أبــو نــهـــار
11-11-2004, 05:20 PM
لقد استطاعة اللاعبة البحرينية وفاء ميرزا من الجري لمسافة 3 متر فقط بعد محاولات استمرت أكثر من 10 سنوات لم تيأس والدتها ومدربيها من تحفيزها إلى ممارسة الرياضة من أول يوم دخلت علينا أمها الاتحاد تناشدنا بتقديم ما نستطيع من أجل أبنتها .
وفاء كتب لها الرحمان أن تكون من ذوي فئات التوحد تعيش في عالم آخر يصعب علينا التواصل معها إلا انه وبفضل من رب العالمين ابتسمت لنا بعد ان جرت هذه المسافة التي اعتبرنها الانتصار العظيم الذي طالما انتظرنه طوال هذه السنوات .
من وقف معها لتحقيق هذا الانتصار غير والدتها وأشخاص نذروا أنفسهم لإسعاد ذوي لاحتياجات الخاصة برغم من قلة الإمكانيات المادية والمعنوية .
عندما نقارن بين ما يقدم للبطل مايكل شوماخر من تجهيزات وفريق عمل متكامل واستخدام التكنولوجي المتطورة والدعم المادي ليحقق انتصاراته وما نقدمه نحن لهذه الفتاة لتصل الى منصت التتويج ، فمن البطل الحقيق يا ترى ؟
لقد شاركت اللاعبة وفاء في مسابقات اليوم الواحد واستطاعت ان تعطينا درساً لا ننساه أبداً بأن لا شيء مستحيل أمام الإرادة والعزيمة الصادقة.
لا أريد أن أطيل عليكم فأن عيوننا ما زالت تدمع من شدة الفرح بهذا الفوز وأدع
والدة اللاعبة وفاء تحكي لنا قصتها مع أبنتها
http://www.gulfnet.ws/pic3/DSC00184.JPG
http://www.gulfnet.ws/pic3/DSC00185.JPG
السيدة / هاجر أحمد كازروني
والدة اللاعبة / وفاء ميرزا
والمشرفة الإدارية بمركز الرشاد
بداية أود أن أعرفكم بالتوحد خصائصه وعلاماته حتى أتمكن من تقديم قصتي القصيرة مع ابنتي وفاء المصابة بحالة التوحد والذي هو عبارة عن خلل وظيفي في المخ ومن أكثر الإعاقات التطورية صعوبة بالنسبة للطفل يعرف بصعوبات التواصل والعلاقات الاجتماعية وصعوبة تطوير مهارات التخيل والابتكار، رجح الأطباء أن الأسباب عضوية وليست نفسية رغم إنها مازالت غير محددة تماما.
نسبة حالات التوحد : حالة واحدة لكل 1000 طفل، نسبة الذكور إلى الإناث : 4 إلى 1 ، وبنسبة 70 إلى 80% من الحالات مصاحبة مع تخلف عقلي وقد يكون مصاحبا مع إعاقات أخرى وصرع .
ومن أهم صفاته :
· مشاكل في اللغة والتخاطب
· حركات متكررة للجسم
· الإيذاء الجسدي
· تكرار اللعب
· حب الروتين ومقاومة التغيير
· عادات غير طبيعية في الأكل والشرب والنوم والمزاج
· نشاط زائد أو انطوائية
· الضحك والبكاء بدون سبب
· الصراخ وقلة النوم
· عدم الاتصال بالنظر وتصرفه كأنه أصم
· عدم الإحساس بالخوف في مواقف الخطر الحقيقية
· اضطرا بات في الحواس الخمس .... إلى غير ذلك من الصفات .
أما كيفية التعامل معه فإنني بحاجة إلى الدخول في معاناتي مع حالة ابنتي وفاء منذ الطفولة وحتى الآن .
ولدت ابنتي وفاء ولادة قيصرية وصعبة بعام 1986 وهي الابنة البكر وقد كنت سعيدة جدا وتعرفون كم هو شعور الأمومة مع ولادة الابن الأول وما يحمله من طموحات وأحلام في التربية والمستقبل .
كل شيء كان رائعا على الرغم من بداية الخلافات داخل الأسرة الصغيرة .
لم يكن التعرف على حالة وفاء بالأمر السهل فكل الأمور كانت تسير بشكل طبيعي من الولادة وحتى السنة الثانية عندما بدأت بعض العوارض في الظهور والتي أذكر منها :
فقدها للنطق مع عصبية زائدة ونشاط مفرط وكثرة الصراخ وحركات متكررة وتشتت الانتباه وعدم التواصل بالنظر وغيرها .
في بداية الأمر كنت أعتقد إنها تعاندني . انتظرت لعدة أشهر وأنا في حيرة من أمرها لعلها ترد لحالتها الطبيعية ولكن دون جدوى .
بدأت بعرضها على الأطباء وعمل الفحوصات اللازمة من طبيب أطفال إلى طبيب أنف وحنجرة إلى طبيب نفسي الذي أعلمني بأن لديه الشك بإصابتها بالتوحد ونصحني بإلحاقها بأي حضانة أو روضة بغرض الاندماج بالأطفال .
أصبت بصدمة عنيفة عندما علمت بذلك حيث إنني لم أكن أعلم شيئا عن هذا المرض وكيف أتصرف مع حالة ابنتي الجميلة التي كانت قبل فترة بسيطة بأحسن حال .
ألحقتها بحضانة كنت أعرف المديرة لمدة شهور ولكنها لم تتطور ولم تندمج مع الأطفال حتى المدرسات لم تكن تعلمن كيفية التصرف معها.
ازدادت معاناتي بعد إنجابي لابني علي حيث أن وفاء كانت وأسوء حال وابني الصغير يحتاج الى رعاية خاصة والمشاكل الزوجية وعدم إحساس الزوج بالمسئولية تزداد حتى إنني كنت أصاب بحالات شديدة من الاكتئاب النفسي والإحساس بالوحدة والإرهاق .
لم أقتنع برأي الأطباء بالبحرين ففكرت بأخذها إلى الخارج للعلاج . أخذتها إلى بريطانيا لعرضها على الأطباء وهي في الثالثة والنصف من عمرها . بعد عمل الفحوصات اللازمة من قبل فريق من الأطباء تم تشخيص حالتها بأنها مصابة بحالة التوحد يلازمها طول العمر وعلاجها فقط بإلحاقها بمركز متخصص بالتوحد لكي يتم تدريبها على الأمور الحياتية والاعتماد على نفسها وتعديل سلوكياتها الغير مرغوب بها وكم كنت أتمنى أن يعلمني الأطباء بأن شفاءها يكون بإجراء عملية جراحية في المخ ولكن لم يكن كذلك . عدت إلى البحرين حزينة ومصدومة ومعي مجموعة من الكتب والمراجع عن التوحد وكلها باللغة الإنجليزية .
ومع مرور الوقت بدأت أتقبل الوضع وان الذي حصل لي هو ابتلاء من رب العالمين وعلي بالصبر والحمد على هذه النعمة وأحاول بكل الوسائل أن أساعد ابنتي لكي تعيش و تحيا حياة شبه طبيعية تعتمد على نفسها .
ومن هنا بدأت رحلة الكفاح من أجل إيجاد مركز لحالات التوحد . بدأت بطرق جميع الأبواب من مستشفيات الى مراكز المعاقين الى الوزارات وأكلم المسئولين وأتذكر كلما كنت أخرج من أي مكتب من هذه المكاتب أبكي لأنني أحصل على نفس الرد : لا يوجد مركز ولا متخصصين ولا إمكانيات .ولكنني لم أكن أييأس وأحاول مرة أخرى . بالإضافة الى ذلك كنت أقرأ وأثقف نفسي في مجال التوحد علما بأن كل ما كان لدي من معلومات ومراجع كانت باللغة الإنجليزية وأضطر أحيانا الى البحث عن من يترجم لي خاصة المصطلحات ثم أطبقها على ابنتي . كما إنني بدأت بالكتابة بالجرائد والمجلات عن معاناتي وما هي الحلول .
وكم كانت مراحل صعبة أمر بها حيث الذي يتعلمه الطفل السوي في يوم واحد يتعلمه الطفل التوحدي في سنة وكم عانيت في تدريبها وتعديل بعض سلوكياتها وخاصة العدوانية لأنها لم تكن لديها لغة التعبير إلا عن طريق الضرب والصراخ . وكم كنت أعاني وأشعر بالحزن عندما يأتي يوم عيد ميلادها كل سنة وهي تكبر أمامي ولا تذهب الى أي مدرسة بينما الفتيات اللاتي في سنها يذهبن الى المدارس . ولم أكن الوحيدة التي تعاني فابني علي أيضا كان يعاني معي فهي لم تتواصل معه وتضربه دائما . ولكنني ربيته منذ الصغر على الاعتماد على نفسه وتقبل حالة أخته وتحملها ومساعدتها والمحافظة عليها والحمد لله ان ابني متفهم ومتقبل للوضع .
ولا أخفى عليكم أن في هذا الوقت حصل الطلاق بيني وبين زوجي وأبنائي أصبحوا بحضانتي وكان علي تحمل كل هذه المسئوليات والتحديات لوحدي.
بعدما يئست من إيجاد أي مدرسة أو مركز سمعت عن مركز ترفيهي تابع لجمعية السيدات الهنديات وهو مركز سنيها من صديقة لي فذهبت إلى هذا المركز الذي كان يضم من مختلف الإعاقات ولمدة ساعتين فقط فقبلوها ولم يقصروا في حقي . فهاتين الساعتين كانت تعني لي الكثير لأتفرغ لقضاء احتياجاتي ولآخذ قسطا من الراحة وفي نفس الوقت استفادة كبيرة لوفاء في تدريبها على بعض المهارات حتى إنها تعلمت مسك القلم وكتابة بعض الأحرف ونمت قدراتها في الرسم والتلوين
بقت وفاء في هذا المركز لمدة أربع سنوات وفي المنزل أدربها، كما إنني كنت ألجأ الى كل ما أسمع من أي شخص أملا في تحسين حالتها من اللجوء الى رجال الدين والأدوية الشعبية والحصص الخصوصية .
أما في العطل الصيفية و الأجازات الأخرى كنت أخذها إلى إيران وخلال تواجدي هناك كان كل همي أن أعرضها على الأطباء والأخصائيين حتى في مرة من المرات بقيت هناك لمدة ثلاث شهور وكنت يوميا أخذها إلى جلسات علاج النطق والعلاج المهني والحصص الخصوصية حتى إنها تطورت قليلا ولكن كانت مشكلة اللغة ومواصلة العلاج الذي لا يمكن أن ينتهي في وقت قصير .
في عام 1994 علمت بتأسيس الجمعية البحرينية للتخلف العقلي برئاسة الدكتور خالد العلوي عن طريق الجرائد اليومية اتصلت به للاستفسار عن إمكانية مساعدتي فشجعني أن أصبح عضوه بالجمعية والتعاون مع باقي الأعضاء في سبيل تحقيق هدف إنشاء مركز للتوحد .
التحقت بالجمعية وبدأت بالمشاركة في أنشطتها من خلال اللجنة الاجتماعية .
في عام 1995 بدأت بالمشاركة بالدورات التدريبية التي كانت تقيمها المؤسسة الوطنية لخدمات المعوقين والاتحاد البحريني لرياضة المعاقين ووزارة العمل والشئون الاجتماعية وخاصة التي كانت تعني بالتوحد ومن خلال جهود هذه المؤسسات وجهود الأعضاء المتطوعين تبنت الجمعية البحرينية للتخلف العقلي والمؤسسة الوطنية لخدمات المعوقين مشروع إنشاء مركز لتأهيل مرضى التوحد .
تم ابتعاث ثلاث مدرسات للتدريب في مركز التوحد بتونس . في هذا الوقت كنت آخذ وفاء الى معهد الأمل يومين بالأسبوع ولمدة 4 ساعات يوميا لتحضر في حصص الرياضة والموسيقى ولا أنسى فضل السيدة بدرية سليس مديرة المعهد والأستاذ محمد المعتوق والسيدة وفيقة خليل في مساعدتي لقبولها بالمعهد .
مع بداية عام 1997 بدأ مركز الوفاء لقسم التوحد نشاطه وتم اختياري كمشرفة إدارية للمركز . بدأ بصف واحد وعدد 5 أطفال فقط .
أخيرا تحقق الحلم الذي كنت أحلم به منذ سنوات وبعد جهود مضنية وكم كانت فرحتي لإنشاء هذا المركز ليعطي بعض الأمل لأسر وأهالي الذين يعانون مثلي .
التحقت وفاء بالمركز منذ البداية وتم تدريبها على الاعتماد على النفس وتعديل بعض السلوكيات وتدريبها على المهارات المعرفية والإدراكية و تطورت كثيرا ولكن في هذه المرحلة انتقلت الى مرحلة البلوغ مما أدى الى ظهور بعض الأعراض مثل الغرائز الطبيعية في الإنسان والسلوكيات المحرجة اجتماعيا وكم تعرضت الى مواقف صعبة في الحياة العامة من مناسبات مختلفة واجتماعات وحفلات وأضطر أن أترك المكان واصطحابها الى المنزل . فكان عليّ أن أقوم بملاحظتها والتحكم في تصرفاتها طوال الوقت في المركز وفي المنزل وفي الخارج والحمد لله استطعت أن أتغلب على معظمها .
في عام 2000 تم تأسيس مركز آخر وهو مركز الرشاد الذي هو امتداد لمركز الوفاء ويركز على التدريب المهني الذي سيهيأهم للتعامل مع المجتمع ليصبحوا قادرين على خوض مجال العمل وتنمية مهاراتهم وهواياتهم باستخدام مبادئ التدريب المهني . وتم التحاق وفاء بالمركز .
الآن وفاء تعتمد على نفسها في معظم الأمور الحياتية والبعض الآخر بمساعدة , تحسنت بعض سلوكياتها لديها بعض المهارات مثل الرسم والتلوين وبعض الحرف اليدوية والمهنية . تواصلها لا بأس به تفاعلها واندماجها بالمجتمع جيد . ولكن هناك بعض المشاكل والصعوبات مثل عدم النطق الذي يجعلها تلجأ للصراخ للتعبير عن احتياجاتها ومشاعرها وعدم الصبر وحبها للروتين اليومي وغير ذلك . نأمل ونتمنى أن تزول كل هذه المشاكل قريبا إن شاء الله .
خلاصة القول أود أن أفيدكم بأنني فخورة بابنتي وفاء وأحمد الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة التي أنعمها الله عليّ لأنها علمتني الكثير من الصبر على الشدائد وزيادة في العلم والمعرفة وقوة الإرادة والعزيمة والعطاء وحب العمل التطوعي والأهم من كل هذا نيل الأجر العظيم من الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة .
وفي الختام أتمنى وأدعو المؤسسات الخاصة والحكومية بأن يضعوا ضمن أولوياتهم الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة وتوفير ما يلزم من الدعم وأن يطبق شعار هذا العام في اليوم العالمي للمعاقين " تكافؤ الفرص للجميع " فلا زالت الحياة لهؤلاء الخواص تفتقد الى أبسط الفرص .
((منقووول))
وفاء كتب لها الرحمان أن تكون من ذوي فئات التوحد تعيش في عالم آخر يصعب علينا التواصل معها إلا انه وبفضل من رب العالمين ابتسمت لنا بعد ان جرت هذه المسافة التي اعتبرنها الانتصار العظيم الذي طالما انتظرنه طوال هذه السنوات .
من وقف معها لتحقيق هذا الانتصار غير والدتها وأشخاص نذروا أنفسهم لإسعاد ذوي لاحتياجات الخاصة برغم من قلة الإمكانيات المادية والمعنوية .
عندما نقارن بين ما يقدم للبطل مايكل شوماخر من تجهيزات وفريق عمل متكامل واستخدام التكنولوجي المتطورة والدعم المادي ليحقق انتصاراته وما نقدمه نحن لهذه الفتاة لتصل الى منصت التتويج ، فمن البطل الحقيق يا ترى ؟
لقد شاركت اللاعبة وفاء في مسابقات اليوم الواحد واستطاعت ان تعطينا درساً لا ننساه أبداً بأن لا شيء مستحيل أمام الإرادة والعزيمة الصادقة.
لا أريد أن أطيل عليكم فأن عيوننا ما زالت تدمع من شدة الفرح بهذا الفوز وأدع
والدة اللاعبة وفاء تحكي لنا قصتها مع أبنتها
http://www.gulfnet.ws/pic3/DSC00184.JPG
http://www.gulfnet.ws/pic3/DSC00185.JPG
السيدة / هاجر أحمد كازروني
والدة اللاعبة / وفاء ميرزا
والمشرفة الإدارية بمركز الرشاد
بداية أود أن أعرفكم بالتوحد خصائصه وعلاماته حتى أتمكن من تقديم قصتي القصيرة مع ابنتي وفاء المصابة بحالة التوحد والذي هو عبارة عن خلل وظيفي في المخ ومن أكثر الإعاقات التطورية صعوبة بالنسبة للطفل يعرف بصعوبات التواصل والعلاقات الاجتماعية وصعوبة تطوير مهارات التخيل والابتكار، رجح الأطباء أن الأسباب عضوية وليست نفسية رغم إنها مازالت غير محددة تماما.
نسبة حالات التوحد : حالة واحدة لكل 1000 طفل، نسبة الذكور إلى الإناث : 4 إلى 1 ، وبنسبة 70 إلى 80% من الحالات مصاحبة مع تخلف عقلي وقد يكون مصاحبا مع إعاقات أخرى وصرع .
ومن أهم صفاته :
· مشاكل في اللغة والتخاطب
· حركات متكررة للجسم
· الإيذاء الجسدي
· تكرار اللعب
· حب الروتين ومقاومة التغيير
· عادات غير طبيعية في الأكل والشرب والنوم والمزاج
· نشاط زائد أو انطوائية
· الضحك والبكاء بدون سبب
· الصراخ وقلة النوم
· عدم الاتصال بالنظر وتصرفه كأنه أصم
· عدم الإحساس بالخوف في مواقف الخطر الحقيقية
· اضطرا بات في الحواس الخمس .... إلى غير ذلك من الصفات .
أما كيفية التعامل معه فإنني بحاجة إلى الدخول في معاناتي مع حالة ابنتي وفاء منذ الطفولة وحتى الآن .
ولدت ابنتي وفاء ولادة قيصرية وصعبة بعام 1986 وهي الابنة البكر وقد كنت سعيدة جدا وتعرفون كم هو شعور الأمومة مع ولادة الابن الأول وما يحمله من طموحات وأحلام في التربية والمستقبل .
كل شيء كان رائعا على الرغم من بداية الخلافات داخل الأسرة الصغيرة .
لم يكن التعرف على حالة وفاء بالأمر السهل فكل الأمور كانت تسير بشكل طبيعي من الولادة وحتى السنة الثانية عندما بدأت بعض العوارض في الظهور والتي أذكر منها :
فقدها للنطق مع عصبية زائدة ونشاط مفرط وكثرة الصراخ وحركات متكررة وتشتت الانتباه وعدم التواصل بالنظر وغيرها .
في بداية الأمر كنت أعتقد إنها تعاندني . انتظرت لعدة أشهر وأنا في حيرة من أمرها لعلها ترد لحالتها الطبيعية ولكن دون جدوى .
بدأت بعرضها على الأطباء وعمل الفحوصات اللازمة من طبيب أطفال إلى طبيب أنف وحنجرة إلى طبيب نفسي الذي أعلمني بأن لديه الشك بإصابتها بالتوحد ونصحني بإلحاقها بأي حضانة أو روضة بغرض الاندماج بالأطفال .
أصبت بصدمة عنيفة عندما علمت بذلك حيث إنني لم أكن أعلم شيئا عن هذا المرض وكيف أتصرف مع حالة ابنتي الجميلة التي كانت قبل فترة بسيطة بأحسن حال .
ألحقتها بحضانة كنت أعرف المديرة لمدة شهور ولكنها لم تتطور ولم تندمج مع الأطفال حتى المدرسات لم تكن تعلمن كيفية التصرف معها.
ازدادت معاناتي بعد إنجابي لابني علي حيث أن وفاء كانت وأسوء حال وابني الصغير يحتاج الى رعاية خاصة والمشاكل الزوجية وعدم إحساس الزوج بالمسئولية تزداد حتى إنني كنت أصاب بحالات شديدة من الاكتئاب النفسي والإحساس بالوحدة والإرهاق .
لم أقتنع برأي الأطباء بالبحرين ففكرت بأخذها إلى الخارج للعلاج . أخذتها إلى بريطانيا لعرضها على الأطباء وهي في الثالثة والنصف من عمرها . بعد عمل الفحوصات اللازمة من قبل فريق من الأطباء تم تشخيص حالتها بأنها مصابة بحالة التوحد يلازمها طول العمر وعلاجها فقط بإلحاقها بمركز متخصص بالتوحد لكي يتم تدريبها على الأمور الحياتية والاعتماد على نفسها وتعديل سلوكياتها الغير مرغوب بها وكم كنت أتمنى أن يعلمني الأطباء بأن شفاءها يكون بإجراء عملية جراحية في المخ ولكن لم يكن كذلك . عدت إلى البحرين حزينة ومصدومة ومعي مجموعة من الكتب والمراجع عن التوحد وكلها باللغة الإنجليزية .
ومع مرور الوقت بدأت أتقبل الوضع وان الذي حصل لي هو ابتلاء من رب العالمين وعلي بالصبر والحمد على هذه النعمة وأحاول بكل الوسائل أن أساعد ابنتي لكي تعيش و تحيا حياة شبه طبيعية تعتمد على نفسها .
ومن هنا بدأت رحلة الكفاح من أجل إيجاد مركز لحالات التوحد . بدأت بطرق جميع الأبواب من مستشفيات الى مراكز المعاقين الى الوزارات وأكلم المسئولين وأتذكر كلما كنت أخرج من أي مكتب من هذه المكاتب أبكي لأنني أحصل على نفس الرد : لا يوجد مركز ولا متخصصين ولا إمكانيات .ولكنني لم أكن أييأس وأحاول مرة أخرى . بالإضافة الى ذلك كنت أقرأ وأثقف نفسي في مجال التوحد علما بأن كل ما كان لدي من معلومات ومراجع كانت باللغة الإنجليزية وأضطر أحيانا الى البحث عن من يترجم لي خاصة المصطلحات ثم أطبقها على ابنتي . كما إنني بدأت بالكتابة بالجرائد والمجلات عن معاناتي وما هي الحلول .
وكم كانت مراحل صعبة أمر بها حيث الذي يتعلمه الطفل السوي في يوم واحد يتعلمه الطفل التوحدي في سنة وكم عانيت في تدريبها وتعديل بعض سلوكياتها وخاصة العدوانية لأنها لم تكن لديها لغة التعبير إلا عن طريق الضرب والصراخ . وكم كنت أعاني وأشعر بالحزن عندما يأتي يوم عيد ميلادها كل سنة وهي تكبر أمامي ولا تذهب الى أي مدرسة بينما الفتيات اللاتي في سنها يذهبن الى المدارس . ولم أكن الوحيدة التي تعاني فابني علي أيضا كان يعاني معي فهي لم تتواصل معه وتضربه دائما . ولكنني ربيته منذ الصغر على الاعتماد على نفسه وتقبل حالة أخته وتحملها ومساعدتها والمحافظة عليها والحمد لله ان ابني متفهم ومتقبل للوضع .
ولا أخفى عليكم أن في هذا الوقت حصل الطلاق بيني وبين زوجي وأبنائي أصبحوا بحضانتي وكان علي تحمل كل هذه المسئوليات والتحديات لوحدي.
بعدما يئست من إيجاد أي مدرسة أو مركز سمعت عن مركز ترفيهي تابع لجمعية السيدات الهنديات وهو مركز سنيها من صديقة لي فذهبت إلى هذا المركز الذي كان يضم من مختلف الإعاقات ولمدة ساعتين فقط فقبلوها ولم يقصروا في حقي . فهاتين الساعتين كانت تعني لي الكثير لأتفرغ لقضاء احتياجاتي ولآخذ قسطا من الراحة وفي نفس الوقت استفادة كبيرة لوفاء في تدريبها على بعض المهارات حتى إنها تعلمت مسك القلم وكتابة بعض الأحرف ونمت قدراتها في الرسم والتلوين
بقت وفاء في هذا المركز لمدة أربع سنوات وفي المنزل أدربها، كما إنني كنت ألجأ الى كل ما أسمع من أي شخص أملا في تحسين حالتها من اللجوء الى رجال الدين والأدوية الشعبية والحصص الخصوصية .
أما في العطل الصيفية و الأجازات الأخرى كنت أخذها إلى إيران وخلال تواجدي هناك كان كل همي أن أعرضها على الأطباء والأخصائيين حتى في مرة من المرات بقيت هناك لمدة ثلاث شهور وكنت يوميا أخذها إلى جلسات علاج النطق والعلاج المهني والحصص الخصوصية حتى إنها تطورت قليلا ولكن كانت مشكلة اللغة ومواصلة العلاج الذي لا يمكن أن ينتهي في وقت قصير .
في عام 1994 علمت بتأسيس الجمعية البحرينية للتخلف العقلي برئاسة الدكتور خالد العلوي عن طريق الجرائد اليومية اتصلت به للاستفسار عن إمكانية مساعدتي فشجعني أن أصبح عضوه بالجمعية والتعاون مع باقي الأعضاء في سبيل تحقيق هدف إنشاء مركز للتوحد .
التحقت بالجمعية وبدأت بالمشاركة في أنشطتها من خلال اللجنة الاجتماعية .
في عام 1995 بدأت بالمشاركة بالدورات التدريبية التي كانت تقيمها المؤسسة الوطنية لخدمات المعوقين والاتحاد البحريني لرياضة المعاقين ووزارة العمل والشئون الاجتماعية وخاصة التي كانت تعني بالتوحد ومن خلال جهود هذه المؤسسات وجهود الأعضاء المتطوعين تبنت الجمعية البحرينية للتخلف العقلي والمؤسسة الوطنية لخدمات المعوقين مشروع إنشاء مركز لتأهيل مرضى التوحد .
تم ابتعاث ثلاث مدرسات للتدريب في مركز التوحد بتونس . في هذا الوقت كنت آخذ وفاء الى معهد الأمل يومين بالأسبوع ولمدة 4 ساعات يوميا لتحضر في حصص الرياضة والموسيقى ولا أنسى فضل السيدة بدرية سليس مديرة المعهد والأستاذ محمد المعتوق والسيدة وفيقة خليل في مساعدتي لقبولها بالمعهد .
مع بداية عام 1997 بدأ مركز الوفاء لقسم التوحد نشاطه وتم اختياري كمشرفة إدارية للمركز . بدأ بصف واحد وعدد 5 أطفال فقط .
أخيرا تحقق الحلم الذي كنت أحلم به منذ سنوات وبعد جهود مضنية وكم كانت فرحتي لإنشاء هذا المركز ليعطي بعض الأمل لأسر وأهالي الذين يعانون مثلي .
التحقت وفاء بالمركز منذ البداية وتم تدريبها على الاعتماد على النفس وتعديل بعض السلوكيات وتدريبها على المهارات المعرفية والإدراكية و تطورت كثيرا ولكن في هذه المرحلة انتقلت الى مرحلة البلوغ مما أدى الى ظهور بعض الأعراض مثل الغرائز الطبيعية في الإنسان والسلوكيات المحرجة اجتماعيا وكم تعرضت الى مواقف صعبة في الحياة العامة من مناسبات مختلفة واجتماعات وحفلات وأضطر أن أترك المكان واصطحابها الى المنزل . فكان عليّ أن أقوم بملاحظتها والتحكم في تصرفاتها طوال الوقت في المركز وفي المنزل وفي الخارج والحمد لله استطعت أن أتغلب على معظمها .
في عام 2000 تم تأسيس مركز آخر وهو مركز الرشاد الذي هو امتداد لمركز الوفاء ويركز على التدريب المهني الذي سيهيأهم للتعامل مع المجتمع ليصبحوا قادرين على خوض مجال العمل وتنمية مهاراتهم وهواياتهم باستخدام مبادئ التدريب المهني . وتم التحاق وفاء بالمركز .
الآن وفاء تعتمد على نفسها في معظم الأمور الحياتية والبعض الآخر بمساعدة , تحسنت بعض سلوكياتها لديها بعض المهارات مثل الرسم والتلوين وبعض الحرف اليدوية والمهنية . تواصلها لا بأس به تفاعلها واندماجها بالمجتمع جيد . ولكن هناك بعض المشاكل والصعوبات مثل عدم النطق الذي يجعلها تلجأ للصراخ للتعبير عن احتياجاتها ومشاعرها وعدم الصبر وحبها للروتين اليومي وغير ذلك . نأمل ونتمنى أن تزول كل هذه المشاكل قريبا إن شاء الله .
خلاصة القول أود أن أفيدكم بأنني فخورة بابنتي وفاء وأحمد الله سبحانه وتعالى على هذه النعمة التي أنعمها الله عليّ لأنها علمتني الكثير من الصبر على الشدائد وزيادة في العلم والمعرفة وقوة الإرادة والعزيمة والعطاء وحب العمل التطوعي والأهم من كل هذا نيل الأجر العظيم من الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة .
وفي الختام أتمنى وأدعو المؤسسات الخاصة والحكومية بأن يضعوا ضمن أولوياتهم الاهتمام بذوي الاحتياجات الخاصة وتوفير ما يلزم من الدعم وأن يطبق شعار هذا العام في اليوم العالمي للمعاقين " تكافؤ الفرص للجميع " فلا زالت الحياة لهؤلاء الخواص تفتقد الى أبسط الفرص .
((منقووول))