المعلم
01-09-2005, 03:06 AM
بحث عن وظيفة
عفواً لقد تعثر مرور (وظيفتك) يرجى الاتصال في وقت لاحق
(مستخدمات المدارس).. خبيرات اجنبيات
قامت بالمهمة: زين عنبر-تصوير:محمد المالكي
ساعات من البحث والتقصي وركوب المصاعب لم تأت أكلها, يبدو ان الباحث عن الوظيفة كمن يتقصى عن ابرة في كومة قش.. فكيف حال الآنسات والفتيات والمرأة بشكل عام مع مشوار التعب.. والارهاق.. والكدر.. بحثاً عن وظيفة شحيحة وسط بحر متلاطم الامواج?!
يقال ان قطاع المدارس الاهلية هو طوق النجاة للعاطلات او المنتظرات الصابرات وكثير ممن تخرجن من (الكليات) والجامعات وجدن ضالتهن فيها.. فكيف الوصول الى بر الوظيفة والأمان.
برغم ما يقال عن تواضع حال هذا القطاع وصلف وغرور القائمين عليه.. قررت مجابهة الموقف والدخول الى هذا العالم المثير و(المحظور).. فالبحث عن لقمة العيش له خيارات مريرة لا بد من خوضها.
أقلتني السيارة في تمام التاسعة صباحاً الى مدرسة خاصة في قلب جدة, الجدار سميك وعال, كل شيء ينبئ بالغموض و(سري للغاية)!
توقفت السيارة بالقرب من البوابة الرئيسية للمدرسة, اصوات ضجيج تتعالى هنا وهناك.. يبدو ان الضوضاء علامة مسجلة باسم هذه المؤسسات التعليمية.
** السلام عليكم..
- وعليكم السلام..
رد حارس البوابة العجوز بفتور وتثاؤب.. لاحظت ان قوته البدنية لن تسعفه في مواجهة حالات الطوارئ, وهذه ملاحظة تنطبق على كل المدارس الخاصة..
كيف يواجه عجوز يحتاج الى السند.. ظروفا او وقائع محرجة قد تتعرض لها الطالبات الدارسات, حتى تستعين المدارس الخاصة بحراسات مؤهلة تتعاطى مع كل ظرف وموقف..
اناشيد وافراح
الحارس العجوز قطع حبل تفكيري متسائلاً:
- خير يا بنتي..
** أود مقابلة المديرة..
- تفضلي!
عبرت البوابة الى الفناء, يبدو ان الطالبات يحتفلن بنشاط نهاية العام.. اناشيد وافراح على مسرح المدرسة وعلى جانب غير بعيد كانت اخريات يلهون وتشرف عليهن معلمات من جنسيات عربية.
على التو دارت في مخيلتي مئات الخريجات اللائي ينتظرن الفرصة.. ومئات الاسر التي وضعت آمالاً عريضة عليهن.. اما المدارس الخاصة فهي متهمة.. بولائها للمتعاقدات.. ربما كسباً لربح سريع.. وفرضية الراتب الضئيل للمعلمة الاجنبية تبددها وقائع ماثلة للعيان فالمعلمة السعودية التي تعمل في المدرسة الخاصة قد لا يتجاوز سقف راتبها في اغلب الاحوال هامش 1600 ريال! حتى مستخدمات هذه المدارس (متعاقدات) سحبن البساط عنوة واقتداراً من تحت اقدام ارامل ومطلقات يتجرعن الصبر.. والتعفف ولا يسألن الناس.. فلماذا لا توظف المدارس الخاصة مثل هؤلاء العفيفات كمستخدمات?!
الهاتف وسيلة تطفيش
في القسم الاداري بالمدرسة استقبلتني موظفة واستوضحت عن اوراقي الثبوتية وشهاداتي..
ثم سألت:
- اي خدمة.
** اطلب وظيفة.
- ما تخصصك?
** علم اجتماع.
- لدينا مشرفات اجتماعيات في كل مرحلة.قدمت لي موظفة الادارة استمارة توظيف وطلبت مني تعبئتها.. وفعلت.
- شكراً.. سنتصل بك هاتفياً في وقت لاحق..
** كم الراتب المقترح او المتوقع للوظيفة?
- تزيد بحفنة ريالات عن 1500 ريال!
طبيعي ان اشعر بالاحباط, فالاتصال الهاتفي المزعوم هو الوسيلة الناجعة لـ(تطفيش) المتقدمات للوظائف. كما ان الراتب المحدد للوظيفة يذهب ربعها لمشاوير السيارة.. الى جانب النثريات فماذا يبقى اذن في حقيبة المعلمة?!
ماشي الحال
خرجت عبوراً بفناء المدرسة التي كانت في ذروة نشاطها الصباحي.. وعند البوابة استوقفتني احدى المعلمات للتحية.. وسألتها عن حال المدرسة فقالت باقتضاب (ماشي الحال).
الاجابة المقتضبة حملت دلالات في دواخلها.. فربما (ماشي الحال) مع الحصص الاضافية.. و(الراتب الضئيل).. وسطوة المديرات.. وتبعثر المنهج هنا وهناك!
كيف حال المغتربات
ان كان حال معلمة جدة هكذا.. فما مصير مئات (المغتربات) في مدن ومناطق اخرى.. كيف يتدبرن امرهن براتب ضئيل لا يغني ولا يسمن من جوع.. ولا يرد ثمن الغربة.
خرجت من المدرسة وفي الخيال عشرات الاسئلة, كانت عقارب الساعة تشير الى العاشرة والنصف وامامي قائمة طويلة من المدارس لا بد من مسحها وتمشيطها بحثاً عن.. وظيفة. ولجت الى مدرسة اهلية خاصة بمرحلة التمهيدي والابتدائي, كان الصغار يلهون ويلعبون ويمرحون بفرح غامر.
** سألت احدى المعلمات: اين الادارة.. واشارت الى غرفة غير بعيدة ثم اردفت متسائلة:
- يبدو انك تبحثين عن وظيفة..
** بالضبط.
- على فكرة مدرستنا ابتدائية.. وما فيها وظائف كثيرة.
** دعينا نجرب..
قلتها ومضيت الى مكتب الادارة.. ثم سألت:
** هل لديكم وظائف شاغرة?
- اجابت الموظفة متثاقلة: في الوقت الحالي لا توجد.. ومن الافضل ان تتركي لنا معلوماتك الشخصية واوراقك ورقم هاتفك.. و(سنحاول) الاتصال بك لاحقاً.
ممنوع عصرنة المعلومات
اخرجت الموظفة دفتراً من درج مكتبها وبدأت في تسجيل البيانات.. وتساءلت مع نفسي: ألم تدخل الحوسبة والاجراءات الالكترونية في هذه المواقع التعليمية بعد.. يبدو ان البون شاسع بينها وعصرنة المعلومات.. وقطعت الموظفة حبل تفكيري بسؤال مباغت:
- الديك استعداد لتدريب الصفوف الاولية في الابتدائي.
** نعم جاهزة.
ثم اردفت متسائلة:
** اليس من الافضل ان تتولى معلمات متخصصات تدريب الصفوف الاولى بدلاً عن خريجات جديدات مثلي..
وترد الموظفة:
- هذا افضل ولكن للاسف معظمهن ينسحبن من المدرسة بعد عام او عامين.
** وكم راتب معلمة الصفوف الاولى?
- 1500 ريال في الشهر.
اين راحت أبلة (مها)
** الآن فقط.. ادركت سر انسحاب المتخصصات..
شكرت الموظفة وخرجت الى باحة المدرسة في اتجاه باب الخروج ولحقت بي طفلة:
- ابلة انت تدرسينا?
** لا يا حبيبتي.
- انا احب ابلة (مها) بس هي راحت من المدرسة.. ابلة لو درستينا لا تروحي.. احنا لما نحب الابلة تجلس شوية في المدرسة وتروح!!
كانت كلمات الصغيرة اشبه باللسعة.. وحملت برغم صغر حروفها وتلعثمها الجميل.. شكوى مريرة من انسحابات المعلمات المفاجئة وغير المتوقعة. على القرب كانت احدى المعلمات تناديني.. وتقول:
- عرفت انك تبحثين عن وظيفة.. دعيني اساعدك قليلاً.. هناك مدرسة قريبة من هنا تعمل بها شقيقتي وهن في حاجة الى معلمة انجليزي..
الوضع هناك احسن, فأختي تعمل فيها منذ ست سنوات وراتبها ممتاز (1600 ريال!).
نظرت اليها وابتسمت.. وودعتها بحرارة:
** شكراً يا أختي..
عكـــــــــــــــــــــاظ
عفواً لقد تعثر مرور (وظيفتك) يرجى الاتصال في وقت لاحق
(مستخدمات المدارس).. خبيرات اجنبيات
قامت بالمهمة: زين عنبر-تصوير:محمد المالكي
ساعات من البحث والتقصي وركوب المصاعب لم تأت أكلها, يبدو ان الباحث عن الوظيفة كمن يتقصى عن ابرة في كومة قش.. فكيف حال الآنسات والفتيات والمرأة بشكل عام مع مشوار التعب.. والارهاق.. والكدر.. بحثاً عن وظيفة شحيحة وسط بحر متلاطم الامواج?!
يقال ان قطاع المدارس الاهلية هو طوق النجاة للعاطلات او المنتظرات الصابرات وكثير ممن تخرجن من (الكليات) والجامعات وجدن ضالتهن فيها.. فكيف الوصول الى بر الوظيفة والأمان.
برغم ما يقال عن تواضع حال هذا القطاع وصلف وغرور القائمين عليه.. قررت مجابهة الموقف والدخول الى هذا العالم المثير و(المحظور).. فالبحث عن لقمة العيش له خيارات مريرة لا بد من خوضها.
أقلتني السيارة في تمام التاسعة صباحاً الى مدرسة خاصة في قلب جدة, الجدار سميك وعال, كل شيء ينبئ بالغموض و(سري للغاية)!
توقفت السيارة بالقرب من البوابة الرئيسية للمدرسة, اصوات ضجيج تتعالى هنا وهناك.. يبدو ان الضوضاء علامة مسجلة باسم هذه المؤسسات التعليمية.
** السلام عليكم..
- وعليكم السلام..
رد حارس البوابة العجوز بفتور وتثاؤب.. لاحظت ان قوته البدنية لن تسعفه في مواجهة حالات الطوارئ, وهذه ملاحظة تنطبق على كل المدارس الخاصة..
كيف يواجه عجوز يحتاج الى السند.. ظروفا او وقائع محرجة قد تتعرض لها الطالبات الدارسات, حتى تستعين المدارس الخاصة بحراسات مؤهلة تتعاطى مع كل ظرف وموقف..
اناشيد وافراح
الحارس العجوز قطع حبل تفكيري متسائلاً:
- خير يا بنتي..
** أود مقابلة المديرة..
- تفضلي!
عبرت البوابة الى الفناء, يبدو ان الطالبات يحتفلن بنشاط نهاية العام.. اناشيد وافراح على مسرح المدرسة وعلى جانب غير بعيد كانت اخريات يلهون وتشرف عليهن معلمات من جنسيات عربية.
على التو دارت في مخيلتي مئات الخريجات اللائي ينتظرن الفرصة.. ومئات الاسر التي وضعت آمالاً عريضة عليهن.. اما المدارس الخاصة فهي متهمة.. بولائها للمتعاقدات.. ربما كسباً لربح سريع.. وفرضية الراتب الضئيل للمعلمة الاجنبية تبددها وقائع ماثلة للعيان فالمعلمة السعودية التي تعمل في المدرسة الخاصة قد لا يتجاوز سقف راتبها في اغلب الاحوال هامش 1600 ريال! حتى مستخدمات هذه المدارس (متعاقدات) سحبن البساط عنوة واقتداراً من تحت اقدام ارامل ومطلقات يتجرعن الصبر.. والتعفف ولا يسألن الناس.. فلماذا لا توظف المدارس الخاصة مثل هؤلاء العفيفات كمستخدمات?!
الهاتف وسيلة تطفيش
في القسم الاداري بالمدرسة استقبلتني موظفة واستوضحت عن اوراقي الثبوتية وشهاداتي..
ثم سألت:
- اي خدمة.
** اطلب وظيفة.
- ما تخصصك?
** علم اجتماع.
- لدينا مشرفات اجتماعيات في كل مرحلة.قدمت لي موظفة الادارة استمارة توظيف وطلبت مني تعبئتها.. وفعلت.
- شكراً.. سنتصل بك هاتفياً في وقت لاحق..
** كم الراتب المقترح او المتوقع للوظيفة?
- تزيد بحفنة ريالات عن 1500 ريال!
طبيعي ان اشعر بالاحباط, فالاتصال الهاتفي المزعوم هو الوسيلة الناجعة لـ(تطفيش) المتقدمات للوظائف. كما ان الراتب المحدد للوظيفة يذهب ربعها لمشاوير السيارة.. الى جانب النثريات فماذا يبقى اذن في حقيبة المعلمة?!
ماشي الحال
خرجت عبوراً بفناء المدرسة التي كانت في ذروة نشاطها الصباحي.. وعند البوابة استوقفتني احدى المعلمات للتحية.. وسألتها عن حال المدرسة فقالت باقتضاب (ماشي الحال).
الاجابة المقتضبة حملت دلالات في دواخلها.. فربما (ماشي الحال) مع الحصص الاضافية.. و(الراتب الضئيل).. وسطوة المديرات.. وتبعثر المنهج هنا وهناك!
كيف حال المغتربات
ان كان حال معلمة جدة هكذا.. فما مصير مئات (المغتربات) في مدن ومناطق اخرى.. كيف يتدبرن امرهن براتب ضئيل لا يغني ولا يسمن من جوع.. ولا يرد ثمن الغربة.
خرجت من المدرسة وفي الخيال عشرات الاسئلة, كانت عقارب الساعة تشير الى العاشرة والنصف وامامي قائمة طويلة من المدارس لا بد من مسحها وتمشيطها بحثاً عن.. وظيفة. ولجت الى مدرسة اهلية خاصة بمرحلة التمهيدي والابتدائي, كان الصغار يلهون ويلعبون ويمرحون بفرح غامر.
** سألت احدى المعلمات: اين الادارة.. واشارت الى غرفة غير بعيدة ثم اردفت متسائلة:
- يبدو انك تبحثين عن وظيفة..
** بالضبط.
- على فكرة مدرستنا ابتدائية.. وما فيها وظائف كثيرة.
** دعينا نجرب..
قلتها ومضيت الى مكتب الادارة.. ثم سألت:
** هل لديكم وظائف شاغرة?
- اجابت الموظفة متثاقلة: في الوقت الحالي لا توجد.. ومن الافضل ان تتركي لنا معلوماتك الشخصية واوراقك ورقم هاتفك.. و(سنحاول) الاتصال بك لاحقاً.
ممنوع عصرنة المعلومات
اخرجت الموظفة دفتراً من درج مكتبها وبدأت في تسجيل البيانات.. وتساءلت مع نفسي: ألم تدخل الحوسبة والاجراءات الالكترونية في هذه المواقع التعليمية بعد.. يبدو ان البون شاسع بينها وعصرنة المعلومات.. وقطعت الموظفة حبل تفكيري بسؤال مباغت:
- الديك استعداد لتدريب الصفوف الاولية في الابتدائي.
** نعم جاهزة.
ثم اردفت متسائلة:
** اليس من الافضل ان تتولى معلمات متخصصات تدريب الصفوف الاولى بدلاً عن خريجات جديدات مثلي..
وترد الموظفة:
- هذا افضل ولكن للاسف معظمهن ينسحبن من المدرسة بعد عام او عامين.
** وكم راتب معلمة الصفوف الاولى?
- 1500 ريال في الشهر.
اين راحت أبلة (مها)
** الآن فقط.. ادركت سر انسحاب المتخصصات..
شكرت الموظفة وخرجت الى باحة المدرسة في اتجاه باب الخروج ولحقت بي طفلة:
- ابلة انت تدرسينا?
** لا يا حبيبتي.
- انا احب ابلة (مها) بس هي راحت من المدرسة.. ابلة لو درستينا لا تروحي.. احنا لما نحب الابلة تجلس شوية في المدرسة وتروح!!
كانت كلمات الصغيرة اشبه باللسعة.. وحملت برغم صغر حروفها وتلعثمها الجميل.. شكوى مريرة من انسحابات المعلمات المفاجئة وغير المتوقعة. على القرب كانت احدى المعلمات تناديني.. وتقول:
- عرفت انك تبحثين عن وظيفة.. دعيني اساعدك قليلاً.. هناك مدرسة قريبة من هنا تعمل بها شقيقتي وهن في حاجة الى معلمة انجليزي..
الوضع هناك احسن, فأختي تعمل فيها منذ ست سنوات وراتبها ممتاز (1600 ريال!).
نظرت اليها وابتسمت.. وودعتها بحرارة:
** شكراً يا أختي..
عكـــــــــــــــــــــاظ