عباس رحيم
25-03-2005, 11:42 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الموضوع : رسالة لك أيها الناقد
إن الأمة والمجتمع الذي لا يعرف النقد أقرب إلى الخطأ من الصواب . و النقد مهم للأمة والمجتمع والفرد حتى يصل الجميع إلى مراتب النجاح والتقدم .
يظن البعض عند ذكر النقد أنه مجرد أظهار للأخطاء والزلات والعيوب أمام الناس وهذا فهم خاطئ لمفهوم النقد ومعنى ليس بصحيح
وعندما لا يعرف الأفراد والمجتمع النقد الهادف أو المفهوم الصحيح له تعم الأخطاء وتتدنى المستويات الفكرية والعملية والاجتماعية .
والنقد ينقسم إلى قسمين :
1 ) النقد الهادم : وهو الذي لا يعرف إلا ذكر العيوب والأخطاء فيبرزها للملاء بقصد إسقاط صاحبها أمام المجتمع .
2 ) النقد الهادف : وهو النقد الذي يبنى ولا يهدم وهو الذي يصحح المسيرة لا أن يوقفه وهو الذي يظهر الجيد من الرديء والحسنات والسيئات .
وهذا النوع من النقد ينبغي أن تتسع صدورنا له وتفتح له الأبواب . وحتى يكون النقد هادفاً لابد أن يقوم على ثلاثة ركائز إذا أختل أحدها فسد النقد وهي كما يلي :
الركيزة الأولي : تتعلق بالناقد نفسه . فليس كل أحد يصلح للنقد سواء في المجالات العلمية أو الدعوية أو الإدارية أو الاجتماعية .
ولا بد من وجود ثلاث صفات في من يرد أن يتصدر للنقد وأن يكون نقده هادفاً .
1 ) أن يكون ثقة في دينه عدلاً في نفسه مؤمن في قوله .
يقول العلامة الخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه الكفاية : أن أهل العلم أجمعوا أن الخبر لا يقبل إلا من العامل الصادق المؤمن على ما يخبر به .
2 ) أن يكون على علم . لأن العلم هو الذي تقوم عليه الأحكام لذلك لا يأخذ النقد من أنصاف المتعلمين ولا من المثقفين ولا من الجهلة فأن هؤلاء لا يقبل منهم ولا يسمع لهم في باب النقد .
بل النقد يأخذ من العلماء كل حسب تخصصه .
والعلم المراد هنا أمران :
1 - العلم بالشرع أو المسائل التي يراد أن تنقد والعلوم المرتبطة بالنقد .
2 - العلم بطريقة النقد – وسوف يأتي الكلام مفصل عن طريق النقد الهادف .
3 ) أن يكون صاحب إنصاف وعدل في تصرفاته وأقواله .
يقول ابن تيميه رحمه الله : أن كلام النقد فيمن دون الصحابة من المملوك والعلماء لا بد أن يكون مبنى علم وعدل لا على جهل وظلم .
قال تعالي : (( ولا يجر منكم شنأن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي )) .
هذه هي صفات الناقد الذي يقبل نقده ويكون معتبراً .
الركيزة الثانية في منهجية النقد الهادف : تتعلق بالشيء المنقود .
هناك شرطان إذا اجتمعا جاز للناقد أن ينقد الشيء المفقود .
الشرط الأول : أن يكون الشيء المنقود شيء يدخله الخطأ .
أما إذا كان هذا الشيء مبرئ من الخطأ فلا يجوز نقده ، مثل : القران الكريم بإجماع المسلمين لا يجوز نقده .
الشرط الثاني : أن يكون الشيء المنقود جائز في الشرع نقده.
أما إذا لا يجوز نقده فلا يصح النقد . مثل : نقد الأنبياء والصحابة ، فلا بد من هذين الشرطين حتى يكون نقدك صحيح .
الركيزة الثالثة في منهجية النقد الهادف : تتعلق بطريقة النقد الهادف .
طريقة النقد الهادف تقوم على ثلاث قواعد وهي :
القاعدة الأولى : تصحيح النية :
يجب عليك عندما تريد أن تنقد أن تصحح نيتك . لا تنقد لأجل التشفي لا تنقد لأجل أن ترضى هواك لا تنقد لأجل أن ترضى من حولك لا تنقد لأجل حسد أو محاولة إسقاط المنقود لا تنقد لأجل تحصل على شيء من مناصب الدنيا .
لا بد أن تنقد لأجل أن تصحح المسيرة . تنقد من باب النصيحة للمنقود وللمسلمين . وتنقد نصرة للدين .
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( الدين النصيحة )) رواه مسلم .
وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( إنما الأعمال بالنيات )) رواه البخاري ومسلم .
ومما ييسر لك تصحيح النية عند النقد أمور منها ما يلي :
1 - أن تتذكر أن الله مطلع على خائنة الأعين وما تخفى الصدور .
2 - أن تنظر إلى عيوب نفسك وأخطاءك قبل الشروع في النقد للآخرين وهذا يوجب كسر الحدة في النقد وتصحيح النية .
3 - أن تضع نفسك مكان المنقود .
4 - أن تتذكر أن ليس هناك أحد إلا وهو يخطئ .
وهذه النظرة للمنقود تجعل في النقد شيء من الرحمة والإخلاص .
القاعدة الثانية : التثبت .
يجب التثبت أولاً فيما نقل عن المنقود . أو التثبت من توفر الخطأ الموجب للنقد في المنقود .
قال تعالي : (( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )) وفى قراءة صحيحة (( فتثبوا )) .
التثبت عندما يذكر في النقد فإنه يراد به ثلاث أشياء :
1 ) أن تتثبت من الناقل لك الذي ينقل لك خبراً سواء عن شخص أو جهة حكومية أو مؤسسة اجتماعية .
وليس التثبت من الناقل هو فقط استجوابه .
التثبت من الناقل يكون بالنظر إلى ثلاثة جوانب :
الجانب الأول : النظر في نيته وقصده . تنظر هل بينه وبين الجهة الناقل عنها مشاكل . هل هو حاسد لهم . هل هناك ظلم وقع عليه منهم .
فمثل هذه العوامل تجعل ضعيف الإيمان والعمل ينطق بالبهتان والزور .
فلا بد لك أن تنظر إلى هذه العوامل لا أن تستسلم لظاهر الذي يظهر لك ولو كان هذا الظاهر موافق للسنة في الهيئة والثبات والأقوال .
الجانب الثاني : النظر في حفظه . ففي بعض الأحيان يكون الرجل صالح في نفسه عدل في ذاته ولكن حفظه سيء .
وقد جاء عن بعض السلف الصالح كان الناس يستسقون بهم وهم أحياء ( أي يجعلونهم يدعون و يسألون الله الغيث ) ولكن لا يأخذون عنهم خبر لسوء حفظهم .
وهناك فرق بين من ينقل الخبر بالمعنى ومن ينقله مطابقاً للواقع .
الجانب الثالث : النظر في عدالته . فإن الفاسق لا يأخذ منه الخبر الذي يبنى عليه النقد .
فكيف إذا كان الناقل للخبر مجلة أو صحيفة أو وسيلة وسائل الأعلام معروفة بنشر الرذيلة والفسق والمجون وما لا يحبه الله ولا يرضه .
2 ) لأمر الثاني في التثبت عندما يذكر في النقد : أن تتثبت من المنقول فيه (المنقول عنه) فإذا آتاك أحد ينقل عن أحد الناس أنه فعل كذا وكذا فأنظر في حال المنقول عنه فإن كان الغالب عليه الخير والصلاح فلا تقبل ما نقل عنه .
وقد عمل بهذا الأمر شيخ الإسلام ابن تيمية فيما نقل عن الشيخ عبدا لقادر الجيلاني من الخرافات والبدع .
فـــــرد ذلك ابن تيميه وذكر له محاسن وفضائل وموقف مع الشيطان يظهر فيه فضله وعلمه .
( و أما دعاة البدع فيجوز نقدهم خصوصا إذا انتشر الخبر أن المنقود من دعاة البدع و يجب التفريق بين نصح القائل للمقولة البدعية المنتشرة و الرد على المقولة فيجوز الرد على المقولة و أن لم ينصح القائل و ذلك نصيحة للأمة و تحذير من هذه البدعة ) .
3 ) الأمر الثالث في التثبت عندما يذكر النقد : أن تتثبت في الكلام المنقول إليك هل هو من التحليل أو الخبر الجلي . هل هذا الكلام المنقول جرحاً حقاً أم مجرد تحليل من الناقل وهو يراه أنه جرح وهو ليس كذلك .
فبعض الناس يقــــول مثلاً فلان أعرفه قبل الاستقامة كان يفعل كذا وكذا من المخالفات ، فهذا ليس جرح لأن ذلك قبل الاستقامة .
القاعدة الثالثة : طريقة معالجة الخطأ إذا ثبت ذلك .
معالجة الخطأ يقوم على أمرين كما ذكر الحافظ ابن رجب :
1 - أن تقدم له النصيحة بالرفق واللين فهذا أغلب هدي الرسول صلي الله عليه وسلم .
قال الرسول صلي الله عليه وسلم : (( ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شأنه )) رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها .
وقال صلي الله عليه وسلم : (( من حرم الرفق حرم الخير كله )) رواه مسلم من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه .
وقال صلي الله عليه وسلم : (( إلا أخبركم بمن يحرم على النار قلنا بلي يا رسول الله قال كل قريب هين لين سهل )) رواه الترمذي بإسناد صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه.
2 - الستر على المخطئ فيكون النقد والمعالجة والتصحيح سراً ومستوراً إذا كان فعله غير علاني .
أما إذا كان الفعل علانية فينصح سراً ليصحح خطأه علانية فان لم يفعل نقد علانية حتى يعرف الناس الخطأ الذي انتشر إنه خطئ وليس بصواب ، ( هذا القول لا ينطبق على دعاة البدع الذين سبق نصحهم من أهل العلم و لكنهم لم يرجعوا إلى الحق )
مسائل هامة تتعلق بالنقد الهادف :
المسألة الأولي : الموازنة بين الحسنات والسيئات عند إنزال النقد .
وهذه المسالة فيها تفصيل ومرجع ذلك إلى أمرين :
1 ) عند الذكر العام والترجمة تذكر الحسنات والسيئات ليقف عليها الباحث . وهذه طريقة سار عليها الحافظ الذهبي في كتابه سير إعلام النبلاء في كثير من التراجم.
2 ) عند التحذير لا تذكر الحسنات بل تذكر السيئات فقط وتبين البدع والمخالفات الشرعية له لأن المقام مقام تحذير .
المسألة الثانية : كلام الأقران بعضهم في البعض .
قال بعض السلف كلام الأقران يطوى ولا يروى .
ولكن هذه المسألة فيها تفصيل لأن ليس كل كلام قرين في قرنيه يرد أنما يرد ما أختل فيه قواعد النقد والجرح فهذا الذي يرد .
المسألة الثالثة : ما يتعلق باللازم القول يجب أن تفرق بين صحيح القول ولازمه .
مثل : قوله تعالي : (( كلوا وشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الأسود من الفجر )) فلازم هذه الآية أن الأكل والشرب بعد الفجر ممنوع وإذا آكل فسد صومه .
المسألة الرابعة : يحب التفريق عند النقد بين السني وأهل البدع فهم ليس سواء .
فلأصل في أهل البدع الفسق خلافاً لأهل السنة .
المسألة الخامسة : معرفة الحق ليس بالرجال وإنما الرجال يعرفون بالحق .
وهذه قاعدة سلفية والمراد بها النهي عن التعصب للرجال . وأن الرجال يحكم فيهم كتاب الله وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم .
المسألة السادسة : النقد في مسائل الاجتهاد .
مسائل الاجتهاد لا نقد فيها إنما المناقشة العلمية الهادئة الهادفة.
المسالة السابعة : ما يتعلق بالرد على المخالف ، كثير من الناس ينفر من كلمة النقد ويقول كفى المسلمين فرقه ينقد بعضهم البعض .
وهذه الكلمة مجملة ويجب النظر فيها فإذا كان قصد قائلها إيقاف باب النقد الهادف فلا شك ولا ريب إن هذا غلط ولا يوافق عليه .
و إن كان المقصود بها ذم الفرقة بين أهل التوحيد والسنة وأن ذلك لا يجوز و يجب إيقاف السبل المؤدية إلى الفرقة فلا شك أن هذا صحيح . ويجب الاجتماع على الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح لا الاجتماع على البدع والفرق والأحزاب والجماعات .
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الموضوع : رسالة لك أيها الناقد
إن الأمة والمجتمع الذي لا يعرف النقد أقرب إلى الخطأ من الصواب . و النقد مهم للأمة والمجتمع والفرد حتى يصل الجميع إلى مراتب النجاح والتقدم .
يظن البعض عند ذكر النقد أنه مجرد أظهار للأخطاء والزلات والعيوب أمام الناس وهذا فهم خاطئ لمفهوم النقد ومعنى ليس بصحيح
وعندما لا يعرف الأفراد والمجتمع النقد الهادف أو المفهوم الصحيح له تعم الأخطاء وتتدنى المستويات الفكرية والعملية والاجتماعية .
والنقد ينقسم إلى قسمين :
1 ) النقد الهادم : وهو الذي لا يعرف إلا ذكر العيوب والأخطاء فيبرزها للملاء بقصد إسقاط صاحبها أمام المجتمع .
2 ) النقد الهادف : وهو النقد الذي يبنى ولا يهدم وهو الذي يصحح المسيرة لا أن يوقفه وهو الذي يظهر الجيد من الرديء والحسنات والسيئات .
وهذا النوع من النقد ينبغي أن تتسع صدورنا له وتفتح له الأبواب . وحتى يكون النقد هادفاً لابد أن يقوم على ثلاثة ركائز إذا أختل أحدها فسد النقد وهي كما يلي :
الركيزة الأولي : تتعلق بالناقد نفسه . فليس كل أحد يصلح للنقد سواء في المجالات العلمية أو الدعوية أو الإدارية أو الاجتماعية .
ولا بد من وجود ثلاث صفات في من يرد أن يتصدر للنقد وأن يكون نقده هادفاً .
1 ) أن يكون ثقة في دينه عدلاً في نفسه مؤمن في قوله .
يقول العلامة الخطيب البغدادي رحمه الله في كتابه الكفاية : أن أهل العلم أجمعوا أن الخبر لا يقبل إلا من العامل الصادق المؤمن على ما يخبر به .
2 ) أن يكون على علم . لأن العلم هو الذي تقوم عليه الأحكام لذلك لا يأخذ النقد من أنصاف المتعلمين ولا من المثقفين ولا من الجهلة فأن هؤلاء لا يقبل منهم ولا يسمع لهم في باب النقد .
بل النقد يأخذ من العلماء كل حسب تخصصه .
والعلم المراد هنا أمران :
1 - العلم بالشرع أو المسائل التي يراد أن تنقد والعلوم المرتبطة بالنقد .
2 - العلم بطريقة النقد – وسوف يأتي الكلام مفصل عن طريق النقد الهادف .
3 ) أن يكون صاحب إنصاف وعدل في تصرفاته وأقواله .
يقول ابن تيميه رحمه الله : أن كلام النقد فيمن دون الصحابة من المملوك والعلماء لا بد أن يكون مبنى علم وعدل لا على جهل وظلم .
قال تعالي : (( ولا يجر منكم شنأن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوي )) .
هذه هي صفات الناقد الذي يقبل نقده ويكون معتبراً .
الركيزة الثانية في منهجية النقد الهادف : تتعلق بالشيء المنقود .
هناك شرطان إذا اجتمعا جاز للناقد أن ينقد الشيء المفقود .
الشرط الأول : أن يكون الشيء المنقود شيء يدخله الخطأ .
أما إذا كان هذا الشيء مبرئ من الخطأ فلا يجوز نقده ، مثل : القران الكريم بإجماع المسلمين لا يجوز نقده .
الشرط الثاني : أن يكون الشيء المنقود جائز في الشرع نقده.
أما إذا لا يجوز نقده فلا يصح النقد . مثل : نقد الأنبياء والصحابة ، فلا بد من هذين الشرطين حتى يكون نقدك صحيح .
الركيزة الثالثة في منهجية النقد الهادف : تتعلق بطريقة النقد الهادف .
طريقة النقد الهادف تقوم على ثلاث قواعد وهي :
القاعدة الأولى : تصحيح النية :
يجب عليك عندما تريد أن تنقد أن تصحح نيتك . لا تنقد لأجل التشفي لا تنقد لأجل أن ترضى هواك لا تنقد لأجل أن ترضى من حولك لا تنقد لأجل حسد أو محاولة إسقاط المنقود لا تنقد لأجل تحصل على شيء من مناصب الدنيا .
لا بد أن تنقد لأجل أن تصحح المسيرة . تنقد من باب النصيحة للمنقود وللمسلمين . وتنقد نصرة للدين .
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( الدين النصيحة )) رواه مسلم .
وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (( إنما الأعمال بالنيات )) رواه البخاري ومسلم .
ومما ييسر لك تصحيح النية عند النقد أمور منها ما يلي :
1 - أن تتذكر أن الله مطلع على خائنة الأعين وما تخفى الصدور .
2 - أن تنظر إلى عيوب نفسك وأخطاءك قبل الشروع في النقد للآخرين وهذا يوجب كسر الحدة في النقد وتصحيح النية .
3 - أن تضع نفسك مكان المنقود .
4 - أن تتذكر أن ليس هناك أحد إلا وهو يخطئ .
وهذه النظرة للمنقود تجعل في النقد شيء من الرحمة والإخلاص .
القاعدة الثانية : التثبت .
يجب التثبت أولاً فيما نقل عن المنقود . أو التثبت من توفر الخطأ الموجب للنقد في المنقود .
قال تعالي : (( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين )) وفى قراءة صحيحة (( فتثبوا )) .
التثبت عندما يذكر في النقد فإنه يراد به ثلاث أشياء :
1 ) أن تتثبت من الناقل لك الذي ينقل لك خبراً سواء عن شخص أو جهة حكومية أو مؤسسة اجتماعية .
وليس التثبت من الناقل هو فقط استجوابه .
التثبت من الناقل يكون بالنظر إلى ثلاثة جوانب :
الجانب الأول : النظر في نيته وقصده . تنظر هل بينه وبين الجهة الناقل عنها مشاكل . هل هو حاسد لهم . هل هناك ظلم وقع عليه منهم .
فمثل هذه العوامل تجعل ضعيف الإيمان والعمل ينطق بالبهتان والزور .
فلا بد لك أن تنظر إلى هذه العوامل لا أن تستسلم لظاهر الذي يظهر لك ولو كان هذا الظاهر موافق للسنة في الهيئة والثبات والأقوال .
الجانب الثاني : النظر في حفظه . ففي بعض الأحيان يكون الرجل صالح في نفسه عدل في ذاته ولكن حفظه سيء .
وقد جاء عن بعض السلف الصالح كان الناس يستسقون بهم وهم أحياء ( أي يجعلونهم يدعون و يسألون الله الغيث ) ولكن لا يأخذون عنهم خبر لسوء حفظهم .
وهناك فرق بين من ينقل الخبر بالمعنى ومن ينقله مطابقاً للواقع .
الجانب الثالث : النظر في عدالته . فإن الفاسق لا يأخذ منه الخبر الذي يبنى عليه النقد .
فكيف إذا كان الناقل للخبر مجلة أو صحيفة أو وسيلة وسائل الأعلام معروفة بنشر الرذيلة والفسق والمجون وما لا يحبه الله ولا يرضه .
2 ) لأمر الثاني في التثبت عندما يذكر في النقد : أن تتثبت من المنقول فيه (المنقول عنه) فإذا آتاك أحد ينقل عن أحد الناس أنه فعل كذا وكذا فأنظر في حال المنقول عنه فإن كان الغالب عليه الخير والصلاح فلا تقبل ما نقل عنه .
وقد عمل بهذا الأمر شيخ الإسلام ابن تيمية فيما نقل عن الشيخ عبدا لقادر الجيلاني من الخرافات والبدع .
فـــــرد ذلك ابن تيميه وذكر له محاسن وفضائل وموقف مع الشيطان يظهر فيه فضله وعلمه .
( و أما دعاة البدع فيجوز نقدهم خصوصا إذا انتشر الخبر أن المنقود من دعاة البدع و يجب التفريق بين نصح القائل للمقولة البدعية المنتشرة و الرد على المقولة فيجوز الرد على المقولة و أن لم ينصح القائل و ذلك نصيحة للأمة و تحذير من هذه البدعة ) .
3 ) الأمر الثالث في التثبت عندما يذكر النقد : أن تتثبت في الكلام المنقول إليك هل هو من التحليل أو الخبر الجلي . هل هذا الكلام المنقول جرحاً حقاً أم مجرد تحليل من الناقل وهو يراه أنه جرح وهو ليس كذلك .
فبعض الناس يقــــول مثلاً فلان أعرفه قبل الاستقامة كان يفعل كذا وكذا من المخالفات ، فهذا ليس جرح لأن ذلك قبل الاستقامة .
القاعدة الثالثة : طريقة معالجة الخطأ إذا ثبت ذلك .
معالجة الخطأ يقوم على أمرين كما ذكر الحافظ ابن رجب :
1 - أن تقدم له النصيحة بالرفق واللين فهذا أغلب هدي الرسول صلي الله عليه وسلم .
قال الرسول صلي الله عليه وسلم : (( ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شأنه )) رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها .
وقال صلي الله عليه وسلم : (( من حرم الرفق حرم الخير كله )) رواه مسلم من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه .
وقال صلي الله عليه وسلم : (( إلا أخبركم بمن يحرم على النار قلنا بلي يا رسول الله قال كل قريب هين لين سهل )) رواه الترمذي بإسناد صحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه.
2 - الستر على المخطئ فيكون النقد والمعالجة والتصحيح سراً ومستوراً إذا كان فعله غير علاني .
أما إذا كان الفعل علانية فينصح سراً ليصحح خطأه علانية فان لم يفعل نقد علانية حتى يعرف الناس الخطأ الذي انتشر إنه خطئ وليس بصواب ، ( هذا القول لا ينطبق على دعاة البدع الذين سبق نصحهم من أهل العلم و لكنهم لم يرجعوا إلى الحق )
مسائل هامة تتعلق بالنقد الهادف :
المسألة الأولي : الموازنة بين الحسنات والسيئات عند إنزال النقد .
وهذه المسالة فيها تفصيل ومرجع ذلك إلى أمرين :
1 ) عند الذكر العام والترجمة تذكر الحسنات والسيئات ليقف عليها الباحث . وهذه طريقة سار عليها الحافظ الذهبي في كتابه سير إعلام النبلاء في كثير من التراجم.
2 ) عند التحذير لا تذكر الحسنات بل تذكر السيئات فقط وتبين البدع والمخالفات الشرعية له لأن المقام مقام تحذير .
المسألة الثانية : كلام الأقران بعضهم في البعض .
قال بعض السلف كلام الأقران يطوى ولا يروى .
ولكن هذه المسألة فيها تفصيل لأن ليس كل كلام قرين في قرنيه يرد أنما يرد ما أختل فيه قواعد النقد والجرح فهذا الذي يرد .
المسألة الثالثة : ما يتعلق باللازم القول يجب أن تفرق بين صحيح القول ولازمه .
مثل : قوله تعالي : (( كلوا وشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الأسود من الفجر )) فلازم هذه الآية أن الأكل والشرب بعد الفجر ممنوع وإذا آكل فسد صومه .
المسألة الرابعة : يحب التفريق عند النقد بين السني وأهل البدع فهم ليس سواء .
فلأصل في أهل البدع الفسق خلافاً لأهل السنة .
المسألة الخامسة : معرفة الحق ليس بالرجال وإنما الرجال يعرفون بالحق .
وهذه قاعدة سلفية والمراد بها النهي عن التعصب للرجال . وأن الرجال يحكم فيهم كتاب الله وسنة نبيه صلي الله عليه وسلم .
المسألة السادسة : النقد في مسائل الاجتهاد .
مسائل الاجتهاد لا نقد فيها إنما المناقشة العلمية الهادئة الهادفة.
المسالة السابعة : ما يتعلق بالرد على المخالف ، كثير من الناس ينفر من كلمة النقد ويقول كفى المسلمين فرقه ينقد بعضهم البعض .
وهذه الكلمة مجملة ويجب النظر فيها فإذا كان قصد قائلها إيقاف باب النقد الهادف فلا شك ولا ريب إن هذا غلط ولا يوافق عليه .
و إن كان المقصود بها ذم الفرقة بين أهل التوحيد والسنة وأن ذلك لا يجوز و يجب إيقاف السبل المؤدية إلى الفرقة فلا شك أن هذا صحيح . ويجب الاجتماع على الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح لا الاجتماع على البدع والفرق والأحزاب والجماعات .