ميدو الأسير تو
17-09-2011, 01:30 AM
إلى هذه اللحظة التي أكتب فيها لست مصدقة تماماً أنك رحلت عنّا
طيلة فترة بقائي في بيتك يتهيأ لي أنك مختبئ في مكان ما وستظهرإما تلاعبنا أو تختبرنا ثم ستصرخ بنا قائلاً اسكتوا أو أزعجتوني أو تحرّكوا ساعدوا خالتكم أو ترسلنا إلى خالتي لنوصل لها المراسيل أن توقظك في الساعة الفلانية أو تجهز لك البيت لضيوف متوقعين أو أنك لن تكون هنا في الغد لسفر أو موعد طارئ.
حتّى صباح صلاة العيد كنت أنتظر زمجرتك التي تنادي فيها علينا لنحضر البخور أو القهوة.هذا العيد كان مختلف بكيت ليس خوفاً منك لكن افتقاداً لوجودك المهيب.
عمي أو والدي -كما عرفتك-أو الشيخ زارع عواد الشامي,أنا لست حزينة علينا نحن أهلك وبنوك ولا على رفيقة دربك التي لا أعرف كيف تتأقلم مع غيابك ,ولا أعرف كيف ستتواطئ مع النسيان لتستطيع أن تعيش في بيتك ووسط رائحتك التي لازلنا بعد خمسة وسبعون يوماً من غيابك نشمها ونعدّل جلستنا عند ذكرك.
أنا لا أعرف كيف تسرّبت من الحياة بهذه السهولة أنت الصاخب في حضورك ,أنا حزينة أكثر على الأيتام والمساكين والأرامل والمطلقات ,على الشباب ,على الأسر على كل الناس الذي كنت مشغول بهم.
مشغول إما أن تبني لهم جامع أو جامعة أو روضة أو مدرسة أو جمعية تحفيظ أو جمعية خيرية أو مشروع تدريب أو تعليم مهني ,في حين أن كل الناس تفكّر في تعبئة ثلاجتهم في رمضان أنت تفكّر في ثلاجات الناس كيف تعبئها بأجود الأنواع وأرخص الأسعار من التجار,كيف تتدفئهم صيفاً وشتاءاً حتى أقلام ومساحات ودفاتر وشنط المدرسية لا تغيب عن فكرك وهاجسك التي تعطيها للفقراء والمحتاجين ليس تكرّماً لهم بل استحقاقاً وواجباً لهم من أجود الأنواع حتّى لأني أغار من حاجياتهم وحتّى إلى آخر فصل دراسي في الجامعة أحرص على تلك الأقلام والدفاتر التي تحضرها لناس لا تعرفهم ولا يعرفونك لكن تعرف الذي يعرفونه أن هناك رب مُسخّر,يُسخّر كل حين في هذه الأرض رجال مثلك يذكروننا بحقيقة سبب وجودنا ,لغاية الحياة أن نعمل " وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون"سورة التوبة .
في كل زاوية في ينبع البحر وما جاورها هناك عيادة أو منزل أخذ من صحتك ووقتك مع عائلتك لتبنيه وتكبره,هذا الوقت التي لا تسامحك عليه خالتي الآن,تشتاق إليك وتتذكر الوقت الذي لم تكونه معها ولا مع أطفالكما ,وهي تحدثني الآن بحرقة عن هذا الوقت يزداد يقيني بأن الوقت الذي نقضيه مع أحباءنا أجمل وأفخم وأغلى هدية نقدمها لهم,لكنك كنت ترعى أولادك أيضاً….أبو الفقراء والمساكين وأبونا نفتقدك.
جلست إلى كتبك ولم أتملك الشجاعة لفتح أوراقك ,لم أجرؤ على فتحها في حياتك فكيف أفتحها وأنت حيّ بيننا لكن بطريقة جديدة نحتاج أن نتكيّف معها.
مكتبتك لم أكن أقرأ منها ولم أكن فقط أستعير منها ثم عندما تكتشف استعارتي أعتذر منك بل كنت أهدي منها لصديقاتي,الكتب التي أجدها على رفوفك نادرة وقيّمة تشبهك.لم أستطع قراءة كتاب ولا خطبة من خطبك للجمعة هذه المرّة,كيف أقرأ كتاب ومن يناقشني فيه ؟ وكيف أجلس وأقرأ ومن سيضبطني بأخطاءي في القراءة ويقول لي في اليوم التالي وهو يغمز لي ويبتسم ابتسامة ماكرة "لقد سمعتك أمس قراءتك جيّدة عليك أن تطالعي هذا الكتاب وهذا الكتاب أيضاً سيقوي لغتك "
عندما اشتركت في نشاط عن التراث وأخبرتك عن واجبي وكل ينبع عرفت بالأمر وشاركت بحل الواجب من لنا بعدك؟الآن تخرجت من الجامعة وحنان أختي حبيبتك أصبحت دكتورة بعد رحلة الكفاح التي عايشتها ولم يعطينا القدر سعادة أن تعايشنا فرح التخرج . من لواجباتنا وافراحنا من لنا ومن للناس ومن للأفكار والأعمال ومن لينبع بعدك؟
لم أستطع تعزية خالتي,كان لديّ أمل أنك ستعود وسيكون غيابك مزحة ثقيلة,لكن يبدو أن العمل الخيري أفرغك شيئاً فشيئاً وأخذك منّا ببطئ حتّى أتى الموت وأنقض عليك وفجعنا بك.
كان آخر حوار مطوّل بيننا عن العمل الخيري خفت تلك الليلة ولم أستطع النوم حينها لم أكن أحسب ولا أتخيّل أن حتّى عمل الخير يحيط به أشواك ومخالب الطبيعة البشرية,لم يكن سهلاً ما قدمته لمجتمع ينبع,والأجر على قدر المشقة,عسى أن يكون الموت راحة لك من كل مشقة وأن يبدلك الله داراً خير من دارك ويجعل قبرك روضة من رياض الجنّة وأن يجمعنا في جنّة الفردوس مرّة أخرى جمعة خالدة تخطب لنا فيها بجوار كل من قصصت علينا قصصهم في مشاويرنا بالسيارة الأنبياء والصحابة والصالحين ومن تبعهم بإحسان ,وعيداً مباركاً لك أينما كنت يا عم زارع,وصدق الحبيب المصطفى صلوات الله عليه وسلم الذي فقده يهوّن علينا كل فقد بعده : ( أتاني جبريل فقال : يا محمد ، عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل ، وعزه استغناؤه عن الناس ) . حسنه الألباني في صحيح الجامع )
بقلم : إحسان الجهني
طيلة فترة بقائي في بيتك يتهيأ لي أنك مختبئ في مكان ما وستظهرإما تلاعبنا أو تختبرنا ثم ستصرخ بنا قائلاً اسكتوا أو أزعجتوني أو تحرّكوا ساعدوا خالتكم أو ترسلنا إلى خالتي لنوصل لها المراسيل أن توقظك في الساعة الفلانية أو تجهز لك البيت لضيوف متوقعين أو أنك لن تكون هنا في الغد لسفر أو موعد طارئ.
حتّى صباح صلاة العيد كنت أنتظر زمجرتك التي تنادي فيها علينا لنحضر البخور أو القهوة.هذا العيد كان مختلف بكيت ليس خوفاً منك لكن افتقاداً لوجودك المهيب.
عمي أو والدي -كما عرفتك-أو الشيخ زارع عواد الشامي,أنا لست حزينة علينا نحن أهلك وبنوك ولا على رفيقة دربك التي لا أعرف كيف تتأقلم مع غيابك ,ولا أعرف كيف ستتواطئ مع النسيان لتستطيع أن تعيش في بيتك ووسط رائحتك التي لازلنا بعد خمسة وسبعون يوماً من غيابك نشمها ونعدّل جلستنا عند ذكرك.
أنا لا أعرف كيف تسرّبت من الحياة بهذه السهولة أنت الصاخب في حضورك ,أنا حزينة أكثر على الأيتام والمساكين والأرامل والمطلقات ,على الشباب ,على الأسر على كل الناس الذي كنت مشغول بهم.
مشغول إما أن تبني لهم جامع أو جامعة أو روضة أو مدرسة أو جمعية تحفيظ أو جمعية خيرية أو مشروع تدريب أو تعليم مهني ,في حين أن كل الناس تفكّر في تعبئة ثلاجتهم في رمضان أنت تفكّر في ثلاجات الناس كيف تعبئها بأجود الأنواع وأرخص الأسعار من التجار,كيف تتدفئهم صيفاً وشتاءاً حتى أقلام ومساحات ودفاتر وشنط المدرسية لا تغيب عن فكرك وهاجسك التي تعطيها للفقراء والمحتاجين ليس تكرّماً لهم بل استحقاقاً وواجباً لهم من أجود الأنواع حتّى لأني أغار من حاجياتهم وحتّى إلى آخر فصل دراسي في الجامعة أحرص على تلك الأقلام والدفاتر التي تحضرها لناس لا تعرفهم ولا يعرفونك لكن تعرف الذي يعرفونه أن هناك رب مُسخّر,يُسخّر كل حين في هذه الأرض رجال مثلك يذكروننا بحقيقة سبب وجودنا ,لغاية الحياة أن نعمل " وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون"سورة التوبة .
في كل زاوية في ينبع البحر وما جاورها هناك عيادة أو منزل أخذ من صحتك ووقتك مع عائلتك لتبنيه وتكبره,هذا الوقت التي لا تسامحك عليه خالتي الآن,تشتاق إليك وتتذكر الوقت الذي لم تكونه معها ولا مع أطفالكما ,وهي تحدثني الآن بحرقة عن هذا الوقت يزداد يقيني بأن الوقت الذي نقضيه مع أحباءنا أجمل وأفخم وأغلى هدية نقدمها لهم,لكنك كنت ترعى أولادك أيضاً….أبو الفقراء والمساكين وأبونا نفتقدك.
جلست إلى كتبك ولم أتملك الشجاعة لفتح أوراقك ,لم أجرؤ على فتحها في حياتك فكيف أفتحها وأنت حيّ بيننا لكن بطريقة جديدة نحتاج أن نتكيّف معها.
مكتبتك لم أكن أقرأ منها ولم أكن فقط أستعير منها ثم عندما تكتشف استعارتي أعتذر منك بل كنت أهدي منها لصديقاتي,الكتب التي أجدها على رفوفك نادرة وقيّمة تشبهك.لم أستطع قراءة كتاب ولا خطبة من خطبك للجمعة هذه المرّة,كيف أقرأ كتاب ومن يناقشني فيه ؟ وكيف أجلس وأقرأ ومن سيضبطني بأخطاءي في القراءة ويقول لي في اليوم التالي وهو يغمز لي ويبتسم ابتسامة ماكرة "لقد سمعتك أمس قراءتك جيّدة عليك أن تطالعي هذا الكتاب وهذا الكتاب أيضاً سيقوي لغتك "
عندما اشتركت في نشاط عن التراث وأخبرتك عن واجبي وكل ينبع عرفت بالأمر وشاركت بحل الواجب من لنا بعدك؟الآن تخرجت من الجامعة وحنان أختي حبيبتك أصبحت دكتورة بعد رحلة الكفاح التي عايشتها ولم يعطينا القدر سعادة أن تعايشنا فرح التخرج . من لواجباتنا وافراحنا من لنا ومن للناس ومن للأفكار والأعمال ومن لينبع بعدك؟
لم أستطع تعزية خالتي,كان لديّ أمل أنك ستعود وسيكون غيابك مزحة ثقيلة,لكن يبدو أن العمل الخيري أفرغك شيئاً فشيئاً وأخذك منّا ببطئ حتّى أتى الموت وأنقض عليك وفجعنا بك.
كان آخر حوار مطوّل بيننا عن العمل الخيري خفت تلك الليلة ولم أستطع النوم حينها لم أكن أحسب ولا أتخيّل أن حتّى عمل الخير يحيط به أشواك ومخالب الطبيعة البشرية,لم يكن سهلاً ما قدمته لمجتمع ينبع,والأجر على قدر المشقة,عسى أن يكون الموت راحة لك من كل مشقة وأن يبدلك الله داراً خير من دارك ويجعل قبرك روضة من رياض الجنّة وأن يجمعنا في جنّة الفردوس مرّة أخرى جمعة خالدة تخطب لنا فيها بجوار كل من قصصت علينا قصصهم في مشاويرنا بالسيارة الأنبياء والصحابة والصالحين ومن تبعهم بإحسان ,وعيداً مباركاً لك أينما كنت يا عم زارع,وصدق الحبيب المصطفى صلوات الله عليه وسلم الذي فقده يهوّن علينا كل فقد بعده : ( أتاني جبريل فقال : يا محمد ، عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به ، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل ، وعزه استغناؤه عن الناس ) . حسنه الألباني في صحيح الجامع )
بقلم : إحسان الجهني