جراح
10-11-2005, 09:17 AM
التعليم السعودي: نقطة ومن أول السطر
رصدت وزارة التربية والتعليم السعودية مؤخراً للسنوات الخمس المقبلة نحو 73.6 مليار دولار لتطوير العملية التعليمية، من حيث التصدي لمحو الأمية وتحسين المخرجات وتعزيز دعم القطاع الخاص، وهي تحديات تختصر مستقبل الوطن في مسيرته الآتية، ولكن قبل الاسترسال لنتعرف على أعمدة التربية والتعليم الأربعة في القرن 21، حسبما حددتها اللجنة الدولية، والتي هي كالآتي: تعلّم لتعرف، تعلم لتفعل، تعلم لتتعايش، تعلم لتكون، فاستجاباتك لاحتياجاتك المستقطعة من احتياجات مجتمعك تأتي من خلال عملك الذي تؤديه بعد اكتسابك للمعرفة، وهو ما يحدد كينونتك المستقلة في الحياة، فإذا دققنا أكثر لوجدنا أن العلم يأتي في المقدمة دائماً، لأنه الأساس والمعين لما بعده، فإن سألنا أي علم هذا؟ طبيعي أن يستوقفنا السؤال.
تجارب السعودية التعليمية، غالباً ما اعتبرت مادة للنقد والتحليل، خاصة بعد أحداث سبتمبر التحولية، التي دفعت بالمسؤولين السعوديين للتوجه إلى العملية التعليمية ككل، تحسباً للمردود المستقبلي منها هذه المرة، وفي الحقيقة قيل الكثير عن التغير والتبديل، وفي الحقيقة أكثر لم نلحظ هذا التعديل بما يتناسب مع حجم الهالة التي صاحبته، ولنأتي إلى التعليم العام وماذا يدرِّس وكيف يعرض معلومته ومن يتولى إيصالها، فالحذف والإضافة وهما أقدم أنواع التطوير العلمي، لا يكفيان لسد الفجوة بين واقع تعليمنا ومتطلبات عصرنا، فأين نحن من ربط التعليم بالاقتصاد مثلاً! من إدخال التقانة (تكنولوجيا) إلى مدارسنا وجامعاتنا! من مواكبة تسارع التحولات الاجتماعية!
التربية والتعليم تعني منهجا (محتوى) ومعلما وطالبا ومبنى وإدارة وتخطيطا و... و... وكل حلقة تستند في استمرارية نجاحها الى اتصالها بغيرها من الحلقات، فهل تضم مناهجنا من المرونة والتحديث ما يتماشى مع يومنا! أم هي زيادة فقرة هنا، واستبدال كتب البنات بالبنين هناك، وهكذا أعدنا التقييم، هل يعكس أداء المعلم أو ثقافته لغة العصر! أم هو التسطيح في الشرح، والافتقار إلى التدريب المؤهل للتعامل النفسي والأكاديمي مع الطالب! دع عنك التبرع بالبت والفصل في شؤون الدين والخروج عن المقرر كيفما اتفق من دون مؤاخذة أو تعرض للمساءلة، ودع عنك موضة الالتحاق بدورات لا يعرف عنها أكثر من اسمها لمجرد الحصول على شهادتها، (من دون التوسع في نوعية هذه الدورات والقائمين عليها ومدى الاستفادة منها أصلاً)، هل طلابنا على قدر من الوعي أو النضج الأخلاقي والعقل المتوقد المتعطش للمعرفة! أم هو الخمول الفكري والجسدي والاهتمامات السخيفة التي لا ينقذها تفهم أسري، ولا تحتويها أنشطة لاصفية تراعي المراحل العمرية ورغباتها المتفاوتة، ولا يحفزها منهج يثير مهارات التفكير العليا ويشحذها، هل مباني الصروح التعليمية تتناسب ومفهوم الارتقاء بمستوى التعليم من تجهيز للمختبرات العلمية والورش والأدوات الفنية والمكتبات ووسائل بحث تتناول أنظمة الكمبيوتر وليست كروتا اختفى حبرها وتآكل ورقها، تتناول كتبا مواكبة للتخصصات والسنوات الأخيرة، وليست للحشو والطرح المثالي غير الصريح أو المتعمق! أم هل استحدثت صيغة معدّلة للمقصف المدرسي وتنظيم الطابور لتعويد الطالب على احترامه!
فإذا انتقلنا إلى الإدارة التعليمية نفسها، فهل يعمل موظفوها على تناسق جهودهم في ما بينهم! هل اختيار المشرفين يتم بمعايير مدروسة! هل تقرير المشرف وتقييمه لعمل المعلم للبناء والإفادة أم لتعبئة الاستمارة فحسب! ثم هل زيارة المسؤول للاطلاع والإضافة أم للوجاهة ووسائل الإعلام! وهل بالفعل لدى الإدارات العليا علم بمجريات الأمور والمعاملات في الإدارات الصغرى، أم تكون همزة الوصل الوسطى بين الأكبر والأصغر قد حجبت الرؤية ولونت المشاهد بغير ألوانها! فإذا جاء بند الخطط، فحدِّث وأفض، فهي لا تبتعد في تصوراتها عن استراتيجيات الغرب وإن صعب تصديقك، فنحن قوم قد نحسن وضع الخطط وتجميلها، ولكننا نأتي عند التنفيذ ونقف، عند التفعيل ولا نكمل، عند التحقيق ولا ننجز، فما الفائدة إذن من تراكم الخطط المعطلة، طالما أن العبرة بالنتيجة ومقارنة الإنتاج!
وامتداداً لتتبع خبرات الآخرين مع التعليم لتطويع المفيد منها، سنعرض بعضا من التجارب الماليزية في تربية المستقبل، ففي عام 1995 قامت وزارة التربية الماليزية بمبادرة تدريس مادة «الاختراعات» في المرحلة الثانوية، بهدف المعرفة التقنية للإسهام صناعياً، بحيث يتاح للطلاب عدد من المواد التكنولوجية الاختيارية، يكون التلميذ معها مطالباً باختراع منتج ما يحمل قيمة الابتكار والجودة التجارية في السوق، فيقدم حقيبة ملفات مصاحبة لمنتجه توثيقاً لمشروعه لتوضيح منهجية أفكاره وأسلوبه في التصميم والعمل، اللذين على أساسهما (المنتج وحقيبة الملفات) تتم عملية تقويم أدائه، أمّا بالنسبة لإجراءات التغذية ذات الصلة بمتابعة منهج الاختراعات فمن أهمها: برنامج ربط الطلاب بالصناعة المحلية، من خلال تعاون مشترك بين التعليم والقطاع الخاص، في محاولة لاكتساب الطالب قسطاً من التمرين العملي في أقرب المرافق الصناعية لمدرسته أو مكان إقامته، وقد بدأ هذا المشروع في عام 1998 أثناء الإجازة السنوية بـ162 طالبا من 14 مدرسة مشاركة، ليرتفع في العام الذي تلاه إلى 322 طالباً من 33 مدرسة. فإذا علمنا أن وزارة التربية الماليزية قد حرصت منذ عام 2000 على تزويد المدارس الثانوية كافة بمجموعة منتقاة من النماذج الآلية المبرمجة (الروبوتات) لفكها، ثم إعادة تركيبها واستعمالها كنوع من المران على ميكانيكا الالكترونيات وهندسة الآلات ذاتية الحركة، لو استوعبنا هذه المعلومة لقدرّنا حجم الاهتمام الفعلي بالمهارات الحية العلمية التي لا تعيرها مناهجنا ما تستحقه.
تعليمنا العام هو الدعامة التي يقف عليها التعليم العالي، فليس المهم أن نعلن عن أرقام الميزانيات، ثم نصرف الأموال، وليس هناك من تقدم «فعلي وحقيقي» في مجاله، كما لا يكون الحل في الاستعاضة عن المدارس الوطنية بالأجنبية بأنظمتها. وليبق من لا يملك المادة على مستواه، فالكل يحيا في نفس القارب وإن اختلفت المواقع، وأي ثغرة فيه غرق لنا جميعاً، من أكل ومن لم يأكل!
رصدت وزارة التربية والتعليم السعودية مؤخراً للسنوات الخمس المقبلة نحو 73.6 مليار دولار لتطوير العملية التعليمية، من حيث التصدي لمحو الأمية وتحسين المخرجات وتعزيز دعم القطاع الخاص، وهي تحديات تختصر مستقبل الوطن في مسيرته الآتية، ولكن قبل الاسترسال لنتعرف على أعمدة التربية والتعليم الأربعة في القرن 21، حسبما حددتها اللجنة الدولية، والتي هي كالآتي: تعلّم لتعرف، تعلم لتفعل، تعلم لتتعايش، تعلم لتكون، فاستجاباتك لاحتياجاتك المستقطعة من احتياجات مجتمعك تأتي من خلال عملك الذي تؤديه بعد اكتسابك للمعرفة، وهو ما يحدد كينونتك المستقلة في الحياة، فإذا دققنا أكثر لوجدنا أن العلم يأتي في المقدمة دائماً، لأنه الأساس والمعين لما بعده، فإن سألنا أي علم هذا؟ طبيعي أن يستوقفنا السؤال.
تجارب السعودية التعليمية، غالباً ما اعتبرت مادة للنقد والتحليل، خاصة بعد أحداث سبتمبر التحولية، التي دفعت بالمسؤولين السعوديين للتوجه إلى العملية التعليمية ككل، تحسباً للمردود المستقبلي منها هذه المرة، وفي الحقيقة قيل الكثير عن التغير والتبديل، وفي الحقيقة أكثر لم نلحظ هذا التعديل بما يتناسب مع حجم الهالة التي صاحبته، ولنأتي إلى التعليم العام وماذا يدرِّس وكيف يعرض معلومته ومن يتولى إيصالها، فالحذف والإضافة وهما أقدم أنواع التطوير العلمي، لا يكفيان لسد الفجوة بين واقع تعليمنا ومتطلبات عصرنا، فأين نحن من ربط التعليم بالاقتصاد مثلاً! من إدخال التقانة (تكنولوجيا) إلى مدارسنا وجامعاتنا! من مواكبة تسارع التحولات الاجتماعية!
التربية والتعليم تعني منهجا (محتوى) ومعلما وطالبا ومبنى وإدارة وتخطيطا و... و... وكل حلقة تستند في استمرارية نجاحها الى اتصالها بغيرها من الحلقات، فهل تضم مناهجنا من المرونة والتحديث ما يتماشى مع يومنا! أم هي زيادة فقرة هنا، واستبدال كتب البنات بالبنين هناك، وهكذا أعدنا التقييم، هل يعكس أداء المعلم أو ثقافته لغة العصر! أم هو التسطيح في الشرح، والافتقار إلى التدريب المؤهل للتعامل النفسي والأكاديمي مع الطالب! دع عنك التبرع بالبت والفصل في شؤون الدين والخروج عن المقرر كيفما اتفق من دون مؤاخذة أو تعرض للمساءلة، ودع عنك موضة الالتحاق بدورات لا يعرف عنها أكثر من اسمها لمجرد الحصول على شهادتها، (من دون التوسع في نوعية هذه الدورات والقائمين عليها ومدى الاستفادة منها أصلاً)، هل طلابنا على قدر من الوعي أو النضج الأخلاقي والعقل المتوقد المتعطش للمعرفة! أم هو الخمول الفكري والجسدي والاهتمامات السخيفة التي لا ينقذها تفهم أسري، ولا تحتويها أنشطة لاصفية تراعي المراحل العمرية ورغباتها المتفاوتة، ولا يحفزها منهج يثير مهارات التفكير العليا ويشحذها، هل مباني الصروح التعليمية تتناسب ومفهوم الارتقاء بمستوى التعليم من تجهيز للمختبرات العلمية والورش والأدوات الفنية والمكتبات ووسائل بحث تتناول أنظمة الكمبيوتر وليست كروتا اختفى حبرها وتآكل ورقها، تتناول كتبا مواكبة للتخصصات والسنوات الأخيرة، وليست للحشو والطرح المثالي غير الصريح أو المتعمق! أم هل استحدثت صيغة معدّلة للمقصف المدرسي وتنظيم الطابور لتعويد الطالب على احترامه!
فإذا انتقلنا إلى الإدارة التعليمية نفسها، فهل يعمل موظفوها على تناسق جهودهم في ما بينهم! هل اختيار المشرفين يتم بمعايير مدروسة! هل تقرير المشرف وتقييمه لعمل المعلم للبناء والإفادة أم لتعبئة الاستمارة فحسب! ثم هل زيارة المسؤول للاطلاع والإضافة أم للوجاهة ووسائل الإعلام! وهل بالفعل لدى الإدارات العليا علم بمجريات الأمور والمعاملات في الإدارات الصغرى، أم تكون همزة الوصل الوسطى بين الأكبر والأصغر قد حجبت الرؤية ولونت المشاهد بغير ألوانها! فإذا جاء بند الخطط، فحدِّث وأفض، فهي لا تبتعد في تصوراتها عن استراتيجيات الغرب وإن صعب تصديقك، فنحن قوم قد نحسن وضع الخطط وتجميلها، ولكننا نأتي عند التنفيذ ونقف، عند التفعيل ولا نكمل، عند التحقيق ولا ننجز، فما الفائدة إذن من تراكم الخطط المعطلة، طالما أن العبرة بالنتيجة ومقارنة الإنتاج!
وامتداداً لتتبع خبرات الآخرين مع التعليم لتطويع المفيد منها، سنعرض بعضا من التجارب الماليزية في تربية المستقبل، ففي عام 1995 قامت وزارة التربية الماليزية بمبادرة تدريس مادة «الاختراعات» في المرحلة الثانوية، بهدف المعرفة التقنية للإسهام صناعياً، بحيث يتاح للطلاب عدد من المواد التكنولوجية الاختيارية، يكون التلميذ معها مطالباً باختراع منتج ما يحمل قيمة الابتكار والجودة التجارية في السوق، فيقدم حقيبة ملفات مصاحبة لمنتجه توثيقاً لمشروعه لتوضيح منهجية أفكاره وأسلوبه في التصميم والعمل، اللذين على أساسهما (المنتج وحقيبة الملفات) تتم عملية تقويم أدائه، أمّا بالنسبة لإجراءات التغذية ذات الصلة بمتابعة منهج الاختراعات فمن أهمها: برنامج ربط الطلاب بالصناعة المحلية، من خلال تعاون مشترك بين التعليم والقطاع الخاص، في محاولة لاكتساب الطالب قسطاً من التمرين العملي في أقرب المرافق الصناعية لمدرسته أو مكان إقامته، وقد بدأ هذا المشروع في عام 1998 أثناء الإجازة السنوية بـ162 طالبا من 14 مدرسة مشاركة، ليرتفع في العام الذي تلاه إلى 322 طالباً من 33 مدرسة. فإذا علمنا أن وزارة التربية الماليزية قد حرصت منذ عام 2000 على تزويد المدارس الثانوية كافة بمجموعة منتقاة من النماذج الآلية المبرمجة (الروبوتات) لفكها، ثم إعادة تركيبها واستعمالها كنوع من المران على ميكانيكا الالكترونيات وهندسة الآلات ذاتية الحركة، لو استوعبنا هذه المعلومة لقدرّنا حجم الاهتمام الفعلي بالمهارات الحية العلمية التي لا تعيرها مناهجنا ما تستحقه.
تعليمنا العام هو الدعامة التي يقف عليها التعليم العالي، فليس المهم أن نعلن عن أرقام الميزانيات، ثم نصرف الأموال، وليس هناك من تقدم «فعلي وحقيقي» في مجاله، كما لا يكون الحل في الاستعاضة عن المدارس الوطنية بالأجنبية بأنظمتها. وليبق من لا يملك المادة على مستواه، فالكل يحيا في نفس القارب وإن اختلفت المواقع، وأي ثغرة فيه غرق لنا جميعاً، من أكل ومن لم يأكل!