المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أوراق مجهولة من التاريخ الأمريكي



الخبير
31-03-2005, 06:22 PM
ممدوح إسماعيل
عندما بدأت الدعاية الأمريكية عن الحديث عن أهمية نشر الديمقراطية بوصف أمريكا هي أم الحريات وضرورة مواجهة من يعادون هذا الأمر بالحرب كما حدث في العدوان على العراق ومن قبل أفغانستان تم تسويق مقولة إن هذه أول حرب أمريكية ضد العرب والمسلمين وإنه ليس للأمريكان تاريخ استعماري من قبل مع العرب كما مع البريطانيين والفرنسيين وإن حرب واحتلال العراق ليس ضد العرب والمسلمين ولكن ضد الإرهاب والاستبداد وأسلحة الدمار. وعندما سقط صدام وانتفى الاستبداد ولم يجدوا أسلحة دمار شامل، ادعوا أن الحرب كانت من أجل ترسيخ الديمقراطية وحتى هذه الدعوى لم تجد تصديقاً في الواقع وبعد تصاعد المقاومة وقتل المدنيين الأبرياء من الأطفال و الشيوخ والنساء وارتكابهم المجازر الوحشية في الفلوجا التي يندى لها جبين الإنسانية و ظهرت مقولة إن ذلك من أفعال المرتزقة الذين لا يحافظون على قواعد القانون الدولي وكأن الجيش الأمريكي منذ نشأته يحافظ على القانون ويحترم حقوق المدنيين. ولقد اعتمدوا في ترويج مقولاتهم على أن أوراقهم المدونة في التاريخ مجهولة للمعاصرين ولكن بفضل الله وعملاً على ربط الحاضر بالماضي وكشف زيف الطغيان الأمريكي بكل صوره تبرز تلك الأوراق وكأن التاريخ يعيد نفسه. ونبدأ بأول ورقة مجهولة في عام 1800 ظهر في الجانب الغربي من البحر الأبيض المتوسط سفينتان بحريتان أمريكيتان تجوبان البحر بحجة وهمية هي مكافحة القرصنة والنضال ضد القرصنة (كما يحدث الآن لابد من وجود حجة وهمية الإرهاب - أسلحة الدمار الشامل -)
وفى الفترة من عام 1801 - 1805 شن الأمريكيون حرباً دون سابق إنذار ضد طرابلس العرب (ليبيا) وحاصر الأسطول الأمريكي العاصمة طرابلس (رغم وجود اتفاقية عام 1796 بين الأمريكان وحاكم طرابلس لاستخدام الموانئ والمياه الإقليمية للسفن الأمريكية كترانزيت مقابل 10 آلاف دولار سنوياً) واتصل عملاء أمريكا بشقيق حاكم طرابلس (داي طرابلس) يغرونه بالاستيلاء على الحكم بدلاً من أخيه وكان ذلك الشقيق يعيش وقتها في القاهرة واسمه (حامد كرمنلي) ووقع اتفاقية مع أمريكا لمساعدته في الوصول إلى حكم ليبيا بدلاً من أخيه يوسف كرمنلي.
ومقابل ذلك تعهد العميل حامد كرمنلي بتقديم العون للبحرية الأمريكية وأن يوفر للأمريكان وضعاً مميزاً في البلاد ووعد بتعيين القنصل الأمريكي في تونس (إيتون) قائداً للقوات المسلحة الليبية وتولى إيتون قيادة الجيش الليبي المشكل من أعوان حامد كرمنلي وبالأموال الأمريكية ومساعدة المخابرات الأمريكية هاجم مدينة درنة بمعاونة مدفعية الأسطول الأمريكي وفصيلة من المشاة البحرية ورفع العلم الأمريكي فوق درنة ومنها تقدم إلى طرابلس وعندئذ ذهل يوسف كرمنلي حاكم طرابلس من المفاجأة حيث لا أسباب ولا مقدمات تدعو لهذا الهجوم الأمريكي فوقع مضطراً معاهدة مع القنصل العام الأمريكي في إفريقيا الشمالية تحقق لهم مطالبهم وكانت هذه المعركة أول معركة في تاريخ العالم العربي تشنها أمريكا على بلد عربي مسلم.
ويتغنى الأمريكان حتى يومنا هذا في نشيدهم الوطني لمشاة البحرية بهذه المعركة قائلين (من تلال مونتيزوما إلى سواحل طرابلس في السماء في الأرض في البحر خضنا معارك الوطن) وفى مقابل هذه قامت زمرة ايسكس (وهى كتلة من رجال الأعمال الأمريكان عرفت بهذا الاسم واسم آخر شركاء بوسطن وكان لهم نفوذ سياسي كبير في الولايات المتحدة نتيجة الأموال الطائلة التي يجنونها من تجارة الأفيون وكانوا يؤثرون في انتخابات مجلس الشيوخ وتعيين الوزراء والشخصيات الهامة ونلاحظ الدافع الاقتصادي) بتكريم القائد إيتون ووصفته بأنه قاهر إفريقيا ومنحته ولاية (ماساشوستش) هدية عبارة عن 10 آلاف فدان من الولاية .
وبينما كانت السفن الحربية الأمريكية تستعرض عضلاتها في البحر الأبيض بعد الاستيلاء على طرابلس تحركت السفن الأمريكية نحو ميناء طنجة بالمغرب وحاصرته بدون أسباب أو مقدمات أو إنذارات وتلقى ملك المغرب رسالة إرهابية من قائد القطع البحرية الأمريكية في أكتوبر عام 1804 جاء فيها بالحرف بالواحد (أيرغب السلطان في السلام أم في الحرب) هل بعد ذلك إرهاب؟ التاريخ يعيد نفسه "من ليس معنا فهو ضدنا" إرهاب لا حدود له.
وعلى إثر وصول تلك الرسالة والتحذير والحصار ضعف الملك ورضخ أمام المعتدين ووقع معاهدة تضمنت شروطاً مجحفة للمغرب والعجيب أنها تضمنت مد مفعول معاهدة كانت موقعة بينهم عام 1786 بشروط إضافية جديدة.
وهكذا تحت الإرهاب الأمريكي ضاعت ليبيا ثم المغرب ، وبذلك لم يتبق غير تونس التي قام القنصل الدبلوماسي الأمريكي بأعمال استفزازية مع الحكومة التونسية اضطر على إثرها داي تونس في يوليو عام 1805 لطرده وكان الأمريكان في انتظار تلك الخطوة فعلى إثر ذلك بادرت المدفعية الأمريكية في أول أغسطس عام 1805 بفتح نيرانها بقسوة على مدينة تونس العاصمة بأوامر من قائد الأسطول البحري الأمريكي روجرز دون سابقة إنذار.
وسقطت القنابل والقذائف وتناثرت الشظايا عشوائيا فوق المنازل والبيوت البسيطة والخيام تدمر وتهدم وتفتك بهذا وتقتل ذاك دون تمييز بين رجل وامرأة, بين شيخ وطفل. إنها القرصنة قديماً والإرهاب حديثاً واستلم داي تونس من روجرز تعهداً ضمنياً للتوقيع عليه مفاده أن يعطى فوائد وتسهيلات إضافية لأجل الربابية والكومودرات الأمريكيين وقال روجرز إن التوقيع على هذه الوثيقة في الحال ينقذ العاصمة التونسية من الدمار المحقق وبدون تردد وقع داي تونس لتنكشف وتنفضح المقولة الأمريكية حول القراصنة ويتضح أنهم هم القراصنة ولعل ذلك يأخذنا إلى ما كتبه المؤرخ الأمريكي سبيرس عام 1897 أي بعد دخول تونس بحوالي 90 عاماً يقول لم تخف أمريكا اعتداءاتها على شعوب العالم الإسلامي ولم تستطع أن تصور للعالم أنها صديقة لها وأنها محبة للسلام وصديقة الإسلام الدائمة وهو ما أدهش حتى شعوب (أوروبا فتحت القصف العشوائي لمدافع السفن الأمريكية أمليت على حاكم تونس شروط ومعاهدة وهو ما لم يحدث له مثيل من قبل) المؤرخ يتحدث عن زمانه فما باله لو عاش لأيامنا هذه ماذا يقول وماذا يكتب ?!
ولم تكن الجزائر بعيدة عن هذه القرصنة الأمريكية ولكن كانت أمريكا في الفترة من عام 1812 إلى 1814 مشغولة في الحرب الأنجلو أمريكية الثانية وفور انتهائها عرضت زمرة إيسكس على الحكومة الأمريكية خطة احتلال الجزائر وطالبت الحكومة بالتنفيذ عام 1815 وعلى الفور اتجهت سفينتان حربيتان بقيادة ديكاتور ودبنبريدج أيضا وفق الحجة الوهمية "القرصنة" ،وعندما اقتربت السفن من موانئ الجزائر رفعوا عليها الأعلام الإنجليزية لتضليل الجزائريين وفى هجوم وحشي خاطف وسريع وغادر على الأسطول الجزائري صوبوا مدافعهم نحوه فدمروه ، وغرقت السفن الجزائرية بمن فيها ثم توجهت سفن الأسطول الأمريكي نحو مدينة الجزائر لتمطر الأهالي المدنيين الأبرياء بالقنابل والقذائف من المدفعية الثقيلة, وأثناء ذلك القصف والدمار والتخريب أرسل قائد الأسطول الأمريكي إنذاراً للحاكم الجزائري (عمر) بتوقيع معاهدة جائرة تتضمن بنوداً لمنح التجار الأمريكيين فوائد وتسهيلات فلم يوافق الحاكم الجزائري على هذه المعاهدة فعاد الأسطول الأمريكي عام 1816 بسفن حربية كبيرة مزودة بمدافع أضخم وأحدث عندئذ طلب الحاكم الجزائري من الدبلوماسي الأمريكي شيلر أن يعطيه شهادة خطية تفيد أنه اضطر لقبول هذه الاتفاقية تحت تهديد فوهات المدافع وفعلاً حصل على تلك الشهادة ووقع المعاهدة مع أمريكا مجبراً تحت التهديد في ديسمبر 1816.
وأخيراً تبقى مصر التي هي دائماً حاضرة في مخططات كل المستعمرين, ففي عام 1870 كان يعيش في القاهرة أكثر من 50 عسكرياً أمريكياً بمن فيهم 5 جنرالات يعملون في خدمة القوات المسلحة المصرية. فقد تم تعيين الجنرال الأمريكي ستون رئيساً لهيئة أركان حرب القوات المسلحة والعقيد شايا لونج لشؤون السودان. ولقد استلم خديوي مصر عام 1870 تحذيراً من الحكومة البريطانية والفرنسية بسبب النشاط الأمريكي في الشئون العسكرية المصرية وكان هذا الإنذار للتمويه على حقيقة العلاقات الخفية بين المخابرات الأمريكية والبريطانية والإيطالية فقد قامت الدول الثلاث بإمداد جيش الحبشة سراً بالسلاح وعملوا على توريط مصر بالحرب ضد الحبشة عام 1876 لإضعاف الجيش المصري وإنزال الهزيمة به بمشاركة ضباط أمريكان حاربوا مع جيش الحبشة ضد القوات المصرية في تلك الحرب التي هزم فيها الجيش المصري بفضل الأسلحة والمساعدات الأمريكية والبريطانية والإيطالية. ولقد استغلت بريطانيا تلك الحرب لتهاجم الإسكندرية عام 1882 لتقوم بقصفها قصفاً وحشياً. والخطير والملفت للنظر في هذا الهجوم البريطاني هو اشتراك أربع قطع بحرية أمريكية بقيادة الجنرال البحري فيكولسون مع الأسطول الإنجليزي في مهاجمة الإسكندرية وتسبب هذا الهجوم في قتل عشرات الآلاف من المصريين وتدمير المدينة، وبعد القصف نزلت على ساحل مدينة الإسكندرية فصيلة بحرية أمريكية مع قوات الاحتلال البريطاني كان يرأسها العقيد شايا لونج نائب رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية لشئون السودان.
ما قدمناه مرور سريع على أوراق مجهولة لكثير من العرب والمسلمين ولكنها في الوقت الحالي مهمة جداً أن تعرف ويعيها الجميع ليتعلموا من الماضي والتاريخ دروساً تفيدهم في فهم الواقع والتعامل معه بفطنة, فما أشبه الليلة بالبارحة. وهل حقا يعيد التاريخ نفسه؟ وأن هذه وأخيرا تلك الأوراق التاريخية هدية للبعض الذين يقعون في الحب الأعمى للأمريكان لعلهم ينتبهون ويحرصون على الانتماء والحب لأوطانهم فقط.
ملحوظة : لمن أراد التوثيق الرجوع إلى الموسوعة البريطانية حرب طرابلس العرب وما يتعلق بها وموسوعة إنكارتا الخاصة بميكروسفت.