المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : من أقوال الأولين في ميزان الماضي والحاضر



محمد عبد الله الذبياني
22-06-2010, 02:05 AM
ما أحذق أحاديث الأولين ، وما أعذب قولهم ، يؤنس النفس سماع تجاربهم ، وتأخذ بالألباب بساطة أحاديثهم ، فلا يخلو كلامهم من مزج الحزن والفرح والغضب والرضا في الآن ، بل أنك لتجد النصيب الأوفر من العلم والمعلومات التي لم يكن يخطر ببالك أن شيخـًا في الثمانية والتسعين يسمعك إياها ، فتتشنف آذانك راغمه لأسلوب ما أجمله ، وحديثـًا ما أمتعه ، ومفردات لا تنساها ، بعضهم كأنه درس فن الإلقاء ، يعرف متى يخفض صوته ، وفي أي المواطن يعليه ، ومتى يتحدث بشدة ومتى يضحك بملء فيه ، منهم من يسترسل في الحديث ثم يتوقف فيصمت طويلاً حتى يساورك الشك لتشترك مع ظنونك أنه قد أنهى حديثه فلا تشعر وإلا ويستكمل ما يقول بنبرة قوية !! فتنتبه لتتابع كلامه وانسياب عباراته، وكل ما في الأمر أنه رأى أن مقام القول قد أستدعى تلك السكتة ، ولعل ذلك مقصودة التشويق و لفت الانتباه !!

وإن مما سمعته وما يزال عالقـًا بذهني فأحببت أن أنقله بل أن أضعه في الميزان، وأستأذنكم فأذنوا لي أن أذكرها بالعامية كما سمعتها وأعرف أنكم ستأذنون ، فكم مشرف عندكم للآثار في مجالسكم الينبعاوية !

يقول الكهل : يجي زمان الناس تأكل بالماعون نوبه وحدة وترميه ، ونتهول هذا الكلام كيف ؟؟
ثم يتساءل : نطش الماعون اللي نأكل فيه ونطش المغراف اللي نشرب فيه ؟!
كيف آكل وكيف أشرب ، يا ولد أطش ماعوني ؟ خبل أنا !!
فيفك التساؤل : يقولون تجي خيرات ونعمات والناس ما عليها من المواعين ، ولك الله عشنا وشفناها ، جاءك البلاستيك اللي تاكل فيه الناس نوبه وحدة وتشرب بالكاس البلاستك نوبه وحده وترميه.
( نوبه : أي مرة واحدة ولعل أصلها من المناوبه وهو الدور ، نتهول أي يصيبنا الهول والعجب ، نطش : أي نرمي ).

يتعجبون لأن الأواني الأساسية لم تكن متوفرة كوفرتها الآن ، فكانوا كما يقولون يستعيرون في المناسبات صحناً من فلان وفلان والقدر الكبير من عند فلان ، وكذا المغاريف والزبادي التي يشربون فيها الماء .

يا من تفضلت علىّ بقراءة هذه السطور : تفضل أدخل إلي مطبخ منزلك الآن بعد أن تقرأ الموضوع ستجد أدراج من الألمنيوم مليئة بالمواعين فالأرفف تكاد تنطق مما رص عليها من أفخر الأواني ، هذه جاءوا بها من الصين وتلك صنعها لك الكوريون واليابانيون ومثلها الماليزيون والألمان ، ومنها ما أحضروها لك من إيطاليا أبطال كأس العالم لكرة القدم 2006، كؤوس أشكال متعددة ، وأنواع من الفنجاجيل والبراريد والدلال كالمرايا تشاهد نفسك فيها !! وحافظات القهوة والشاي ، وأطقم من أحلى الألوان ومقاسات وفيره فهذه كبيرة والأخرى صغيرة وتلك عوان بينهما ، ثم لا تجد المستخدم إلا مقاس واحد !! بل ان بعضها ليتقادم من الزمن ويعلوها الصدأ فلا تجد إلا سلة النفايات لتحل محلها أنواع أخرى .
نعم لقد ولجنا الحياة المادية ، كثر الطعام وزادت المواعين وقل الطبخ في المنزل ، وما كان عارية بين الناس يتبادلونه في الأفراح ، اشرعت إليه المحال أبوابها لتؤجره بالمقابل المادي ، صحيح أنها سدت مسدها ، وأدت غرضها ولكنها جاءت على حساب تجذير وشائج الصلة ، وتعميق الأواصر ، وتقوية خلال المحبة ، ثم جدت عليها مؤجرات أُخر ، لم تعهد من قبل كمحال الحلويات وبائعي الورد والمشاغل النسائية ونحوها فتجدهم إن ضاع ما أجره أو تلف يأخذ قيمته جديدًا وهو قد أستهلكه سنوات وأخرج قيمته أضعافاً ، إنها الحياة المادية ، ونحن نضعها هنا للمقارنة مع الحياة الأخوية التي يحدثنا عنها كبار السن ، ولم آتي بهذا القول في هذا الموطن أيها الأحبة للمطالبة بعودة هذه العادة فهذا محال ، إنما أردنا طرق ما هيـّج النفس سماعة فأحببنا بعثه ونبشه ونشره ، ثم وضعه في ميزان الحياة ، الكفة الأولى للماضي والكفة الثانية للحاضر ، ولا أدري أيهما تطيش ! وكثير من مثل تلك المعايير مما هو مخبوء في ثنايا الماضي الضخم بحاجة أن يوضع !!



أن العارية كانت تبث إلي النفوس السعد ، وتبعث الوفاء ، هي مرسول الهناء ، و على التحديد من هنا ، نذكر سورة لا يوجد أحد في المنتدى إلا ويحفظها ، إنها سورة الماعون قال تعالى : ( أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ(1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ(2) وَلَايَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ(3) فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ(4) الَّذِينَهُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ(5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ(6) وَيَمْنَعُونَالْمَاعُونَ )


العارية بين الناس اليوم تكاد تكون قد انقطعت ، لقد كانت القدور والصحون دلائل كرم لذا تجد نتفًا من لطيف ما يروونه ، وطريف ما يتناقلونه ، وقد أوردتها هنا لأن الأقدمين كانوا يفاخرون بها حتى أنهم يجوزون بها حدود الصدق أحيانـًا !! فهذه القصة ذكرها المؤرخ عاتق البلادي رحمه الله في كتابه الأدب الشعبي في الحجاز
قالوا : جلس حجازي ومصري يكذب كل منهما على الآخر ، فقال الحجازي : كان لأبي قدر كبير يعشي فيه ضيوفه ، صنعة سبعة نحاسين كل منهم ما يسمع طق الآخر !!
قال المصري : كان لنا حمار نحمل عليه متاعنا ، فأصيب بجرح في الظهر من أثر حمل المتاع ، فصرنا نحرق النوى وندقه ثم نذر به الجرح ، فصدف أن نواة لم تنحمس ولم تندق فنبتت نخلة في ظهر الحمار ! وسرعان ما أثمرت فلم نقدر عليها لاهتزاز الحمار ، فصرنا إذا أردنا الرطب نأخذ من الطين المتماسك وأنا أحذف وأبوي يحذف فيتساقط علينا الرطب ، فتكونت على رأس النخلة روضة ! فنبتت فيها يقطينة ، فأثمرت اليقطينة قرعتين واحدة تشبع أهل مصر صباحًا والأخرى تشبعهم مساءً !
فبهت الحجازي فقال : ولّ !! في أي شئ يطبخونها ؟
فقال المصري : في قدر أبيك !!
انتهت القصة وانتهي الموضوع ولكن يقولون ولا أدري من هم ! إن الذكريات تتبع قانون تداعي الأفكار فالشئ تراه أو تسمعه يذكرك بشبيهه أو بنقيضه أو بما يتصل به ،ومن موصول ذلك أن ننبه وللشباب خاصة ،لا تقطعوا حديث كبار السن للرد على الجوال حتى وإن كان المتصل هلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية لتناقش معك القضية الفلسطينية ! يا صاحبي هم لا ينظرون لوسائل الإتصال بمثل منظورك ، كذلك لم ينشئوا عليها ، لقد نشئوا على أن الصغير لا يقاطع كلام الكبير ، لأن ذلك فيه تقليل من شأنهم هكذا يرون وهو صحيح ، ومادام قد جاء الحديث عن الجوال فإن مما يقولونه. . . .
دعوها للمرة القادمة لا تنتظرونا أنا الذي أنتظركم أن تتموا قراءة هذا الموضوع لأكمل . . . لا تنسوا الصلاة على أفضل خلق الله : اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

بني صخر
22-06-2010, 02:32 AM
اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا محمد

المعلم
22-06-2010, 11:04 AM
شكرا أخي
محمد عبد الله الذبياني (http://www.alhejaz.net/vb/member.php?u=2114)
كما يقولون
عش رجبا ترى عجبا
وبانتظار القادم
دمت بخير

محمد عبد الله الذبياني
05-08-2010, 12:20 PM
شكراً للأستاذ مبارك وشكراً لأخي بنى صخر تشرفت بقراءتكم للموضوع .



نستكمل . . . يقولون _ أعني الأقدمين _ أنهم كانوا يقولون لمن لا يشاركهم الحديث ، أهرج قبل ما يجيك وقت الهرجه بفلوس ، فيرد الآخر أهرج وأدفع فلوس ؟! مستغرباً قولهم مستعجبا منه ، فيجيبونه : سيأتي زمان الكلام بفلوس تتكلم وتدفع وكلما تكلمت أكثر كلما دفعت أكثر . فدارت أيام وراحت سنين وعشنا وشفنا الواحد منا يهرج بالجوال ويدفع فلوس ، وكلما زاد كلامه زاد إخراجه للفلوس . قلت اليوم شركات الاتصال تحسب قيمتها بصورة دقيقة جداً ، تحسبها بالكلمة الواحدة كالبرقية مثلاً قيمتها بعدد الكلمات ورسائل الجوال كلما زادت الكلمات كلما زاد صفحات الرسالة على شاشة الجوال زاد سعر الرسالة !!
قالت العرب إذا كان الكلام من فضه فالسكوت من ذهب ، فماذا ستكون الحكمة لو علمت أن الكلام في وقتنا هذا بأموال تكفي لشراء أوزان موزونه من أجود أنواع الذهب !! هل سيقولون مثلاً إذا كان الكلام من ذهب فالسكوت من ألماس !!
تغيرات جذرية فرضتها الحياة المادية على معيشة الإنسان تدعوا إلي وقفة تأمل ونظر وبصر، أحببنا إلقاء الضوء إليها ، ولعله ترد مشاركة ضافية مثلها عليها ، على أنه إن كانت هذه الأقوال من أقوالهم فعلاً في القدم ، فقد صدق حدسهم ووقع توقعهم ، وإن كانت من تراكيبهم في هذا الوقت المتأخر بالمقارنة والتأمل والنظر إلي تحولات الحياة التي يعشونها بالنسبة إلي حياة عاشوها فإني أسند قولي إي قولهم أنفسهم : أكل العيش قص ، وأكل التمر خص ، وكلام الرجال نص . قصدهم بكلام الرجال نص أن ذكرت عن شخص كلاماً فأروه بنصه فإن كان خلاف الواقع سلمت منه والسلام مسك الختام.

الشاهين
07-08-2010, 08:30 AM
أخي العزيز محمد عبدالله الذبياني
شكرا لك وهذه اللوحة الرائعة ,والتي خلقت صعوبة لمن يود ان يشارك وهو لايملك غير اليسير من المعلومات بهذا الفن مثلي , فاشكل عليه هل يكتب الجملة فقط او يدخلها ضمن الكلام .
وبحكم تذوقك لهذا الجمال والذي لايدركه غير النجباء أمثالكم بارك الله فيكم ونفع بعلمكم أود ان اعرف هل هنالك فرق بين اقوال اهل القرى واهل البادية بحكم اختلاف البيئة .

محمد عبد الله الذبياني
09-08-2010, 02:45 PM
حياك الله يا بو مشاري ، ورمضان مبارك ، وكل عام وأنتم بخير وصحة وسلامه. وأشكر لك طيّب قولك ، وحسن ظنك ، إلا أنك - رفع الله قدرك - قد أنزلتي في مكان غير مكاني وذلك بتوجيهك لسؤال يشكل على من لا بضاعة عنده مثلي ، تمكنه من إدراك عمق السؤال للإجابة عليه ، أو تناوله للرد عليه ، فما جاء في هذا الموضوع لا يعدو خاطرة خطرت على الخاطر عفواً .

على كل حال هذه ليست أجابه علميه أو دراسه دقيقة ، و ما هو إلا رأي من واقع شاهدته على أرض الواقع ، وما دام _ والدائم عز في علاه _ لا يوجد غيري وغيرك في هذا الموضوع فسأبسط معك في الحديث فاسمح لي ببسطه ، ولعلك تتعاون معي لنصل إلي نتيجة مقنعه نضعها إجابة على السؤال ، ولكن أولاً سأتفق معك بأن نتجرد من القيود وذلك بألا نتقيد بصلب الموضوع فلا بد من الحيدة قليلاً كما أن ألا نعمد إلي الاستقصاء والترتيب والشمولية فما يقرب من الذهن ندونه ، اتفقنا ؟!

القصة يا بو مشارى : قبل سنوات كنا في رحلة قنص في أحدى ضواحي ينبع النخل تعطل علينا كفر السيارة ( بنشر ) فاستبدلناه بالاحتياطي ولم تمض ساعة حتى تعطل كفر آخر !! خفقت قلوبنا وارتعدت فرائصنا ، فنحن الآن في مكان ناء و ليس هناك حل يحلحلها ، الكفر الاحتياطي تم استخدامه ، أسقط في أيدينا وقلة الحيلة ، ولم نقم لما يقارب الساعة ، بعد تحسس الكفرات بأكثر من الدوران حول السيارة .

دعني أخرج من القصة ثم أعود - فلا تنس الاتفاق الذي عقدناه قبل قليل! - بعض المتهورين يا بو مشاري و قليلي التجربة يقولون ما ينفعك إلا جيبك ، وهذه المقوله مسموعه كثيراً في هذا الوقت خاصة ، يظنون أن المادة تفعل كل شئ وفي أي وقت تحركك كما تشاء ، وبعض الآباء يؤصلها في روح أبناءه تأصيلا مؤصلاً ، وهذا والله من سوء التقدير ، وقلة الدرايه ، فواهم من يقولها ومتوهم من يعتقد أنها صحيحة ومجنون من يرددها ، أحيانا وفي مواقف مثل هذه لا ينفعك جيبك ولو كان مثل جيب الكنغر !! لننتبه ، فالنافع هو الله وحده ، فلنقل لا ينفعك إلا الله ، بدلاً من هذه الجملة المادية التي أفرزتها الحياة الحاضرة . أرأيت كيف يحاول المحاولون أن يورثوا معاني مغلوطه لا تستقيم ومجريات الحياة وسننها ، بدلاً من أن نـقـعّـد للأسس الإسلامية الحقه التي أبانها الشارع الحكيم.

نعود إلي قصتنا . . . نحن الآن في هذه البرية وقبل أن تأتي الجوالات ، وأصلاً حتى الجوالات ليست في نطاق التغطية هناك ، أغلقنا السيارة وحملنا الماء وتركنا لأقدامنا حرية الحركة في الاتجاه الذي تريده ، وكانت عقارب الساعة تشير إلي الحادية عشر قبيل الظهر وكانت الأجواء حارة ، لاح لنا بيت شعر فيه بادية غير بعيد عنا يممنا صوبهم وهنا بيت القصيد ، بيت القصيد هنا فيما قالته المرأة لنا ، وما حكته علينا وطرق مسامعنا ، فقد خرجت العجوز إلينا ، ترحب بتراحيب كددت ذهني الآن لاسترجاعها فأبى ، وأكون صريحاً معك لم أفهم ما قالته !! ولكن الذي أفهمه أنها ليست من التراحيب المسموعه لدينا في القرى أو الدارجة عندنا ( لنعقد على هذه يا بو مشارى فهي لبنه أولى لمحاولة الوصول للإجابة ) اعتذرنا وأخبرناها بخبرنا ولسوء الحظ لم يكن صاحب البيت موجودًا فهممنا بالمغادرة فقالت ( ألبثوا ) هالساع ( يضوى ) أبو فلان ، ما يبطئ راح ( يـَرَدَ ) ، إلا أننا غادرنا صوب بيت شعر آخر بالكاد نراه أسفل الوادي ، بيد أننا لم نقطع ربع المسافة فكان الرأي أن أعود إلى السيارة وصاحبي يتجه إلي بيت الشعر وافترقنا ، ولكن ما هي إلا دقائق حتى جاء صاحب البيت الذي غادرناه قبل قليل ، وهو من البدو الأقحاح الرحل ( هذه لبنة ثانية لمحاولة الوصول للإجابة لنعقد عليها ) ، وقال : قالت لي المره الرجال ( فيضوا الوادي في عز القايله تحشدوا يدخلون مقلط الرجال وانت ما أنت فيه ) ولا أذكر نص كلامه كله وما قاله ، فكثير منه لم أفهمه ، ولكن ما أستدركه الآن بعد سنوات ، أستدرك بعضاً مما تفوه به من كلمات ، ومنها (اليوم قيظ بالحيل ) ( مرحوا الليلة عندنا والقمر الليلة بازغ تزين السمرة معكم وقنصوا بكرة معواض اليوم ) ولكننا لم نصدق أن أصلحنا كفر السيارة وغادرنا ثم أعاد صاحبي له كفره بعد أسبوع حيث استأذناه في ذلك فأبى علينا من كرمه أن نعيده . . انتهت القصة .

معلوم أن القرآن نزل معجزاً بلغة العرب اللغة العربية الفصيحة ، أشير هنا إلي الكلمات المسموعة التي وردت .

ألبثوا : لبث أي بقى .
قال تعالى : ( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ الآية . ...

وقال تعالى : ( وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ

راح يـَرَدَ : مقصودها ذهب لإحضار ماء من البئر.
قال تعالى ( وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ )

فيضوا الوادي : سرعة الركظ وأصل الإفاضة الصب.
قال تعالى : ( فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام . وقال تعالى : ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله ، إن الله غفور رحيم )

بازغ : أي طالع.
قال تعالى ( لَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ الآية

أعرف أنني أطلت وأكثرت إذن نستكمل بعد حين . . .

محمد عبد الله الذبياني
13-08-2010, 01:58 AM
نكمل – والكمال عزيز – الناس أما بادية وإما حاضرة بقطع النظر إلي نظر الناس بأن هذا قبلي فهو بدوى وذاك غير ذلك فهو حضري ، ليست العبرة على الحقيقية بهذا ، على أن هذا القول ظل عالقاً بذهني إلي وقت قريب دون أن أمرره على العقل ، ثم اتضح لي أنه يدخل في واحدة من ثلاث أعمال نتنه حذر منها الحبيب صلى الله عليه وسلم حيث قال : ثلاث من أعمال الجاهلية لا يتركهن الناس الطعن في الأنساب والنياحة وقولهم مطرنا بنجم كذا وكذا.
فما يجب أن يؤخذ في الحسبان البيئة التي يعيش فيها المرء وطبيعة الحياة التي يمارسها والعمل الذي يقوم به ، هذه المحددات هي ما نحتاجه في موضوعنا ، فنحتاج إذن لتفكيكها بصورة أبلغ حتى نستطيع الإجابة على السؤال على أنه يصعب أن نأتي الموضوع بأشمله فسنتجاهل عناصر كثيرة فكما يقال ما لا يدرك جله لا يترك كله

أخي أبو مشاري البادية الآن في ضواحي ينبع النخل قد وصلتهم الكهرباء كما تعلم منذ سنوات ليست بعيدة ، وعبدت إليهم الطرقات ، وأوصلت إليهم وسائل الاتصالات ، وأكثر ما تأثر بها فئة الشباب فتراهم يشتركون ليتابعوا المنافسات ، من كأس العالم إلي أقوى الدوريات ، سواء الأوربية أو المحلية من المباريات والمسابقات ، ولا يتحدثون إلا بأحدث أنواع الجوالات ، ثم هل تعلم بأن أسرع ما وصل من الاتصال بالإنترنت وكل ما ورد من أجهزة المحمول لا يغيب هناك ، أما الملابس فهي على أعلى المواصفات و أحدث الموديلات ، بل أحدثك بأعجب من هذا كله ، إن منهم من يلتقون في الليلة لقاء سمر ، أو في ليالي طلوع القمر ، فيمكثون إلي وقت السحر ، فيشتهون وجبة من مطاعم البيتزا أو البيك أو الماكدونالدز أو المشويات ، فيبادرون بالاتصال بأحدهم ممن انتهت ساعات عمله أو يتبرع متبرع منهم بالمهمة !! هذا أخي الشاهين كلامي أقوله من واقع المخالطة والمعايشة لا من نسج الخيالات ، فهل هذه تراها حياة بدو ؟؟ هل المكان هو من قرر أنهم بادية ؟ أم انتمائهم لعصبة معينه هو المقرر ؟ بالطبع المكان ليس له دخل فالعبرة كلها بما يحيطه ، المكان معيار ولكنه لا ينفك عن معايير أخر ترتبط معه لتحدده ، كما الانتماء لا ينفك عن الإنسان فالله خلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف فهي تحدده من ناحية ولكنها لا تصنفه أو ترجحه بمعزل عن العناصر الأخرى .

هذه ثول غير بعيدة عنا كانت منطقة نائية يعيش فيها كثير ممن نقول أنهم من البادية ويأتيها البدو الرحّل بحثاً عن الكلأ في أرضها، و كانت لا يكاد يعرفها أحد ، ونحن لم نكن لنعرفها لو لم تكن فيها مطاعم الأسماك الطازجة ! اليوم تراها تجذب أبناء الحاضرة رغم أنها موضع يعيش فيه البدو ، بل تراها وقد أتجه إليها الغربي والعربي من أصقاع المدورة الأرضية ، فهل نقول عن ثول الآن أنها بادية ؟ وهل نصف من يعيش فيها أنهم بدو لأن المنطقة بادية في الأساس؟ بالطبع لا ، إذن هذا يجعلنا نقول بأن العبرة ليست في المكان بقدر ما هي في الظروف القائمة فيها ، وليست في الانتماء بقدر النظر لما هو قد هيأ للعيش فيها!!

و لا تخفى عليك قصة الشاعر علي بن الجهم ، كان بدويًّا جافيًا وفد على الخليفة العباسي المتوكل على الله فأنشده قصيدة قال فيها:

أنت كالكلب في حفاظك للود *** وكالتيس في قراع الخطوب
أنت كالدلو لا عدمناك دلوا *** من كبار الدلا كثير الذنوب


فغضب حاشية الخليفة على الشاعر ولكن الخليفة المتوكل عرف جيّد شعره ، و رقّة مقصده ، و خشونة لفظه ، وذلك لأنه وصف كما رأى و ‏لعدم المخالطة و ملازمة البادية . فأمر له بدار حسنة على شاطئ دجلة فيها بستان يتخلله نسيم ‏لطيف و الجسر قريب منه ، فأقام ستة أشهر على ذلك ثم استدعاه الخليفة لينشد ، فقال :‏

عـيون الـمها بين الرصافة والجسر *** جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
خـليلي مـاأحـلى الـهوى وأمـره *** أعـرفـني بـالحلو مـنه وبـالمرّ !
كـفى بـالهوى شغلاًوبالشيب زاجراً *** لـو أن الـهوى مـما ينهنه بالزجر
بـما بـيننا مـن حـرمة هل علمتما *** أرق من الشكوى وأقسى من الهجر ؟
و أفـضح مـن عـين المحب لسّره *** ولا سـيما إن طـلقت دمـعة تجري
وإن أنـست لـلأشياء لا أنسى قولها *** جـارتها : مـا أولـع الـحب بالحر
فـقالت لـها الأخـرى : فما لصديقنا *** مـعنى وهـل في قتله لك من عذر؟
صـليه لـعل الوصل يحييه وأعلمي *** بـأن أسـير الـحب في أعظم الأسر
فـقـالت أذود الـناس عـنه وقـلما*** يـطيب الـهوى إلا لـمنهتك الستر
فقال المتوكل : أوقفوه ، أخشى أن يذوب رقة و لطافة !! انتهت القصة

الآن هذا الشاعر ذُهب به إلي الحاضرة وغيرت عليه البيئة وذلك بنقله من مكان إلي آخر لأن المكان مهيأ هناك فتغير كلامه أليس كذلك ؟؟ ولكن المتأمل اليوم في واقع الحياة من حوله يجد أن الحضارة ذهبت إلي المواطن التي يعيش فيها الناس في الشعاب وفي الأودية في القرى والهجر وحتى على رؤوس الجبال فصهرتهم على السواء أبناء الـ( مدينة ، قرية ، هجرة ) فأولجتهم واقع الحياة الحضارية والحضارية الانفتاحية ، ما كان له من الأثر أكبره في تغير كثر من العادات كالمطعم والملبس ومنها الكلام (محور هذه المساجله ) فالأمور ليست كالسابق تحتاج أن تغير مكانك لتتغير !!

الآن أستطيع أن أخلصك من كثرة كلامي
السؤال يقول : هل هناك فرق بين أقوال أهل القرية وأهل البادية بحكم اختلاف البيئة ؟
أقول في الإجابة : نحتاج أن نحدد معايير عن بيئة البادية والقرية موضع المقارنة . أتذكر اللبنتين اللتين عقدنا عليها بادئ الرأي عند كلام ذلك البدوي وصفاء لغته ، الآن جاءت مناسبتها ، نقول : إن كانوا من البدو الأقحاح الرحل ممن لم تدخلهم وسائل المدنية ولم يخالطوا حاضرة بأي شكل كان ، وكان سكان القرية من البادية الذين نزحوا إلي بيئة القرية وتكتلوا على مثلهم فلا فرق مع الجيل النازح بيد أن الفوارق ملموسة على الأبناء .
وأما إن كانوا من بيئة البادية الذين داخلتم وسائل المدنية في مكانهم فلا فرق يصل إلي درجة عدم إدراك بعض ما يقال ، وأما الفروقات البسيطة فموجودة في الأسرة الواحدة تبعاً لطبيعة الشخصية وتأثرها بالمخالطة .
هذا ما اعتقده فإن أصبت فمن الله وإن أخطأت فلا أقول إلا كما قال إبن الأثير حين قال : لا أقول أن الخطأ سهواً جرى به القلم ولكنني أعترف بأنني أجهل أكثر مما أعلم


استاذنا أبو مشاري ، هذا ما أراه ومنك يكون تعديله أو تصحيحه أو نقضه أو الإفادة عليه ، فأنت المؤرخ الذي لا تخفى عليه خافيه مثل هذه ، ولا بد وأنك قد طرقتها في أبحاثك ورحلاتك.
منى لك الشكر الجزيل محفوفـًا بالمودة محاطـًا بالتقدير والتعزيز.

أبو عمرو
13-08-2010, 04:11 AM
أبو مشاري ، شكرا لك بأن أخرجت لنا هذه الدرر والتجارب والمعلومات القيمة من عزيزنا أبو عبد الله .
حقيقة قرأت إجابة السؤال بشغف كبير وإعجاب بالغ ، حيث أنه حلل الموضوع بشكل رائع ، بعد أن قص علينا تجربته اللذيذة رغم معاناتها المريرة.
وفعلاً مع التقدم الحضاري وتوفر المواصلات ووسائل الاتصال تلاشت الفروق فأصبحنا كالعالم الخارجي المتقدم في هذا الصدد.
ربما الفارق الجوهري في الموضوع هو هدوء النفوس وصفائها في المناطق القروية أو الريفية مقارنة بضوضاء وضغوطات الحياة التي تفرضها حياة المدينة.
وقس على ذلك حياة البادية فهي أكثر بساطة وسهولة من حياة القرية.
شكرا أبو عبد الله على إمتاعنا وكل عام وأنتم بخير.

ابو عمر ــ 9
14-08-2010, 06:14 AM
مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه

ابو عمر ــ 9
14-08-2010, 06:17 AM
مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه

أبوماجد
16-08-2010, 02:27 AM
الاستاذ محمد عبد الله الذبياني (http://www.alhejaz.net/vb/member.php?u=2114)
قدمت لنا زبدة الكلام, وخير الكلام ما قل ودل, وقد اختصرت مواضيع شتى, حقاً ان فن الكلام موهبة وهبها الله لاناس امثالك فقد عجبني اختصار أحاديث كثيرة في عدة سطور … طربت بتحليلك وحسن امتلاكك للكلمة وتداخل أفكارك. جميل في فكرك أنك التفت وأوضحت .. إلى اشياء يلتفت اليها قلة..
ونحن في كتاب الحياة لسنا سوى كلمات ..
فلنكن كلمات حلوة..
أخي العزيز والعربي الأصيل كل التحية لك ولذوقك …

محمد عبد الله الذبياني
17-08-2010, 03:06 PM
أخي أبو عمرو حياك الحي ، وكل عام وأنتم بكامل الصحة والعافية تنعمون .
لقد أغرقتني بعذب كلامك ، المتدفق مع جميل أخلاقك ، النابع من قرار قلبك ، وأرجوا ألا تغرقني مرة أخرى ، يكفيني أنك تشرفني بالإطلاع على ما أحرره.
وأما هدوء النفس وصفاءها في البادية خاصة والقرية فهو أكثر مما يتصوره العقل ، وأكبر من نأتي حتى إلي أخصره في هذه العجالة ، فأود أن أشير إشارة فقط . فلقد عايشت من أبناء البادية من يعرف فجاج الأودية وشعابها ومواقع نقع الأمطار والاتجاهات التي تسيل فيها أصغير السيول حتى تلتقي في الأكبر فالأكبر ويعرفون ذلك من شكل الأرض حتى المناطق التي لأول مرة يطئونها !! يصفون شعاب الجبال بألوان الأحجار وأشكالها بدقة متناهية ، هي أدق من جهاز الجي بي أس ! -لأن هذا الجهاز تخذله الارتفاعات بل هو الذي يخذلك فيحدد لك أسفل النقطة وأعلاها برقم إحداثي واحد ولا أدري أن كان قد تم تلافي هذه الحالة في الأجهزة الأخيرة - يخبرك هذا البدوي بأن هذا الشعب فيه قلات ماء وهو لم يأتي ذلك الشعب ولم يأتي على المنطقة كلها ؟ ولكن مع ذلك إذا أتى أبن البادية الأصلي هذا إلي البيئة الحضرية كالمستشفيات مثلاً فإنه يصعب عليه تحديد الأبواب فتجده يدخل مع باب ولكنه ينساه فيخرج من آخر ! أو يضيّع مكان إيقاف سيارته في مواقف المجمعات الخ . . ، فالأمر هنا ليس له دخل بصفاء الذهن بقدر مايمسه من ضغوطات المدينة بمجرد أن يعايش الزحام والبنيان وضيق المكان واكتظاظ الناس فهذه وغيرها تأسر انطلاقه .


الله يعافيك يا بو عمر - 9 ، كل عام وأنتم بخير.


أخي الماجد أبا ماجد ، لقد شرفتني بقراءتك للموضوع رغم تواضعه ، ثم من سمو أخلاقك دفعت إلي ما أعجزني رده ، فاضطررت للاقتراض كي اسدده:
ولو أننـي أوتيـت كـل بلاغـة . . . وأفنيت بحر النطق في النظم والنثر
لما كنت بعد القـول إلا مقصـرا . . . ومعترفا بالعجز عن واجب الشكر
ففن الكلام له أناسه الذين لحدوده يقيمون ، ويعرفون سنن أقوال العرب فلا يحيدون ، ولضوابط العربية يمتثلون ، وبين أسسها لا يخلطون . فذاك كتاب فن الكلام للدكتور كمال بشر وهذا كتاب الارتقاء بالكتابة للدكتور الحمد حاولت مران نفسي على الأسس التي أوضحوها وبينوها فعرضت بعضًا مما دونته سابقًا فوجدته أعرجـًا وما زلت أجرى العمليات ، أحاول أن تستقيم ، دعواتك الخالصة .

الشاهين
24-08-2010, 05:12 PM
أخي العزيز محمد كل عام والجميع بخير بمناسبة شهر رمضان .وآسف على التأخر في الرد .والشكر للاخ العزيز ابو عمرو وكذلك استاذنا ابو ماجد ومرورهم العطر .
أخي دعني أبدا من حيث انتهيت :
أشكرك على حسن ظنك ولكن أرى انك وضعتني في مكان غير مكاني فانا طالب علم كنت ومازلت .
كان اجتهادك أخي موفق والتعريف والفوارق بين البادية والحاضرة واستحضارك للدليل من واقع حياتنا .صحيح قد يقال اننا خرجنا عن اصل الموضوع واقول لا اظن في هذا خلل بل هو ضرورة واستزادة لتهيئة الطرح واستحلاباً للفائدة.
أخي :وجدت من الهام ان نستند على حجة في تعريفنا للبادية والحاضرة وخير من تطرق لهذا من وجهة نظري هو العلامة ابن خلدون وقد اجتهدت في اخذ ماقد نحتاج له :
يقول العلامة: عبدُ الرحمن بنُ محمد بن خلدون الْحَضْرَميُ


في العمران البشري علي الجملة وفيه مقدمات
الأولى: في أن الاجتماع الإنساني ضروري. ويعبر الحكماء عن هذا بقولهم: "الإنسان مدني بالطبع "، أي لا بد له من الاجتماع الذي هو المدنية في اصطلاحهم وهو معنى العمران. وبيانه أن الله سبحانه خلق الإنسان وركبه على صورة لا يصح حياتها وبقاؤها إلا بالغذاء، وهداه إلى التماسه بفطرته، وبما ركب فيه من القدرة على تحصيله. إلا أن قدرة الواحد من البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء، غير موفية له بمادة حياته منه. ولو فرضنا منه اقل ما يمكن فرضه وهو قوت يوم من الحنطة مثلا، فلا يحصل إلا بعلاج كثير من الطحن والعجن والطبخ. وكل واحد من هذه الأعمال الثلاثة يحتاج إلى مواعين وآلات لا تتم إلا بصناعات متعددة من حداد ونجار وفاخوري. هب أنه يأكله حبا من غير علاج، فهو أيضا يحتاج في تحصيله حبا إلى أعمال أخرى أكثر من هذه، من الزراعة والحصاد والدراس الذي يخرج الحب من غلاف السنبل. ويحتاج كل واحد من هذه إلى آلات متعددة وصنائع كثيرة أكثر من الأولى بكثير. ويستحيل أن توفي بذلك كله أو ببعضه قدرة الواحد. فلا بد من اجتماع القدر الكثيرة من أبناء جنسه ليحصل القوت له ولهم، فيحصل بالتعاون قدر الكفاية من الحاجة لأكثر منهم بأضعاف.وما لم يكن هذا التعاون فلا يحصل له قوت ولا غذاء، ولا تتم حياته لما ركبه الله تعالى عليه من الحاجة إلى الغذاء في حياته ولا يحصل له أيضا دفاع عن نفسه لفقدان السلاح فيكون فريسة للحيوانات، ويعاجله الهلاك عن مدى حياته، ويبطل نوع البشر. وإذا كان التعاون حصل له القوت للغذاء والسلاح للمدافعة، وتمت حكمة الله في بقائه وحفظ نوعه. فإذن هذا الاجتماع ضروري للنوع الإنساني وإلا لم يكمل وجودهم وما أراده الله من اعتمار العالم بهم واستخلافه إياهم وهذا هو معنى العمران.

في أن أجيال البدو والحضر طبيعية
إعلم أن اختلاف الأجيال في أحوالهم إنما هو باختلاف نحلتهم من المعاش؛فإن اجتماعهم إنما هو للتعاون على تحصيله والابتداء بما هو ضروري منه وبسيط قبل الحاجي والكمالي. فمنهم من يستعمل الفلح من الغراسة والزراعة؛ ومنهم من ينتحل القيام على الحيوان من الغنم والبقر والمعز والنحل والدود لنتاجها واستخراج فضلاتها. وهؤلاء القائمون على الفلح والحيوان تدعوهم الضرورة، ولا بد، إلى البدو لأنه متسع لما لا يتسع له الحواضر من المزارع والفدن والمسارح للحيوان وغير ذلك. فكان اختصاص هؤلاء بالبدو أمراً ضرورياً لهم؛ وكان حينئذ اجتماعهم وتعاونهم في حاجاتهم ومعاشهم وعمرانهم من القوت والكن والدفء إنما هو بالمقدار الذي يحفظ الحياة، ويحصل بلغة العيش من غير مزيد عليه للعجز عما وراء ذلك.ثم إذا اتسعت أحوال هؤلاء المنتحلين للمعاش وحصل لهم ما فوق الحاجة من الغنى والرفه، دعاهم ذلك إلى السكون والدعة، وتعاونوا في الزائد على الضرورة، واستكثروا من الأقوات والملابس، والتأنق فيها وتوسعة البيوت واختطاط المدن والأمصار للتحضر. ثم تزيد أحوال الرفه والدعة فتجيء عوائد الترف البالغة مبالغها في التأنق في علاج القوت واستجادة المطابخ وانتقاء الملابس الفاخرة في أنواعها من الحرير والديباج وغير ذلك، ومعالاة البيوت والصروح وإحكام وضعها في تنجيدها، والانتهاء في الصنائع في الخروج من القوة إلى الفعل إلى غاياتها، فيتخذون القصور والمنازل، ويجرون فيها المياه ويعالون في صرحها، ويبالغون في تنجيدها، ويختلقون في استجادة ما يتخذونه لمعاشهم من ملبوس أو فراش أو آنية أو ماعون. وهؤلاء هم الحضر، ومعناه الحاضرون، أهل الأمصار والبلدان. ومن هؤلاء من ينتحل في معاشه الصنائع ومنهم من ينتحل التجارة. وتكون مكاسبهم أنمى وأرفه من أهل البدو؛ لأن أحوالهم زائدة على الضروري ومعاشهم على نسبة وجدهم. فقد تبين أن أجيال البدو والحضر طبيعية لا بد منهما.

في أن البدو أقدم من الحضر وسابق عليه وأن البادية أصل العمران والأمصار مدد لهما
قد ذكرنا أن البدو هم المقتصرون على الضروري في أحوالهم، العاجزون عما فوقه، وأن الحضر المعتنون بحاجات الترف والكمال في أحوالهم وعوائدهم. ولا شك أن الضروري أقدم من الحاجي والكمالي وسابق عليه؛ لان الضروري أصل والكمالي فرع ناشئ عنه. فالبدو أصل للمدن والحضر وسابق عليهما لأن أول مطالب الإنسان الضروري، ولا ينتهي إلى الكمال والترف إلا إذا كان الضروري حاصلاً. فخشونة البداوة قبل رقة الحضارة. ولهذا نجد التمدن غاية للبدوي يجري إليها، وينتهي بسعيه إلى مقترحه منها. ومتى حصل على الرياش الذي يحصل له به أحوال الترف وعوائده عاج إلى الدعة، وأمكن نفسه إلى قياد المدينة. وهكذا شأن القبائل المتبدية كلهم. والحضري لا يتشوف إلى أحوال البادية إلا لضرورة تدعوه إليها أو لتقصير عن أحوال أهل مدينته.ومما يشهد لنا أن البدو أصل للحضر
ومتقدم عليه، أنا إذا فتشنا أهل مصر من الأمصار وجدنا أولية أكثرهم من أهل البدو الذين بناحية ذلك المصر وفي قراه، وانهم أيسروا فسكنوا المصر وعدلوا إلى الدعة والترف الذي في الحضر. وذلك يدل على أن أحوال الحضارة ناشئة عن أحوال البداوة وانها أصل لها، فتفهمه. ثم إن كل واحد من البدو والحضر متفاوت الأحوال من جنسه: فرب حي أعظم من حي، وقبيلة أعظم من قبيلة؛ ومصر أوسع من مصر، ومدينة أكثر عمراناً من مدينة. فقد تبين أن وجود البدو متقدم على وجود المدن والأمصار وأصل لها؛ بما أن وجود المدن والأمصار من عوائد الترف والدعة التي هي متأخرة عن عوائد الضرورة المعاشية.
انتهى كلام ابن خلدون ولنا ان نخرج في خلاصة هي :
الحضارة تعني العمران والعمران هو التطور فيما يخدم الإنسان .كذلك ان من الطبيعي هجر حياة البادية نحو المدن ولكن ليس من الطبيعي الاتجاه بالعكس .
إذا ما نعيشه اليوم حضارة او بداوة اعتقد ان الإجابة واضحة ودليلها المدن واتساع رقعتها.
ولكن هناك سؤال هل المباني المنتشرة في البادية والتي تنعم بالكهرباء ووجود المدارس يصح ان تدخل ضمن التطور المنشود والذي ذكره ابن خلدون ؟

رع شة هدب
26-08-2010, 08:32 AM
جميلاً أن يقرأ المرء ماكتب هنا والأجمل أن يعي ويفهم ماطرح في هذا المتصفح من درر

تتبال بين عمالقة الكلام والفكر الأدبي لله دركم لقد جذبني حديثكم وليس لدي ما أشارككم فيه

غير علامات الفخر بأبناء بلدي الحبيب ومايدور بينهم من تبادل وأخذ وعطاء بكلمات يطرب لقراءتها

كل من دخل لهذا الحيز الصغير في مساحته والكبير فيما إحتواه من جواهر ودرر يعجر الكثير عن فهم محتواها القيم

كل الشكر لكم أساتذتي ولكم مني كل الإحترام والتقدير يسعدني أن أكون متابعة لماطرح هنا ونتمنى من إدارة منتدنا العزيز

تثبيت هذا الطرح الجميل لإعطاء الفرصه لجميع الأعضاء للتمتع بقراءته ..





تقبلوا مروري وتحياتي





وكل عام وأنتم والأمه العربيه بخير




رعووشه

أبو رامي
26-08-2010, 11:57 AM
سبحان الله لاأدري كيف مضى هذا الوقت دون أن أطلع على هذه المشاركة النافعة وأنا الحريص دائما على قراءة كل ما يخطه يراع أخي محمد الذياني لأنني أجد فيه روح الأدب العربي في دقة الوصف التي برع بها الجاحظ وفي الاستطراد بالخروج من فائدة للدخول في أخرى كما هو الحال لدى شيخنا الطنطاوي رحمه الله وقد تجلت هذه الخاصية في هذا الموضوع بعامة وفي رده على الأستاذ أبو مشاري بخاصة
أقول لا أدري كيف فاتني اقتناص هذه الفوائد في حينها رغم أنني قرأت العنوان قبل الآن ويبدو أن عادتي السيئة في الحكم على الموضوع من عنوانه هو السبب في تأخري عن قراءة الموضو ع فقد أجلت قراءة الموضوع لتقديري أنه نقل لأقوال القدماء وحسب وما كان ينبغي لي أن أقع في هذا التقدير عطفا على معرفتي بأديبنا الذبياني واختياراته

أخي محمد الذبياني
أرجو أن تستمر في كتابة هذه السلسلة فنحن في حاجة ماسة إليها وقد شددت اهتمامنا إلى هذه الفوائد العطيمة من حياة السابقين واطلعتنا على جزء هام من تراثنا الأدبي وما كانت عليه حياة آبائنا وأجدادنا واستخلصت منها العبرة والموعظة الحسنة بأسلوب أدبي وعرض سلس ونعدك بأن نكون من المتابعين النجباء بإذن الله

وقد أعود لكتابة انطباعاتي بشكل مفصل .. لأنني الآن أكتب بواسطة جهاز لابتوب ابنتي ولست متعودا على هذا النوع من الأجهزة ففجأة أجد أنني وضعت حرفا بدل حرف أو أن المشيرة قفزت إلى السطر السابق وإذا بي أمحو أو أكتب فوق ما كنت كتبته ثم أعجز عن إعادتها إلى مكانها الطبيعي ,, فإذا رأيتم في كتابتي شيئا من هذا أرجو أن تتجاوزوا عنه وفقكم الله

محمد عبد الله الذبياني
19-09-2010, 10:33 AM
نرحب برعشة هدب من الترحيب أحرّه ، ومن التقدير ما لا يبلغ منتهى ، وليتنا – بلغك الله آمالك- من البلغاء لنستطيع تقديم أعلاماً مؤلفه من الشكر دون أن يعجزنا ذلك أو ليتنا نحفظ من أبيات الشعراء أو منشآت الأدباء ، ما نقدمه كأقل الوفاء ، لما كان منكم من علامات الفخر نحونا ، ولكن الأجمل والأفضل أن نقول : جزاك الله خيرا فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : من قال : جزاك الله خيراً فقد أبلغ في الثناء.

رفقـاً بي يا أبا رامي ، فهذا التاج الذي أبدعت صنعه ، قد أثقل علىّ حمله ، وأخشى أن ينظر إليه ناظر فيفطن ألا ملائمة بين التاج والمتوج ، دون أن يدرك أن الأكرمون دائماً يفيضون من كرمهم أكثر مما يستحقه المكرّمون.
ولا أخفيك – خدمك العلم - بأني نشأت متأثراً بأسلوب الطنطاوي وطريقته البديعه في الكتابة ، وقنيت كتبه كلها أو أكثرها ، سواء ما أنتجه أو أُنتج له ، وأفنيت سطورها قراءةً مرة بعد أخرى وما زلت ، فإن كان قد بدا فيما نخطه محاكاة لطريقته – دون أن ندري– فلعله تأثر الطالب بمعلمه وإن كان لم يقابله ! ولعل من أقل الوفاء أن أدعوا له ، اللهم أرحم شيخنا علي الطنطاوي رحمه الله واسعة وتجاوز عن ذنوبه ، واجعل قبره روضه من رياض الجنة واجزه خيرا على ما قدمه من علم نافع .

أما عن الاستمرار في كتابة سلسلة من أقوال الأولين فلعلنا نجد في دفاترنا وقصاصات الأوارق ما نضيفه على ما سبق من أقوال بعد حين ، و المنى أن ترقى لأقول أنها كتبت تقديراً لأبو رامي ، فكم أبا رامي عندنا ! ومن الأنسب أن أبين أنه ليس في جعبتنا ما يزيد عما أوردناه إلا باليسير بل الأيسر منه ، فما عند أخيك دون ما تظن ، وما يعرفه أقل مما تتوقعه .
أما كاتبنا الاجتماعي أبو مشاري – أعلى الله درجته - فقد إنجذبت معه إلي بحر لا أجيد الغوص فيه ، فهو تاريخي متخصص واجتماعي متمرس ، مخالط لطبقات الناس ، ويلحظ دقائق الاختلافات وفوارق الكلمات ، و ما كان ينبغي إليّ أن أندفع معه ثم أقف في الباحة ، فأنا الأعرف بنفسي عن عدم أجادتي في هذه البحور للسباحة ، ولكن أن أقف خير لي من أن يجهدني التجديف فأغرق!!
ما يدور في خلدي وأود أن أقوله : هو ربما لم يدر في خلد ابن خلدون أنه سيأتي وقت تكون وسائل المواصلات من اليسر ما تنقل الرجل أو المرأة من مكان على بعد مئات الكيلو مترات في ظرف زمني ميسور ، فيعيش الرجل في بيئة ويعمل في بيئة أخرى وربما يقضى فسحة من الوقت في بيئة ثالثة ، كل ذلك يقضيه في يوم واحد ! فهذه تمد الأطراف موضع الدراسة بفوارق تفترق إلي فرق مفرقه، ما يجعل كلام ابن خلدون صحيح من أوجه ويحتاج إلي لواحق خبير تواكب التغيرات والنقلات ، و تقلل المساحات في التصورات ، فهذه طوارئ على جيلين مختلفين ، ما أحدث تغيرات على هؤلاء تختلف بأقدار معينه عن أولئك ، هذه فترة إن جاز التعبير أن نسميها منازعه ، وهو ما صعّب علىّ الإتيان إليها ، ولعل في هذا التداخل وغيره ما أعياني عن تحديد الأمد وتصويب الهدف ، فالأمر يتطلب الوقوف إلي قرار نطمأن إلي ثباتنا عليه .
ونظراً لضعف الأدوات بين يدي ولا حرج إن قلت لمحدودية علمي وقلة إطلاعي يدفعني لرفع الراية ، فغص يا أبا مشاري في الأعماق وانثر لنا من الدرر ما يملأ نفوساً تاقت إلي لئالئ من مثل هذه.

نبع الخير&
21-09-2010, 01:44 PM
موضوع رائع
ومجهود تشكر عليه
ننتظر جديدك

أبو سفيان
22-09-2010, 12:42 PM
عزيزي وجاري الغالي / أبو عبد الله :


كلما هممت بمطالعة هذا الموضوع يأتيني ما يشغلني لأنني بصراحة موضوعاتك لا يمكن قراءتها بسطحية وبما يسمى ( مرور الكرام)


واليوم رأيت صفحة مشرقة من الكلام الجميل ينفتح لها القلب



وهذا الذي رأيته يثبت ما سبق أن قلته بأن الأخ / محمد الذبياني إذا غاب لظرف ما فهو يأتي بما يعوض هذا الغياب وزيادة


وكلما أقرأ لك موضوعا يزداد إعجابي بحرفك وبأفكارك ؛ فإنّ مثل هذه
الافكار لا تولد في العقول المتقدة وعندما نلحظ الإنسان
يستفيد من تجاربه ومن تجارب غيره ثم يستطيع تصديرها للآخرين فتلك في ظني بضاعة رابحة .

أغبطك أخي محمد على حسن اختيارك لمثل هذه الموضوعات ؛ فمن رحم التراث ومن مجالسة الكبار تأتي روعة الزمان واستحضار المكان ولذا أستطيع استعارة بيت الشعر الذي استشهدتَ به من قصيدة الشاعر القرشي ابن الجهم :



أنت كالدلو لاعدمناك دلواً =من كبار الدّلا كثير الذَّنوب



والشاهد في كلمة الذنوب بفتح الذال ومعناها الدلو الكثير السيلان بسبب امتلائه ؛؛ وأنت هكذا يا محمد دائما تحرك الأشجان ، وتنعش الوجدان بحلو الكلام .
وشكرا لأخي أبو مشاري الذي استحثك وفجر هذا الينبوع من جميل القول وما تعرضتما له عن البداوة والحضارة ودلائلها ..
كما أؤيد أخي / أبو رامي فيما قال بأن تحاول أن تجعل من هذه الأفكار سلسلة نستمتع بعطرها الفواح عبر فيض قلمك المبدع ، وجمال حرفك المقنع.

محمد عبد الله الذبياني
16-10-2010, 02:19 PM
تشرفت أخي نبع الخير بقراءتك للموضوع فجزاك الله خيرا


حياك الله يا بو سفيان وأهلا وسهلا بالجار العزيز ، وأشكرك من الشكر النقي جزيلا على رقيق مداخلتك ، ولطيف عباراتك ، وحسن قولك وظنك وانطباعك. وأتمنى أن أطبب همتي العليله ثم تزول دواعي كسلي فأكون كما قلت في المستقبل ثم أعزو إلي أهل الفضل فضلهم فأقول هذا بعد فضل الله بما وجدته من تشجيع معنوى من أفاضل منهم جاري أبو سفيان .


و لا بأس في أن نأخذ بمقترح أبو رامي المؤيد من قبلكم ، فلعلنا في قادم الأيام - إن شاء الله- إن وقعنا على جديد من القديم من أقوال السالفين سوف نسلسله هنا ، وهذا عمل بسيط من الممكن لأي شخص أن يحرر فيه ، بيد أن الغير ممكن لدينا ، وما يشق على غيرنا ، هو ما أود أن أقوله لرئيس لجنة التراث ، أقوله وأنا أعرف إمكانات لجنته كما أفقه تسامي طموحاتها ، لذا فربما تحين فرصه تقتنصها اللجنة تحقق بها الغاية.


كبار السن من الأجداد ممن هم بيننا الآن هم جيل لن يتكرر ، لن يتكرر بمعنى من عايشوا أحداثاً وحياه مختلفة تماماً عن حياة الجيل الحالي ، الجيل الذي لم يقاسى مثلهم قسوة الأعوام ، ولم تعركه الأيام ، وحتى نزن الكفة فالجيل الماضي أيضاً هو لم يتعارك مع الفيس بوك واليوتيوب والماسنجر والشات كما هو يعرك الآن في الجيل الحالي !! فبعد ثلاثين عاما على الأكثر لن يأتي يا جار من يحدثك بمثل تلك التجارب القاسية ولن تجد ممن يحدث الآن بها عندئذ ، هذا على سنن الحياة والأمور كلها بيد الله.


والمقترح أن تبحث اللجنة إمكانية تنظيم لقاءات ميسورة تنأى عن الرسميات كل النأي ، فتجمع كبار السن والشباب على بساط البساطه فيبثون فيها إليهم تجاربهم ، وينثرون الخلاصة الخالصة لخبرة أعمارهم ، وبعد يحدثون بأحداث ينبع وما فيها وما كان وبقي ، وما كان ولم يبق ، يصورن حالها وانتقالها وتغيراتها ، ثم توثق لتبقى في مكتبة لجنة التراث فيتم الإفادة منها في المناسبات واللقاءات والزيارات ، وبهذا تكون اللجنة قد سلمت للأجيال اللاحقة آثاراً على الأرض حاربت لتحفظها من الضياع ثم بالصوت والصورة نقلت قصصا وأحداث من عاشوا فيها ، أرأيت ماذا فعل بيرتون وبيركهارت وديديه وإبراهيم باشا والعياشى والجاسر والبلادي وغيرهم لقد صوروا لنا حقبة من الزمن ، و دونوا ما رأوه في ينبع عندما مروا بها وعايشوا من أيامهم فيها وذلك وفق إمكاناتهم المحدودة ، ونحن الآن وهذه التقنية بين أيدينا ومن عاش صوراً من ماضي ينبع الثر يسيرون بأقدامهم بيننا فهلا نقلنا صوتهم وصورتهم وتجاربهم لمن يأتي بعدنا ؟ فنقول لهم هاكم من لجنة التراث بالصوت والصورة ما قاله الأولون عن ينبع !

محمد عبد الله الذبياني
27-04-2011, 10:42 AM
كان الأولون يحذرون بعضهم البعض من الذئب ، فيقولون: أنتبه من الذيب لا يكلك. ويتحدثون : الليلة رأيت الذيب في المكان الفلاني فإياك أن تمشى إلا وعصاك معك أو بندقيتك ، وآخر يحذر شاهدت جرّة الذيب عند البئر الفلاني وربما حرموا من الماء ليلتهم تلك خوفاً من تربصه بهم ، وكذا ينبه الآباء أبناءهم من الذئب ، وأبلغ مثال ما ورد في سورة يوسف : (قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11) أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12) قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13) قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (14)


واليوم وبعد أن بسطت المدنية نفوذها فرّت الذئاب وابتعدت ، ولعلها انحسرت أو انقرضت ، فأين من يحذر اليوم من الذئب إلا فيما ندر في بعض الهجر ولعل الأغنام هي الفريسة المستقصده للذئاب اليوم ، ثم أخذت الجمال والتي كانت تحمل المتاع ، وتنقل الركب إلي الأصقاع ، حلت محل الذئب في التحذير فأصبح المحذرون يحذرون من الجمال التي تقطع طريق السيارات ليلا فتسبب أشنع الحوادث والوفيات والإصابات ، سبحان الله كان المسافر يسير على جمله فيحذره المحذرون من الذئاب والدواب ثم عندما جاءت السيارات نحى التحذير إلي الجمال التي كانت تحمل البشر !! وبعد إحاطة الطرقات السريعة بالسور الحديدي تكاد تكون انعدمت التحذيرات من الجمال لتظهر لنا في الأشهر القليلة الماضية تحذيرات على غير ما سلف ، فالتحذير أصبح ممن يؤمن سلامة الطريق ، فقد أتجهت التحذيرات إلي الكاميرات ؟ أنتبه من ساهر! فهذا يذكر لك أنهم يتربصون لك في المكان الفلاني ، وآخر يوجهك إلي بخاخ لامع ترشه على اللوحة يحجب الفلاش ولا يؤثر في اللوحة ، وغيرهما يذكر لك قطعة معدنية تؤثر وغير ذلك من التحذيرات حتى أن الذي أراد أن يطبق يحار فلا يدري أيهما يختار :


تكاثرت الظباء على خراش . . . فلا يدري خراش ما يصيد


و تطورت النصائح وتكاثرت وكل أحد يذكر تجربته مع طريقته ، ثم جاءت برامج مبرمجه لتكشف مواضع كاميرات ساهر عبر منبه يعمل عند الاقتراب من الكاميرا يتم تثبيتها في أجهزة الملاحة وأجهزة الجوال !!


يا لقلوب البشر ولتضرب بكل تلك التحذيرات التي تدعوا إلي الحيدة عن النظام الذي وضع للحفاظ على الأرواح في أم الرغام ، أوكان يسر أن نكون للذئاب لقمة سائقه ، هذا واقع الأجداد قبل سنوات كيف كان أحدهم يحمل البندقية والعصى ولا يسير إلا بإحداهما ليتقى شر الذئاب والدواب ونحن ننعم بالتيسير الذي أراده الله لنا فنحمل الأجهزة والبرامج لتنبهنا عن وجود الكاميرات للإلتفاف على النظام !! ثم أنظروا إلي هذه التغيرات الكبيرة والفروقات الشاسعة وما أحدثته هذه الثورة الهائلة وهذا التقدم السريع ثم ما كان من قولبه في الموازين وانعكاس في الأفكار وتردي في التقدير ؟! أردت بهذا إذكاء الشعور بما نعيشه من نعيم وواقع يسع فرقاً عن الواقع السالف في كل شئ أوله التعقل والتطبع به !. إلي الملتقى

أبو سفيان
27-04-2011, 11:15 AM
عزيزي الغالي / محمد الذبياني
أسعد جدا بمقالك وبخاصة هذا السلسلة الرصينة من أقوال الأولين ، وأنت تضعها في ميزان دقيق بين الماضي والحاضر وتربطها ربطا جميلا مع تسلسل ينم عن فكر نير وحس يستشعر الواقع ويستحضر الماضي بأسلوب مقنع وجذاب ..

وبخصوص اقتراحك الخاص بالتراث وتوثيقه هو في البال ولكن حثـّك يحركنا ويدفعنا فشكرا لاهتمامك ومتابعتك ولا يزيدنا هذا إلا شعورا بالحب والتشجيع والإقدام فلا تيأس من تكراره ..
كما إنني أغبطك على ما أبدعت في هذه السلسلة وما جذبني اليوم للجديد منها في مسألة الذئاب وما تلاها مرورا بالجـِمال وكمرات ( ساهر) وانتهاء بمقارنة رائعة جدا بين من كان يحمل العصى والبندقية وبين من يستخدم تقنية الحاضر وتطورها السريع في مجابهة ما لا يريد ... شكرا على هذه القولبة ( المرستكة) دمت لنا ودامت لياليك وأيامك مملوءة بالسعادة والفكر النقي مثل ما كنت كنت قبل أن تعرس وبعد أن عرست لم يتغير شيء إلا إلى الأفضل والأكمل .