كبرياء قلم
10-03-2010, 01:39 AM
بيان وإرشاد حول ما قيل في خطبة جمعة 19/3/1431هـ، بجامع أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه، بمحافظة ينبع.
كتبه/فؤاد بن بشر الكريم الجهني. خطيب جامع أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه.
مقدمة:
يقول الله جل وعز: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}النساء 83
فثَمَّةَ عدةُ أسئلة يحتاج الناقد إليها قبل نقده، ليكون النقد بناءاً هادفاً، بعيداً عن الأغراض الشخصية التي يَشْغَل المرءُ ذمتَهُ بحق مُنْتَقَدِهِ بسببها، من رياء أو سمعة أو انتقام وتشفٍ أو تنقص واستهثار، أو غير ما ذُكر، فمن تلك الأسئلة:
هل كل من انتقد الخطبة؛ أراد بنقده وجه الله والدارَ الآخرة؟
هل كل من انتقد الخطبة؛ حضرها؟ أو سمع تسجيلها لو سجلت؟ أو حكيت له بدقة وأمانة؟ ليكون الحكم على الشيء دقيقاً صحيحاً بغير مجازفة، إذ الحكم على الشيء فَرْعٌ عن تصوُّره.
هل كل من انتقد الخطبة؛ له أهلية النقد الشرعي، وعنده من الركيزة العلمية الدينية – حيث إن الخطبة من الدينيات، كما هو معلوم - ما يُسَوِّغ له التصويبَ والتخطئةَ؟ فإن لم يكن كذلك؛ أي لم يكن طالب علم ولا عالماً؛
فهل رد ما أشكل عليه إلى موثوق من أهل العلم الشرعي، قبل تخوُّضِه فيما خاض فيه؟!
فإن كان الجواب على شيءٍ مما تقدم: ( لا )، فالنقد ليس في محله، وإذا أتى أحد بيتاً؛ فليأته من بابه، ولا يأته من ظهره، كما هي التربية القرآنية.
وإن كان الجواب على كل ما تقدم: ( نعم ).
فهل الناقدُ ناصَحَ أخاه خطيبَ تلك الجمعةِ بما لاحظ عليه بحسب وجهته، وناقشه فيما يراه قبل النقد علناً، لربما كان للخطيب من وجهة النظر ما يُقْنِع به الناقدَ، فيكتفى الناقد بذلك تبعةَ الإساءةِ إلى أخيه بغير حق، وربما يقتنع الخطيب بوجهة نظر الناقد، فيغادر ما أخطأ فيه بلا عود، وربما لا يقتنع أحدُهما بوجهة نظر الآخر، فلكلٍّ وجهة هو موليها. كما في التنزيل الحكيم، ولا إنكار من بعضنا على بعض، ما دام كلٌّ منا يَدين الله بصواب ما هو عليه، ما لم تكن المسألة من موارد النصوص الصريحة أو من مَحَالِّ الإجماع، فيتحقق بذلك من المقاصد الشرعية والعرفية ما هو ظاهر، وعلى قول الأول – فيما يُنسب إلى الشافعي من ديوان -:
تَعَمَّدني بِنُصْحِكَ في انْفِرَادِي وجنِّبني النصيحةَ في الجماعةْ
فَإِنَّ النُّصْحَ بَيْنَ النَّاسِ نَوْعٌ من التوبيخِ لا أرضى استماعه
وإنْ خَالَفْتَني وَعَصَيْتَ قَوْلِي فَلاَ تَجْزَعْ إذَا لَمْ تُعْطَ طَاعَةْ
وهكذا كل إنسان منا ينبغي أن يعامل الآخرين بما يحب أن يعاملوه به، ومصداقه حديث أنس رضي الله عنه في الصحيحين: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، وحديث ابن عمرو رضي الله عنهما، في صحيح مسلم: "فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عن النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ؛ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وهو يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إلى الناس الذي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إليه".
وما قيل فيما سبق ذكره من قضية هذه الخطبة؛ يقال في كل نقد، إذ ليس هذا التوجيه خاصاً بمن كان سبباً في كَتْبِهِ من المنْتَقِدِين، بل الهدف أوسع من ذلك، وهو دِعايةُ إخوتي عامةً في كل نقد، أن يراعوا ما في هذه المقدمة من المبادئ القويمة ما أمكن.
تمـهيد:
أما بالنسبة لخصوص خطبة جمعة 19/3/1431هـ، بجامع أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه،
فابتداءاً، ينبغي أن يحدد محل النقد للخطبة:
أهو مادة الخطبة وما فيها من المسائل والأحكام والتنبيهات على ما يقع في المجتمع من مخالفات ( لواط، وزنىً، ومواقعة الزوجة في الدبر – مخرج الغائط -، ومواقعة الزوجة في القبل – مخرج الولد – وقت الحيض والنفاس، والسحاق بين النساء، والاستمناء – ما يُسمى في العرف العادةَ السرية - )؟
أو محل النقد: أسلوب الإلقاء بما فيه من التصريح ببعض ما يستحيى من ذكره عادة؟
أو محل النقد: مكانُ إلقاءِ هذه المادة – وهو منبر الجمعة -؟
فإن كان محل النقدِ الأولَ - مادةَ الخطبة -؛
فليُذْكَر حكمٌ واحد ذُكِر في الخطبة يُعّدُّ خطأً علمياًّ، مصحوباً بدليل التخطئة.
وإن كان محل النقدِ الثانـيَ - أسلوبَ الإلقاء -؛
فليعلم أنه قد خطب شيخنا محمد بن صالح آل عثيمين رحمه الله خطبة جمعة حضرتُها؛ حذر فيها من فاحشة اللواط، وتكلم ببعض الأحكام المترتبة عليها، والخزي الذي يلحق المجتمع الذي تنتشر فيه، وأسهب في ذمها، حتى استغرق كلامُه عنها الخطبتين تلك الجمعة، وصرح فيها ببعض ما قد يستحيى منه عادةً، لدعاء الحاجة إلى ذلك.
فهذه قاعدة معمول بها عند أهل العلم – وهم أدرى وأعلم من غيرهم بما يجوز شرعاً، ويليق عرفاً -: أن ما يُستحيى من ذكره عادةً؛ ينبغي اجتناب التصريح به، والانتقالُ عنه إلى الكناية والتعريض، إلا إذا كان هذا الأسلوب - الكناية أو التعريض –؛ يرجع على البيان والإفهام بالنقض أو النقص؛ فينبغي التصريح بلا كناية، لأن الغاية من الخطاب والتكليف البيان والإفهام، وليس الإبهام والإيهام، ليتم امتثال المقصد – وهو المأمور به -، واجتناب المقطع – وهو المنهي عنه -.
وانظر أدلة ذلك: حديث ابن عباس رضي الله عنهما، بلفظ البخاري في الصحيح، برقم (6483)، في قصة ماعز بن مالك رضي الله عنه، باللفظ الصريح الذي يعرفه العامة! وكذلك حديث عائشة رضي الله عنها، في صحيح مسلم، برقم (350): " إني لأفعله أنا وهذه ثم نغتسل "، وما في سنن الترمذي (1164)، عن عَلِيِّ بن طَلْقٍ رضي الله عنه، أن النبيe قال: " ..... لا تَأْتُوا النِّسَاءَ في أَعْجَازِهِنَّ، فإن اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي من الْحَقِّ"، وهذا خطاب لكل من حضره، وتصريح بما يُستحيى من ذكره عادةً، ولذلك احتاج e إلى ذكر الجملة الأخيرة، وغيرُ ذلك مما سيأتي ذكره إن شاء الله في مكوَّن الخطبتين.
ويحكم إلقاءَ المادة على الناس مدى الحاجة إليها، فالحاجة هي التي تحدد المكان والزمان وآليَّةَ الإلقاء. سواء كان الأنسب في الخطبة أم في المحاضرة أم في الدرس أم في مجلس خاص.
وما ذُكِر في الخطبة من أولها إلى آخرها من عبارات صريحة يُستحيى من ذكرها عادةً؛ ليس شيء منه إلا والحاجة ماسة إليه، ولا يسد مسده كناية ولا تعريض يتأدى به كمالُ الإفهام، ودفع الإيهام، ولا سيما، والملقي يخاطب فِئاماً من الناس مختلفةً متفاوتةً في الأفهام والإدراك والعقلية. فهل يستطيع الناقد إيجاد ألفاظٍ بدائلَ مكافئةٍ أو أكفأ من الألفاظ التي استنكرها – شريطة أن نتفق عليها – يتأدى بها المقصود لأوسع شريحة من الناس؟
وإن كان محلُّ النقدِ الثالثَ - مكانَ الإلقاءِ -؛
فالسؤال المتبادر: ما هو المحل الأنسب لإلقاء مضمون هذه الخطبة، بما فيه من التنبيه على منكراتٍ بعضُها فواحشُ عظيمةٌ منتشرة في المجتمع وإن كانت في السر، ولكنها موجودة، واستفتاآت الناس والقضايا التي تَقبِض عليها الجهاتُ الرسمية – أسأل الله أن يبارك فيهم – برهانٌ على ذلك. والمنكَر متى وُجِدَ؛ وجب إنكاره بالأساليب الشرعية الصحيحة، ولو كان خفياًّ، لأن ذلك من ضرورات الناس الدينية التي خُلِقوا لأجلها، ومما يُذكر ولا يمكن أن يُنْكر: أن مجتمعنا هذا ولله الحمد أعدل المجتمعات مقارنة بغيره في وقتنا الحاضر.
فإن قيل: الدرس والمحاضرة تسد المسد، وتقضي حاجة البيان بدلاً عن منبر الجمعة.
فيقال: من هو المستهدف بمضمون ما ذكر في الخطبة؟ أهم طلاب العلم؟! أهم المتدينون؟!
جواب نفس الملقي - الخطيب -: ( بالدرجة الأولى؛ لا هؤلاء، ولا هؤلاء، وإذا كانوا يحتاجونه؛ فغيرهم أحوج وأولى ).
فمن الذي يحضر الدرس والمحاضرة العلمية؟!
عادةً؛ طلاب العلم والمتدينون.
أفيخاطب بذلك الكلام من هو مقصود تبعاً، ويترك المقصود أصلاً؟!
فالمستهدف بذلك الكلام أيها الأخ الكريم عمومُ العامة رجالاً - بالحضور - ونساءاً - بالبلاغ –، تعليماً للذين لا يعلمون هذه الأحكامَ كلَّها أو بعضَها، ووعظاً وتذكيراً للذين يعلمونها، ولكنهم واقعوها لتمَكُّنِ الشيطان والنفس من إيقاعهم فيها، كسائر المخالفات الأخرى الأعظم منها كالشركيَّات، وما دونها من المعاصي المنتشرة، ومن المعلوم قطعاً؛ أن خطب الجمعة من أوسع المجالات للاتصال بفئات المجتمع المختلفة وأداء الشرائع إليهم، والأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر، وتذكيرِهم ووعظِهم، وفقاً للضوابط الشرعية التي تحكمها أدلة الشرع المعتبرة، ثم من مع أؤلئك المستهدفين من الأطفال، فهم أقلية مغتفرة، والعبرة بالسواد الأعظم من الحاضرين ممن يحتاجون تلك المسائل والتنبيهات، وما يسمعه الصغير الواعي من طالب علم في خطبة أو غيرها يشرحه له وليُّه الذي هو معه بالطريقة المناسبة، خير له ولوليه من أن يسمعه ذلك الصغير من غيرهما على وجه الله أعلم بصفته.
ومن لا يعي من الصغار مثلَ هذا الكلام؛ يقال له نظير ما يقال له إذا سأل بعض الأسئلة التي ترد على ذهنه مما يراه أو يسمعه في البث أو يقرأه في بعض كتب المدارس مما يتعلق بمثل هذه الأمور، والفقيه مِنْ الأولياء مَنْ يحسن الإجابات على تلك الإيرادات.
أما أن تُتْركَ مواضيعُ برأسها كهذه – وهي من جملة الشريعة - مراعاةً للأقلية الصغار التي يمكن تلافي ما قد يَحْتَفُّ بسماعهم من الإحراج؛ فليس بمبرر ولا عذر بمجرده.
وكون الرجل من الحضور يخرج بأولاده ويدع الخطبة؛ هذا عيب فيه وليس في الخطبة، لأنه استحيى من الحق، والله جل وعلا يقول:{وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}، وكان أليق به؛ إما أن يُفهِم أولاده الذين يعقلون مثل هذا الخطاب إذا سألوه، وإما أن يُسَكِّتَهُم بما جرى به العرف، كأن يقول لابنه: إذا كبرتَ؛ فستعرف إن شاء الله، إذا كان ممن لا يقوى على إفهامه ذلك. وما أكثرَ أسئلةَ الأطفالِ المحرجة لدي بعض الناس.
على أن ما ذُكِر من قيام أناس من الجامع أثناء الخطبة؛ مستغرب! فإن الناس نُصْبَ عَيْنَيِّ الخطيب، وهو مستقبلُهم، ومشرف عليهم بعلو المنبر، وبابا الجامع مكشوفان بين يديه، ولم ير قائماً من الناس! فالله أعلم، ولو فرض ونَدَّ عن الطرف أحد الناس؛ فلن ينِدَّ عنه الآخرون، فما ذُكر مما يوهم التصعيد والتكثير غير مناسب!
فإن قيل: إن ما ذكر في الخطبة من المسائل والتنبيهات أمر غير مألوف لدي الناس، وإن كان صحيح المادة.
فيقال: فما المانع أن يألفوه، ومتى يتعلمونه وما فيه من الأحكام؛ إذا كانوا لا يُحَدَّثُون إلا بما ألفوه؟! فما دام أُدِّيَ بانضباط شرعي، وهو عين الذي حصل في الخطبة، ولله الحمد؛ فلا مانع من ذلك إلا على وجه التعسف.
مكون خطبتي جمعة 19/3/1431هـ:
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}، {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراًونساءاً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً}، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}.
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهُدى هُدى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد؛ فإني أخطبكم بما خاطب به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصحابه الكرام علناً بما يُسْتَحيى من ذكره عادةً، فقال: ( لا تأتوا النِّساءَ في أعْجَازِهِنَّ، فإن الله لا يستحيي من الحق )، كما عند بعض أصحاب السنن، والله تعالى يقول: {واللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}، وسألتْ أمُّ سليم رضي الله عنها النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم عما يُسْتَحيى من ذكره عادةً، وبصريح العبارة، وقدمت بهذه المقدمة، وأجابها بصريح العبارة، فقالت: ( يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "نَعَمْ، إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ" )، كما جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها.
وإنه مما في المجتمع من المعصية العظيمة مما يحصل في العشرة الزوجية وما يتعلق بالفراش؛ جملة مخالفات، منها:
وطء الرجل امرأتَه في دبرها، أي في مخرج الغائط، فهذا فاحشة عظيمة، ومحرم من الكبائر، حذر منه النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام في غير ما حديث، حتى ثبت عنه، عند بعض أصحاب السنن أنه قال: "ملعون من أتى امرأة في دبرها"، عياذاً بالله.
ومن ذلك أيضاً: وطءُ الرجل امرأتَه في قُبُلِها أي مخرج الولد أثناء الحيض أو النفاس، وهذا مثل سابقه، حرام من كبائر الذنوب، ثبت الحديث بلعن فاعله عياذاً بالله، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما عند بعض أصحاب السنن أيضاً.
والبديل الشرعي عن تلكم المعاصي معشرَ الأزواج؛ ما أحل الله لكم من زوجاتكم في محل الحرث الذي ذكر الله جل وعلا، وهو مخرج الولد في وقت الطُّهر، فإن كانت وقت الحيض أو النفاس؛ فالبديل الشرعي عن الوطء؛ ما ورد في الحديث من مباشرتِهن، سواءٌ كانت مُقْبِلةً أم مُدْبرة، ولكن لا بد من وجود حائل مهما دَقَّ، كالسراويل التي لا أكمام لها والذي يسميه الناس الكلت، مما يأمن معه الزوجُ الإيلاجَ المحرمَ، لحديث عائشةَ رضي الله عنـها قـالت: ( كنتُ أغتسلُ أنا والنبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم من إناء واحدٍ كلانا جُنُبٌ، وكان يأمرُني فأتَّـزِرُ، فيُباشرني وأنا حائض ).
ومن البدائل الشرعية؛ استمناء الرجل بيد زوجته، فهذا مما أجمع العلماء قاطبة على جوازه، ولم يُحَرِّمه أحد، كما حكاه أهل العلم، ولكن ينبغي ألا يكون باليد اليمنى تكريماً لها، لما جاء في حديث سلمان رضي الله عنه في صحيح مسلم، لمـَّا قِيلَ لَهُ: قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ! فَقَـالَ: ( أجَلْ، لقد نهانا أن نستقبلَ القِبلةَ لغائطٍ أو بولٍ، أو أن نستنجيَ باليمين ..... )، فإن جملةً من النساء يشكين ما سبق من أزواجهن من المخالفات المذكورة، وها هي البدائلُ الشرعيةُ عما حرم الله تبارك وتعالى، ذُكِرَتْ لكم بصريح العبارة دفعاً للتوهم، حتى ينقطعَ العذرُ وتقومَ الحجة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا أن يحمد وينبغي له ويرضى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبعد.
فمن المخالفات المنتشرة أيضاً في المجتمع: الاستمناء – وهو ما يعرف بالعادة السرية –، فإنه محرم لا يجوز، بدَلالة جملةِ آياتٍ ذُكرتْ في القرآن مرتين – في سورتي ( المؤمنون، المعارج ) –، قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}، إلا ما استثنى من الأحوال التي يجوز فيها الاستمناء؛ كتحقق وقوع الزنى أو اللواط لو لم يستمْنِ، دفعاً لعظمى المفسدتين بدنياهما، لأجل الضرورة الشرعية، حفظاً للدين من الفاحشة، وكما لو احتاج إلى الاستمناء للتطبب والعلاج، لأجل الضرورة أو الحاجة البدنية، مع ما سبق ذكره مما حُكي الإجماع على جوازه من استمناء الرجل بيد زوجته.
والبديل الشرعي للشباب الذين يقعون في هذه المعصية لله؛ الزِّواجُ لمن استطاع مُؤْنَتَه، ومن لم يستطعها فخير بديل له هو الصوم، كما ورد الإرشاد إلى ذلك في حديث ابن مسعود في الصحيحين، إذ الصوم؛ عبادةٌ في نفسه، كافٌّ للمرء عن أنواع المعاصي بنتيجته، فهو جُنَّة، كما جاء في حديث أبي هريرة، في الصحيحين أيضاً ، أي وقاية حسية عن الأمراض، ووقاية معنوية عن المعاصي. أسأل الله تعالى أن يعصم شباب المسلمين رجالاً ونساءاً من السوء.
ومن المخالفات أيضاً: السِّحاق – وهو مباشرةُ المرأةِ المرأةَ، عياذاً بالله - وما ينشأ في أوساط بعض البنات من العشق والتعلق المحرمين ببعضهن البعض، سواءٌ في المدارس أم في غيرها من معاقل اجتماعهن، ولا نلق باللائمة على المديرات والمدرِّسات، فإنهن لو عَلِمْنَ بذلك لنَهَيْنَ عنه، كما هو الظن بأؤلئك المربِّيات بوزارتنا الرشيدة - وزارة التربية والتعليم -، وإنما العيب في البنات أنفسِهن، فعليكم يا أولياء أمور البنات ضربُ الرِّعاية والرِّقابة التَّامَّتَيْنِ على ما تحت أيديكم من البنات، وتنبيهُهُنَّ عن أسباب الفتن، وتعاهُدُهُنَّ فيمن يماشين من الآخريات، ألا يصحبن إلا الصالحات - وهن في مجتمعنا كثيرات ولله الحمد -.
فيا أيها المسلمون! اعملوا على التحذير من هذه الآفات في المجتمع بالطريقة السوية المناسبة، وكما سبق: إن الله لا يستحيي من الحق، فلا بأس بالتصريح بما يستحيى من ذكره عادةً عند دعاء الحاجة إلى ذلك، إذا رأيتم أن التعريض لا يقوم بالمقصود، ولكن في حدود المعقول، بغير تفحُّش، ولذلك نجد من الأطباء من يصرحون ببعض المسائل الطبية التي تتعلق بالفراش والعورات وما إلى ذلك مما يستحيى من ذكره عادةً، في البث المرئيِّ والمسموع علناً، ويُسْتَحْسن ذلك منهم، ويستفاد مما قالوا، وجزاهم الله خيراً.
فكذلك أهل العلم – علماءُ وطلابُ علمٍ –؛ يذكرون أحكام ما يُحتاج إلى ذكره، وجزاهم الله خير الجزاء.
أسأل الله الحي القيوم لنا ولكم ولوالدينا وللمسلمين الهداية والرشاد والسداد، ولأولياء أمورنا التوفيق والبركة والعز. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
هذه تفاصيل مكون الخطبتين يوم 19/3/1431هـ.
الخاتمة:
أخيراً: اللهُ الموعدُ يوم القيامة، يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذٍ لله، يوم ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهو لا يظلمون.
لا يكونن أحدُنا كأصحاب بعض الصحف الذين يُحَمِّلُون ذمَـَمهم من وقت لآخر عُهْدةَ القدحِ في العلماء - واحداً تلو آخر - ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً، فوالله! إنهم لا يضرون إلا أنفسهم، وما يضرون أهل العلم من شيء. فياويل من تعدى على عالمٍ أو طالبِ علمٍ بغير حق، فكان خصمَه يوم القيامة.
فالنصيحة لكل ناقد بما قال تعالى:{وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} لا يتجشمن الكلام في الشرعيات ولو كان للعرف قيد فيها مَن ليس من أهل العلم المقَعَّدين، حتى لا يبوؤوا بإثم القول على الله عز وجل بغير علم، أو التعدي على مسلم بغير حق، كما أن النصيحة لغيرهم ألا يكون مرجعية التقويم لديهم مَن ليس من أهل العلم، حتى لا يَضِلُّوا، فإن الله تعالى يقول في آيتين: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}، وشرائع الدين ليست بالتصويت الجمهوري، وإنما هي شرائع مواردها نصوص الوحيين على فهم سلف الأمة وأتباعهم من أهل الهدى والعلم والبصيرة. أسأل الله الحي القيوم أن يشرح صدورنا جميعاً لمقالة الحق، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه/فؤاد بن بشر الكريم الجهني. خطيب جامع أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه.
مقدمة:
يقول الله جل وعز: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً}النساء 83
فثَمَّةَ عدةُ أسئلة يحتاج الناقد إليها قبل نقده، ليكون النقد بناءاً هادفاً، بعيداً عن الأغراض الشخصية التي يَشْغَل المرءُ ذمتَهُ بحق مُنْتَقَدِهِ بسببها، من رياء أو سمعة أو انتقام وتشفٍ أو تنقص واستهثار، أو غير ما ذُكر، فمن تلك الأسئلة:
هل كل من انتقد الخطبة؛ أراد بنقده وجه الله والدارَ الآخرة؟
هل كل من انتقد الخطبة؛ حضرها؟ أو سمع تسجيلها لو سجلت؟ أو حكيت له بدقة وأمانة؟ ليكون الحكم على الشيء دقيقاً صحيحاً بغير مجازفة، إذ الحكم على الشيء فَرْعٌ عن تصوُّره.
هل كل من انتقد الخطبة؛ له أهلية النقد الشرعي، وعنده من الركيزة العلمية الدينية – حيث إن الخطبة من الدينيات، كما هو معلوم - ما يُسَوِّغ له التصويبَ والتخطئةَ؟ فإن لم يكن كذلك؛ أي لم يكن طالب علم ولا عالماً؛
فهل رد ما أشكل عليه إلى موثوق من أهل العلم الشرعي، قبل تخوُّضِه فيما خاض فيه؟!
فإن كان الجواب على شيءٍ مما تقدم: ( لا )، فالنقد ليس في محله، وإذا أتى أحد بيتاً؛ فليأته من بابه، ولا يأته من ظهره، كما هي التربية القرآنية.
وإن كان الجواب على كل ما تقدم: ( نعم ).
فهل الناقدُ ناصَحَ أخاه خطيبَ تلك الجمعةِ بما لاحظ عليه بحسب وجهته، وناقشه فيما يراه قبل النقد علناً، لربما كان للخطيب من وجهة النظر ما يُقْنِع به الناقدَ، فيكتفى الناقد بذلك تبعةَ الإساءةِ إلى أخيه بغير حق، وربما يقتنع الخطيب بوجهة نظر الناقد، فيغادر ما أخطأ فيه بلا عود، وربما لا يقتنع أحدُهما بوجهة نظر الآخر، فلكلٍّ وجهة هو موليها. كما في التنزيل الحكيم، ولا إنكار من بعضنا على بعض، ما دام كلٌّ منا يَدين الله بصواب ما هو عليه، ما لم تكن المسألة من موارد النصوص الصريحة أو من مَحَالِّ الإجماع، فيتحقق بذلك من المقاصد الشرعية والعرفية ما هو ظاهر، وعلى قول الأول – فيما يُنسب إلى الشافعي من ديوان -:
تَعَمَّدني بِنُصْحِكَ في انْفِرَادِي وجنِّبني النصيحةَ في الجماعةْ
فَإِنَّ النُّصْحَ بَيْنَ النَّاسِ نَوْعٌ من التوبيخِ لا أرضى استماعه
وإنْ خَالَفْتَني وَعَصَيْتَ قَوْلِي فَلاَ تَجْزَعْ إذَا لَمْ تُعْطَ طَاعَةْ
وهكذا كل إنسان منا ينبغي أن يعامل الآخرين بما يحب أن يعاملوه به، ومصداقه حديث أنس رضي الله عنه في الصحيحين: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، وحديث ابن عمرو رضي الله عنهما، في صحيح مسلم: "فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عن النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ؛ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وهو يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إلى الناس الذي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إليه".
وما قيل فيما سبق ذكره من قضية هذه الخطبة؛ يقال في كل نقد، إذ ليس هذا التوجيه خاصاً بمن كان سبباً في كَتْبِهِ من المنْتَقِدِين، بل الهدف أوسع من ذلك، وهو دِعايةُ إخوتي عامةً في كل نقد، أن يراعوا ما في هذه المقدمة من المبادئ القويمة ما أمكن.
تمـهيد:
أما بالنسبة لخصوص خطبة جمعة 19/3/1431هـ، بجامع أبي طلحة الأنصاري رضي الله عنه،
فابتداءاً، ينبغي أن يحدد محل النقد للخطبة:
أهو مادة الخطبة وما فيها من المسائل والأحكام والتنبيهات على ما يقع في المجتمع من مخالفات ( لواط، وزنىً، ومواقعة الزوجة في الدبر – مخرج الغائط -، ومواقعة الزوجة في القبل – مخرج الولد – وقت الحيض والنفاس، والسحاق بين النساء، والاستمناء – ما يُسمى في العرف العادةَ السرية - )؟
أو محل النقد: أسلوب الإلقاء بما فيه من التصريح ببعض ما يستحيى من ذكره عادة؟
أو محل النقد: مكانُ إلقاءِ هذه المادة – وهو منبر الجمعة -؟
فإن كان محل النقدِ الأولَ - مادةَ الخطبة -؛
فليُذْكَر حكمٌ واحد ذُكِر في الخطبة يُعّدُّ خطأً علمياًّ، مصحوباً بدليل التخطئة.
وإن كان محل النقدِ الثانـيَ - أسلوبَ الإلقاء -؛
فليعلم أنه قد خطب شيخنا محمد بن صالح آل عثيمين رحمه الله خطبة جمعة حضرتُها؛ حذر فيها من فاحشة اللواط، وتكلم ببعض الأحكام المترتبة عليها، والخزي الذي يلحق المجتمع الذي تنتشر فيه، وأسهب في ذمها، حتى استغرق كلامُه عنها الخطبتين تلك الجمعة، وصرح فيها ببعض ما قد يستحيى منه عادةً، لدعاء الحاجة إلى ذلك.
فهذه قاعدة معمول بها عند أهل العلم – وهم أدرى وأعلم من غيرهم بما يجوز شرعاً، ويليق عرفاً -: أن ما يُستحيى من ذكره عادةً؛ ينبغي اجتناب التصريح به، والانتقالُ عنه إلى الكناية والتعريض، إلا إذا كان هذا الأسلوب - الكناية أو التعريض –؛ يرجع على البيان والإفهام بالنقض أو النقص؛ فينبغي التصريح بلا كناية، لأن الغاية من الخطاب والتكليف البيان والإفهام، وليس الإبهام والإيهام، ليتم امتثال المقصد – وهو المأمور به -، واجتناب المقطع – وهو المنهي عنه -.
وانظر أدلة ذلك: حديث ابن عباس رضي الله عنهما، بلفظ البخاري في الصحيح، برقم (6483)، في قصة ماعز بن مالك رضي الله عنه، باللفظ الصريح الذي يعرفه العامة! وكذلك حديث عائشة رضي الله عنها، في صحيح مسلم، برقم (350): " إني لأفعله أنا وهذه ثم نغتسل "، وما في سنن الترمذي (1164)، عن عَلِيِّ بن طَلْقٍ رضي الله عنه، أن النبيe قال: " ..... لا تَأْتُوا النِّسَاءَ في أَعْجَازِهِنَّ، فإن اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي من الْحَقِّ"، وهذا خطاب لكل من حضره، وتصريح بما يُستحيى من ذكره عادةً، ولذلك احتاج e إلى ذكر الجملة الأخيرة، وغيرُ ذلك مما سيأتي ذكره إن شاء الله في مكوَّن الخطبتين.
ويحكم إلقاءَ المادة على الناس مدى الحاجة إليها، فالحاجة هي التي تحدد المكان والزمان وآليَّةَ الإلقاء. سواء كان الأنسب في الخطبة أم في المحاضرة أم في الدرس أم في مجلس خاص.
وما ذُكِر في الخطبة من أولها إلى آخرها من عبارات صريحة يُستحيى من ذكرها عادةً؛ ليس شيء منه إلا والحاجة ماسة إليه، ولا يسد مسده كناية ولا تعريض يتأدى به كمالُ الإفهام، ودفع الإيهام، ولا سيما، والملقي يخاطب فِئاماً من الناس مختلفةً متفاوتةً في الأفهام والإدراك والعقلية. فهل يستطيع الناقد إيجاد ألفاظٍ بدائلَ مكافئةٍ أو أكفأ من الألفاظ التي استنكرها – شريطة أن نتفق عليها – يتأدى بها المقصود لأوسع شريحة من الناس؟
وإن كان محلُّ النقدِ الثالثَ - مكانَ الإلقاءِ -؛
فالسؤال المتبادر: ما هو المحل الأنسب لإلقاء مضمون هذه الخطبة، بما فيه من التنبيه على منكراتٍ بعضُها فواحشُ عظيمةٌ منتشرة في المجتمع وإن كانت في السر، ولكنها موجودة، واستفتاآت الناس والقضايا التي تَقبِض عليها الجهاتُ الرسمية – أسأل الله أن يبارك فيهم – برهانٌ على ذلك. والمنكَر متى وُجِدَ؛ وجب إنكاره بالأساليب الشرعية الصحيحة، ولو كان خفياًّ، لأن ذلك من ضرورات الناس الدينية التي خُلِقوا لأجلها، ومما يُذكر ولا يمكن أن يُنْكر: أن مجتمعنا هذا ولله الحمد أعدل المجتمعات مقارنة بغيره في وقتنا الحاضر.
فإن قيل: الدرس والمحاضرة تسد المسد، وتقضي حاجة البيان بدلاً عن منبر الجمعة.
فيقال: من هو المستهدف بمضمون ما ذكر في الخطبة؟ أهم طلاب العلم؟! أهم المتدينون؟!
جواب نفس الملقي - الخطيب -: ( بالدرجة الأولى؛ لا هؤلاء، ولا هؤلاء، وإذا كانوا يحتاجونه؛ فغيرهم أحوج وأولى ).
فمن الذي يحضر الدرس والمحاضرة العلمية؟!
عادةً؛ طلاب العلم والمتدينون.
أفيخاطب بذلك الكلام من هو مقصود تبعاً، ويترك المقصود أصلاً؟!
فالمستهدف بذلك الكلام أيها الأخ الكريم عمومُ العامة رجالاً - بالحضور - ونساءاً - بالبلاغ –، تعليماً للذين لا يعلمون هذه الأحكامَ كلَّها أو بعضَها، ووعظاً وتذكيراً للذين يعلمونها، ولكنهم واقعوها لتمَكُّنِ الشيطان والنفس من إيقاعهم فيها، كسائر المخالفات الأخرى الأعظم منها كالشركيَّات، وما دونها من المعاصي المنتشرة، ومن المعلوم قطعاً؛ أن خطب الجمعة من أوسع المجالات للاتصال بفئات المجتمع المختلفة وأداء الشرائع إليهم، والأمرِ بالمعروف والنهيِ عن المنكر، وتذكيرِهم ووعظِهم، وفقاً للضوابط الشرعية التي تحكمها أدلة الشرع المعتبرة، ثم من مع أؤلئك المستهدفين من الأطفال، فهم أقلية مغتفرة، والعبرة بالسواد الأعظم من الحاضرين ممن يحتاجون تلك المسائل والتنبيهات، وما يسمعه الصغير الواعي من طالب علم في خطبة أو غيرها يشرحه له وليُّه الذي هو معه بالطريقة المناسبة، خير له ولوليه من أن يسمعه ذلك الصغير من غيرهما على وجه الله أعلم بصفته.
ومن لا يعي من الصغار مثلَ هذا الكلام؛ يقال له نظير ما يقال له إذا سأل بعض الأسئلة التي ترد على ذهنه مما يراه أو يسمعه في البث أو يقرأه في بعض كتب المدارس مما يتعلق بمثل هذه الأمور، والفقيه مِنْ الأولياء مَنْ يحسن الإجابات على تلك الإيرادات.
أما أن تُتْركَ مواضيعُ برأسها كهذه – وهي من جملة الشريعة - مراعاةً للأقلية الصغار التي يمكن تلافي ما قد يَحْتَفُّ بسماعهم من الإحراج؛ فليس بمبرر ولا عذر بمجرده.
وكون الرجل من الحضور يخرج بأولاده ويدع الخطبة؛ هذا عيب فيه وليس في الخطبة، لأنه استحيى من الحق، والله جل وعلا يقول:{وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}، وكان أليق به؛ إما أن يُفهِم أولاده الذين يعقلون مثل هذا الخطاب إذا سألوه، وإما أن يُسَكِّتَهُم بما جرى به العرف، كأن يقول لابنه: إذا كبرتَ؛ فستعرف إن شاء الله، إذا كان ممن لا يقوى على إفهامه ذلك. وما أكثرَ أسئلةَ الأطفالِ المحرجة لدي بعض الناس.
على أن ما ذُكِر من قيام أناس من الجامع أثناء الخطبة؛ مستغرب! فإن الناس نُصْبَ عَيْنَيِّ الخطيب، وهو مستقبلُهم، ومشرف عليهم بعلو المنبر، وبابا الجامع مكشوفان بين يديه، ولم ير قائماً من الناس! فالله أعلم، ولو فرض ونَدَّ عن الطرف أحد الناس؛ فلن ينِدَّ عنه الآخرون، فما ذُكر مما يوهم التصعيد والتكثير غير مناسب!
فإن قيل: إن ما ذكر في الخطبة من المسائل والتنبيهات أمر غير مألوف لدي الناس، وإن كان صحيح المادة.
فيقال: فما المانع أن يألفوه، ومتى يتعلمونه وما فيه من الأحكام؛ إذا كانوا لا يُحَدَّثُون إلا بما ألفوه؟! فما دام أُدِّيَ بانضباط شرعي، وهو عين الذي حصل في الخطبة، ولله الحمد؛ فلا مانع من ذلك إلا على وجه التعسف.
مكون خطبتي جمعة 19/3/1431هـ:
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون}، {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراًونساءاً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً}، {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}.
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهُدى هُدى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد؛ فإني أخطبكم بما خاطب به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصحابه الكرام علناً بما يُسْتَحيى من ذكره عادةً، فقال: ( لا تأتوا النِّساءَ في أعْجَازِهِنَّ، فإن الله لا يستحيي من الحق )، كما عند بعض أصحاب السنن، والله تعالى يقول: {واللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ}، وسألتْ أمُّ سليم رضي الله عنها النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم عما يُسْتَحيى من ذكره عادةً، وبصريح العبارة، وقدمت بهذه المقدمة، وأجابها بصريح العبارة، فقالت: ( يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي مِنْ الْحَقِّ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ احْتَلَمَتْ؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "نَعَمْ، إِذَا رَأَتْ الْمَاءَ" )، كما جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها.
وإنه مما في المجتمع من المعصية العظيمة مما يحصل في العشرة الزوجية وما يتعلق بالفراش؛ جملة مخالفات، منها:
وطء الرجل امرأتَه في دبرها، أي في مخرج الغائط، فهذا فاحشة عظيمة، ومحرم من الكبائر، حذر منه النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام في غير ما حديث، حتى ثبت عنه، عند بعض أصحاب السنن أنه قال: "ملعون من أتى امرأة في دبرها"، عياذاً بالله.
ومن ذلك أيضاً: وطءُ الرجل امرأتَه في قُبُلِها أي مخرج الولد أثناء الحيض أو النفاس، وهذا مثل سابقه، حرام من كبائر الذنوب، ثبت الحديث بلعن فاعله عياذاً بالله، عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما عند بعض أصحاب السنن أيضاً.
والبديل الشرعي عن تلكم المعاصي معشرَ الأزواج؛ ما أحل الله لكم من زوجاتكم في محل الحرث الذي ذكر الله جل وعلا، وهو مخرج الولد في وقت الطُّهر، فإن كانت وقت الحيض أو النفاس؛ فالبديل الشرعي عن الوطء؛ ما ورد في الحديث من مباشرتِهن، سواءٌ كانت مُقْبِلةً أم مُدْبرة، ولكن لا بد من وجود حائل مهما دَقَّ، كالسراويل التي لا أكمام لها والذي يسميه الناس الكلت، مما يأمن معه الزوجُ الإيلاجَ المحرمَ، لحديث عائشةَ رضي الله عنـها قـالت: ( كنتُ أغتسلُ أنا والنبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم من إناء واحدٍ كلانا جُنُبٌ، وكان يأمرُني فأتَّـزِرُ، فيُباشرني وأنا حائض ).
ومن البدائل الشرعية؛ استمناء الرجل بيد زوجته، فهذا مما أجمع العلماء قاطبة على جوازه، ولم يُحَرِّمه أحد، كما حكاه أهل العلم، ولكن ينبغي ألا يكون باليد اليمنى تكريماً لها، لما جاء في حديث سلمان رضي الله عنه في صحيح مسلم، لمـَّا قِيلَ لَهُ: قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ! فَقَـالَ: ( أجَلْ، لقد نهانا أن نستقبلَ القِبلةَ لغائطٍ أو بولٍ، أو أن نستنجيَ باليمين ..... )، فإن جملةً من النساء يشكين ما سبق من أزواجهن من المخالفات المذكورة، وها هي البدائلُ الشرعيةُ عما حرم الله تبارك وتعالى، ذُكِرَتْ لكم بصريح العبارة دفعاً للتوهم، حتى ينقطعَ العذرُ وتقومَ الحجة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا أن يحمد وينبغي له ويرضى، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبعد.
فمن المخالفات المنتشرة أيضاً في المجتمع: الاستمناء – وهو ما يعرف بالعادة السرية –، فإنه محرم لا يجوز، بدَلالة جملةِ آياتٍ ذُكرتْ في القرآن مرتين – في سورتي ( المؤمنون، المعارج ) –، قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}، إلا ما استثنى من الأحوال التي يجوز فيها الاستمناء؛ كتحقق وقوع الزنى أو اللواط لو لم يستمْنِ، دفعاً لعظمى المفسدتين بدنياهما، لأجل الضرورة الشرعية، حفظاً للدين من الفاحشة، وكما لو احتاج إلى الاستمناء للتطبب والعلاج، لأجل الضرورة أو الحاجة البدنية، مع ما سبق ذكره مما حُكي الإجماع على جوازه من استمناء الرجل بيد زوجته.
والبديل الشرعي للشباب الذين يقعون في هذه المعصية لله؛ الزِّواجُ لمن استطاع مُؤْنَتَه، ومن لم يستطعها فخير بديل له هو الصوم، كما ورد الإرشاد إلى ذلك في حديث ابن مسعود في الصحيحين، إذ الصوم؛ عبادةٌ في نفسه، كافٌّ للمرء عن أنواع المعاصي بنتيجته، فهو جُنَّة، كما جاء في حديث أبي هريرة، في الصحيحين أيضاً ، أي وقاية حسية عن الأمراض، ووقاية معنوية عن المعاصي. أسأل الله تعالى أن يعصم شباب المسلمين رجالاً ونساءاً من السوء.
ومن المخالفات أيضاً: السِّحاق – وهو مباشرةُ المرأةِ المرأةَ، عياذاً بالله - وما ينشأ في أوساط بعض البنات من العشق والتعلق المحرمين ببعضهن البعض، سواءٌ في المدارس أم في غيرها من معاقل اجتماعهن، ولا نلق باللائمة على المديرات والمدرِّسات، فإنهن لو عَلِمْنَ بذلك لنَهَيْنَ عنه، كما هو الظن بأؤلئك المربِّيات بوزارتنا الرشيدة - وزارة التربية والتعليم -، وإنما العيب في البنات أنفسِهن، فعليكم يا أولياء أمور البنات ضربُ الرِّعاية والرِّقابة التَّامَّتَيْنِ على ما تحت أيديكم من البنات، وتنبيهُهُنَّ عن أسباب الفتن، وتعاهُدُهُنَّ فيمن يماشين من الآخريات، ألا يصحبن إلا الصالحات - وهن في مجتمعنا كثيرات ولله الحمد -.
فيا أيها المسلمون! اعملوا على التحذير من هذه الآفات في المجتمع بالطريقة السوية المناسبة، وكما سبق: إن الله لا يستحيي من الحق، فلا بأس بالتصريح بما يستحيى من ذكره عادةً عند دعاء الحاجة إلى ذلك، إذا رأيتم أن التعريض لا يقوم بالمقصود، ولكن في حدود المعقول، بغير تفحُّش، ولذلك نجد من الأطباء من يصرحون ببعض المسائل الطبية التي تتعلق بالفراش والعورات وما إلى ذلك مما يستحيى من ذكره عادةً، في البث المرئيِّ والمسموع علناً، ويُسْتَحْسن ذلك منهم، ويستفاد مما قالوا، وجزاهم الله خيراً.
فكذلك أهل العلم – علماءُ وطلابُ علمٍ –؛ يذكرون أحكام ما يُحتاج إلى ذكره، وجزاهم الله خير الجزاء.
أسأل الله الحي القيوم لنا ولكم ولوالدينا وللمسلمين الهداية والرشاد والسداد، ولأولياء أمورنا التوفيق والبركة والعز. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
هذه تفاصيل مكون الخطبتين يوم 19/3/1431هـ.
الخاتمة:
أخيراً: اللهُ الموعدُ يوم القيامة، يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذٍ لله، يوم ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهو لا يظلمون.
لا يكونن أحدُنا كأصحاب بعض الصحف الذين يُحَمِّلُون ذمَـَمهم من وقت لآخر عُهْدةَ القدحِ في العلماء - واحداً تلو آخر - ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً، فوالله! إنهم لا يضرون إلا أنفسهم، وما يضرون أهل العلم من شيء. فياويل من تعدى على عالمٍ أو طالبِ علمٍ بغير حق، فكان خصمَه يوم القيامة.
فالنصيحة لكل ناقد بما قال تعالى:{وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} لا يتجشمن الكلام في الشرعيات ولو كان للعرف قيد فيها مَن ليس من أهل العلم المقَعَّدين، حتى لا يبوؤوا بإثم القول على الله عز وجل بغير علم، أو التعدي على مسلم بغير حق، كما أن النصيحة لغيرهم ألا يكون مرجعية التقويم لديهم مَن ليس من أهل العلم، حتى لا يَضِلُّوا، فإن الله تعالى يقول في آيتين: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}، وشرائع الدين ليست بالتصويت الجمهوري، وإنما هي شرائع مواردها نصوص الوحيين على فهم سلف الأمة وأتباعهم من أهل الهدى والعلم والبصيرة. أسأل الله الحي القيوم أن يشرح صدورنا جميعاً لمقالة الحق، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.