werwar
20-10-2005, 08:33 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
وقال الإمام النووي:"وإذا سئل عن شيء لا يعرفه أو عرض في الدرس ما لا يعرفه فليقل لا أعرفه ولا أتحققه، ولا يستنكف من ذلك، فمِن عِلْم العالم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم، أو الله أعلم. فقد قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : " يا أيها الناس، من علم شيئاً فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم : الله أعلم، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : [قل ما أسألكم عليه من أجرٍ وما أنا من المتكلفين] رواه البخاري. وقالوا: ينبغي للعالم أن يورث لأصحابه لا أدري، معناه يكثر منها، وليعلم أن معتقد المحققين أن قول العالم لا أدري لا يضع منزلته، بل هو دليل على عظم محله وتقواه، وكمال معرفته؛ لأن المتمكن لا يضره عدم معرفته مسائل معدودة، بل يستدل بقوله لا أدري على تقواه، وأنه لا يجازف في فتواه. وإنما يمتنع من لا أدري مَنْ قلَّ علمه، وقصرت معرفته، وضعفت تقواه؛ لأنه يخاف لقصوره أن يسقط من أعين الحاضرين، وهو جهالة منه، فإنه بإقدامه على الجواب فيما لا يعلمه، يبوء بالإثم العظيم، ولا يرفعه ذلك عما عرف له من القصور بل يستدل به على قصوره؛ لأنا إذا رأينا المحققين يقولون في كثير من الأوقات لا أدري، وهذا القاصر لا يقولها أبداً علمنا أنهم يتورعون لعلمهم وتقواهم، وأنه يجازف لجهله وقلة دينه، فوقع فيما فرَّ عنه، واتصف بما احترز منه، لفساد نيته، وسوء طويته، وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :"المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور"(المجموع شرح المهذب (1/34) ) . 4 - كثرة المزاح: لا شك أن الترويح، والدعابة اللطيفة وإذهاب الملل أمر مطلوب، وقد كان صلى الله عليه وسلم يداعب أصحابه ولا يقول إلا حقاًّ (رواه الترمذي ( 1991 ) ورواه أيضاً في الشمائل ( 202 ) وقال : حسن صحيح .) لكن المزاح حين يكثر يصبح له أثر آخر يحذرنا منه الخطيب البغدادي قائلاً:"يجب أن يتقي المزاح في مجلسه؛ فإنه يسقط الحشمة، ويقل الهيبة". وساق بإسناده إلى الأحنف بن قيس قال: قال لي عمر بن الخطاب:"يا أحنف، من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن أكثر من شيء عرف به، ومن مزح استخف به"(الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ( 2/50 ) . ) . وقال محمد بن المنكدر: قالت لي أمي: يا بني، لا تمازح الصبيان فتهون عليهم"(الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/150) .) . وحين يكثر المدرس من المزاح فسوف يسقط قدره وتقل هيبته ويهون على تلامذته، ناهيك عن أن من أهم ما يُنتظر من المدرس ومعلم الجيل أن يكون قدوة صالحة، وأن يسهم في غرس الجد والمثابرة لدى أبنائه، والإسفاف في المزاح وكثرة الهزل يعطيهم قدوة سيئة في ذلك. 5- استخدام الطلبة في الأمور الشخصية: ألا ترى أنه مما لا يليق بالمدرس أن يستخدم طلابه في أموره الشخصية، ويكلفهم بها مهما هانت ؟ يجيبنا على هذا التساؤل الحافظ ابن جماعة فيقول:"وكذا ينزهه - علمه - من طمع في رفق من طلبته بمال أو خدمة أو غيرهما بسبب اشتغالهم عليه وترددهم إليه"(تذكرة السامع والمتكلم ( 19 ) .) اللهم إلا أن تكون حاجة عامة غير شخصية، وفي اشتغال المعلم بها تضييع لوقته، وهذا الطالب من خاصته فلا حرج حينئذ بل إنه يتشرف بخدمته، مادام يشعر أن ذلك ليس لشخصه فقط. 6- الوقوع في مواطن التهم: المرء مسئول عن نفسه، وعليه أن يبعدها عن مواضع التهم كما قال ابن جماعة:"وكذلك يتجنب مواضع التهم وإن بعدت، ولا يفعل شيئاً يتضمن نقص مروءة، أو ما يستنكر ظاهراً، وإن كان جائزاً باطناً؛ فإنه يعرض نفسه للتهمة، وعرضة للوقيعة، ويوقع الناس في الظنون المكروهة، وتأثيم الوقيعة، فإن اتفق وقوع شيء من ذلك لحاجة أو نحوها، أخبر من شاهده بحكمه، وبعذره ومقصوده كيلا يأثم بسببه، أو ينفر عنه فلا ينتفع بعلمه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجلين لما رأياه يتحدث مع صفية فوليا :"على رسلكما إنها صفية" ثم قال:"إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فخفت أن يقذف في قلوبكما شيئاً(رواه البخاري (3281) ومسلم (2175).)" ا.هـ. (تذكرة السامع والمتكلم (19-20) .) 7- سرعة الانفعال ولغة التهديد: من لوازم حسن الخلق الترفع عن سرعة الانفعال وشدة الغضب، واستبعاد لغة التهديد، ومن أسوأ الأساليب التي لا يجني منها المدرس إلا الكراهية من طلابه بل استخفافهم وسخريتهم:التهديد بما يعلم الطلاب أنه لن يفعله. وعناية المدرس بانضباط الفصل وهدوئه ينبغي ألا تكون على حساب التربية، وعلاقته مع الطلاب. والأغلب أن تكون هذه المواقف ردة فعل لسلوكيات ومخالفات لا ترقى لحجم هذه العقوبة والقسوة، ويمكن تجاوزها بإشارة، أو تنبيه لطيف يزيلها ويحفظ للمدرس وقاره وقدره. 8 - السخرية من الطالب واحتقاره: قال عز وجل : [ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون] (الحجرات:11) وشدد النبي صلى الله عليه وسلم من أمر السخرية بالمسلم فقال:"بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم"(رواه مسلم (2564). ). لقد جمع الله سبحانه وتعالى بين قلوب عباده المؤمنين بجامع الأخوة، وربط بينهم برابطة التقوى، تلك الأخوة والرابطة التي تذوب عندها كل الفواصل الأرضية والنعرات الجاهلية، ويستوي فيها الصغير والكبير، والشريف والوضيع، ومن الإخلال بهذا الأدب الذي أدبنا الله به في كتابه، ومن ارتكاب الشر الذي نهانا عنه صلى الله عليه وسلم أن نحتقر الطالب ونسخر منه، فنحرجه أمام زملائه؛ فقد يجيب إجابة، أو يسأل سؤالاً، أو يقع في خطأ ما، فهل يعني هذا أن نمرغ كل معاني الخلق الفاضل لنوجه له سخرية لاذعة؟ إن إيغار صدره على معلمه، ورده لما يسمع منه، ومشاركة سائر الطلبة له مشاعر السخط، كل ذلك نتيجة منطقية وبدهية لأسلوب السخرية الذي يمارسه بعض المعلمين. فهلا أدبنا أنفسنا بالأدب الشرعي، ووزنا ألفاظنا قبل أن نتفوه بها؟ ويذكر أستاذنا د. محمد عبد العليم مرسي قصة تصور النتيجة التي يمكن أن يصل إليها الطالب حين يعامل بالسخرية والاحتقار فيقول:" ولا زلت أذكر حتى الآن، منذ كنت طالباً أن زميلاً لي في بداية المرحلة الثانوية، وقف ليخبر مدرس اللغة الإنجليزية أنه قد نظر في القاموس فوجد معنىً مختلفاً عما قاله الأستاذ… وكانت كارثة. لقد استلمه الأستاذ سخريةً واستهزاءً وانسحب الولد صامتاً، ولم ينته الأمر عند هذا الحد، بل قد صارت عادةً للمعلم المذكور كل يوم أن يدخل إلى الفصل ليبادر بالسؤال: أين صاحبنا الباحث في القاموس؟ أين قاموسنا اليوم؟ وهكذا والطلاب يضحكون من زميلهم، إما مجاملة للأستاذ، وإما عدم فهم لحالة زميلهم المسكين الذي انسحب تماماً من درس اللغة الإنجليزية"(لمعلم والمناهج وطرق التدريس . د. محمد عبد العليم مرسي (99).). 9 - غيبة الطلاب: يدور الحديث كثيراً بين المعلمين فيما يتعلق بالطلاب، وقد يمتد هذا الحديث إلى الوقوع في أعراضهم. وتحريم الغيبة مما لا يشك فيه مسلم، قال تعالى : [ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم] .(الحجرات: 12) ويشبِّه النبي صلى الله عليه وسلم تحريم عرض المسلم بتشبيه بليغ، إذ يقول:"إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا" (رواه البخاري (67) ومسلم (1679) )ويعرفها صلى الله عليه وسلم بتعريف جامع مانع بأنها:"ذكرك أخاك بما يكره"(رواه مسلم (2589)). فالطالب أخ لك أيها المعلم، وذكرك له بما يكره من الغيبة التي هي أربى الربا:" إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق"(رواه أحمد (1354) وأبو داود (4876)) . 10- إملال الطالب: عقد الخطيب البغدادي في كتابه الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع باباً بعنوان: (كراهة إملال السامع وإضجاره بطول إملاء المحدث وإكثاره). وقال: " ينبغي للمحدث ألا يطيل المجلس الذي يرويه، بل يجعله متوسطاً ويقتصد فيه؛ حذراً من سآمة السامع وملله، وأن يؤدي ذلك إلى فتوره عن الطلب وكسله. فقد قال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد فيما بلغني عنه: من أطال الحديث وأكثر القول فقد عرَّض أصحابه للملال وسوء الاستماع. ولأن يدع من حديثه فضلة يعاد إليها أصلح من أن يَفْضُل عنه ما يلزم الطالبَ استماعُه من غير رغبة فيه ولا نشاط له" (لجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/127) .) . وروى بإسناده أن عبيد بن عمير دخل على عائشة - رضي الله عنها- فقالت له:"ألم أحدث أنك تجلس ويجلس إليك؟ قال: بلى. قالت: فإياك وإملال الناس وتقنيطهم". وروى عن الوليد بن مزيد البيروتي قال:"المستمع أسرع ملالاً من المتكلم"(لجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1/130) .) . ومع نهيهم عن طول المجلس الذي يؤدي لإملال الطالب، فقد دعوا لإزالة الملل عنه وإذهاب السآمة فعقد الخطيب في الجامع باباً بعنوان (ختم المجلس بالحكايات ومستحسن النوادر والإنشادات)(لجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/129) .) . وأورد فيه بعض الآثار في ذلك منها:- ما رواه بإسناده عن علي- رضي الله عنه - أنه قال:" روِّحوا القلوب وابتغوا لها طرف الحكمة؛ فإنها تمل كما تمل الأبدان". وروى عن الزهري أنه كان يقول لأصحابه:"هاتوا من أشعاركم، هاتوا من حديثكم؛ فإن الأذن مجَّة، والقلب حَمِض". وروى عن كثير بن أفلح أنه قال: "آخر مجلس جالَسْنا فيه زيد بن ثابت تناشدنا فيه الشعر"(لجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ( 2/129 - 130 ) .) . 11- تعليم الطالب ما لا يدرك: قد تبلغ الحماسة بالمعلم والحرص على تعليم طلابه إلى أن يسعى لتعليمهم ما قد يصعب عليهم فهمه، أو يكون مدعاة للتخليط واللبس.ولذا نهى السلف عن ذلك. قال علي - رضي الله عنه -:" حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكذَّب الله ورسوله؟"(رواه البخاري (127).). وقال ابن مسعود - رضي الله عنه- :"ما أنت محدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة"(رواه مسلم في مقدمة الصحيح.). ويرى الغزالي أن من وظيفة المعلم"أن يقتصر بالمتعلم على قدر فهمه، فلا يلقي إليه ما لا يبلغه عقله؛ فينفره أو يخبط عليه عقله" (إحياء علوم الدين (1/96).) . قال الإمام النووي:"ولا يلق إليه شيئاً لم يتأهل له، لئلا يفسد عليه حاله، فلو سأله المتعلم عن ذلك لم يجبه، ويعرفه أن ذلك يضره ولاينفعه، وأنه لم يمنعه من ذلك شحًّا، بل شفقة ولطفاً"(المجموع شرح المهذب (1/30) .) . 12- انتقاد المدرسين الآخرين أو موادهم: قد يلحظ المدرس على بعض زملائه ملحظاً، أو يكون له وجهة نظر تجاهه في سلوكه، أو أسلوبه في التدريس، أو في تعامله مع طلابه. لكن هذه الملحوظة مهما علا شأنها فلا يسوغ أن تدفع المدرس إلى التصريح بانتقاد زميله أمام الطلاب، أو الإيماء لذلك والإشارة إليه. ومثل ذلك الحديث عن مادة معينة، وعدم صلاحيتها للتدريس، فهذا مما لا يقدم ولايؤخر، ولايفيد الطالب شيئاًً. وهو مسلك كان ينهى عنه الأولون كما قال أبو حامد الغزالي:"إن المتكفل ببعض العلوم ينبغي ألا يقبح في نفس المتعلم العلوم التي وراءه، كمعلم اللغة إذ عادته تقبيح علم الفقه، ومعلم الفقه إذ عادته تقبيح الحديث والتفسير"(إحياء علوم الدين (1/96).) .
ملحوظة: المصدر: كتاب/المدرس ومهارات التوجيه للشيخ محمد بن عبدالله الدويش
وقال الإمام النووي:"وإذا سئل عن شيء لا يعرفه أو عرض في الدرس ما لا يعرفه فليقل لا أعرفه ولا أتحققه، ولا يستنكف من ذلك، فمِن عِلْم العالم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم، أو الله أعلم. فقد قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : " يا أيها الناس، من علم شيئاً فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم : الله أعلم، قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : [قل ما أسألكم عليه من أجرٍ وما أنا من المتكلفين] رواه البخاري. وقالوا: ينبغي للعالم أن يورث لأصحابه لا أدري، معناه يكثر منها، وليعلم أن معتقد المحققين أن قول العالم لا أدري لا يضع منزلته، بل هو دليل على عظم محله وتقواه، وكمال معرفته؛ لأن المتمكن لا يضره عدم معرفته مسائل معدودة، بل يستدل بقوله لا أدري على تقواه، وأنه لا يجازف في فتواه. وإنما يمتنع من لا أدري مَنْ قلَّ علمه، وقصرت معرفته، وضعفت تقواه؛ لأنه يخاف لقصوره أن يسقط من أعين الحاضرين، وهو جهالة منه، فإنه بإقدامه على الجواب فيما لا يعلمه، يبوء بالإثم العظيم، ولا يرفعه ذلك عما عرف له من القصور بل يستدل به على قصوره؛ لأنا إذا رأينا المحققين يقولون في كثير من الأوقات لا أدري، وهذا القاصر لا يقولها أبداً علمنا أنهم يتورعون لعلمهم وتقواهم، وأنه يجازف لجهله وقلة دينه، فوقع فيما فرَّ عنه، واتصف بما احترز منه، لفساد نيته، وسوء طويته، وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :"المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور"(المجموع شرح المهذب (1/34) ) . 4 - كثرة المزاح: لا شك أن الترويح، والدعابة اللطيفة وإذهاب الملل أمر مطلوب، وقد كان صلى الله عليه وسلم يداعب أصحابه ولا يقول إلا حقاًّ (رواه الترمذي ( 1991 ) ورواه أيضاً في الشمائل ( 202 ) وقال : حسن صحيح .) لكن المزاح حين يكثر يصبح له أثر آخر يحذرنا منه الخطيب البغدادي قائلاً:"يجب أن يتقي المزاح في مجلسه؛ فإنه يسقط الحشمة، ويقل الهيبة". وساق بإسناده إلى الأحنف بن قيس قال: قال لي عمر بن الخطاب:"يا أحنف، من كثر ضحكه قلت هيبته، ومن أكثر من شيء عرف به، ومن مزح استخف به"(الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ( 2/50 ) . ) . وقال محمد بن المنكدر: قالت لي أمي: يا بني، لا تمازح الصبيان فتهون عليهم"(الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/150) .) . وحين يكثر المدرس من المزاح فسوف يسقط قدره وتقل هيبته ويهون على تلامذته، ناهيك عن أن من أهم ما يُنتظر من المدرس ومعلم الجيل أن يكون قدوة صالحة، وأن يسهم في غرس الجد والمثابرة لدى أبنائه، والإسفاف في المزاح وكثرة الهزل يعطيهم قدوة سيئة في ذلك. 5- استخدام الطلبة في الأمور الشخصية: ألا ترى أنه مما لا يليق بالمدرس أن يستخدم طلابه في أموره الشخصية، ويكلفهم بها مهما هانت ؟ يجيبنا على هذا التساؤل الحافظ ابن جماعة فيقول:"وكذا ينزهه - علمه - من طمع في رفق من طلبته بمال أو خدمة أو غيرهما بسبب اشتغالهم عليه وترددهم إليه"(تذكرة السامع والمتكلم ( 19 ) .) اللهم إلا أن تكون حاجة عامة غير شخصية، وفي اشتغال المعلم بها تضييع لوقته، وهذا الطالب من خاصته فلا حرج حينئذ بل إنه يتشرف بخدمته، مادام يشعر أن ذلك ليس لشخصه فقط. 6- الوقوع في مواطن التهم: المرء مسئول عن نفسه، وعليه أن يبعدها عن مواضع التهم كما قال ابن جماعة:"وكذلك يتجنب مواضع التهم وإن بعدت، ولا يفعل شيئاً يتضمن نقص مروءة، أو ما يستنكر ظاهراً، وإن كان جائزاً باطناً؛ فإنه يعرض نفسه للتهمة، وعرضة للوقيعة، ويوقع الناس في الظنون المكروهة، وتأثيم الوقيعة، فإن اتفق وقوع شيء من ذلك لحاجة أو نحوها، أخبر من شاهده بحكمه، وبعذره ومقصوده كيلا يأثم بسببه، أو ينفر عنه فلا ينتفع بعلمه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للرجلين لما رأياه يتحدث مع صفية فوليا :"على رسلكما إنها صفية" ثم قال:"إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فخفت أن يقذف في قلوبكما شيئاً(رواه البخاري (3281) ومسلم (2175).)" ا.هـ. (تذكرة السامع والمتكلم (19-20) .) 7- سرعة الانفعال ولغة التهديد: من لوازم حسن الخلق الترفع عن سرعة الانفعال وشدة الغضب، واستبعاد لغة التهديد، ومن أسوأ الأساليب التي لا يجني منها المدرس إلا الكراهية من طلابه بل استخفافهم وسخريتهم:التهديد بما يعلم الطلاب أنه لن يفعله. وعناية المدرس بانضباط الفصل وهدوئه ينبغي ألا تكون على حساب التربية، وعلاقته مع الطلاب. والأغلب أن تكون هذه المواقف ردة فعل لسلوكيات ومخالفات لا ترقى لحجم هذه العقوبة والقسوة، ويمكن تجاوزها بإشارة، أو تنبيه لطيف يزيلها ويحفظ للمدرس وقاره وقدره. 8 - السخرية من الطالب واحتقاره: قال عز وجل : [ يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون] (الحجرات:11) وشدد النبي صلى الله عليه وسلم من أمر السخرية بالمسلم فقال:"بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم"(رواه مسلم (2564). ). لقد جمع الله سبحانه وتعالى بين قلوب عباده المؤمنين بجامع الأخوة، وربط بينهم برابطة التقوى، تلك الأخوة والرابطة التي تذوب عندها كل الفواصل الأرضية والنعرات الجاهلية، ويستوي فيها الصغير والكبير، والشريف والوضيع، ومن الإخلال بهذا الأدب الذي أدبنا الله به في كتابه، ومن ارتكاب الشر الذي نهانا عنه صلى الله عليه وسلم أن نحتقر الطالب ونسخر منه، فنحرجه أمام زملائه؛ فقد يجيب إجابة، أو يسأل سؤالاً، أو يقع في خطأ ما، فهل يعني هذا أن نمرغ كل معاني الخلق الفاضل لنوجه له سخرية لاذعة؟ إن إيغار صدره على معلمه، ورده لما يسمع منه، ومشاركة سائر الطلبة له مشاعر السخط، كل ذلك نتيجة منطقية وبدهية لأسلوب السخرية الذي يمارسه بعض المعلمين. فهلا أدبنا أنفسنا بالأدب الشرعي، ووزنا ألفاظنا قبل أن نتفوه بها؟ ويذكر أستاذنا د. محمد عبد العليم مرسي قصة تصور النتيجة التي يمكن أن يصل إليها الطالب حين يعامل بالسخرية والاحتقار فيقول:" ولا زلت أذكر حتى الآن، منذ كنت طالباً أن زميلاً لي في بداية المرحلة الثانوية، وقف ليخبر مدرس اللغة الإنجليزية أنه قد نظر في القاموس فوجد معنىً مختلفاً عما قاله الأستاذ… وكانت كارثة. لقد استلمه الأستاذ سخريةً واستهزاءً وانسحب الولد صامتاً، ولم ينته الأمر عند هذا الحد، بل قد صارت عادةً للمعلم المذكور كل يوم أن يدخل إلى الفصل ليبادر بالسؤال: أين صاحبنا الباحث في القاموس؟ أين قاموسنا اليوم؟ وهكذا والطلاب يضحكون من زميلهم، إما مجاملة للأستاذ، وإما عدم فهم لحالة زميلهم المسكين الذي انسحب تماماً من درس اللغة الإنجليزية"(لمعلم والمناهج وطرق التدريس . د. محمد عبد العليم مرسي (99).). 9 - غيبة الطلاب: يدور الحديث كثيراً بين المعلمين فيما يتعلق بالطلاب، وقد يمتد هذا الحديث إلى الوقوع في أعراضهم. وتحريم الغيبة مما لا يشك فيه مسلم، قال تعالى : [ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم] .(الحجرات: 12) ويشبِّه النبي صلى الله عليه وسلم تحريم عرض المسلم بتشبيه بليغ، إذ يقول:"إن دماءكم، وأموالكم، وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا" (رواه البخاري (67) ومسلم (1679) )ويعرفها صلى الله عليه وسلم بتعريف جامع مانع بأنها:"ذكرك أخاك بما يكره"(رواه مسلم (2589)). فالطالب أخ لك أيها المعلم، وذكرك له بما يكره من الغيبة التي هي أربى الربا:" إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق"(رواه أحمد (1354) وأبو داود (4876)) . 10- إملال الطالب: عقد الخطيب البغدادي في كتابه الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع باباً بعنوان: (كراهة إملال السامع وإضجاره بطول إملاء المحدث وإكثاره). وقال: " ينبغي للمحدث ألا يطيل المجلس الذي يرويه، بل يجعله متوسطاً ويقتصد فيه؛ حذراً من سآمة السامع وملله، وأن يؤدي ذلك إلى فتوره عن الطلب وكسله. فقد قال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد فيما بلغني عنه: من أطال الحديث وأكثر القول فقد عرَّض أصحابه للملال وسوء الاستماع. ولأن يدع من حديثه فضلة يعاد إليها أصلح من أن يَفْضُل عنه ما يلزم الطالبَ استماعُه من غير رغبة فيه ولا نشاط له" (لجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/127) .) . وروى بإسناده أن عبيد بن عمير دخل على عائشة - رضي الله عنها- فقالت له:"ألم أحدث أنك تجلس ويجلس إليك؟ قال: بلى. قالت: فإياك وإملال الناس وتقنيطهم". وروى عن الوليد بن مزيد البيروتي قال:"المستمع أسرع ملالاً من المتكلم"(لجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1/130) .) . ومع نهيهم عن طول المجلس الذي يؤدي لإملال الطالب، فقد دعوا لإزالة الملل عنه وإذهاب السآمة فعقد الخطيب في الجامع باباً بعنوان (ختم المجلس بالحكايات ومستحسن النوادر والإنشادات)(لجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/129) .) . وأورد فيه بعض الآثار في ذلك منها:- ما رواه بإسناده عن علي- رضي الله عنه - أنه قال:" روِّحوا القلوب وابتغوا لها طرف الحكمة؛ فإنها تمل كما تمل الأبدان". وروى عن الزهري أنه كان يقول لأصحابه:"هاتوا من أشعاركم، هاتوا من حديثكم؛ فإن الأذن مجَّة، والقلب حَمِض". وروى عن كثير بن أفلح أنه قال: "آخر مجلس جالَسْنا فيه زيد بن ثابت تناشدنا فيه الشعر"(لجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ( 2/129 - 130 ) .) . 11- تعليم الطالب ما لا يدرك: قد تبلغ الحماسة بالمعلم والحرص على تعليم طلابه إلى أن يسعى لتعليمهم ما قد يصعب عليهم فهمه، أو يكون مدعاة للتخليط واللبس.ولذا نهى السلف عن ذلك. قال علي - رضي الله عنه -:" حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكذَّب الله ورسوله؟"(رواه البخاري (127).). وقال ابن مسعود - رضي الله عنه- :"ما أنت محدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة"(رواه مسلم في مقدمة الصحيح.). ويرى الغزالي أن من وظيفة المعلم"أن يقتصر بالمتعلم على قدر فهمه، فلا يلقي إليه ما لا يبلغه عقله؛ فينفره أو يخبط عليه عقله" (إحياء علوم الدين (1/96).) . قال الإمام النووي:"ولا يلق إليه شيئاً لم يتأهل له، لئلا يفسد عليه حاله، فلو سأله المتعلم عن ذلك لم يجبه، ويعرفه أن ذلك يضره ولاينفعه، وأنه لم يمنعه من ذلك شحًّا، بل شفقة ولطفاً"(المجموع شرح المهذب (1/30) .) . 12- انتقاد المدرسين الآخرين أو موادهم: قد يلحظ المدرس على بعض زملائه ملحظاً، أو يكون له وجهة نظر تجاهه في سلوكه، أو أسلوبه في التدريس، أو في تعامله مع طلابه. لكن هذه الملحوظة مهما علا شأنها فلا يسوغ أن تدفع المدرس إلى التصريح بانتقاد زميله أمام الطلاب، أو الإيماء لذلك والإشارة إليه. ومثل ذلك الحديث عن مادة معينة، وعدم صلاحيتها للتدريس، فهذا مما لا يقدم ولايؤخر، ولايفيد الطالب شيئاًً. وهو مسلك كان ينهى عنه الأولون كما قال أبو حامد الغزالي:"إن المتكفل ببعض العلوم ينبغي ألا يقبح في نفس المتعلم العلوم التي وراءه، كمعلم اللغة إذ عادته تقبيح علم الفقه، ومعلم الفقه إذ عادته تقبيح الحديث والتفسير"(إحياء علوم الدين (1/96).) .
ملحوظة: المصدر: كتاب/المدرس ومهارات التوجيه للشيخ محمد بن عبدالله الدويش