميع..
* وماذا عن من فوجؤوا بالقرار؟
ـ لقد تفهموا القرار..
* وهل اتصل بك العلماء والمشايخ؟
ـ جزى الله علماءنا ومشايخنا وطلاب العلم والدعاة والمسؤولين على اتصالهم والسؤال عني والوقوف على الحقيقة.
* نراك في معنويات مرتفعة جدا وأنت تتخذ قرارا صعبا!!
ـ الحمد لله المسلم صلته بالله عز وجل، وهذا قرار يخصني شخصيا وقد درسته جيدا قبل الإقدام عليه.
__________________
الـــقـــرار الأخـــيـــر
الشيخ الدكتور / عائض بن عبد الله القرني
يا أرضَ بالقـرن مازلنـا محبينـا
لا البعدُ ينسي ولا الأعـذارُ تثنينـا
فسائلي الغيمَ كـم أسقـى معاطفَنـا
وسائلي البرقَ كـم أحيـا مغانينـا
لي فيكِ يا دوحةَ الأمجـادِ ملحمـةٌ
محفورةٌ فـي كتـابٍ مـن ليالينـا
يوم الصبا كقميـصِ الخـزِ ألبسُـه
والروضُ اخضرُ مملـوءٌ رياحينـا
والرملُ لوحي وأقلامي غصونُ ندا
والربعُ يمطـرهُ القمـريْ تلاحينـا
يا ارضَ بالقرن لو فتشتِ في خَلَدي
وجـدتِ فيـه أخاديـدًا وتأبيـنـا
جرحٌ من الحبِ يا بالقرن ما اندملتْ
أطرافُـهُ بـاتَ يُقصينـا ويُدنينـا
قد زرتُ بعدكِ يا بالقرن كلَّ حمى
وطرتُ في الجو حتى جئتُ برلينـا
فما رضيتُ سواكم في الهوى بـدلاً
لأننـي عاشـقٌ دنيـاك والديـنـا
رأيتُ باريسَ في جلبـابِ راهبـةٍ
شمطاءَ قد بلغتْ في العمرِ سبعينـا
وأنتِ في ريَعَـان العمـرِ زاهيـةٌ
في ميعةِ الحسن إشراقـاً وتكوينـا
أتيتُ واشنطنًـا لا طـاب مربعُهـا
رأيتُ ساحتَها في الضيـقِ سجِّينـا
فلا نسيـمَ كأرضـي إذ يُصبِّحنـا
ولا ندى الطلِ في الـوادي يمسِّينـا
ارضُ السنابلِ لا ارضَ القنابلِ يـا
سِحْرَ الوجودِ ويا حـرزَ المحبينـا
يا روضةً طالما هـزَّتْ معاطفَهـا
كأنـهـا بتبـاشـيـرٍ تحيـيـنـا
وربوةٍ كم درجنـا فـي ملاعبهـا
عهدُ الطفولة يزهـو مـن أمانينـا
والأربعون علـى خـدي مروِّعـةٌ
يا ليت أني أهادي سـنَّ عشرينـا
والغبنُ يكتب في أضلاعنـا خطبًـا
مـدربُ القلـف يعطينـا تمارينـا
يقتاتُ من لحمنا غصْبًـا ويجلُدنـا
ويستقـي دَمَنـا زورًا ويظميـنـا
وإن نظَمْنا بيوتَ الشعـرِ نمدحـه
يظـل بالشَّعَـر المفتـولِ يلوينـا
إذا اقترحنـا علـى أيامنـا طلبًـا
ذقنا المنايا التـي تطـوي أمانينـا
آهٍ علـى قهـوةٍ سمـراءَ نشربُهـا
في غرفةٍ من ضميمِ الطيِن تؤوينـا
سِجادُها بحصيـرِ النخـلِ ننسجـه
وريشُهـا بنقـي الصـوفِ يدفينـا
بعنـا الهمـومَ بدنيانـا صيارفـةً
لسنـا جبـاةً ومـا كنـا مرابينـا
لم ندّخِرْ قوتَنـا بخـلاً ليـومِ غـدٍ
لكل يـومٍ طعـامٌ سـوف يأتينـا
ونمـلأُ الضيـفَ ترحابًـا لننسيَـهُ
ما غابَ من أهلـه عنـه ويُنسينـا
أمام غرفتِنا يجري الغديـرُ علـى
صـوتِ الحمـامِ بأبيـاتٍ يُغنينـا
قلوبُ أصحابِنـا طُهْـرٌ وسيرتُهـم
مثلُ الزلالِ الذي في القيظِ يروينـا
أيـامَ لا كدلـكٍ يعـوي بحارتنـا
ولا البواري تـدوّي فـي نوادينـا
واليـومَ أموالُنـا باتـتْ تؤرقُـنـا
همًـا وأولادُنـا بالغـمِّ تؤذيـنـا
إذا رفعـنـا بـآيـاتٍ عقيرتَـنـا
قالوا: غلـوٌ وهـذا خالـفَ الدينـا
وإن همسنا بحـبٍّ فـي مجالِسنـا
قالـوا: يدبـر أعمـالاً لترديـنـا
وإن لبسنا بشوتًا عرَّضـوا سفهًـا
بأننـا نزدهـي فيـهـا مرائيـنـا
وإن تقشَّـف منـا صــادقٌ ورِعٌ
قالـوا: يخادِعُنـا عمْـدًا ويغوينـا
إذا صمتنا اقضَّ الصمتُ مضجعَهم
وإن نطقنـا شربنـا كأسَنـا طينـا
إذا أجبْنا علـى الجـوالِ أمطَرَنـا
بالسبِّ مَـنْ كـان نغليـه ويغلينـا
وإن أبينـا أتتنـا مـن رسائـلـه
مثل السعيرِ على الرمضاء تشوينـا
قلنـا لهـم هـذه الأشيـاءُ حلَّلَهـا
أبو حنيفـة بـل سُقنـا البراهينـا
قالوا: خرقتَ لنا الإجماعَ في شُبَـهٍ
مِن رأيِك الفـجِّ بالنكـراءِ تأتينـا
وإن ضحكنـا أضافونـا بسخريـة
صفـراءَ تملؤنـا غبنًـا وتذوينـا
وإن بكينـا لظلـوا شامتيـن بنـا
كأنهم وحدَهُـم صـاروا موازينـا
تفـردوا بخطايـانـا وأشغلَـهُـم
عن ذكرِ سُوئِهُمُ المُـرْدي مساوينـا
ويفرحـون إذا زل النعـال بـنـا
ويهـزؤون بمـن يـروي معالينـا
ولا يرون سـوى أغلاطِنـا أبـدًا
فنقدُهُمْ صارَ فـي أهوائهـم دينـا
وشتْمُهُمْ هو محضُ النصحِ عندهـمُ
وردُّنـا هـو زورٌ مـن مغاوينـا
لحومُهُـم عندنـا مسمومـةٌ أبـدًا
ولحمُنا صارَ تحت النقـدِ سردينـا
فنحـن عنـد الحداثييـن قافـلـةٌ
من الخوارج نقفـو النهـجَ تالينـا
أما الغـلاةُ فإنـا عنـد شيخهمـو
لسنـا ثقـاتٍ ومـا كنـا موامينـا
ونحن في شرعِـهِ خُنَّـا عقيدتَنـا
مـن بائعيـن مبادينـا وشاريـنـا
حتى السياسي مرتابٌ ولـو حلفـتْ
لنـا ملائكـةٌ جــاءوا مزكيـنـا
كم مولَعٍ بخلافـي لـو أقـولُ لـه
هذا النهارُ لقـالَ الليـلُ يضوينـا
إذا طلبنـا جليـسًـا لا يوافقُـنـا
واديه ليس علـى قـربٍ بوادينـا
فتاجـرٌ لاهـثٌ ألهتْـهُ ثـروتُـه
عبدَ الدراهمِ قد عـادى المساكينـا
وجاهلٌ كافرٌ بالحرفِ ما بصُـرَت
عينـاه سِفْـرًا ومـا أمَّ الدواوينـا
ومعْجَـبٌ صَلِـفٌ زاهٍ بمنصـبـه
تواضعٌ منـه فضـلاً أن يماشينـا
فالآن حلَّ لنا هجرُ الجميـعِ وفـي
لـزومِ منزِلِنـا غُـنْـمٌ يواسيـنـا
نصاحبُ الكُتُبَ الصفـراءَ نلْثِمُهـا
نشكو لها صخَبَ الدنيـا فتشكينـا
تضمُّنا من لهيبِ الهجـرِ تمطِرُنـا
بالحبِّ تُضحِكُنـا طـورًا وتُبْكينـا
ما في الخيامِ أخو وجـدٍ نطارِحُـه
حديـثَ نجـدٍ ولا خـلٌ يصافينـا
فالزمْ فديتُـك بيتًـا أنـتَ تسكُنُـه
واصمتْ فكلُّ البرايا أصبحوا عينـا
شكرًا لكم أيها الأعـداءُ فابتهجـوا
صارت عداوتُكُـم تينًـا وزيتونـا
علَّمتمونا طِلابَ المجـدِ فانطلقـتْ
بنـا المطامـحُ تهدينـا وتعليـنـا
جزاكم اللهُ خيرًا إذْ بكـم صلحـت
أخطاؤنا واستَفَقْنـا مـن معاصينـا
دلَلْتُمونـا علـى زلاتِنـا كـرمًـا
وغيرُكُـم بِسُكـارِ المـدحِ يُعمينـا
فسامِحونـا إذا سالـتْ مدامعُـنـا
من لذعِ أسياطِكُم كنتـم مصيبينـا
تجاوزوا عن زفيرٍ مـن جوانِحنـا
حلمًا على زفـراتٍ فـي حواشينـا
ثنـاءُ أحبابِنـا قـد عـاقَ همتَنـا
ولـومُ حسادِنـا أذكـى مواضينـا
ماذا لقينا مـن الدنيـا وعشرتِهـا
عشاقُها نحنُ وهـي الدهـرَ تقلينـا
على مصائبهـا ناحـتْ مواجعُنـا
ومـن نكائدِهـا ذابـتْ مآقيـنـا
تغتالُـنـا بدواهيـهـا وتنحـرُنـا
صـارتْ مخالبُهـا فينـا سكاكينـا
والآن في البيتِ لا خِلٌّ نُسَـرُّ بـه
إلا الكتـابُ يناجيـنـا ويشجيـنـا