naji2003
10-08-2004, 12:09 AM
الشهوة في دمك .. والإثارة تحوطك .. ليست مشكلة..
صدقني ..
فالإسلام قد دلَّك على أسلم طريق للاستفادة بها.. وهو الزواج، "من استطاع منكم الباءة فليتزوج" ..
أعلم أنك قد تقول: وماذا بيدي .. والأوضاع قد انقلبت حتى أصبح طريق العفاف صعبًا... وتمسك الناس بمظاهر فارغة يتشبثون بها قبل إتمام هذه الخطوات "الأساسية "في حياة البشر وكأنهم يتغافلون عن كونها أساسية وهامة جدا؟! أقول لك أعرف، وأزيدك: إن سبل الحلال قد صعبت... وذللت طرق الحرام وتيسرت... كما حورب الزواج المبكر، بينما رُوِّج للصداقات المشبوهة... واعتبر الزواج لدى الكثيرين "مسئولية" و"همًّا" ينبغي تأخيره، أما العلاقات غير الشرعية فهي "خبرات" لابد للشباب أن يمروا بها !!.. أعرف كذلك أن كثيرًا من الناس تناسى توجيهات الحبيب : " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه"، وأن: " أكثرهن بركة أيسرهن مهورًا" . ومثل ذلك من الإرشادات التي تفضي إلى تسهيل عملية الزواج..
هذه صورة صادقة لواقعنا، يمكن أن نظل سويًّا نزيدها سوادًا، وبالتالي تمتلئ نفوسنا ضيقًا وأرواحنا تشاؤمًا، ولا نجد إلا أننا ضحايا ومظلومين، لكن يبقى السؤال وماذا بعد؟! هل يدفعنا هذا إلى أن ننزلق وراء نداء الجسد فنَعُبُّ من الشهوات ونسير خلفها؟!
أم نقف على أرض صلبة من مبادئ ديننا وندرك ما نحن فيه ونسعى إلى معالجته؟! فنتأمل معًا بعض الوسائل المعينة على تخفيف حدة الشهوة إلى أن يأذن الله بالفرج .. وأعني به الزواج الذي يظل الحل الأسهل والأسرع والأقوى والدائم لهذا الأمر.
أولا :الشهوة واقع فتعامل معه
علينا ألا ترعبنا هذه الشهوة، ولا نصورها بأنها وحش سيفترسنا لا محالة، لكن علينا معرفة طبيعتها، فالشهوة جواد جامح يقف رهن إشارتك .. تستطيع أن تقوده فتتنزه به وتستمتع بين الرياض والبساتين .. ويمكن أن يقودك هو فيضلك السبل ويخترق بك الأحراش فلا تجني إلا الوحل… ومن أروع التشبيهات حول الشهوة في الإنسان: "إن الشهوة في الشاب كإناء به ماء يغلي، فإن أغلقت عليه كل منفذ انفجر الإناء بأكمله، وإن نفست عنه بمقدار معقول خرجت منه القوة التي تسير القاطرات الكبار، أما إن فتح غطاء الإناء لتبدد الماء ثم لا يلبث الإناء أن يحترق كله" .. فهذا تمامًا هو الشاب الذي إن صرف الشهوة فيما يحل له استمتع بحياته وتفرغ لعمله ودوره المنوط به في الحياة، لكنه إن كبت نفسه ولم يتزوج لانفجر لأنه لم يُلَبِّ داعي الفطرة، وهو إن أطلق لشهوته العنان خسر الدنيا والآخرة ..
ثانيا: الصوم :
إنه العلاج الذي وصفه الرسول لمن عجز عن الزواج، وأعرف أن كثيرين يصومون ثم لا يجدون شيئًا يتغير، فنار الشهوة لا تزال تطاردهم.. هؤلاء عليهم أن يتهموا أنفسهم، ويشُكُّوا في صيامهم...
ولتسأل نفسك: هل صمت كما يحب الله ورسوله؟ ..
هل أديت الصوم الذي يقوى داخلك وازع الله؟ ..
هل أديت الصوم الذي يؤكد كلمات الله؛ حتى تنتصر على أي أفكار خبيثة تنتشر؟ أم إنه صيام الجوع والعطش؟ هل صامت العيون والآذان مع المعدة أم غابت؟ ..
هل أديت الصوم الذي ينتقل بالمرء من التعلق بكل ما هو مادي والسمو إلى كل ما هو روحاني؟ ..
هل أديت الصوم الذي ينتقل بالمسلم رويدا رويدا ليقترب من مصاف الملائكة الممتنعين عن الشهوات الذاكرين الله بلا كلل أو ملل؟ ..
ثالثا- غض البصر:
والبصر هو باب القلب الأول، وأقرب الحواس إليه؛ ولذا كثر السقوط من جهته، وكان لزامًا على من خاف على قلبه أن يتحرك نحو شيء ما أن يغضه ويحفظه .. ولذا أراد الله أن يُحكم الإنسان رقابته على هذا الممر، ويفحص ما يدخل منه لأنه سرعان ما يدخل إلى القلب، وما أصدق التعبير في الحديث القدسي: "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، من تركه مخافتي أبدلته إيمانًا يجد حلاوته في قلبه" … فانظر إلى كلمة "مسموم" وتعبيرها الدقيق، لعلك لاحظت هذا السم في نفسك، تصلي فلا تشعر بحلاوة مناجاة، وتذكر ولا تتذوق طعم طمأنينة، وتقرأ القرآن ولا تطعم من الأنس بالله، وهذا السم الذي يسري في القلب فيفسد العبادات، هو ذاته الذي يسري في الجسد فلا تهنأ بطعم أكل ولا شرب ويصبح الطعم الغالب هو طعم المرض والوهن !!..
وفي توجيه الله تعالى: { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ } [النور:30] إشارة لطيفة لنا عن كيفية اتصال الفرج بهذه النظرة التي يستهين بها البعض، إن التعبير بالفعل " يحفظوا" يشير إلى أن هذا الفرج أمانة... والأمانة هبة من الله تنزع منك في أي وقت ولا يُسأل الله عن ذلك، عرف ذلك أحد الشباب وهو يستعمل نظارة طبية فهو بين الحين والحين تأديبًا لنفسه يخلعها فيرى العالم حوله مشوشًا حتى إذا استعملها مرة أخرى شعر بقيمة هذه العين، ثم بقيمة أن الله مكَّنه من استعمال نظارة ولم يتركه هكذا، وقيمة أن نظره ليس أضعف من هذا، فيقول: إذن لا أقابل كل هذه النعم بالعصيان . ويعاهد نفسه على عدم العودة للذنب ..
.. وفي المقابل فإن هذه العين التي صبرت عن الحرام، يُكتب لها السعادة والفرح ولا تعرف الدمع أبدًا فقد قال رسول الله : ((كل عين باكية يوم القيامة إلا عينًا غضت عن محارم الله "
كم يستغرق هذا القرار من وقت.. قرار بسيط وسهل ولا يستغرق، لا يحتاج إلى لحظة تنزاح فيها الغشاوة من الأعين فتبصر الحقيقة … وما بعدها النعيم من حلاوة في القلب، ورضا في النفس، وسعادة بالانتصار.. ولذا فقد أعجبني شاب كان كلما حدثته نفسه بالنظر إلى ما لا يحل فإنه يغمض عينيه ويردد: "لا إله إلا الله" ثلاث مرات وهو يتذكر بيعته مع الله وعهده لديه، وأنه بهذه النظرة يمكن أن يُخِلَّ بحقيقة لا إله إلا الله، وبالتالي فإنه يجد نفسه ممتنعًا عن المعصية…
رابعًا: الدعاء ...
هل تتذكر كم دعوت الله أن ينصرك في معركتك هذه وقد جمعت قلبك وأريت الله من نفسك الاضطرار الذي يؤدي إلى الإجابة { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ } [النمل:62] .
هل عاهدت نفسك أن تقوم من الليل فتنتهز الفرصة التي يتنزل الله فيها إلى السماء الدنيا فيجيب من سأله؟!.
هل أسررت إليه بحاجتك وهو يسأل هل من طالب حاجة فأقضيها له؟!.
هل قلت له: يا رب حاجتي ألا أقع في الحرام، وأن تسهل عليَّ الحلال، وأن تملأ عيني وقلبي بك.. وألا تتركني فريسة سهلة للشيطان...
وإذا كان الرسول أكرم الخلق على الله وأبعدهم عن الحرام كان يردد في دعائه: "اللهم إني أعوذ بك من فتنة النساء" في كل صلاة، وانظر إلى صلاته كم كانت في اليوم والليلة... من منا يأخذ بالدعاء إلى هذه الدرجة؟! ومن منا يراقب نفسه إلى هذا الحد ويشفق عليها أن تقع في الحرام؟!.
خامسًا: دوام الذكر...
قد يتعجب البعض أن يكون الذكر مبعدًا عن الحرام، وكيف ينهي اللسانُ الفرجَ؟!! وهذا الكلام لمن لا يعرف، فالذكر هو حصن المؤمن التي يحتمي بها، والذكر باللسان هو المفضي إلى ذكر القلب، وذكر القلب هو المفضي إلى ذكر أعلى وهو ذكر الجوارح.. وذكر الجوارح هو الانتهاء عن عصيانه... ولذا قال ميمون بن مهران: "الذكر ذكران، فذكر الله -عز وجل- باللسان حسن، وأفضل منه أن تذكر الله -عز وجل- عندما تشرف على معاصيه"..
وتطبيق هذا على هذه المرأة الذاكرة العظيمة التي اتفقت مع رجل على الزنا... فسألته لما اختليا: "هل نامت عيون الرجال". فقال: "نعم". فقالت: "وعيون ربهم؟!" فبُهِت وتركها؛ فتابا إلى الله...
أعرف شابًّا كان إذا نازعته نفسه إلى إطلاق النظر إلى الحرام أغمض عينيه وقال ثلاثًا: "لا إله إلا الله". مستشعرًا أنه بهذه النظرة قد يخفض داعي الله في قلبه ويناقض الشهادة، إذا لم يكن للشاب همة إلى ربه فلم ينتهي عن المحارم فليس له أمل، إذا لم يكن للشاب هدف في الحياة فما يمنعه أن يكون كالبهائم يرعى في كل أرض؟! لا يعبأ لمن هذه ولا ينظر أي شيء يضره وأي شيء يفيده؟!.
ولم لا يكون الذكر حاجزًا عن المعاصي، والله سبحانه يقول: "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ" [البقرة: 152].
فكأن الله سبحانه يقول: اذكرني عند طاعتك أذكرك وأنت في حال المعصية، اذكرني بنعمي أذكرك وأنت ضعيف فارغ القلب تهفو إلى الحرام فأحصنك وأقوي نفسك وأذهب عنك همزة الشيطان وأوفقك إلى التوبة..
سادسًا: الانشغال بمعالي الأمور...
إن الإنسان الضعيف خاوي الوفاض لا يرى الدنيا إلا من خلال شهوته، ويظل الشيطان يضخم له قيمتها حتى يشغله بها عن مهمته في الحياة.. الشاب الذي لا هم له إلا إفراغ شهوته والاهتمام بهذه الفتاة وتلك.. والإيقاع بهن.. هل سمع هذا الشاب أنه خليفة الله في الأرض؟ .. وما أشقها من مهمة! وما أعظمها من رسالة!.
هل علم هذا الشاب أنه وريث ؟!. وما أشرفه من إرث!.
هل عرف أنه مسئول عن هداية البشر من حوله؟! وما أروعها من مسئولية!.
هل أدرك حال الأمة من حوله وتدهور أحوالها وانتقاص الأعداء من قدرها؟!.
هل يعجبه تخاذلنا تجاه ضياع فلسطين .. وانتهاك قدسنا الحبيب؟!
أم أنه لا يزال يعتقد أن الجنس هو قضيته الكبرى ؟!!!
ولكن حسبي أن أقول: إن من لم يدرك غايته في هذه الحياة فإنه لا يدرك شيئًا أبدًا..
و إذا لم يدرك سر خلقه ووجوده فما يمنعه أن تطيش أفعاله وتتبدد طاقته؟!!
سابعًا: أدِّب نفسك...
في كثير من الأحيان نتناسى أنفسنا لننضم إلى أخطر صنف من البشر وهم الغافلين، فننسى أننا سنظل في كل لحظة من حياتنا في حملة تقويم وتهذيب لنفوسنا، فلا يصح أن نتركها وشأنها بل علينا في كل لحظة مراقبتها وسؤالها، فبهذا فقط تتم النجاة..
إن شابًّا أغوته امرأة، وتمادى معها بعض الوقت إلى أن أوصِد عليهما الباب فلما هم بالمعصية وجد شمعة.. فوضع إصبعه عليها وهو يقول لنفسه: إذا صبرتِ على هذه النار الضعيفة تركتك وشأنك، وإن لم تصبري فكيف تقوين على نار وقودها الناس والحجارة؟!. فهذا شاب تحركت نفسه، لكنه زجرها وأعادها بقوة؛ لا لشيء إلا لأنه يملك زمامها فاستطاع أن يقودها.
وسيدنا أبو ذر الغفاري الذي أخطأ وعيَّر بلالاً الحبشي ذات يوم بأمِّه قائلاً له: يا ابن السوداء. فلما عاتبه النبي عاد إلى رشده، ووضع خده على الأرض، وأصَرَّ على أن يطأ بلال -رضي الله عنه- خَدَّه الآخر بقدمه .. فهو أصر أن يقمع نفسه تلك التي سمحت للسانه أن يتحرك بسوء ..
وعلى العكس إن رأيت من نفسك امتثالا لله ولأوامره فكافئها وأكرمها حتى تتوق دومًا للزوم الصواب..
ثامنًا: أن يخاف على نفسه من الخروج من الدين...
فإن اتباع الهوى يوشك بالمرء أن يشرك والعياذ بالله، وقد يقبل المسلم المفَرِّط أن يعصى الله لكنه أبدًا لا يقبل أن يكفر به، وربما لا يدرك العاصي أنه بفعله هذا قد يصل إلى هذه الهاوية، فالله –سبحانه- شدد في هذا الأمر: { أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا } [الفرقان:43] فإن الهوى معبود العصاة والمذنبين.. وصدق الحسن المطوعي حين قال: (صنم كل إنسان هواه)... وهذا منحى صعب وخطير، فمن ذا يرضى بالوثن من دون الله.. فلنحطم أصنامنا .. ولنكسر أوثاننا…
والرسول يقرع الأسماع في هذه الجزئية بالذات فيقول: "المقيم على الزنا كعابد وثن"، ولا تتعجب فقد أصبح من السهل جدًّا الآن أن يقول شاب لفتاة: "أعبدك "..
والأقبح الذي أرويه -والنفس تشفق على أي مسلم من هذا المصير المزري- أن شابًّا عربيًّا مسلمًا ذهب في رحلة سياحية إلى إحدى الدول غير المسلمة، واتفق على شيء من الحرام مع فتاة، فلما صعدت إليه في غرفته بكامل زينتها، أعجب بجمالها حتى سجد لها المسكين إمعانًا في الترحيب بها لكنه -كما يروي الثقات من مرافقيه في هذه الرحلة- قُبض على هذه الحال!! وتاب أصحابه بعد ما رأوه لكن أين هو الآن؟! وما مصيره؟!! الله أعلم بحاله .
انزع أغلالك يا أخي فلا يريدك الإسلام شخصًا ضعيفًا متهافتًا إن مُنعت عنه "سيجارة" مثلا.. طاف يصارع نفسه، ويسُبُّ ويلعن كأنه طفل قد غابت عنه رضعته، وإن لم يظفر بها غامت الدنيا في عينيه.. الإسلام يريدك عزيزًا لا تخضع لشيء في هذه الدنيا.. شامخ الجبهة إلا لله.. الإسلام جعلك في هذه الدنيا لتحكمها، فأي حاكم هذا الضعيف الذليل لشهوة؟!.. ملَّكه الله العالم وهو يسعى لأحقر ما فيه !!.
.
يتبع ……………………………………………
صدقني ..
فالإسلام قد دلَّك على أسلم طريق للاستفادة بها.. وهو الزواج، "من استطاع منكم الباءة فليتزوج" ..
أعلم أنك قد تقول: وماذا بيدي .. والأوضاع قد انقلبت حتى أصبح طريق العفاف صعبًا... وتمسك الناس بمظاهر فارغة يتشبثون بها قبل إتمام هذه الخطوات "الأساسية "في حياة البشر وكأنهم يتغافلون عن كونها أساسية وهامة جدا؟! أقول لك أعرف، وأزيدك: إن سبل الحلال قد صعبت... وذللت طرق الحرام وتيسرت... كما حورب الزواج المبكر، بينما رُوِّج للصداقات المشبوهة... واعتبر الزواج لدى الكثيرين "مسئولية" و"همًّا" ينبغي تأخيره، أما العلاقات غير الشرعية فهي "خبرات" لابد للشباب أن يمروا بها !!.. أعرف كذلك أن كثيرًا من الناس تناسى توجيهات الحبيب : " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه"، وأن: " أكثرهن بركة أيسرهن مهورًا" . ومثل ذلك من الإرشادات التي تفضي إلى تسهيل عملية الزواج..
هذه صورة صادقة لواقعنا، يمكن أن نظل سويًّا نزيدها سوادًا، وبالتالي تمتلئ نفوسنا ضيقًا وأرواحنا تشاؤمًا، ولا نجد إلا أننا ضحايا ومظلومين، لكن يبقى السؤال وماذا بعد؟! هل يدفعنا هذا إلى أن ننزلق وراء نداء الجسد فنَعُبُّ من الشهوات ونسير خلفها؟!
أم نقف على أرض صلبة من مبادئ ديننا وندرك ما نحن فيه ونسعى إلى معالجته؟! فنتأمل معًا بعض الوسائل المعينة على تخفيف حدة الشهوة إلى أن يأذن الله بالفرج .. وأعني به الزواج الذي يظل الحل الأسهل والأسرع والأقوى والدائم لهذا الأمر.
أولا :الشهوة واقع فتعامل معه
علينا ألا ترعبنا هذه الشهوة، ولا نصورها بأنها وحش سيفترسنا لا محالة، لكن علينا معرفة طبيعتها، فالشهوة جواد جامح يقف رهن إشارتك .. تستطيع أن تقوده فتتنزه به وتستمتع بين الرياض والبساتين .. ويمكن أن يقودك هو فيضلك السبل ويخترق بك الأحراش فلا تجني إلا الوحل… ومن أروع التشبيهات حول الشهوة في الإنسان: "إن الشهوة في الشاب كإناء به ماء يغلي، فإن أغلقت عليه كل منفذ انفجر الإناء بأكمله، وإن نفست عنه بمقدار معقول خرجت منه القوة التي تسير القاطرات الكبار، أما إن فتح غطاء الإناء لتبدد الماء ثم لا يلبث الإناء أن يحترق كله" .. فهذا تمامًا هو الشاب الذي إن صرف الشهوة فيما يحل له استمتع بحياته وتفرغ لعمله ودوره المنوط به في الحياة، لكنه إن كبت نفسه ولم يتزوج لانفجر لأنه لم يُلَبِّ داعي الفطرة، وهو إن أطلق لشهوته العنان خسر الدنيا والآخرة ..
ثانيا: الصوم :
إنه العلاج الذي وصفه الرسول لمن عجز عن الزواج، وأعرف أن كثيرين يصومون ثم لا يجدون شيئًا يتغير، فنار الشهوة لا تزال تطاردهم.. هؤلاء عليهم أن يتهموا أنفسهم، ويشُكُّوا في صيامهم...
ولتسأل نفسك: هل صمت كما يحب الله ورسوله؟ ..
هل أديت الصوم الذي يقوى داخلك وازع الله؟ ..
هل أديت الصوم الذي يؤكد كلمات الله؛ حتى تنتصر على أي أفكار خبيثة تنتشر؟ أم إنه صيام الجوع والعطش؟ هل صامت العيون والآذان مع المعدة أم غابت؟ ..
هل أديت الصوم الذي ينتقل بالمرء من التعلق بكل ما هو مادي والسمو إلى كل ما هو روحاني؟ ..
هل أديت الصوم الذي ينتقل بالمسلم رويدا رويدا ليقترب من مصاف الملائكة الممتنعين عن الشهوات الذاكرين الله بلا كلل أو ملل؟ ..
ثالثا- غض البصر:
والبصر هو باب القلب الأول، وأقرب الحواس إليه؛ ولذا كثر السقوط من جهته، وكان لزامًا على من خاف على قلبه أن يتحرك نحو شيء ما أن يغضه ويحفظه .. ولذا أراد الله أن يُحكم الإنسان رقابته على هذا الممر، ويفحص ما يدخل منه لأنه سرعان ما يدخل إلى القلب، وما أصدق التعبير في الحديث القدسي: "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، من تركه مخافتي أبدلته إيمانًا يجد حلاوته في قلبه" … فانظر إلى كلمة "مسموم" وتعبيرها الدقيق، لعلك لاحظت هذا السم في نفسك، تصلي فلا تشعر بحلاوة مناجاة، وتذكر ولا تتذوق طعم طمأنينة، وتقرأ القرآن ولا تطعم من الأنس بالله، وهذا السم الذي يسري في القلب فيفسد العبادات، هو ذاته الذي يسري في الجسد فلا تهنأ بطعم أكل ولا شرب ويصبح الطعم الغالب هو طعم المرض والوهن !!..
وفي توجيه الله تعالى: { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ } [النور:30] إشارة لطيفة لنا عن كيفية اتصال الفرج بهذه النظرة التي يستهين بها البعض، إن التعبير بالفعل " يحفظوا" يشير إلى أن هذا الفرج أمانة... والأمانة هبة من الله تنزع منك في أي وقت ولا يُسأل الله عن ذلك، عرف ذلك أحد الشباب وهو يستعمل نظارة طبية فهو بين الحين والحين تأديبًا لنفسه يخلعها فيرى العالم حوله مشوشًا حتى إذا استعملها مرة أخرى شعر بقيمة هذه العين، ثم بقيمة أن الله مكَّنه من استعمال نظارة ولم يتركه هكذا، وقيمة أن نظره ليس أضعف من هذا، فيقول: إذن لا أقابل كل هذه النعم بالعصيان . ويعاهد نفسه على عدم العودة للذنب ..
.. وفي المقابل فإن هذه العين التي صبرت عن الحرام، يُكتب لها السعادة والفرح ولا تعرف الدمع أبدًا فقد قال رسول الله : ((كل عين باكية يوم القيامة إلا عينًا غضت عن محارم الله "
كم يستغرق هذا القرار من وقت.. قرار بسيط وسهل ولا يستغرق، لا يحتاج إلى لحظة تنزاح فيها الغشاوة من الأعين فتبصر الحقيقة … وما بعدها النعيم من حلاوة في القلب، ورضا في النفس، وسعادة بالانتصار.. ولذا فقد أعجبني شاب كان كلما حدثته نفسه بالنظر إلى ما لا يحل فإنه يغمض عينيه ويردد: "لا إله إلا الله" ثلاث مرات وهو يتذكر بيعته مع الله وعهده لديه، وأنه بهذه النظرة يمكن أن يُخِلَّ بحقيقة لا إله إلا الله، وبالتالي فإنه يجد نفسه ممتنعًا عن المعصية…
رابعًا: الدعاء ...
هل تتذكر كم دعوت الله أن ينصرك في معركتك هذه وقد جمعت قلبك وأريت الله من نفسك الاضطرار الذي يؤدي إلى الإجابة { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ } [النمل:62] .
هل عاهدت نفسك أن تقوم من الليل فتنتهز الفرصة التي يتنزل الله فيها إلى السماء الدنيا فيجيب من سأله؟!.
هل أسررت إليه بحاجتك وهو يسأل هل من طالب حاجة فأقضيها له؟!.
هل قلت له: يا رب حاجتي ألا أقع في الحرام، وأن تسهل عليَّ الحلال، وأن تملأ عيني وقلبي بك.. وألا تتركني فريسة سهلة للشيطان...
وإذا كان الرسول أكرم الخلق على الله وأبعدهم عن الحرام كان يردد في دعائه: "اللهم إني أعوذ بك من فتنة النساء" في كل صلاة، وانظر إلى صلاته كم كانت في اليوم والليلة... من منا يأخذ بالدعاء إلى هذه الدرجة؟! ومن منا يراقب نفسه إلى هذا الحد ويشفق عليها أن تقع في الحرام؟!.
خامسًا: دوام الذكر...
قد يتعجب البعض أن يكون الذكر مبعدًا عن الحرام، وكيف ينهي اللسانُ الفرجَ؟!! وهذا الكلام لمن لا يعرف، فالذكر هو حصن المؤمن التي يحتمي بها، والذكر باللسان هو المفضي إلى ذكر القلب، وذكر القلب هو المفضي إلى ذكر أعلى وهو ذكر الجوارح.. وذكر الجوارح هو الانتهاء عن عصيانه... ولذا قال ميمون بن مهران: "الذكر ذكران، فذكر الله -عز وجل- باللسان حسن، وأفضل منه أن تذكر الله -عز وجل- عندما تشرف على معاصيه"..
وتطبيق هذا على هذه المرأة الذاكرة العظيمة التي اتفقت مع رجل على الزنا... فسألته لما اختليا: "هل نامت عيون الرجال". فقال: "نعم". فقالت: "وعيون ربهم؟!" فبُهِت وتركها؛ فتابا إلى الله...
أعرف شابًّا كان إذا نازعته نفسه إلى إطلاق النظر إلى الحرام أغمض عينيه وقال ثلاثًا: "لا إله إلا الله". مستشعرًا أنه بهذه النظرة قد يخفض داعي الله في قلبه ويناقض الشهادة، إذا لم يكن للشاب همة إلى ربه فلم ينتهي عن المحارم فليس له أمل، إذا لم يكن للشاب هدف في الحياة فما يمنعه أن يكون كالبهائم يرعى في كل أرض؟! لا يعبأ لمن هذه ولا ينظر أي شيء يضره وأي شيء يفيده؟!.
ولم لا يكون الذكر حاجزًا عن المعاصي، والله سبحانه يقول: "فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ" [البقرة: 152].
فكأن الله سبحانه يقول: اذكرني عند طاعتك أذكرك وأنت في حال المعصية، اذكرني بنعمي أذكرك وأنت ضعيف فارغ القلب تهفو إلى الحرام فأحصنك وأقوي نفسك وأذهب عنك همزة الشيطان وأوفقك إلى التوبة..
سادسًا: الانشغال بمعالي الأمور...
إن الإنسان الضعيف خاوي الوفاض لا يرى الدنيا إلا من خلال شهوته، ويظل الشيطان يضخم له قيمتها حتى يشغله بها عن مهمته في الحياة.. الشاب الذي لا هم له إلا إفراغ شهوته والاهتمام بهذه الفتاة وتلك.. والإيقاع بهن.. هل سمع هذا الشاب أنه خليفة الله في الأرض؟ .. وما أشقها من مهمة! وما أعظمها من رسالة!.
هل علم هذا الشاب أنه وريث ؟!. وما أشرفه من إرث!.
هل عرف أنه مسئول عن هداية البشر من حوله؟! وما أروعها من مسئولية!.
هل أدرك حال الأمة من حوله وتدهور أحوالها وانتقاص الأعداء من قدرها؟!.
هل يعجبه تخاذلنا تجاه ضياع فلسطين .. وانتهاك قدسنا الحبيب؟!
أم أنه لا يزال يعتقد أن الجنس هو قضيته الكبرى ؟!!!
ولكن حسبي أن أقول: إن من لم يدرك غايته في هذه الحياة فإنه لا يدرك شيئًا أبدًا..
و إذا لم يدرك سر خلقه ووجوده فما يمنعه أن تطيش أفعاله وتتبدد طاقته؟!!
سابعًا: أدِّب نفسك...
في كثير من الأحيان نتناسى أنفسنا لننضم إلى أخطر صنف من البشر وهم الغافلين، فننسى أننا سنظل في كل لحظة من حياتنا في حملة تقويم وتهذيب لنفوسنا، فلا يصح أن نتركها وشأنها بل علينا في كل لحظة مراقبتها وسؤالها، فبهذا فقط تتم النجاة..
إن شابًّا أغوته امرأة، وتمادى معها بعض الوقت إلى أن أوصِد عليهما الباب فلما هم بالمعصية وجد شمعة.. فوضع إصبعه عليها وهو يقول لنفسه: إذا صبرتِ على هذه النار الضعيفة تركتك وشأنك، وإن لم تصبري فكيف تقوين على نار وقودها الناس والحجارة؟!. فهذا شاب تحركت نفسه، لكنه زجرها وأعادها بقوة؛ لا لشيء إلا لأنه يملك زمامها فاستطاع أن يقودها.
وسيدنا أبو ذر الغفاري الذي أخطأ وعيَّر بلالاً الحبشي ذات يوم بأمِّه قائلاً له: يا ابن السوداء. فلما عاتبه النبي عاد إلى رشده، ووضع خده على الأرض، وأصَرَّ على أن يطأ بلال -رضي الله عنه- خَدَّه الآخر بقدمه .. فهو أصر أن يقمع نفسه تلك التي سمحت للسانه أن يتحرك بسوء ..
وعلى العكس إن رأيت من نفسك امتثالا لله ولأوامره فكافئها وأكرمها حتى تتوق دومًا للزوم الصواب..
ثامنًا: أن يخاف على نفسه من الخروج من الدين...
فإن اتباع الهوى يوشك بالمرء أن يشرك والعياذ بالله، وقد يقبل المسلم المفَرِّط أن يعصى الله لكنه أبدًا لا يقبل أن يكفر به، وربما لا يدرك العاصي أنه بفعله هذا قد يصل إلى هذه الهاوية، فالله –سبحانه- شدد في هذا الأمر: { أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا } [الفرقان:43] فإن الهوى معبود العصاة والمذنبين.. وصدق الحسن المطوعي حين قال: (صنم كل إنسان هواه)... وهذا منحى صعب وخطير، فمن ذا يرضى بالوثن من دون الله.. فلنحطم أصنامنا .. ولنكسر أوثاننا…
والرسول يقرع الأسماع في هذه الجزئية بالذات فيقول: "المقيم على الزنا كعابد وثن"، ولا تتعجب فقد أصبح من السهل جدًّا الآن أن يقول شاب لفتاة: "أعبدك "..
والأقبح الذي أرويه -والنفس تشفق على أي مسلم من هذا المصير المزري- أن شابًّا عربيًّا مسلمًا ذهب في رحلة سياحية إلى إحدى الدول غير المسلمة، واتفق على شيء من الحرام مع فتاة، فلما صعدت إليه في غرفته بكامل زينتها، أعجب بجمالها حتى سجد لها المسكين إمعانًا في الترحيب بها لكنه -كما يروي الثقات من مرافقيه في هذه الرحلة- قُبض على هذه الحال!! وتاب أصحابه بعد ما رأوه لكن أين هو الآن؟! وما مصيره؟!! الله أعلم بحاله .
انزع أغلالك يا أخي فلا يريدك الإسلام شخصًا ضعيفًا متهافتًا إن مُنعت عنه "سيجارة" مثلا.. طاف يصارع نفسه، ويسُبُّ ويلعن كأنه طفل قد غابت عنه رضعته، وإن لم يظفر بها غامت الدنيا في عينيه.. الإسلام يريدك عزيزًا لا تخضع لشيء في هذه الدنيا.. شامخ الجبهة إلا لله.. الإسلام جعلك في هذه الدنيا لتحكمها، فأي حاكم هذا الضعيف الذليل لشهوة؟!.. ملَّكه الله العالم وهو يسعى لأحقر ما فيه !!.
.
يتبع ……………………………………………