المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عوامل نجاح العمل الاجتماعي!!!!!!



البعيــ ع ــد
08-07-2002, 01:44 AM
نجاح العمل الاجتماعي يحتاج إلى تمازج عناصر ثلاثة هي :

1ـ القيادة الفاعلة ( الرمز ) .

2ـ الطبقة المثقفة ( النخبة ) .

3ـ المجتمع النشيط ( القاعدة ) .

ولا يمكن لمجتمع أن يوفر النجاح لنفسه عبر الأخذ بأحد العناصر الثلاثة ، مهما أوتي ذاك العنصر من استعدادت وقدرات ؛ لأنه ـ في أسلم الفروض ـ لن يشكل إلا جزءاً من دواعي حركة المجتمع ، وبه وحده لا يمكن لقاطرة النجاح أن تتحرك ، وتبلغ هدفها المرتجى .

من هنا ندرك أن المجتمع الحي لا بد أن يكون فيه حضور واضح للطبقة المثقفة ( النخبة ) على مسرح العمل والنشاط ، بأن تتحول من مجرد مكتف باستهلاك الأفكار إلى المشارك في إنتاج الفكر وتطبيقه التطبيق الرشيد .. وفي كثير من المجتمعات الحاضرة ( ولا سيما في العالم المتقدم ) هناك حضور مكثف فاعل لهذه الطبقة يؤثر بشكل واضح في كل مناحي الحياة : النظرية والتطبيقية ، ويشكل همزة الوصل والالتقاء بين مصدر القرار والرموز القائمة في أعلى سلم الهرم الاجتماعي ، وبين القاعدة الاجتماعية العريضة .

يظهر ذلك من خلال التجمعات والنقابات التربوية والتعليمية والمهنية التي تشارك في صنع القرار واستصدار الفعل ، وتوجيه رد الفعل للمجريات الداخلية والخارجية الوجهة الحكيمة ، في سبيل الابتعاد عن التصرفات الجمعية القائمة على الحماس ، والتي لا تبلغ مستوى النضج المطلوب . وفي مجتمعنا الحبيب تنامت الطبقة المثقفة كمياً ، ولا زالت تتنامى بشكل مطرد ، وهذا دليل على تقدم اجتماعي ، لكننا لا نجد ذلك الحضور الفاعل بما يتوازى مع مستوى الهم الاجتماعي ، وتحقيق الطموح المنشود .

· المثقف والدور الاجتماعي :

يمكن أن نلمح أدواراً ثلاثة متباينة تجاه الدور الاجتماعي للمثقف : يتمثل أولها في الانسحاب من دائرة العمل الاجتماعي ، وتمحور الفرد حول ذاته ، بينما يتحلى الثاني بحضور جزئي في معترك العمل يكتفي بالقيام ببعض أدوار محدودة ، بينما تتطلع عين المجتمع بشغف وإلحاح إلى حضور فاعل يسعى إلى إزالة آلامه ، والسير بجد إلى تحقيق آماله ، إيماناً منه بأن التغيير الاجتماعي الصحيح تغيير عملي لا يغرق في الغيبية { إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم } (الرعد:11) ، كما أنه تغيير يعتمد العامل الداخلي لا الخارجي منطلقاً { حتى يغيرواما بأنفسهم } ، ( ما حك جلدك مثل ظفرك ) .

· مناحي الدور المطلوب :

الدور المطلوب من النخبة الواعية ينبغي أن يصب في الروافد التالية :

(1) الجانب الفردي الشخصي : على المثقف - كفرد - أن يقوم بدور تجاه نفسه وذاته ، يكمن في سعة الاطلاع والإنماء المعرفي ، والقيام بكل ما من شأنه جلب النفع له ، والمحافظة على شخصيته ، ودعمها اجتماعياً ليكون محط ثقة المجتمع .

إن إنماء الفكر والثقافة وتجديدهما يجعل المثقف مسايراً لركب التطور ، لا سيما في عالم الانفجار المعرفي والعلمي ، الذي تعددت مصادره : كماً وكيفاً ، بما يجعل غير المتابع يعيش على هامش الزمن والتاريخ وحركة الواقع المتسارعة .

(2) الجانب التخصصي : ولئن كان الأمر الأول ذاتياً فردياً ، فإننا بحاجة - أيضاً - إلى برامج توضح الذات الجمعية والهوية المثقفة بالقيام بأدوار تحدد وتوضح الذات المثقفة كشريحة اجتماعية وكيان له ملامحه الخاصة ، وهذا لا يتم إلا إذا شعر المثقفون بأنفسهم كذات لها تمحور خاص ، وسمات مميزة ، هذا على الصعيد النفسي الوجداني .

كما نحتاج إلى سعي مقنن ضمن الإطارين الآخرين : العلمي النظري والعملي التطبيقي ، ليتعرف المثقفون على أنفسهم وعددهم ، وأماكن تواجدهم ، والاستعدادات والقدرات عندهم ، ومن ثم لتحويل ذلك من إطاره المطلق إلى إطار تجسيده على أرض الواقع كعمل مشرق فتان : اشتد عوده ، وزكا أريجه ، وآتى ثماره اليانعة .

ومن أمثلة البرامج التخصصية :

ـ إقامة ندوات علمية تخصصية .

ـ دروس تقوية وإعداد .

ـ برامج استثمارية للمثقفين .

ـ إصدار كتب ومجلات ونشرات ثقافية .

ـ إجراءات علمية تعليمية لزيادة عدد المثقفين ومستواهم ، سواء بتسهيل الدراسة داخل وطننا الحبيب ، أو خارجه .

(3) الجانب الاجتماعي : المجتمع هو البحر الذي نغترف منه ، ونسبح فيه ، وإليه ستعود كل مجهوداتنا ، لذلك فالمثقفون مطالبون أن يقوموا بواجبهم تجاه المجتمع ، مستشعرين همومه ، مشمرين سواعد الجد للرقي به إلى مدارج الرفعة والكمال .

فبوصفهم جزءاً من هذا المجتمع ، جزءاً واعياً ، عليه أن يتحمل دوره بمستواه ، لا أن ينكفئ على خصوص ذاته ، أو يتمحور حول طبقته ، أو أن يستهجن المجتمع ، وينظر إليه بعين الازدراء محققاً القطيعة الاجتماعية . وهذا يتطلب منه القيام بمساهمات تصب في الرافد الاجتماعي العام بالانخراط في نسيج المجتمع ، وتقديم البرامج العلمية والعملية إليه .

· شروط الدور الاجتماعي :

ولعلنا نستطيع أن نجمل تلك الشروط ضمن عنوانين بارزين هما : الأصالة والحداثة .

ففي جانب المطلق الثابت ننطلق من قيم الذات ، وحقائق الدين والعقل ، وقيم المجتمع الصحيحة ، لأننا بحاجة إلى المثقف الفقيه كما أننا بحاجة إلى الفقيه المثقف ؛ ولأننا نضع في حسباننا أن مجتمعنا مجتمع ديني يتفاعل مع منطلقاته الراسخة ، ويقتنع بها أكثر مما يؤمن بما لا يراه مؤيداً بذلك ، منبعثاً منه . ولأننا رأينا - في حقبة سلفت - تيارات لم تأخذ بخصوصية المجتمع ، ونظرت إليه نظرة استحقار ، فلفظها ورفضها ، ولم يرَ أنها تمثله ، حتى ماتت ، وأصبحت في خبر ( كان ) .

وفي جانب النسبي المتغير نأخذ بكل ما يستجد من سبل ووسائل نهضوية ، { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوةٍ } (الأنفال:60) .

إن الأخذ بالأصالة - وحدها - يعني الانغلاق والجمود والتحجر ، كما أن الانفتاح - وحده - يعني الذوبان وفقدان الهوية ، والجمع بينهما هو الأخذ بجناحي الطيران للتحليق في سماء النجاح .

· غياب أم تغييب :

وهنا نتساءل : ما هو السبب وراء انكماش دور المثقفين ، وما هي العوامل التي تدفع باتجاه العزوف عن الدور الاجتماعي ؟!

ومن باب توصيف الظاهرة ، نرى هناك إجابتين مختلفتين تمام الاختلاف للإجابة على السؤال السابق :

ـ الأولى / الأسباب الذاتية :

وتقوم هذه الإجابة باستدعاء كل ما يدخل في دائرة المثقفين كذات ، لترى أنهم السبب عن هذا الانكماش ، لتصفهم بالانغلاق والتقوقع ، ونظرة الاستعلاء على المجتمع ، وعدم امتلاك الفكرة النهضوية ، والثقة الكافية ، وعدم الدخول المؤثر ضمن النسيج الاجتماعي ، و … .

ـ الثانية / الأسباب الخارجية :

بينما تفسر النظرة الثانية أسباب المشكلة بأسباب موضوعية خارجة عن نطاق الفعل النخبوي ، تُعزى إلى المجتمع والقوى ذات القرار فيه ، فهي لا تعطي المثقف فرصة القيام بذلك ، كما تصفه بأقذع أوصاف السخرية والاستهجان ( فلاسفة ، باشاوات ، … ) ، هذه النظرة التي تلقي بظلالها النفسية على المثقف ليصدّ - فيما بعد - عن العمل الجمعي ، ويبتعد عنه .

ولعلنا لا نرتأي التفسير الأحادي المنطلق في أي من النظريتين ، ونرى أن السبب الحقيقي هو مركب مزجي من عناصر متداخلة من الأسباب : الذاتية والخارجية ، لكننا - في الوقت نفسه - نؤمن بضرورة تحطيم تلك العقبات ، والانطلاق نحو الفضاء الواسع المنفتح ، كما نؤمن بأن المثقف يملك كامل الآليات والقدرة على ذلك ، وإن كان يحتاج منه إلى كدح ونشاط ، لكنها طبيعة الحياة القائمة على الأسباب والمسببات : { كلاً نُمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظوراً } (الإسراء:20) ، { يا أيها الإنسان إنك كادحٌ إلى ربك كدحاً فملاقيه } (الانشقاق:6) ، " أبى الله أن يجري الأشياء إلا بأسباب " .

فمتى تكتحل الأجفان بدور ريادي لنخبتنا المثقفة ؟!

عسى ذلك أن يكون قريباً …