المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : يبدأ العام الدراسي بالعويل وينتهي بالنواح



عين سلمان
13-09-2004, 01:36 AM
عن بداية السنة الميكانيكية

جعفر عباس
يبدأ العام الدراسي عندنا بالعويل و ينتهي بالنواح، في بداية العام يكون الموال نقص الكتب المدرسية والانفجار السكاني في غرف الدراسة وعدم توفر معلمي اللغة الإنجليزية والرياضيات والعلوم وشكوى قدامى المعلمين من وجودهم في مدارس بعيدة عن أماكن سكناهم، وفي نهاية العام يتعالى الصراخ بأن الناجحين لم يجدوا أماكن في المستويات الأكاديمية العليا وبأن من أكملوا تلك المستويات "ما عندهم مستوى".. ويتألم قلبي للصغار الذين يدخلون المدارس لأول مرة، لأن ذلك يعني انتهاء مرحلة كانوا فيها بشرا أسوياء يمارسون طفولتهم بعفوية... يكتشفون الأشياء بلهفة ناشئة عن حب الاستطلاع، فالدخول في المدارس يعني بداية تحول الطفل إلى كائن ميكانيكي تتم برمجته بحيث تتعطل قدراته الذهنية ليتحول إلى جهاز تسجيل مزود بأشرطة تايوانية تختزن الأشياء لفترة قصيرة ثم يصيبها التشويش، وتفقد مخزونها من المعلومات المعلبة بنفس السرعة التي تم بها التسجيل والتخزين... وطوال العام الدراسي ينقسم أولياء الأمور إلى فئتين: الأولى وهي أقلية تتابع تطور العيال الأكاديمي وتمنحهم الدعم والمساعدة، والأخرى لا تعرف عن مسيرة العيال التعليمية سوى أنهم ذهبوا إلى المدرسة وعادوا منها... وقد يستيقظ ضمير أحد المنتمين إلى هذه الفئة فيصيح مرة كل ثلاثة أشهر: هل أكملتم واجباتكم الدراسية وتكون الإجابة في غالب الأحوال بنعم فيحس ولي الأمر بالرضا عن نفسه وعن عياله دون تقصي ما إذا كانت نعم تلك من نوع "نعم" الاستفتاءات الرئاسية العربية أم نعم التي تفيد الإيجاب!! كانت ابنتي مروة لا تأخذ دراستها في بداية المرحلة الابتدائية بجدية وسألتها ذات مرة عن الواجب المدرسي اليومي فقالت: ما عندنا واجب لأن أبلة العربي ماتت، وفي اليوم التالي سألتها عن واجباتها في مواد أخرى فقالت إن مدرسة الرياضيات أيضا ماتت، فقلت لها إن أمها ستذهب إلى المدرسة للقيام بواجب العزاء فصاحت بأنها غير متأكدة ما إذا كانت المدرستان قد ماتتا "نهائيا"، ولأن معظم أولياء الأمور لا ينتبهون إلى مسيرة عيالهم التعليمية إلا عند الامتحانات، خاصة المصيرية منها، فإنهم يعرضون صغارهم إلى ضغوط هائلة تصل إلى الشتم والإهانة والضرب.. في حين أن من يستحق الضرب لأن العيال مقصرون أكاديميا هم الآباء (خصوصا) والأمهات.. فمدارسنا لا تقدم من التعليم إلا بعض أدواته التي تحول الطلاب إلى أجهزة ميكانيكية لا تعمل إلا بالبرشامات وبحاجة مستمرة إلى التشحيم والتزييت، ومن الثابت تربويا أن الضغط والعنف لا يجعلان من الطالب العاجز أكاديميا طالبا متفوقا، وأذكر أنني ظللت طوال سنوات المرحلة الابتدائية وبشهادة المدرسين غبيا وبليدا وفاشلا، ورسبت في امتحان الالتحاق بالمدرسة المتوسطة واضطررت إلى إعادة "السنة" وبالطبع لم أكن غبيا أو بليدا بل كنت كارها للمدرسة والمدرسين، وبمجرد الانتقال إلى المرحلة المتوسطة في مدرسة كانت تحت التأسيس تحولت إلى طالب متميز في مواد معينة وصرت قادرا على تعويض ضعفي في الرياضيات بإحراز درجات عالية في مواد أخرى وإلى يومنا هذا أشعر بالامتنان الشديد لأستاذي مدني محمد أحمد عبدالماجد الذي منحني الثقة بنفسي.. فلم يكن والداي يعرفان شيئا عن تطوري التعليمي وإن كانا يدركان ضرورة التعليم.. وليس كل الطلاب محظوظين مثلي لأن نوعية أستاذي مدني أوشكت على الانقراض.. عيالنا الاستثمار الأكثر جدوى وفائدة فأحسنوا إدارة هذه الثروة كي لا تنتهي في ممرات مجمعات التسوق حيث البضاعة الفاسدة في نفسها المفسدة لغيرها.
منقول

أبو سفيان
13-09-2004, 06:01 AM
صدق الكاتب الصحفي المرح / جعفر عباس وشكرا لك يا عين سلمان
فالموضوع جاء في وقته المناسب حقا ، وكثير مما ذكر فيه من أحداث
وقضايا هي واقع نلمسه في مدارسنا ومؤسساتنا التربوية عامة
والأسباب ليست مجهولة والحلول موجودة لمعظم المشكلات التي
تعاني منها المدارس ويعاني منها الطلاب على مختلف مستوياتهم ..
ولكنها حلول هشة لأنها على الورق وبعيدة عن الميدان .

عين سلمان
13-09-2004, 08:20 PM
مشكور على مرورك يأبا سفيان

وللموضوع بقية
شاهد اتهام لنظام "التأليم" العربي

جعفر عباس
قلت بالأمس كلاما ما معناه إن المكان الذي يتلقى فيه التلميذ العربي "دراسته" ليس مدرسة بل ورشة، وشاءت الصدف أنني كنت أقلب أوراقي القديمة بعد كتابة مقال الأمس، وعثرت على مقال كتبته في صحيفة الوطن القطرية قبل خمسة أعوام: "وقف طفل مصري لم يكمل الحادية عشرة أمام موظفة شركة مصر للطيران بالإسكندرية وطلب منها تذكرة سفر إلى كندا، فسألته الموظفة عن الباسبور فقال لها: هو ده يا طنط، وقلبت طنط أوراق جواز السفر فوجدته خاصا بأم الطفل ووجدت اسمه مضافا إلى الجواز فسألته مسافر لوحدك قال: آآآآ!! عندك فيزا دخول كندا؟ قال: فيزا يعني إيه؟ طب فين فلوس التذكرة؟ هنا وضع الطفل أمامها رزمة تحوي ثلاثة آلاف جنيه (لم يكن الجنيه المصري وقتها قد تعلم العوم ولهذا فقد كان قوي البنية)، هنا نسيت الموظفة التوجيهات التي تقضي بأن تعيد للزبون نقوده وجواز سفره لأنه لا يملك تأشيرة دخول إلى كندا وتقول له: أدينا عرض كتافك، فقد استيقظت فيها غريزة الأمومة التي تتمتع بها كل أنثى حتى لو كانت في الرابعة من العمر وسألته: أنت في سنة كام يا شاطر؟ فقال إنه في الصف الخامس!! عايز تروح كندا ليه؟ عايز أدرس هناك!! طب ليه ما تدرسش هنا؟.. الله يخليكي يا طنط أديني التذكرة،.. مش عايز أدرس هنا.. أصلهم بيضربونا ويشتمونا لو ما حفظناش الدروس!! ماما عارفة إنك مسافر؟ في الحقيقة هي ما بتعرفش أوي.. يعني حتعرف لأني سبت رسالة في البيت بقول لها باي باي وأوعدها بأني حارسل لها جواب كل يوم،.. ثم واصل تزويد طنط مصر للطيران بتفاصيل ما حدث: ماما طلعت الشغل قمت شلت الباسبور ولقيت في الدولاب فلوس كتيرة وخدتها عشان أروح كندا.. بيقولوا مدارسها حلوة وما بيضربوش فيها العيال".
بعبارة أخرى فإن هذا الطفل المصري "نابغة"، وعرف وهو في تلك السن الغضة أن التعليم في بلده فيه الكثير من "التأليم"، ولم يفكر في الهرب إلى الشوارع أو إلى بعض أقاربه في مدينة أو قرية أخرى، بل قرر الذهاب إلى بلد آخر يتلقى فيه تعليما حقيقيا.. ومن المهم أن ننتبه إلى أنه ينتمي إلى أقلية ضئيلة العدد تسافر إلى الغرب ليس بغرض الصرمحة والصياعة كما يفعل كثيرون ممن يطلبون "اللجوء السياسي" هناك، بل للحصول على اللجوء الدراسي... ووصفت الطفل بالنابغة، لأنه وبعبارات قصيرة مكثفة قال في إدانة لنظامنا التعليمي ما عجز عن قوله خبراء اليونسكو وجيوش الموجهين التربويين وخبراء المناهج.. طفل ذكي يريد استخدام عقله ويريد أن يعرف لماذا مناخ البحر الأبيض المتوسط حار جاف صيفا دافئ ممطر شتاء، دون أن يقول له المدرس: مش شغلك يا حمار..هي كده وبس! ويريد أن يعرف ما معنى أن الماء يتكون من عنصرين من الهيدروجين وعنصر واحد من الأوكسجين وهل سيتحول الماء إلى قنبلة هيدروجينية لو وضعنا فيه خمسة عناصر هيدروجين إضافية! باختصار أدرك النابغة المصري أنه كان في مدرسة لتربية الببغاوات وأدرك أنه آدمي ينبغي أن يكون في مدرسة لبني البشر... ومن ثم فإنني أناشد كندا منحه تأشيرة صالحة لـ12 سنة ليكمل دراسته فيها (كان ذلك قبل أحداث سبتمبر الأغبر).