أبو سفيان
19-11-2013, 10:52 PM
«ينبع النخل» بلا زرع... والآبار الارتوازية طمست تدفق العيون
هذا تحقيق كامل وشامل ورائع عن عيون ينبع النخل نشر في صحيفة " الحياة" أعده الأخ / إبراهيم العرفي وقد أعجبني بتنوع معلوماته وشموليته فشكرا له وأستأذنه في نشره هنا .
http://alhayat.com/Content/ResizedImages/293/10000/inside/130516101900627.jpg
ينبع: جفاف 365 عيناً ... و«الجهات الحكومية» تتحفظ على التعليق!
ينبع - إبراهيم العرفي
أصبح حال سكان «ينبع النخل» كحال العرب قديماً عند البكاء على الأطلال، يبكون على ذكرى «العيون» التي كانت تسقي ظمأهم، وعلى صوت صرير الماء الذي داعب مسامعهم وبث في أرواحهم حب الحياة، لتوقد الذكرى لهيب الشوق إلى تلك الأهازيج التي كانوا يرددونها عند العمل في الحرث والزرع، ولسان حالهم اليوم «سقى الله أياماً لنا ولياليا».
كما لم تسهم القصائد الغزليه في «ينبع النخل» في استمرارية جريان مياه عيونها التي سطرت حكاياتها عبر التاريخ والقصائد الشعرية، فبعد أن جفت العيون البالغ عددها عدد أيام السنة الهجرية، باتت ينبع النخل وكأنها «ينبع بكت فـي نهار العيد..على زعيم الهوى الراحل»
ينبع النخل الواقعة جنوب جبل رضوى الأشم ، ارتبط اسمها تاريخياً بالنبع الخارج من الأرض، واشتهرت بالنخيل الباسقات والمياه العذبة المنبثقة من بين الأحجار المرصوفة على شكل ضفائر محكمة، يطلق عليها أهالي ينبع «القصب» والمتدفقة من أحشاء الأرض.
وأرجع الأهالي سبب اندثار العيون إلى إنشاء الهيئة الملكية، إذ لعب دوراً كبيراً في تجفيف منابع المياه في ينبع النخل، إضافة إلى الآبار التي أسهمت في تجفيف العيون، وطرق الري والحفر الجائر، مطالبين الجهات المسؤولة بسرعة تنفيذ مياه الصرف الصحي وإيصالها إلى ينبع النخل، والإسراع بتنفيذ الدراسات التي أجرتها لهذا المشروع وتم التخطيط مسبقاً دون ترجمتها على أرض الواقع، في ظل عزوف المجلس البلدي في ينبع عن مناقشة الموضوع أو التواصل مع الجهات المسؤولة في
ذلك.
من جهتها، عزت اللجنة الزراعية والثروة السمكية في ينبع سبب انقطاع عيون ينبع إلى الحفر الجائر، ووجود الآبار الإرتوازية التي وصل عمقها إلى 270متراً في ينبع النخل.
وأفاد رئيس اللجنة الزراعية والثروة السمكية في ينبع عمر الحربي خلال حديثه إلى «الحياة» بأنه طالب بإنشاء مزارع نموذجية متكاملة للأعلاف وتربية المواشي والدواجن، كونها تخدم المنطقة كاملة أسوة
ببقية مناطق المملكة، مبيناً أن الجهات المعنية رفضت ذلك، برغم أن تربة ينبع النخل تعتبر خصبة وأرضها زراعية منذ آلاف السنين.
وأضاف: «تمت مخاطبة وزير الزراعة ببرقيتين، إلا أن الرد جاء برفض الفكرة كلياً رغم إرفاق الرسومات الهندسية والدراسات اللازمة، وذلك بسبب أنها متوقفة بأمر ملكي».
من جهة أخرى، حاولت «الحياة» التواصل مع الجهات الحكومية من رئيس للبلدية، وأمانة المدينة المنورة، عن أسباب جفاف العيون في ينبع النخل من المياه، والتأكد عما قيل في أنها تعرضت إلى التخريب العام جراء وضع المخططات السكنية عليها، إلا أنها رفضت التواصل والإجابة عن ذلك.
«اختفت وذهبت جميع العيون كما رحل أجدادنا» هذا ما بدأ به حمدان النزاوي خلال حديثه إلى «الحياة» الممزوج بالغصة وبنبرة اكتنفها الحزن.
وعاد النزاوي أحد أبناء ينبع النخل بذاكرته إلى السنين التي وصفها بالخوالي قائلاً: « ما زال صوت النخالة في مسامعي، وصرير ماء الجابرية يداعب مسامعي، وما زلت أذكر تلك الأهازيج التى يتميز بها
أهالي الخيوف، وستبقى مساقي النخيل عالقة في ذاكرتي ماحييت، وأرى سوق عين الجابرية المتراصة متاجره أمام عيني».
وأرجع سبب اندثار العيون إلى إنشاء الهيئة الملكية، إذ لعب إنشاؤها دوراً كبيراً في تجفيف منابع المياه في ينبع النخل، إضافة إلى الآبار التي
أسهمت في تجفيف العيون، مضيفاً: «للعمالة دور في اندثار العيون إذ لم تكن طرق الري التى يعمل بها بالشكل المطلوب، كما أن هناك قلة من الناس بينبع النخل استخدموا الحفر الجائر وحفروا إلى ما هو أكثر من 120متراً.
وأفاد بأن ينبع النخل كانت تسقي ينبع البحر قبل 55 عاماً بالماء الزلال، من خلال مضخات كبيرة تم تركيبها على الآبار الإرتوازية لغرض سقيا
البحر، مشيراً إلى أنه بعد إنشاء الهيئة الملكية بدأ الأهالي يتنافسون في بيع الماء حتى على مدار الـ24 ساعة، ما أسهم في استنزاف المخزون الموجود في داخل الأرض، إضافة إلى قلة الأمطار والسد الجوفي الذي امتلأ في عامه الأول قبل 25 عاماً، وعادت بعض العيون إلى الجريان.
وزاد: «عادت بعض العيون إلى الجريان بسرعة هائلة، وعادت المياه إلى بعض القرى إلى أن تراكم الطمي وأصبح كتلة صلبة، إذ شكل حاجزاً بين نزول الماء إلى أعماق الأرض وظل إلى أن تبخر دون الفائدة منه، حتى ظلت المشكلة من دون تدخل وزارة الزراعة».
وأكد النزاوي أن المسؤول الأول عن استنزاف مياه عيون ينبع النخل هو الهيئة الملكية في ينبع، إذ سعت لإسقاط الوادي إلى الجفاف الكبير، رغم عدم استفادة ينبع النخل من الهيئة الملكية في ما أحدثته في الوادي وقاطنيه.
وطالب الجهات المسؤولة بسرعة تنفيذ مياه الصرف الصحي وإيصالها إلى ينبع النخل، موضحاً أن الجهات أجرت دراسة لهذا المشروع وتم تخـــطيط العمل دون ترجمة على أرض الواقع.
وقال إن هناك من عطل المشروع للمصلحة العامة، رغم حاجة قاطني الوادي للمشروع، لما له من دور في إعادة المخزون المائي لينبع النخل، وإعادة الزراعة والمياه له.
واختتم النزاوي حديثه بأن ينبع النخل واد زراعي ويضم قرى كثيرة، إلا أن الزراعة لم تر فيه، ما اضطر قاطنيها إلى الذهاب لينبع البحر لمراجعة الزراعة، رغم أنها ليست مدينة زراعية بحجم ينبع النخل، ما اعتبره إجحافاً بحق ينبع النخل الزراعية التي بقيت لقرون تصدر تمرها وحناءها لقارة إفريقيا وبقية مدن المملكة
«المجلس البلدي» يرجع السبب إلى قلة الأمطار والحفر الجائر
عزا المجلس البلدي في ينبع النخل سبب جفاف العيون في ينبع النخيل إلى قلة الأمطار، عمليات الحفر الجائرة، إضافة إلى عمليات سحب المياه التي تعرضت لها ينبع النخل في مطلع الثمانينات.
وقال رئيس المجلس البلدي عبدالله الذبياني خلال حديثه إلى «الحياة» إن مجلسه لم يتطرق إلى مناقشة موضوع عيون ينبع النخل كونها جفت من
المياه.
من جهة أخرى، حاولت «الحياة» التواصل مع الجهات الحكومية عن أسباب جفاف العيون في ينبع النخل من المياه، والتأكد مما قيل في أنها تعرضت إلى التخريب العام جراء وضع المخططات السكنية عليها، إذ رفض رئيس بلدية ينبع النخل المهندس هاني الحازمي الإجابة في ما
يخص عيون ينبع النخل، مرجعا أمر الاختصاص إلى أمانة المدينة المنورة.
وحاولت «الحياة» الاتصال بأمين المدينة المنورة الذي طالب بدوره التواصل مع مسؤول العلاقات العامة في أمانة المدينة المنورة إلا أن الأخير اعتذر عن الرد رغم وعده بالتجاوب.
الأهالي»: جريان المياه توقف بسبب المشاريع الجديدة
http://alhayat.com/Content/ResizedImages/293/10000/inside/130516101907223.jpg
لا يزال قاطنو ينبع النخل يتذكرون عهد واديهم الذي زين بالعيون التي كانت تضخ لهم الماء، الحياة، والرزق، حتى ظلت ذكرى عالقة في أذهانهم، متمنين أن ترجع تلك العيون إلى ما كانت عليه حتى تزهو ينبع النخل من جديد.
وعزا المواطن ابن جبران سبب انقطاع الخيوف إلى قلة الأمطار والآبار التي حفرها المزارعون بطريقة جائرة إلى مسافات كبيرة تصل إلى أكثر
من 70 متراً، ما أسهم في خفض المياه عن الخيوف.
واستبعد عودة العيون بسبب التدمير الذي احدثته المعدات فوق الخيوف، والذى نتج منه تغيير مناراتها وصعوبة تتبعها، مبيناً أن الخيوف تعرضت للهدم بعد إنشاء المباني عليها.
وأضاف: «كنت أعمل في حفر تلك العيون بثلاثة قروش لليومية الواحدة، ووصلت أخيراً إلى ريال واحد، إذ كنت أعمل داخل القصب لتنظيفه وإصلاح المتهدم منه.»، مشيراً إلى أن عدد عيون ينبع النخل يصل إلى 365 عيناً بعدد أيام السنة، منها عين اليسيرة، عين البثنة،
عين حسين، عين الفجة، وعين المبارك.
وقال المواطن محمد الرفاعي البالغ من العمر 100 عام، إنه عمل في عيون ينبع النخل منذ صغره مع الشركة التي توصل الماء من ينبع النخل إلى ينبع البحر في عهد الملك سعود، إذ تتم الزراعة من مياهها لبيع منتجاتها في سوق السويق، إلا أنها اندثرت ولم يبق منها إلا أسماؤها،
مضيفاً: «همنا الأول في ذلك الحين هو النخيل، متابعة نمو الحناء، جريان مياه العيون، وتفقد مساقيها،وطالب الجهات المسؤولة بالنظر في جفاف العيون، وإعادة الحياة إلى ينبع النخل من طريق إمدادها بالماء للزراعة.
أما المواطن أحمد الرفاعي الذي عمل سقا في عين حسين إضافة إلى عمله في إيصال الخضراوات، بيومية لا تتجاوز الخمسة ريالات، وبيع أربع صفائح بنصف ريال، فكان يأتي بالماء من العيون الجارية حينها قبل أن تجف، وبعدها انتقل للعمل في الدوائر الحكومية.
وأضاف: «أحلت إلى التقاعد وأنا أجلس هنا في سوق السويق كل مساء، وأتذكر العيون والممرات والجدران الطينية التى كنا نعبر منها وأشاهد النخيل وقد خوى وأصبح ذكرى طواها الزمن
http://alhayat.com/Content/ResizedImages/293/10000/inside/130516101923988.jpg
«سقى الله الحجاز وينبعيه
وما حويا من الخير المهول..
فينبع بحرهم نفع البرايا
وينبع نخلهم مثوى العقول»
هذا ما قاله الرحالة الشيخ عبدالغني النابلسي في 1105هـ، عن ينبع النخيل التي حوت في جوفها المعطاء 360 عينا بعدد أيام السنة، تسقي البساتين الوارفة في ذلك الوادى الأخاذ لقرون طويلة، استهوت من خلالها الركبان وطلاب العلم والرحالة، وبقيت مقصد الكثيرين منهم تسكنها قبائل جهينة، قبائل حرب، والأشراف.
ينبع النخل ارتبط اسمها تاريخياً بالنبع الخارج من الأرض، واشتهرت بالنخيل الباسقات والمياه العذبة المنبثقة من بين الأحجار المرصوفة على شكل ضفائر محكمة، يطلق عليها أهالي ينبع «القصب» والمتدفقة من أحشاء الأرض، تتوسط المسافات بينها «فقر» وهي غرف تفتيش كبيرة تسمى «الفقير»، حتى جعلت منها عيون ينبع أغنية الركبان ومقصد الرحالة وممر الحجيج، حتى ذكرت في رحلة الجزيري ( 959هـ )، رحلة ابن خلدون ( 965) هـ، رحلة محمد الحسيني ( 1039)هـ، رحلة الوزير الشرقي الإسحاقي 1143هـ وغيرهم، والتي أشارت إلى أنها مثوى العقول وبلاد العيون التى لاتهدأ، وبقيت غالبيتها صامدة حتى مطلع هذا القرن الهجري.
ومن القرى التي بقيت حتى وقت قريب عين البثنة، عين السكوبية التي كان ماؤها واقفاً ودافئاً حتى في وقت الشتاء، عين عجلان، عين الجابرية، عين حسن، عين على الحربيه، عين المبارك، عين المزرعة، عين خيف فاضل، وعين حسين نسبة إلى الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ولينبع النخل شهرة واسعة في صدر التاريخ الإسلامي فمع كثرة عيونها التى سميت بأسماء الصحابة رضي الله عنهم فهي تحتوي شواهد تؤكد تحضرها على مر العصور، سهل عليها أن تكتسب من الحاضر حلة المدينة العصرية التى أصبغت عليها حلة زادت من أنفتها سمواً، ومن رونقها جمالاً، وضاهت الكثير من مثيلاتها في مملكتنا الغالية.
هذا تحقيق كامل وشامل ورائع عن عيون ينبع النخل نشر في صحيفة " الحياة" أعده الأخ / إبراهيم العرفي وقد أعجبني بتنوع معلوماته وشموليته فشكرا له وأستأذنه في نشره هنا .
http://alhayat.com/Content/ResizedImages/293/10000/inside/130516101900627.jpg
ينبع: جفاف 365 عيناً ... و«الجهات الحكومية» تتحفظ على التعليق!
ينبع - إبراهيم العرفي
أصبح حال سكان «ينبع النخل» كحال العرب قديماً عند البكاء على الأطلال، يبكون على ذكرى «العيون» التي كانت تسقي ظمأهم، وعلى صوت صرير الماء الذي داعب مسامعهم وبث في أرواحهم حب الحياة، لتوقد الذكرى لهيب الشوق إلى تلك الأهازيج التي كانوا يرددونها عند العمل في الحرث والزرع، ولسان حالهم اليوم «سقى الله أياماً لنا ولياليا».
كما لم تسهم القصائد الغزليه في «ينبع النخل» في استمرارية جريان مياه عيونها التي سطرت حكاياتها عبر التاريخ والقصائد الشعرية، فبعد أن جفت العيون البالغ عددها عدد أيام السنة الهجرية، باتت ينبع النخل وكأنها «ينبع بكت فـي نهار العيد..على زعيم الهوى الراحل»
ينبع النخل الواقعة جنوب جبل رضوى الأشم ، ارتبط اسمها تاريخياً بالنبع الخارج من الأرض، واشتهرت بالنخيل الباسقات والمياه العذبة المنبثقة من بين الأحجار المرصوفة على شكل ضفائر محكمة، يطلق عليها أهالي ينبع «القصب» والمتدفقة من أحشاء الأرض.
وأرجع الأهالي سبب اندثار العيون إلى إنشاء الهيئة الملكية، إذ لعب دوراً كبيراً في تجفيف منابع المياه في ينبع النخل، إضافة إلى الآبار التي أسهمت في تجفيف العيون، وطرق الري والحفر الجائر، مطالبين الجهات المسؤولة بسرعة تنفيذ مياه الصرف الصحي وإيصالها إلى ينبع النخل، والإسراع بتنفيذ الدراسات التي أجرتها لهذا المشروع وتم التخطيط مسبقاً دون ترجمتها على أرض الواقع، في ظل عزوف المجلس البلدي في ينبع عن مناقشة الموضوع أو التواصل مع الجهات المسؤولة في
ذلك.
من جهتها، عزت اللجنة الزراعية والثروة السمكية في ينبع سبب انقطاع عيون ينبع إلى الحفر الجائر، ووجود الآبار الإرتوازية التي وصل عمقها إلى 270متراً في ينبع النخل.
وأفاد رئيس اللجنة الزراعية والثروة السمكية في ينبع عمر الحربي خلال حديثه إلى «الحياة» بأنه طالب بإنشاء مزارع نموذجية متكاملة للأعلاف وتربية المواشي والدواجن، كونها تخدم المنطقة كاملة أسوة
ببقية مناطق المملكة، مبيناً أن الجهات المعنية رفضت ذلك، برغم أن تربة ينبع النخل تعتبر خصبة وأرضها زراعية منذ آلاف السنين.
وأضاف: «تمت مخاطبة وزير الزراعة ببرقيتين، إلا أن الرد جاء برفض الفكرة كلياً رغم إرفاق الرسومات الهندسية والدراسات اللازمة، وذلك بسبب أنها متوقفة بأمر ملكي».
من جهة أخرى، حاولت «الحياة» التواصل مع الجهات الحكومية من رئيس للبلدية، وأمانة المدينة المنورة، عن أسباب جفاف العيون في ينبع النخل من المياه، والتأكد عما قيل في أنها تعرضت إلى التخريب العام جراء وضع المخططات السكنية عليها، إلا أنها رفضت التواصل والإجابة عن ذلك.
«اختفت وذهبت جميع العيون كما رحل أجدادنا» هذا ما بدأ به حمدان النزاوي خلال حديثه إلى «الحياة» الممزوج بالغصة وبنبرة اكتنفها الحزن.
وعاد النزاوي أحد أبناء ينبع النخل بذاكرته إلى السنين التي وصفها بالخوالي قائلاً: « ما زال صوت النخالة في مسامعي، وصرير ماء الجابرية يداعب مسامعي، وما زلت أذكر تلك الأهازيج التى يتميز بها
أهالي الخيوف، وستبقى مساقي النخيل عالقة في ذاكرتي ماحييت، وأرى سوق عين الجابرية المتراصة متاجره أمام عيني».
وأرجع سبب اندثار العيون إلى إنشاء الهيئة الملكية، إذ لعب إنشاؤها دوراً كبيراً في تجفيف منابع المياه في ينبع النخل، إضافة إلى الآبار التي
أسهمت في تجفيف العيون، مضيفاً: «للعمالة دور في اندثار العيون إذ لم تكن طرق الري التى يعمل بها بالشكل المطلوب، كما أن هناك قلة من الناس بينبع النخل استخدموا الحفر الجائر وحفروا إلى ما هو أكثر من 120متراً.
وأفاد بأن ينبع النخل كانت تسقي ينبع البحر قبل 55 عاماً بالماء الزلال، من خلال مضخات كبيرة تم تركيبها على الآبار الإرتوازية لغرض سقيا
البحر، مشيراً إلى أنه بعد إنشاء الهيئة الملكية بدأ الأهالي يتنافسون في بيع الماء حتى على مدار الـ24 ساعة، ما أسهم في استنزاف المخزون الموجود في داخل الأرض، إضافة إلى قلة الأمطار والسد الجوفي الذي امتلأ في عامه الأول قبل 25 عاماً، وعادت بعض العيون إلى الجريان.
وزاد: «عادت بعض العيون إلى الجريان بسرعة هائلة، وعادت المياه إلى بعض القرى إلى أن تراكم الطمي وأصبح كتلة صلبة، إذ شكل حاجزاً بين نزول الماء إلى أعماق الأرض وظل إلى أن تبخر دون الفائدة منه، حتى ظلت المشكلة من دون تدخل وزارة الزراعة».
وأكد النزاوي أن المسؤول الأول عن استنزاف مياه عيون ينبع النخل هو الهيئة الملكية في ينبع، إذ سعت لإسقاط الوادي إلى الجفاف الكبير، رغم عدم استفادة ينبع النخل من الهيئة الملكية في ما أحدثته في الوادي وقاطنيه.
وطالب الجهات المسؤولة بسرعة تنفيذ مياه الصرف الصحي وإيصالها إلى ينبع النخل، موضحاً أن الجهات أجرت دراسة لهذا المشروع وتم تخـــطيط العمل دون ترجمة على أرض الواقع.
وقال إن هناك من عطل المشروع للمصلحة العامة، رغم حاجة قاطني الوادي للمشروع، لما له من دور في إعادة المخزون المائي لينبع النخل، وإعادة الزراعة والمياه له.
واختتم النزاوي حديثه بأن ينبع النخل واد زراعي ويضم قرى كثيرة، إلا أن الزراعة لم تر فيه، ما اضطر قاطنيها إلى الذهاب لينبع البحر لمراجعة الزراعة، رغم أنها ليست مدينة زراعية بحجم ينبع النخل، ما اعتبره إجحافاً بحق ينبع النخل الزراعية التي بقيت لقرون تصدر تمرها وحناءها لقارة إفريقيا وبقية مدن المملكة
«المجلس البلدي» يرجع السبب إلى قلة الأمطار والحفر الجائر
عزا المجلس البلدي في ينبع النخل سبب جفاف العيون في ينبع النخيل إلى قلة الأمطار، عمليات الحفر الجائرة، إضافة إلى عمليات سحب المياه التي تعرضت لها ينبع النخل في مطلع الثمانينات.
وقال رئيس المجلس البلدي عبدالله الذبياني خلال حديثه إلى «الحياة» إن مجلسه لم يتطرق إلى مناقشة موضوع عيون ينبع النخل كونها جفت من
المياه.
من جهة أخرى، حاولت «الحياة» التواصل مع الجهات الحكومية عن أسباب جفاف العيون في ينبع النخل من المياه، والتأكد مما قيل في أنها تعرضت إلى التخريب العام جراء وضع المخططات السكنية عليها، إذ رفض رئيس بلدية ينبع النخل المهندس هاني الحازمي الإجابة في ما
يخص عيون ينبع النخل، مرجعا أمر الاختصاص إلى أمانة المدينة المنورة.
وحاولت «الحياة» الاتصال بأمين المدينة المنورة الذي طالب بدوره التواصل مع مسؤول العلاقات العامة في أمانة المدينة المنورة إلا أن الأخير اعتذر عن الرد رغم وعده بالتجاوب.
الأهالي»: جريان المياه توقف بسبب المشاريع الجديدة
http://alhayat.com/Content/ResizedImages/293/10000/inside/130516101907223.jpg
لا يزال قاطنو ينبع النخل يتذكرون عهد واديهم الذي زين بالعيون التي كانت تضخ لهم الماء، الحياة، والرزق، حتى ظلت ذكرى عالقة في أذهانهم، متمنين أن ترجع تلك العيون إلى ما كانت عليه حتى تزهو ينبع النخل من جديد.
وعزا المواطن ابن جبران سبب انقطاع الخيوف إلى قلة الأمطار والآبار التي حفرها المزارعون بطريقة جائرة إلى مسافات كبيرة تصل إلى أكثر
من 70 متراً، ما أسهم في خفض المياه عن الخيوف.
واستبعد عودة العيون بسبب التدمير الذي احدثته المعدات فوق الخيوف، والذى نتج منه تغيير مناراتها وصعوبة تتبعها، مبيناً أن الخيوف تعرضت للهدم بعد إنشاء المباني عليها.
وأضاف: «كنت أعمل في حفر تلك العيون بثلاثة قروش لليومية الواحدة، ووصلت أخيراً إلى ريال واحد، إذ كنت أعمل داخل القصب لتنظيفه وإصلاح المتهدم منه.»، مشيراً إلى أن عدد عيون ينبع النخل يصل إلى 365 عيناً بعدد أيام السنة، منها عين اليسيرة، عين البثنة،
عين حسين، عين الفجة، وعين المبارك.
وقال المواطن محمد الرفاعي البالغ من العمر 100 عام، إنه عمل في عيون ينبع النخل منذ صغره مع الشركة التي توصل الماء من ينبع النخل إلى ينبع البحر في عهد الملك سعود، إذ تتم الزراعة من مياهها لبيع منتجاتها في سوق السويق، إلا أنها اندثرت ولم يبق منها إلا أسماؤها،
مضيفاً: «همنا الأول في ذلك الحين هو النخيل، متابعة نمو الحناء، جريان مياه العيون، وتفقد مساقيها،وطالب الجهات المسؤولة بالنظر في جفاف العيون، وإعادة الحياة إلى ينبع النخل من طريق إمدادها بالماء للزراعة.
أما المواطن أحمد الرفاعي الذي عمل سقا في عين حسين إضافة إلى عمله في إيصال الخضراوات، بيومية لا تتجاوز الخمسة ريالات، وبيع أربع صفائح بنصف ريال، فكان يأتي بالماء من العيون الجارية حينها قبل أن تجف، وبعدها انتقل للعمل في الدوائر الحكومية.
وأضاف: «أحلت إلى التقاعد وأنا أجلس هنا في سوق السويق كل مساء، وأتذكر العيون والممرات والجدران الطينية التى كنا نعبر منها وأشاهد النخيل وقد خوى وأصبح ذكرى طواها الزمن
http://alhayat.com/Content/ResizedImages/293/10000/inside/130516101923988.jpg
«سقى الله الحجاز وينبعيه
وما حويا من الخير المهول..
فينبع بحرهم نفع البرايا
وينبع نخلهم مثوى العقول»
هذا ما قاله الرحالة الشيخ عبدالغني النابلسي في 1105هـ، عن ينبع النخيل التي حوت في جوفها المعطاء 360 عينا بعدد أيام السنة، تسقي البساتين الوارفة في ذلك الوادى الأخاذ لقرون طويلة، استهوت من خلالها الركبان وطلاب العلم والرحالة، وبقيت مقصد الكثيرين منهم تسكنها قبائل جهينة، قبائل حرب، والأشراف.
ينبع النخل ارتبط اسمها تاريخياً بالنبع الخارج من الأرض، واشتهرت بالنخيل الباسقات والمياه العذبة المنبثقة من بين الأحجار المرصوفة على شكل ضفائر محكمة، يطلق عليها أهالي ينبع «القصب» والمتدفقة من أحشاء الأرض، تتوسط المسافات بينها «فقر» وهي غرف تفتيش كبيرة تسمى «الفقير»، حتى جعلت منها عيون ينبع أغنية الركبان ومقصد الرحالة وممر الحجيج، حتى ذكرت في رحلة الجزيري ( 959هـ )، رحلة ابن خلدون ( 965) هـ، رحلة محمد الحسيني ( 1039)هـ، رحلة الوزير الشرقي الإسحاقي 1143هـ وغيرهم، والتي أشارت إلى أنها مثوى العقول وبلاد العيون التى لاتهدأ، وبقيت غالبيتها صامدة حتى مطلع هذا القرن الهجري.
ومن القرى التي بقيت حتى وقت قريب عين البثنة، عين السكوبية التي كان ماؤها واقفاً ودافئاً حتى في وقت الشتاء، عين عجلان، عين الجابرية، عين حسن، عين على الحربيه، عين المبارك، عين المزرعة، عين خيف فاضل، وعين حسين نسبة إلى الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ولينبع النخل شهرة واسعة في صدر التاريخ الإسلامي فمع كثرة عيونها التى سميت بأسماء الصحابة رضي الله عنهم فهي تحتوي شواهد تؤكد تحضرها على مر العصور، سهل عليها أن تكتسب من الحاضر حلة المدينة العصرية التى أصبغت عليها حلة زادت من أنفتها سمواً، ومن رونقها جمالاً، وضاهت الكثير من مثيلاتها في مملكتنا الغالية.