المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صفات المعلم 1ـ 2 ـ 3



werwar
20-10-2005, 08:20 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

من صفات المعلم
إنه ما من عمل أو مهمة صغرت أو كبرت إلا ولمن يقوم بها صفات لابد أن يتحلى بها، وصفات لابد أن يتخلى عنها، فكيف بمن يتولى أمانة إعداد الجيل، وتربية النشء؟ والحديث عن صفات المعلم يطول، فاقتصرت هنا على ما أرى ضرورة إيراده، إما لكثرة الإخلال به، أو لارتباطه بالتوجيه، أو لأن البعض قد يجهله ويغفل عنه . ويمكن أن نقسم هذه الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المدرس إلى صفات إيجابية ينبغي له أن يتصف بها، وصفات سلبية ينبغي أن يتخلى عنها. المبحث الأول : صفات إيجابية

1- الإخلاص لله وحده: وهي خصلة تواطأ من ألَّف من سلف الأمة في أدب المعلم على الوصاة بها. قال الحافظ ابن جماعة في أدب العالم مع طلبته: :" الأول أن يقصد بتعليمهم وتهذيبهم وجه الله تعالى، ونشر العلم، ودوام ظهور الحق وخمول الباطل، ودوام خير الأمة بكثرة علمائها، واغتنام ثوابهم، وتحصيل ثواب من ينتهي إليه علمه" (تذكرة السامع والمتكلم في أدب العالم والمتعلم (47) .). وقال الإمام النووي:"ويجب على المعلم أن يقصد بتعليمه وجه الله لما سبق، وألا يجعله وسيلة إلى غرض دنيوي، فيستحضر المعلم في ذهنه كون التعليم آكد العبادات، ليكون ذلك حاثاًّ له على تصحيح النية، ومحرضاً له على صيانته من مكدراته ومن مكروهاته، مخافة فوات هذا الفضل العظيم والخير الجسيم"(المجموع شرح المهذب (1/30) .). وحين يصلح المدرس نيته، ويطيب طويته يتحول عمله إلى عبادة لله وحده، ويكتب له نصبه وجهده وكل ما يلاقيه حسنات عند الله، فلئن كان الرجل يثاب حين يأتي زوجته، أو حين يرفع متاع الرجل على دابته، أو حين يكف لسانه عن القيل والقال، أفلا يثاب من يغار على أبناء الأمة ويحمل همهم؟ والإخلاص أخي المدرس ينتج عنه أن تتمتع بكل ما يتمتع به الآخرون في الدنيا من مزايا مادية، وإجازات.... وتزيد عليهم في الدنيا أنك تتذوق عملك، وتعشق مهنتك فتحبها وتقبل عليها، وأن جميع الساعات التي تقضيها كل يوم في مدرستك، بل في ذهابك وإيابك مدخرة لك عند الله عز وجل. أما الدار الآخرة فهي المقصود الأعظم والمطلب الأسمى، فهناك أي ثواب سيناله المخلصون، وأي أجر سيكتب لهم؟ هذه أمور لا تدركها أنت ولا أنا، إنما علمها عند الله [والله يضاعف لمن يشاء] (البقرة:261). والنية الخالصة مع كونها شعوراً داخلياً إلا أنها تمثل عاملاً مهماً يضبط سلوك المدرس، ويفرض عليه رقابة داخلية؛ فيتقن العمل ويرعى الأمانة. 2- التقوى والعبادة: روى الرامهرمزي بإسناده عن أبي العالية قال:"كنا إذا أتينا الرجل لنأخذ عنه نظرنا إلى صلاته، فإن أحسن الصلاة أخذنا عنه، وإن أساء الصلاة لم نأخذ عنه"(المحدث الفاصل بين الراوي والواعي للقاضي الحسن بن عبدالرحمن الرامهرمزي (409) .) . وقال محمد بن سيرين: "إن هذا العلم دين؛ فانظروا عمن تأخذون دينكم"(رواه مسلم في مقدمة صحيحه . والخطيب في الكفاية 121 . والرامهرمزي في المحدث الفاصل(437) .) . وقال حماد بن زيد: دخلنا على أنس بن سيرين في مرضه فقال:"اتقوا الله يا معشر الشباب، وانظروا عمن تأخذون هذه الأحاديث فإنها دينكم "(رواه الخطيب في الكفاية (122) . والرامهرمزي في المحدث الفاصل (440) .) . وقال الإمام مالك رحمه الله: "إن هذا العلم هو لحمك ودمك، وعنه تسأل يوم القيامة، فانظر عمن تأخذه" (رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل (444) .) . وقال مجالد: "لا يؤخذ الدين إلا عن أهل الدين" (رواه الرامهرمزي في المحدث الفاصل (445) .) . فحين تطرق هذه النصوص أخي المدرس مسمع طلابنا أتراهم يرونها تنطبق علينا بحق؟ أم أنهم يدرجونا ضمن قائمة من حذَّر السلف من الأخذ عنهم؟ فلا علينا أن نطرح هذا السؤال بصدق وصراحة على أنفسنا: هل نحن معنيون بحق في الحرص على استقامة ديننا وسلوكنا؟ وهل نحن نشعر أن إعداد أنفسنا، وتقوية إيماننا، والعناية بعبادة الله عز وجل وطاعته جزءٌ لا يتجزأ من واجبنا؟ 3- حث الطالب على العلم وتحريضه عليه: إن غرس حب العلم، والعناية به من أهم الصفات التي ينبغي أن يتسم بها المدرس، وهي وصية يوصي بها المعلمَ مَنْ سلف من أهل العلم. قال الإمام النووي:"وينبغي أن يرغبه في العلم، ويذكره بفضائله وفضائل العلماء، وأنهم ورثة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، ولارتبة في الوجود أعلى من هذه"(المجموع شرح المهذب (1/30) .). وفي عصرنا الحاضر تزداد القضية تأكيداً، وتستحق مزيداً من الرعاية والعناية؛ إذ كثرت الصوارف والشواغل للجيل المعاصر من الملاهي ووسائل قضاء الشهوات، مما يجعل العلم والعناية به في مرتبة متأخرة من اهتمامات الطالب، هذا إن وجد ذلك أصلاً. والترغيب في العلم والحث عليه ليس بالضرورة حكراً على طريقة واحدة تتمثل كما يتصور البعض بالحديث النظري المستفيض عن فضائل العلم وأهله، وعن تقصير الجيل الحاضر في ذلك. إن مثل هذا الحديث مطلب له أهميته، لكن حين نضيف لذلك عنايتنا بغرس حب العلم عند تلامذتنا من خلال إعطائهم المزيد مما يشد انتباههم من الفوائد العلمية، وتعويدهم على القراءة من خلال توجيههم لكتب مفيدة ومشوقة. وحين يلمسون عنايتنا نحن بما نقدمه لهم، ويرون أثر العلم على ما نقدمه، ونضيف لذلك كله نماذج من سير أهل العلم وعنايتهم به؛ إننا من خلال ذلك كله يمكن أن نسهم في دفع الهم العلمي لدى طلابنا مرحلة أعلى مما هي عليه في الواقع. 4 -حسن المظهر: لا أشك أنك توافقني أن علينا أن نعتني بمظاهرنا بما لا يخرج عن حد الاعتدال؛ إذ ذلك أدعى للقبول والتقدير، وذاك يشعر طلبتنا أن الاستقامة لا تعني بالضرورة رثة المظهر، وقد كان السلف يعنون بذلك، ويوصون المحدث بحسن مظهره، نقرأ في فهرس (الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي) ما يلي: باب إصلاح المحدث هيئته وأخذه لرواية الحديث زينته، مبحث وليبتدئ بالسواك، مبحث وليقص أظافيره إذا طالت، مبحث إذا اتسخ ثوبه غسله، مبحث إذا أكل طعاماً زهماً اتقى يديه من غمره، مبحث لباس المحدث المستحب له، مبحث ويكره له أن يلبس الثوب الخلق وهو يقدر على الجديد.... وقال:"ينبغي للمحدث أن يكون في حال روايته على أكمل هيئة وأفضل زينة، ويتعاهد نفسه قبل ذلك بإصلاح أموره التي تجمله عند الحاضرين من الموافقين والمخالفين"(الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (373) .) . وروى بإسناده عن يحيى بن محمد الشهيد قال:"ما رأيت أورع من يحيى بن معين، ولا أحسن لباساً منه" (الجامع لأخلاق الرواي وآداب السامع (381) .) . ومن تمام حسن المظهر وأولوياته الالتزام بالضوابط الشرعية، فإسبال الثياب، أو لبس المخالف منها، أو حلق اللحية مما يخل بمظهر المعلم، ويتأكد عليه قبل غيره من الناس أن يلتزم بالمظهر الشرعي. 5 - حسن المنطق : إن المنطق واللسان يعد أخي المدرس معياراً من معايير تقويم الشخصية، لذا فلعلك توافقني أن من واجبات المدرس أن يحفظ منطقه ولسانه، فلا يسمع منه الطلاب إلا خيراً، وحتى حين يعاتب أو يحاسب، فلا يليق به أن يتجاوز ويرمي بالكلمات التي لايبالي بها. ولئن كانت الكلمة الطيبة تترك أثرها في النفوس، فالكلمة الجارحة تهدم أسوار المحبة، وتقضي على بنيانها. ولئن كنا لاندرك بدقة أثر ما نقوله على الناس، فالناس لهم مشاعر، واعتبارات ينبغي أن نرعاها. إننا نلمس في أنفسنا جميعاً أن هناك كلمات نسمعها فتترك أثراً إيجابياً أو سلبياً في نفوسنا دون أن يشعر من قالها بذلك. أفلا نجعل من هذا الاعتبار مقياساً للآخرين، فنفترض أن مشاعرهم تجاه ما يسمعونه منا لن تكون بالضرورة مدركة لنا، أو حتى واردة في حسباننا؟ مما يدفعنا إلى مراجعة منطقنا أكثر، وأن نحسب لكل كلمة نقولها حساباً. 6 - الانضباط واتزان الشخصية: يؤكد هذه الصفة الإمام النووي فيقول :"وينبغي أن يصون يديه عن العبث، وعينيه عن تفريق النظر بلا حاجة، ويلتفت إلى الحاضرين التفاتاً قصداً بحسب الحاجة للخطاب"(المجموع شرح المهذب (1/33) .). والاتزان صفة يحتاج إليها من يطلب من الناس أدنى اعتبار لشخصيته واحترام لها، فكيف بمن يكون معلماً للجيل وقدوة للناشئة؛ إذ إن أولئك الذين يفقدون اتزانهم، وتنبئ تصرفاتهم عن نقص في العقل وكمال الرجولة، وفقد لهيبة العلم، أولئك إنما تنادي أحوالهم بمزيد من السخرية والعبث من قبل تلامذتهم. 7 - القدوة الصالحة: كثير من الناس يستطيع التوجيه ويحسن القول، ولكن كم هم المعلمون الذين يدعون بأعمالهم، ويرى فيهم الطالب القدوة الحسنة؟ فيحسن بك أخي الكريم أن تكون قدوة صالحة لأبنائك، في عبادتك، وفي تعاملك، وفي سلوكك. وبعبارة أدق أن يتفق مقالك وحالك. إن التناقض بين القول والعمل، والظاهر والباطن، وازدواجية التوجيه وتناقضه، كل ذلك من أكبر مشكلات الجيل المعاصر، وذلك كله نبات بذرة خبيثة واحدة، ألا وهي عدم العمل بالعلم، والمأمول منك أخي المدرس أن تسهم في اجتثاث هذه النبتة السوء، لا أن تسهم دون قصد في سقيها. ولذا يقول الشافعي موصياً مؤدب أولاد الخليفة الرشيد:"ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح أولاد أمير المؤمنين إصلاح نفسك، فإن أعينهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما تستحسنه، والقبيح عندهم ما تكرهه". وها هو ابن مسعود- رضي الله عنه - يقول:"من كان كلامه لا يوافق فعله فإنما يوبِّخ نفسَه". ويرى الغزالي أن الوظيفة الثامنة للمعلم: "أن يكون عاملاً بعلمه، فلا يكذب قوله فعله؛ لأن العلم يدرك بالبصائر، والعمل يدرك بالأبصار، وأرباب الأبصار أكثر، فإذا خالف العلم العمل منع الرشد، وكل من تناول شيئاً وقال للناس لا تتناولوه فإنه سم مهلك؛ سخر الناس به، واتهموه، وزاد حرصهم على ما نهوا عنه، فيقولون: لولا أنه أطيب الأشياء وألذها لما كان يستأثر به"(إحياء علوم الدين (1/97).) . فالمدرس الذي يتحدث لطلابه عن أهمية الصلاة والمحافظة عليها، وحين يصلّون في المدرسة يرونه في آخر الصفوف أو"الذي يحث طلابه على الالتزام بالمواعيد وأهمية الوفاء بها، ثم يحضر إلى دروسه متأخراً يمحو بتصرف واحد عشرات الأقوال التي يصبُّها في آذانهم"(المعلم والمناهج وطرق التدريس لأستاذنا : د. محمد مرسي (21) .). 8 - الوفاء بالوعد: إن الوفاء بالوعد من خلق المؤمن، بل الخلف من خصال النفاق، وإخلاف الوعد مظهر من مظاهر عدم الجدية واللامبالاة، ينطبع في أذهان الطلاب عن شخصية أستاذهم، ويعطيهم مقياساً لضآلة قدرهم عنده. فحين تعد طالباً بمكافأة، أو بحث مسألة، أو تعد سائر طلبتك بأي أمر، فاجتهد واحرص كل الحرص على الوفاء بما وعدت به، وإن حال دون ذلك حائل، أو عاق دون تحقيقه عائق فالاعتذار اللطيف يزيل ما قد يكون في النفس. 9- الإسهام في إصلاح نظام التعليم: المدرس الجاد المخلص يشعر أن مهمته لا تقف عند حد ما يقدمه في الفصل الدراسي، ولئن كانت المسؤولية عن نظم التعليم والمناهج وما يتعلق بذلك أموراً يعنى بها غير المعلم، إلا أن ذلك لا يعفيه من المشاركة والسعي للإصلاح. وهو حين يحمل هذا الهم في خاطره، ويدرك أن هذه المهمة جزءٌ من مسؤوليته، سيسهم في اقتراحٍ بناءٍ على إدارة المدرسة، أو تنبيهٍ على ملحظ، أو مناقشة هادئة في قرار. وسيدعوه ذلك أيضاً للمساهمة في إبداء اقتراح أو تصحيح خطأ حول منهج مادة يدرسها، أو طرح فكرة بناءة والكتابة عنها، أو السعي لدراسة ظاهرة من الظواهر السلبية في نظام التعليم أو مشكلة من مشكلاته. ولهذا كان السلف يوصون المعلم بالعناية بحماية نظام التعليم من المخالفات الشرعية، ولو كانت في نظر البعض من الأمور اليسيرة. قال سحنون:"وأكره للمعلم أن يعلم الجواري، ولا يخلطهن مع الغلمان؛ لأن ذلك فساد لهم" (آداب المعلمين . مصدر سابق (123) .)

werwar
20-10-2005, 08:27 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

. 10 -حسن المعاملة للطالب: إن الطالب هو المقصود الأول والأساس من العملية التعليمية والتربوية، ولذا فهو المتغير الرئيس الذي يتعامل معه الأستاذ، أما المنهج، وأنظمة التعليم، وغير ذلك فهي إنما وضعت أساساً لتحقيق الهدف التربوي التعليمي للطالب، ولهذا الموقع الذي يتبوأه الطالب في العملية التربوية كان لابد من وضع بعض المعالم والقواعد في التعامل مع الطالب، حتى يتحقق الهدف المقصود من التربية والتعليم. ومدار ذلك كله على حسن الخلق، وقد أعلى الشرع منزلة حسن الخلق ورفع من شأنها، قال صلى الله عليه وسلم :"ليس شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن"(رواه الترمذي (2002) وأبو داود (4799) وأحمد (26971)وانظر : السلسلة الصحيحة ( 876 ) .) . وترتقي منزلة أهل الخلق الحسن ليدركوا درجة أهل العبادة والزهد:"إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم" (رواه أبو داود (4798) وأحمد (23834) وابن حبان (1927) .) . وإذا كان حسن الخلق يتأكد على كل مسلم، فهو في حق معلم الأجيال، وأستاذ النشء آكد وأوجب، وحسن خلق المدرس مع طلابه كلمة واسعة تجمع أبواباً شتى منها: أولاً: توقير الطالب وتقديره: بعيداً عن نظرة التعالي التي سادت بين كثير من المسلمين وللأسف، وفوق احتقار الآخرين وازدرائهم - كما هو حال بعض المعلمين - فوق ذلك كله وأسمى منه يجب أن تكون أخلاقنا معشر المعلمين الدعاة. وفي الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع: باب إكرامه الغرباء من الطلبة وتقريبهم، استقباله لهم بالترحيب، تواضعه لهم، تحسين خلقه معهم، الرفق بمن جفا طبعه منهم، ويروي في الباب الأخير عن أبي عثمان الوراق قال: اجتمع أصحاب الحديث عند وكيع، قال : وعليه ثوب أبيض، فانقلبت المحبرة على ثوبه، فسكت مليًّا ثم قال: ما أحسن السواد في البياض. وعن سفيان بن وكيع قال: قال أبي: من أراد أن يحدث فليصبر وإلا فليسكت(الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1/355) .). وفي الأدب الرابع للمعلم عند ابن جماعة:"أن يحب لطالبه ما يحب لنفسه كما جاء في الحديث، ويكره له ما يكره لنفسه، قال ابن عباس: أكرم الناس علي جليسي الذي يتخطى رقاب الناس إليّ، لو استطعت أن لايقع الذباب عليه لفعلت، وفي رواية : إن الذباب ليقع عليه فيؤذيني" (تذكرة السامع والمتكلم ( 49 ) .) . ويؤكد ابن جماعة على المعلم حسن المعاملة في موضع آخر فيقول:"وكذلك ينبغي أن يترحب بالطلبة إذا جلسوا إليه، ويؤنسهم بسؤالهم عن أحوالهم،وأحوال من يتعلق بهم بعد درسهم، وليعاملهم بطلاقة الوجه، وظهور البشر، وحسن المودة، وإعلام المحبة، وإضمار الشفقة"(تذكرة السامع والمتكلم ( 65 ) . ) . وقال النووي:"وينبغي له أن يحنو عليه، ويعتني بمصالح نفسه وولده، ويجريه مجرى ولده في الشفقة عليه والاهتمام بمصالحه" (المجوع شرح المهذب ( 1/ 31 ) .) . إن توقير الطالب وتقديره - مع أنه خلق المسلم ابتداء - يعلِّمه أن يوقر الناس، ويدعوه لمحبة مدرسه، والتلقي فرع عن المحبة وصفاء القلوب، وهو كذلك يخرج لنا جيلاً يتصف بحسن الخلق، وصفاء السريرة؛ إذ هو يتعلمها ويدرسها من خلال الواقع الملموس والصورة الحية، مما يفعل ما لا تفعله الكلمات المجردة. ثانياً: الثناء عليه حين يحسن: إننا نجيد النقد لمن أساء، ونرى أن إيقافه عند حده من بدهيات واجبات المدرس؟ فما بالك بمن يحسن؟ أليس في المقابل يستحق الثناء، ولو بدعوة صالحة: جزاك الله خيراً، أثابك الله، زادك الله علماً وحين يتجاوب الثغر مع اللسان فيفتر عن ابتسامة صادقة، يدرك الطالب صدق مودة مدرسه. وحين نقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فلن تخطئنا تلك المواقف التي كان يثني فيها على من أحسن من صحابته كما سبق الحديث عن ذلك في هديه صلى الله عليه وسلم . ومرة أخرى مع ابن جماعة يعلمنا هذا الأدب فيقول:"فمن رآه مصيباً في الجواب، ولم يخف عليه شدة الإعجاب شكره وأثنى عليه بين أصحابه؛ ليبعثه وإياهم على الاجتهاد في طلب الازدياد"(تذكرة السامع والمتكلم ( 54 ) . ) . ثالثاً: العدل بين الطلاب: على العدل قامت السموات والأرض، وبه أوصى الله عباده : [إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون] (النحل :90) ولذا فعلينا معشر المعلمين أن نتحرى العدل ونقصده، ونسعى إليه بين طلبتنا، وألا تظهر الميول والتقديرات الشخصية قدر الإمكان. فالمحاباة والتفريق في المعاملة مما يمقته الطلاب وينفرون منه ومن صاحبه. وهي قضية لم تكن تغيب عن علمائنا الأوائل، فتوارثوا إيصاء المعلم بالعدل، وتحذيره من خلافه. قال الإمام النووي:"وينبغي أن يقدم في تعليمهم إذا ازدحموا الأسبق فالأسبق، ولايقدمه في أكثر من درس إلا برضا الباقين" (المجموع شرح المهذب (1/33) .). وقال ابن قيم الجوزية:"إن الطالب المتعلم إذا سبق غيره إلى الشيخ ليقرأ عليه لم يقدم بدرسين إلا أن يكون كل منهم يقرأ درس" (الفروسية (114) . وانظر الفكر التربوي عند ابن القيم لحسن الحجاجي (450) .). وعقد ابن سحنون باباً في ذلك (ماجاء في العدل بين الصبيان) وأورد فيه بإسناده عن الحسن قال:"إذا قوطع المعلم على الأجرة فلم يعدل بينهم - أي الصبيان - كتب من الظلمة" (آداب المعلمين لابن سحنون . المطبوع في نهاية كتاب المذهب التربوي عند ابن سحنون (115) .) . وقال في موضع آخر:"وليجعلهم بالسواء في التعليم، الشريف والوضيع، وإلا كان خائناً". وغني عن البيان أن تلك التوجيهات والوصايا قد ذكرها أصحابها على سبيل المثال، فالعدل صفة محمودة مطلوبة كل وقت، وإن اختلفت صوره وتطبيقاته من عصر لآخر. رابعاً:الاعتدال في معالجة الأخطاء: إن الصبر على الجفاء، وتحمل سيئ الطباع من محاسن الأخلاق، ونحن نسعى لبناء كل خلق فاضل في نفوس أبنائنا، أوليست التربية بالفعل أبلغ من القول ؟ فما رأيك أخي المدرس حين يعتاد تلميذك منك الصبر على جفائه، وتحمل هفوته، بما لا يزيل الهيبة، و يجرئ على المعاودة؟ وإن كان ولابد من التنبيه فبحسن الإشارة، وجميل التلطف، لذا يوصي ابن جماعة المعلم بهذا الخلق فيقول:"وينبغي أن يعتني بمصالح الطالب، ويعامله بما يعامل به أعز أولاده من الحنو والشفقة عليه، والإحسان إليه، والصبر على جفاء ربما وقع منه نقص لا يكاد يخلو الإنسان عنه، وسيئ أدب في بعض الأحيان، ويبسط عذره بحسب الإمكان، ويوقفه مع ذلك على ما صدر منه بنصح وتلطف، لا بتعنيف وتعسف، قاصداً بذلك حسن تربيته، وتحسين خلقه، وإصلاح شأنه، فإن عرف ذلك لذكائه بالإشارة، فلا حاجة لصريح العبارة، وإن لم يفهم إلا بصريحها أتى بها وراعى التدريج في التلطف"(ذكرة السامع والمتكلم ( 50 ) . ). ويكرر الغزالي الوصية نفسها فيرى أن من آداب المعلم:"أن يزجر المتعلم عن سيئ الأخلاق بطريق التعريض ما أمكن ولا يصرح، وبطريق الرحمة لابطريق التبويخ" (إحياء علوم الدين ( 1/57 ) . ). ويؤكد الإمام النووي هذا المعنى فيقول:"ويجريه مجرى ولده في الشفقة عليه، والصبر على جفائه وسوء أدبه، ويعذره في سوء أدب وجفوة تعرض منه في بعض الأحيان، فإن الإنسان معرضٌ للنقائص"(المجموع شرح المهذب (1/30) .). والمنطق السليم يقتضي من المعلم أن يعالج الخطأ داخل الفصل بما يراه يحقق المصلحة، وأن لايتدخل طرف ثالث قدر الإمكان، والكي إنما هو آخر الدواء لا أوله. وحين نتصور أن القصور والخطأ صفة ملازمة للطالب قلما ينفك عنها، وبخاصة في هذا الوقت، فسوف نتجاوز كثيراً من الأخطاء، أو نضعها في حجمها الطبيعي على الأقل ، وما أعظم أن يحتوي المعلم خطأ الطالب بنظرة، أو همسة، أو لفتة غير مباشرة، أو حديث خاص خارج الفصل. وانظر إلى هذا النموذج الرائع من الصبر على جفاء الجاهل. قال أبو يوسف رحمه الله: "أتيت مجلس أبي حنيفة رحمه الله تعالى، فجلست فيه، فجاء رجل فقام في ناحية المجلس فجعل يسبُّ أبا حنيفة ويشتمه، فما يقطع أبو حنيفة حديثه ولا التفت إلى كلامه، ولا أجابه أحد من أهل المجلس حتى فرغ أبو حنيفة من كلامه، وقام ليدخل داره، فلما بلغ أبو حنيفة إلى باب داره قام عند بابه واستقبل الرجل، وقال : هذه داري أريد الدخول، فإن كنت مستتم باقي كلامك فأتمه حتى لا يبقى شيء مما عندك تخاف عليه الفوت، فاستحيا الرجل، وقال : اجعلني في حل، فقال : أنت في حل" (من أعلام التربية الإسلامية ( 1/ 137- 138 ) .نقلاً عن مناقب أبي حنيفة للموفق المكي ( 249 ) . ). خامساً: الاهتمام بالطالب: "إن وجود المتعلم داخل المدرسة لا يعني انفصاله بأي حال من الأحوال عن المؤثرات الخارجية التي يحتك بها، بل إن تأثير بعض المشكلات الخارجية على التعليم يجعل الوصول إلى الأهداف التربوية والتعليمية المنشودة في غاية الصعوبة والتعقيد، لذا فإن واجب المعلم أن يتعرف على جانب من المشكلات الاجتماعية التي يعيشها المتعلم؛ لما لها من أثر في نموه العلمي والاجتماعي" (إعداد المعلم من منظور التربية الإسلامية.د عبدالله عبدالحميد محمود (71).) .

werwar
20-10-2005, 08:31 PM
بسم الله الرحمن الرحيم

).) . سابعاً: العناية بالطالب الموهوب : لقد خلق الله الناس معادن وطاقات متفاوتة كما قال صلى الله عليه و سلم :"الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا "(رواه البخاري (3383) ومسلم ( 2638 ) . ). وقال:"مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً، فكان منها نقية قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصابت منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به؛ فَعَلِمَ وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به"(رواه البخاري ( 79 ) ومسلم ( 2282 ) . ) . ولقد كان سلف الأمة - رحمهم الله - يعنون بذلك أيما عناية، روى ابن عبد البر في الجامع عن عبد الملك بن عبد العزيز بن سلمة بن أبي الماجشون قال:أتيت المنذر بن عبدالله الحزامي وأنا حديث السن، فما رآني اهتز إلي على غيري لما رأى في بعض الفصاحة، فقال لي:من أنت؟ فقلت له: عبد الملك بن عبدالعزيز بن أبي سلمة. فقال:"اطلب العلم فإن معك حذاءك وسقاءك"(جامع بيان العلم وفضله (1/86)). ومصطلح الموهوب أوسع وأشمل من أن يقتصر على من يتمتع بقدر أكبر من الذكاء، فهو يشمل كل من يملك قدرات خاصة تؤهله للتفوق في أي مجال من المجالات، فالشعر والخطابة والكتابة مواهب، والقدرات العملية والقيادية كذلك. ونأسف حين نرى الغرب الكافر يعتني بالموهوبين، ويسن لرعايتهم أنظمة خاصة، ويقيم فصولاً ومدارس خاصة بهم، في حين يلقون غاية الإهمال لدى المسلمين، فتقام في أمريكا سنوياً مسابقة لاختيار الاختراعات التي يتقدم بها الأطفال(5-13) سنة، وأقيمت مسابقة عام 1992م في واشنطن وشارك فيها 51 طفلا ممن فازوا في التصفيات التي جرت على مستوى الولايات المتحدة، وابتداءً من شهر أغسطس الماضي عرضت الاختراعات الفائزة في متحف التاريخ الأمريكي جنباً إلى جنب مع الاختراعات الأمريكية الأخرى، كبادرة لتشجيع المخترعين الصغار (جريدة الرياض ( 8 838 ) 7 / 3/ 1413هـ ) . فحين ترى طالباً يفوق غيره في قدراته، فماذا أنت صانع نحوه؟ وهل فكرت أن عليك أن تنظر له نظرة غير أقرانه؟ وأن توليه رعايةً واهتماماً يليقان به؟ أليست هذه الطاقات هي المؤهلة لتتبوأ المكانة الاجتماعية أو العلمية والفكرية في المجتمع؟ وصلاحها ينتج عنه خير كثير. ونستطيع أن نرسم لأنفسنا هدفين رئيسين في التعامل مع الموهوب: الهدف الأول: أن نسلك به طريق الاستقامة والصلاح، ويسير في ركب جيل الصحوة، وهذا هو المطلب الأولى والأساس، والضمانة لاستثمار هذه الطاقة وتوجيهها. الهدف الثاني: قد يعجز المدرس عن التأثير التام على الموهوب وجلبه لتيار الخير والاستقامة والتغيير الجذري لديه، فلا أقل من أن يزرع لديه حب الخير وأهله، والولاء للدين، واستغلال طاقته وموهبته في خدمة دين الله، فهذا من تمام شكر نعمة الله عليه. المبحث الثاني: صفات سلبية لئن كانت هناك صفات إيجابية ينبغي للمعلم أن يتحلى بها، فهناك صفات سلبية ينبغي له أن يتأى عنها ويتجنبها، ومن أبرز تلك الصفات : 1- الاستكبار عن قبول الحق: قد يكون لدى أحد طلبتك علم في مسألة معينة ليس عندك، أو سمع فيها ما لم تسمع، أو يتضح لك بعد النقاش أن الحق بخلاف ما قلته، فهلا فكرت في كسر حاجز الهوى، وقبول الحق والانتصار على الوهم الذي يوحي إليك أن هذا يغض من شأنك؟ بل فيه الرفعة والثقة، فالناس كل الناس يدركون أنه لا كمال لبشر، وأنه ما من أحد من كبار أهل العلم إلا وتعزب عنه شاردة أو واردة، فكيف بي وبك؟ بل إن الاعتراف بالحق يزيد تلامذتك ثقة أنك لا تقول إلا ما تعلم، ولا تنطق إلا بما توقن. لذا فيعد الإمام النووي من صفات المعلم أن:"لايستنكف عن التعلم ممن هو دونه، في سن، أو نسب، أو شهرة، أو دين، أو في علم آخر، بل يحرص على الفائدة ممن كانت عنده، وإن كان دونه في جميع هذا"(لمجموع شرح المهذب (1/29) . ). 2 - حسد الطالب: الحسد سلوك شاذ يصدر عن أصحاب النفوس المريضة حين ترى من فاقها في أمر من أمور الدنيا الفانية، وهو يحمل علاوة على خبث الطوية سخطاً على قضاء الله وعدم رضا بعطائه؛ لذا فالمدرس أعظم قدراً، وأعلى شأناً من أن يحمل في قلبه حسداً أو غلاً تجاه أحد أبنائه؛ خاصة حين يفوقه، وهو مسلك حذر منه السلف الصالح. قال الإمام النووي:"ولا يحسد أحداً منهم لكثرة تحصيله، فالحسد حرامٌ للأجانب وهنا أشد؛ لأنه بمنزلة الوالد، وفضيلته يعود إلى معلمه منها نصيبٌ وافرٌ؛ فإنه مربيه، وله في تعليمه وتخريجه في الآخرة الثواب الجزيل، وفي الدنيا الدعاء المستمر والثناء الجميل"(المجموع شرح المهذب (1/33) .). 3 - الفتيا بغير علم: ما أكثر ما يأتيك أخي المدرس السؤال والاستفتاء من طلبتك فهلا روَّضت نفسك على أن تقول لما لاتعلم لا أعلم؟ فمن حرم لا أدري أصيبت مقاتله، وهل وضعت نصب عينيك قوله تعالى : [ قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون] (الأعراف : 33). وقوله سبحانه : [لا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً] (الإسراء : 36) . وأجرأ الناس على الفتيا أقلهم علماً كما قال سحنون . عقد الإمام ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله باباً بعنوان: (ما يلزم العالم إذا سئل عما لا يدريه من وجوه العلم) وروى بسنده عن عبد الرحمن بن مهدي قال: كنا عند مالك بن أنس فجاء رجل فقال: يا أبا عبد الله، جئتك من مسيرة ستة أشهر حمَّلني أهلُ بلدي مسألةً أسألك عنها. قال: فسل. قال:فسأله الرجل عن المسألة. فقال: لا أحسنها. قال: فبهت الرجل كأنه قد جاء إلى من يعلم كل شيء. قال:أي شيء أقول لأهل بلدي إذا رجعت إليهم؟ قال: تقول لهم: قال مالك : لا أحسن"(امع بيان العلم وفضله (2/53) . ) . وقال مالك رحمه الله:"ينبغي للعالم أن يألف فيما أشكل عليه قول لا أدري، فإنه عسى أن يهيأ له خير". قال ابن وهب: وكنت أسمعه كثيراً ما يقول: لا أدري. وقال في موضع آخر:"لو كتبنا عن مالك لا أدري لملأنا الألواح"(جامع بيان العلم وفضله ( 2/53-54) .). ولذا يوصي ابن جماعة المعلم بذلك فيقول:"واعلم أن قول المسئول لا أدري لا يضع من قدره كما يظنه بعض الجهلة، بل يرفعه؛ لأنه دليل عظيم على عظم محله، وقوة دينه، وتقوى ربه، وطهارة قلبه، وكمال معرفته وحسن تثبته، وقد روينا معنى ذلك عن جماعة من السلف، وإنما يأنف من قول لا أدري من ضعفت ديانته، وقلت معرفته؛ لأنه يخاف من سقوطه من أعين الحاضرين، وهذه جهالة ورقة دين، وربما يشهر خطؤه بين الناس فيقع فيما فرَّ منه، ويتصف عندهم بما احترز عنه، وقد أدب الله تعالى العلماء بقصة موسى مع الخضر حين لم يرد موسى عليه السلام العلم إلى الله تعالى لما سئل هل أحد في الأرض أعلم منك" (تذكرة السامع والمتكلم (42-43) . ).