المعلم
18-10-2011, 02:05 PM
أسئلة في يوم المعلم
د. عبدالرحمن الطريري
كثيرة هي الأيام التي يحتفى بها وخصصت كمناسبات حدد لها يوم من أيام السنة كما في حالة يوم الأم، أو يوم المرأة، أو يوم الصحة العقلية، واليوم العالمي للأمية، واليوم العالمي للمعلم، الذي حددت ''اليونسكو'' الخامس من تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام يوماً له. ومرت هذه المناسبة ما قبل الأسبوع الفائت، وكتب ما كتب بشأن المعلم من قبل الكتاب والمعنيين وذوي العلاقة.
ومع ما تمثله هذه الأيام من قيمة لأصحابها تشعرهم باهتمام المجتمع بهم، إلا أن الفائدة قد تكون محدودة، خاصة إذا تحولت هذه المناسبة إلى مناسبة روتينية لا أكثر ولا أقل من ذلك، ولنا تجربة في هذه المناسبات كما في أسبوع المرور، وأسبوع الشجرة، وأسبوع نظافة المساجد، وغيرها من الأسابيع التي ليس لها حصر، حيث كانت في معظمها مناسبات للظهور الإعلامي فقط للمسؤول عن القطاع أمام الكاميرا وهو يقص الشريط إيذاناً ببدء الأسبوع مع ما يتطلبه قص الشريط من جهد وتحضير لهذه المناسبة المتمثلة في دقائق يحضر فيها المسؤول ليقص الشريط، ومع ما يرافق ذلك من تكلفة.
تخصيص أسابيع أو أيام أمر جميل، لكن الأجمل أن نؤسس لثقافة النظافة طول العام، واحترام الأم وتقديرها مدى الحياة، وكذلك باقي المواضيع والمناسبات. وزارة التربية والتعليم في المملكة حولت يوم المعلم إلى عام المعلم وجعلته شعاراً لها نظراً لأنها جعلت المعلم ركناً أساساً في مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم، وحتى لا يكون يوم المعلم، أو عام المعلم، كما اختارت وزارة التربية والتعليم، كباقي الأيام أو الأعوام، لا بد من طرح تساؤلات علها تساعدنا على سبر واقع المعلم وتحديد الإيجابيات والسلبيات، إذا ما أردنا أن نستثمر عام المعلم بما يخدم العملية التعليمية والتربوية بشكل صحيح حتى لا يمر العام ونحن نراوح مكاننا لم نغير شيئاً.
في كثير من الأحيان تحلو المقارنة بين معلم الماضي ومعلم الحاضر وينتصر البعض لمعلم الماضي وما كان يبذله من جهد جهيد مع قلة الإمكانات، ويرون في ذلك المعلم أنموذجاً يصعب استنساخه، ويستشهد هؤلاء بمخرجات ذلك الزمن العالية التأهيل العلمي والمعرفي والسلوكي والأخلاقي، ومع صحة الاستنتاج بشأن معلم الماضي إلا أن الأمر يحتاج إلى التأمل، إذ إن المعادلة التعليمية ليست معلماً فقط بل هي معلم ومتعلم، لذا يجب أن نسأل هل متعلم الماضي مثله مثل متعلم الحاضر، أي هل الدافعية للتعلم بالمستوى نفسه؟ في ظني أن مستوى الدافعية التي كانت تتوافر لدى طالب الماضي كانت أقوى، خاصة أنها توافقت مع بداية التعليم في المملكة مع ما يعنيه التعليم في مجتمع أمي لا يوجد إلا قليل من أبنائه الذين يقرأون ويكتبون، حيث كانوا يعدون على الأصابع، لذا كان للمتعلم قيمة ورفعة بين أهله ومعارفه، وأبناء بلدته، والمجتمع بشكل عام، ويدخل في هذا الاحترام والتقدير الذي يحظى به المعلم من قبل الطلاب وأولياء الأمور، وإن كنت لا أرى أن تجنب الطالب المرور بمكان يوجد فيه المعلم مظهرا تربوياً سليماً، إذ إن هذا قد يدل على التباعد النفسي بين طرفي العملية التعليمية، فالوضع السليم يستوجب كسر الحواجز، وبما لا يفقد أحدهما احترامه وتقديره، لكن بالقدر الذي يحدث التفاعل السليم الذي يمكن المعلم من فهم الطالب في مشاعره وأفكاره وميوله ورغباته، حتى يتمكن المعلم من الأخذ بيده نحو الأمام، وربما يساعد الطالب على النمو السليم في كل الجوانب: العقلي، الانفعالي، المعرفي، والسلوكي.
يوم المعلم، أو عام المعلم، أيا كانت التسمية، لا بد من استثماره بشكل أمثل، وذلك من خلال الإجابة عن مجموعة تساؤلات تشكل في مجموع إجاباتها دفعة قوية نحو الأمام بشأن الواقع التعليمي والتربوي، والدور الذي يفترض أن يقوم به المعلم، أسئلة مثل: هل أعددنا المعلم كما يجب؟ هذا السؤال المعني به في المقام الأول جهات الإعداد ممثلة في كليات التربية والجامعات، وهذا السؤال من شأنه أن يعطي الفرصة لإعادة النظر في برامج إعداد المعلم، وهل هي بالشكل المناسب، أم أنها في حاجة إلى التعديل، وبما يتناسب مع الظروف والمستجدات الحياتية والعالمية؟ وهل حصل المعلم على كل حقوقه المادية والمعنوية بما في ذلك الاعتبار الاجتماعي للمهنة؟ ولعل بعض المواقف التي تحدث لبعض المعلمين تكشف عن إخفاق في تحقيق هذه الحقوق. هل يقوم المعلم بواجباته كما يجب أم أنه لا يؤدي حتى الحد الأدنى منها؟! سؤال مهم، وقد يكون من بين أسباب عدم قيامه بذلك الخلل في الاختيار للمعلم، الذي لا بد من أن يؤخذ في الحسبان، ميل الفرد للمهنة، وانتماؤه القوي الذي يجعل من المعلم شعلة لا تنطفئ من الحماس والجهد الذي يسهم في الرقي بمستوى التربية والتعليم. هل يدخل المعلم في صياغة الواقع التعليمي والتربوي من خلال وضع الأنظمة واللوائح المنظمة للعملية التعليمية؟ وهل يؤخذ في الحسبان عند رسم الممارسات والأنشطة ليس على نطاق المدرسة الضيق، بل على مستوى المنطقة التعليمية بدلاً من التعامل معه من خلال التعاميم؟ ذلك أن مشاركته في صناعة القرار تلزمه بالقرار، وتجعله متحمساً لتنفيذه على أرض الواقع. هذه الأسئلة وغيرها رأيت ضرورة طرحها في هذه المناسبة حتى لا تتحول إلى مناسبة روتينية تمر دون استثمار لها بالشكل الصحيح.
د. عبدالرحمن الطريري
كثيرة هي الأيام التي يحتفى بها وخصصت كمناسبات حدد لها يوم من أيام السنة كما في حالة يوم الأم، أو يوم المرأة، أو يوم الصحة العقلية، واليوم العالمي للأمية، واليوم العالمي للمعلم، الذي حددت ''اليونسكو'' الخامس من تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام يوماً له. ومرت هذه المناسبة ما قبل الأسبوع الفائت، وكتب ما كتب بشأن المعلم من قبل الكتاب والمعنيين وذوي العلاقة.
ومع ما تمثله هذه الأيام من قيمة لأصحابها تشعرهم باهتمام المجتمع بهم، إلا أن الفائدة قد تكون محدودة، خاصة إذا تحولت هذه المناسبة إلى مناسبة روتينية لا أكثر ولا أقل من ذلك، ولنا تجربة في هذه المناسبات كما في أسبوع المرور، وأسبوع الشجرة، وأسبوع نظافة المساجد، وغيرها من الأسابيع التي ليس لها حصر، حيث كانت في معظمها مناسبات للظهور الإعلامي فقط للمسؤول عن القطاع أمام الكاميرا وهو يقص الشريط إيذاناً ببدء الأسبوع مع ما يتطلبه قص الشريط من جهد وتحضير لهذه المناسبة المتمثلة في دقائق يحضر فيها المسؤول ليقص الشريط، ومع ما يرافق ذلك من تكلفة.
تخصيص أسابيع أو أيام أمر جميل، لكن الأجمل أن نؤسس لثقافة النظافة طول العام، واحترام الأم وتقديرها مدى الحياة، وكذلك باقي المواضيع والمناسبات. وزارة التربية والتعليم في المملكة حولت يوم المعلم إلى عام المعلم وجعلته شعاراً لها نظراً لأنها جعلت المعلم ركناً أساساً في مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم، وحتى لا يكون يوم المعلم، أو عام المعلم، كما اختارت وزارة التربية والتعليم، كباقي الأيام أو الأعوام، لا بد من طرح تساؤلات علها تساعدنا على سبر واقع المعلم وتحديد الإيجابيات والسلبيات، إذا ما أردنا أن نستثمر عام المعلم بما يخدم العملية التعليمية والتربوية بشكل صحيح حتى لا يمر العام ونحن نراوح مكاننا لم نغير شيئاً.
في كثير من الأحيان تحلو المقارنة بين معلم الماضي ومعلم الحاضر وينتصر البعض لمعلم الماضي وما كان يبذله من جهد جهيد مع قلة الإمكانات، ويرون في ذلك المعلم أنموذجاً يصعب استنساخه، ويستشهد هؤلاء بمخرجات ذلك الزمن العالية التأهيل العلمي والمعرفي والسلوكي والأخلاقي، ومع صحة الاستنتاج بشأن معلم الماضي إلا أن الأمر يحتاج إلى التأمل، إذ إن المعادلة التعليمية ليست معلماً فقط بل هي معلم ومتعلم، لذا يجب أن نسأل هل متعلم الماضي مثله مثل متعلم الحاضر، أي هل الدافعية للتعلم بالمستوى نفسه؟ في ظني أن مستوى الدافعية التي كانت تتوافر لدى طالب الماضي كانت أقوى، خاصة أنها توافقت مع بداية التعليم في المملكة مع ما يعنيه التعليم في مجتمع أمي لا يوجد إلا قليل من أبنائه الذين يقرأون ويكتبون، حيث كانوا يعدون على الأصابع، لذا كان للمتعلم قيمة ورفعة بين أهله ومعارفه، وأبناء بلدته، والمجتمع بشكل عام، ويدخل في هذا الاحترام والتقدير الذي يحظى به المعلم من قبل الطلاب وأولياء الأمور، وإن كنت لا أرى أن تجنب الطالب المرور بمكان يوجد فيه المعلم مظهرا تربوياً سليماً، إذ إن هذا قد يدل على التباعد النفسي بين طرفي العملية التعليمية، فالوضع السليم يستوجب كسر الحواجز، وبما لا يفقد أحدهما احترامه وتقديره، لكن بالقدر الذي يحدث التفاعل السليم الذي يمكن المعلم من فهم الطالب في مشاعره وأفكاره وميوله ورغباته، حتى يتمكن المعلم من الأخذ بيده نحو الأمام، وربما يساعد الطالب على النمو السليم في كل الجوانب: العقلي، الانفعالي، المعرفي، والسلوكي.
يوم المعلم، أو عام المعلم، أيا كانت التسمية، لا بد من استثماره بشكل أمثل، وذلك من خلال الإجابة عن مجموعة تساؤلات تشكل في مجموع إجاباتها دفعة قوية نحو الأمام بشأن الواقع التعليمي والتربوي، والدور الذي يفترض أن يقوم به المعلم، أسئلة مثل: هل أعددنا المعلم كما يجب؟ هذا السؤال المعني به في المقام الأول جهات الإعداد ممثلة في كليات التربية والجامعات، وهذا السؤال من شأنه أن يعطي الفرصة لإعادة النظر في برامج إعداد المعلم، وهل هي بالشكل المناسب، أم أنها في حاجة إلى التعديل، وبما يتناسب مع الظروف والمستجدات الحياتية والعالمية؟ وهل حصل المعلم على كل حقوقه المادية والمعنوية بما في ذلك الاعتبار الاجتماعي للمهنة؟ ولعل بعض المواقف التي تحدث لبعض المعلمين تكشف عن إخفاق في تحقيق هذه الحقوق. هل يقوم المعلم بواجباته كما يجب أم أنه لا يؤدي حتى الحد الأدنى منها؟! سؤال مهم، وقد يكون من بين أسباب عدم قيامه بذلك الخلل في الاختيار للمعلم، الذي لا بد من أن يؤخذ في الحسبان، ميل الفرد للمهنة، وانتماؤه القوي الذي يجعل من المعلم شعلة لا تنطفئ من الحماس والجهد الذي يسهم في الرقي بمستوى التربية والتعليم. هل يدخل المعلم في صياغة الواقع التعليمي والتربوي من خلال وضع الأنظمة واللوائح المنظمة للعملية التعليمية؟ وهل يؤخذ في الحسبان عند رسم الممارسات والأنشطة ليس على نطاق المدرسة الضيق، بل على مستوى المنطقة التعليمية بدلاً من التعامل معه من خلال التعاميم؟ ذلك أن مشاركته في صناعة القرار تلزمه بالقرار، وتجعله متحمساً لتنفيذه على أرض الواقع. هذه الأسئلة وغيرها رأيت ضرورة طرحها في هذه المناسبة حتى لا تتحول إلى مناسبة روتينية تمر دون استثمار لها بالشكل الصحيح.