المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصيدة ذات لون آخر , لن يتذوقه أي أحد



النادر
30-12-2004, 09:01 AM
قصيدة ذات لون آخر , لن يتذوقه أي أحد
مع إقتراب الموعد , و إنتهاء الأمل بإقتراب الأجل , تخرج لنا هذه الأبيات المثخنة حروفها سطرتها عاطفة قوية , وحكّـمت حروفها قريحة متقدة , وصــاغها شاعر متمكن لن أستمر بالتعليق .. بل سأدع المجال لدموعكم لإحلال القدسية لــهكذا نـــــزف

أبتاه ماذا قد يخط بناني=و الحبل و الجلاد منتظران
هذا الكتاب إليك من زنزانة=مقرورة صخرية الجدران
لم تبق إلا ليلة أحيا بها=وأحس أن ظلامها أكفاني
ستمر يا أبتاه لست أشك في=هذا وتحمل بعدها جثماني
الليل من حولي هدوء قاتل= والذكريات تمور في وجداني
ويهدني ألمي فأنشد راحتي=في بضع آيات من القرآن
والنفس بين جوانحي شفافة=دبَّ الخشوع بها فهز كياني
قد عشت أومن بالإله ولم أذق=إلا أخيرا لذة الإيمان
شكرا لهم أنا لا أريد طعامهم=فليرفعوه فلست بالجوعان
هذا الطعام المر ما صنعته لي=أمي و لا وضعوه فوق خوان
كلا ولم يشهده يا أبتي معي=أخوان لي جاءاه يستبقان
مدوا إلي به يدا مصبوغة=بدمي و هذي غاية الإحسان
والصمت يقطعه رنين سلاسل=عبثت بهن أصابع السجان
ما بين آونة تمر وأختها= يرنو إلى بمقلتي شيـــطان
من كوة بالباب يرقب صيده=ويعود في أمن إلى الدوران
أنا لا أحس بأي حقد نحوه=ماذا جنى فتمسه أضغاني
هو طيب الأخلاق مثلك يا أبي=لم يبد في ظمأ إلى العدوان
لكنه إن نام عني لحظة=ذاق العيال مــرارة الحرمان
فلربما وهو المُرَوِّعُ سحنة=لو كان مثلى شاعرا لرثاني
أو عاد من يدري إلى أولاده= يوماً وذُكِّرَ صورتي لبكاني
وعلى الجدار الصلب نافذة بها=معنى الحياة غليظة القضبان
قد طالما شارفتها متأملا=في الثائرين على الأسى اليقظان
فأرى وجوما كالضباب مصورا=ما في قلوب الناس من غليان
نفس الشعور لدى الجميع وإن همُ=كتموا وكان الموت في إعلاني
و يدور همس في الجوانح ما الذي=بالثورة الحمقاء قد أغراني ؟
أو لم يكن خيرا لنفسي أن أُرى=مثل الجميع أسير في إذعان ؟
ما ضرني لو قد سكت وكلما=غلب الأسى بالغتُ في الكتمان
هذا دمي سيسيل يجري مطفئا=ما ثار في جنْبَىَّّ من نيران
وفؤادي المَوَّار في نبضاته=سيكف في غده عن الخفقان
والظلم باق لن يحطم قيده=موتي ولن يودي به قرباني
ويسير ركب البغي ليس يضيره= شاة إذا اجتثت من القطعان
هذا حديث النفس حين تشق عن=بشريتي وتمور بعد ثوان
وتقول لي إن الحياة لغايةٍ= أسمى من التصفيق للطغيان
أنفاسك الحَرَّى وإن هى أُخمدت=ستظل تغمر أُفقهم بدخان
وقروح جسمك وهو تحت سياطهم=قسمات صبح يتقيه الجاني
دمع السجين هناك في أغلاله=ودم الشهيد هنا سيلتقيان
حتى إذا ما أفعمت بهما الربا= لم يبق غير تمرد الفيضان
ومن العواصف ما يكون هبوبها=بعد الهدوء وراحة الربانِ
إن احتدام النار في جوف الثرى=أمر يثير حفيظة البركان
وتتابع القطرات ينزل بعده= سيل يليه تدفق الطوفان
فيموج يقتلع الطغاة مزمجرا=أقوى من الجبروت والسلطان
أنا لست أدرى هل ستُذْكَر قصتي=أم سوف يعروها دجى النسيان ؟
أو أنني سأكون في تاريخنا=متآمرا أم هادم الأوثان ؟
كل الذي أدريه أن تجرعي=كأس المذلة ليس في إمكاني
لو لم أكن في ثورتي متطلبا=غير الضياء لأمتي لكفاني
أهوى الحياة كريمة لا قيد لا=إرهاب لا استخفاف بالإنسان
فإذا سقطتُ سقطتُ أحمل عزتي=يغلى دم الأحرار في شرياني
أبتاه إن طلع الصباح على الدنى=وأضاء نور الشمس كل مكان
واستقبل العصفور بين غصونه=يوما جديدا مشرق الألوان
وسمعتَ أنغام التفاؤل ثرة=تجري على فم بائع الألبان
وأتى يدق- كما تعود- بابنا=سيدق باب السجن جلادان
وأكون بعد هنيهة متأرجحا=في الحبل مشدودا إلى العيدان
لِيَكُنْ عزاؤك أن هذا الحبل ما=صنعته في هذي الربوع يدان
نسجوه في بلد يشع حضارة=و تضاء منه مشاعل العرفان
أو هكذا زعموا وجيء به إلى=بلدي الجريح على يد الأعوان
أنا لا أريدك أن تعيش محطما=في زحمة الآلام والأشجان
إن ابنك المصفود في أغلاله=قد سيق نحو الموت غير مدان
فاذكر حكايات بأيام الصبا=قد قلتها لي عن هوى الأوطان
وإذا سمعت نشيج أمي في الدجى=تبكى شبابا ضاع في الريعان
وتُكَتِّم الحسرات في أعماقها=ألما تواريه عن الجيران
فاطلب إليها الصفح عني إنني= لا أبتغي منها سوى الغفران
مازال في سمعي رنين حديثها= ومقالها في رحمة وحنان
أَبُنَيَّ : إني قد غدوت عليلة=لم يبق لي جَلَد على الأحزان
فأذق فؤادي فرحة بالبحث عن=بنت الحلال ودعك من عصياني
كانت لها أمنية ريانة= يا حسن أمال لها وأمان
غزلت خيوط السعد مخضلا ولم=يكن انتقاض الغزل في الحسبان
والآن لا أدرى بأي جوانح=ستبيت بعدى أم بأي جنان
هذا الذي سطرته لك يا أبي=بعض الذي يجرى بفكر عان
لكن إذا انتصر الضياء ومُزِّقَتْ=بيد الجموع شريعة القرصان
فلسوف يذكرني ويُكبر همتي=من كان فى بلدي حليف هوان
وإلى لقاء تحت ظل عدالة=قدسية الأحكام والميزان


الشاعر : هاشم الرفاعي رحمه الله