بنت الرفاعى
03-02-2010, 03:31 AM
الرواية العصرية
لمعلقة عمرو بن كلثوم التغلبي
إكتشفت أمريكا قبر الشاعر الجاهلي عمرو بن
كلثــوم التغــلبي ، فأخـذوا خلية من رفــاته ، وبعد
أن تمـت عملـية استنساخه واستـوى رجـلاً ، كان
لا بد أن يقــول معلـقـتـه الشهيرة ، فقـالها ، ولكن
بلسان حــاله كشاعر عـربي مسلم ، في زمن آل
فيه حال الشعر والـعروبة والإسلام إلى ما نرى .
شعر ابراهيم الأسود
ألا هُبّـي بصحنـكِ فاصبحينـا
وحيّـي أهـل ودِّكِ يـا ظَعينـا
وهاتي كل وُجـدِكِ مـن عُقـار ٍ
ُتقَطِّـبُ عنـد لذعتهـا الجبينـا
إذا سطعتْ أنوفَ الشَّربِ خَـرّوا
على حُـرِّ الوجـوه مُصَرَّعينـا
لعـلَّ أوارَهـا يسطـو عميـقـاً
فيُسلي الصبَّ ، أو يُنسي الحزينا
صبنتِ الكأس عنّـا أمَّ عمـرو ٍ
ولا لـومٌ إذا لــم تَصبَحيـنـا
فإنـي إذ توسَّـمـتُ النَّـدامـى
رأيتُ وجـوه خَلْـق ٍ مُنكَرينـا
وقد أرعيتُهم بصـري وسمعـي
فلا اللبسَ ارتضيتُ ، ولا الرَّطينا
وقال البعضُ : هم عَرَبٌ قحـاحٌ
وقال البعضُ : بل هم مسلمونـا
وذانِـكَ تُهمتـانِ ، فلـم أوجِّـهْ
لهـم لغـةً ، ولا آنسـتُ دينـا
وذكّرنـي شبـاب الدهـر دهـرٌ
عجوزٌ ، غابـرٌ فـي الغابرينـا
ولكـن مـا أقـولُ ومـا أداري
لأنـت مصـرّةٌ أن تُحرجينـا ؟!
وعلمي تغلـبٌ فنيـتْ ، وبَكـرٌ
فكيـف لعَمْـرُ خالقنـا حييـنـا
وكنـا قبـلُ لـم نؤمـن ببعـثٍ
ولـم نَـكُ بالتناسـخ مؤمنيـنـا
أراد الأولـون فمـا استطاعـوا
لنـا خُلـداً كمـا قـد تعلميـنـا
بأنّـا نـورد الرايـاتِ بيـضـاً
ونُصدرهنّ حُمـراً قـد روينـا
ونشربُهـا ...لهـا أرجٌ ونـورٌ
وإشفـافٌ كـمـا إذ تَبسِميـنـا
ونمنـع مـا نشـاءُ إذا غضبنـا
ونمنـح مـا نشـاء إذا رضينـا
ونَحمِلُ فـوق ضُمّـرَ سابحـاتٍ
إذا أوجسـن غضبتنـا ضَرينـا
علينـا كـلُّ سابغـةٍ تُمـاهـي
لُعابَ الشمس ، مُحكمـةً وَضينـا
وفـي أيماننـا شُطُـبٌ ظِـمـاءٌ
تُقاوي الكَـفَّ أو تَـردُ الوَتينـا
وسُـمـرٌ لهذَمـيّـاتٌ عَــوالٍ
نَصبنـا فـي أزجَّتِهـا المَنونـا
وأقـواسٌ مُـوَتَّـرةٌ صِــلابٌ
يكـاد يكـون مُرسَلُهـا أذيـنـا
وما أكلـت سبـاعُ الطيـر منّـا
ولا رتعت وحوشُ الأرض فينـا
كذلـك فـي ذُرى العليـاء كُنّـا
وشئنـا للعـروبـةِ أن تكـونـا
وجــاء الله بـالإســلام ردءاً
لعزّتنـا ، وقــوم ٍ أعقبـونـا
فأ ُلبِسْنـا مـن التقـوى جَـلالاً
وأخلاقـاً بَـهـرن العالميـنـا
إلى عـزم ٍ عُروبـيٍّ ، أشَظَّـتْ
قـواهُ بقـوةِ الإيـمـان فيـنـا
فقلنا : يافجـاجَ الأرض ِ كونـي
فكانـت مثلمـا قلنـا وشيـنـا
وجاء الشرقُ يحدو الغربَ حـدواً
وقـالا : قـد أتينـا طائعيـنـا
قصَرنا شأوَ قيصرَ ، ثـم عُجْنـا
لنكسرَ بـأسَ كسـرى عامدينـا
وسُدنا الأرضَ ، أحباشاً وفُرسـاً
وأندلُسـاً وإفرنـجـاً وصيـنـا
وسار الدهرُ ، لا خَبَبـاً ، ولكـن
كما إذ تُلجـمُ الشَّكِـسَ الحَرونـا
قرونـاً جَمَّـةً .. ثـم انتشيـنـا
فـأ ُبْدِلْنـا بجُمّتـنـا قُـرونـا .
*** ***
ألا فليعـلـم الأقــوام أنّـــا
تضعضعنـا ، وأنّـا قـد ونينـا
فصرنا نرفـع الرايـاتِ بيضـاً
نِظافاً ، قد غُسِلـن وقـد كُوينـا
وصرنا نخفـضُ الهامـاتِ ذلاّ ً
وننصـبُ عرضنـا للمُهدِفيـنـا
فمن نكبٍ ، إلى نكس ٍ ، وعُـدّي
مَجازرَ مـا ثُـؤرنَ ولا وُدينـا
إلى كَفر ٍ ، إلى دير ٍ ، و بحـر ٍ
دمــاءٌ لـــذةٌ للشاربـيـنـا
إلى حرم الخليـل ومَـن أبيـدوا
هنالـك راكعـيـن وساجديـنـا
إلى صبـرا ، وشاتيـلا ، وقانـا
و رام الله ... ولا تنسـيْ جِنينـا
متى تُنقَـلْ رحـى قـوم ٍ إلينـا
نكـون بهـا الحميـر الدائرينـا
ندور بها .. تـدور بنـا علينـا
فمفعولـون نـحـن وفاعلـونـا
يكون ثفالُهـا مـا شئـتِ قُطـراً
فمـا امتـدت بـلاد المسلمينـا
سُلبنا القدسَ قـد علمـت معَـدٌّ
وإحدى الضفتين وطـورَ سينـا
وضيّعنـا جَنـوب العـز هـدراً
وجَـولان الإبـا واسكنـدرونـا
وإن غـداً وإن اليـوم رهــنٌ
و بعـدَ غـد ٍ بمـا لا تعلمينـا
ورثنا المجـد ، لكـن للتباهـي
ونعم الإرثُ ، بئـس الوارثونـا
فنحـن الصامتـون إذا أ ُهِـنّـا
ونحـن الصابـرون إذا أذيـنـا
ونحـن الخانعـون إذا ظُلمـنـا
ونحـن الظالمـون إذا وليـنـا
ونحن إذا عمـاد الحَـيِّ خَـرََّتْ
على الأحفاض من هلع ٍ خـ....
إذا حَميَ الوطيس بنـا ، بَرَدنـا
وإن بَرَد الوطيس بنـا ، حَمينـا
ويشربُ غيرُنـا صَفـواً قَراحـاً
ونشربُ وحدنـا كـدراً وطينـا
وفي فتـح القنانـي والجـواري
أشـاوسُ مُعلِمـيـن مُجرّبيـنـا
وفي فتح الحروبِ ، نكون أيضـاً
بمعنـىً أو بـآخـر فاتحيـنـا
فنحن – ولا شماتة – أهلُ عُجبٍ
علـى أنّـا تنـابـلُ مُقعَـدونـا
عشقنا الفَوْقَ فوق العشق ،حتـى
كـأن الفـوقَ إرثُ أبـي أبينـا
فنحلـم فـوق أحـلام الكُسالـى
ونعجَز فـوق عجـز العاجزينـا
ونكذبُ فوق كذب النـاس طُـرّاً
ونجهلُ فـوق جهـل الجاهلينـا
ونصعدُ فوق ، نهبطُ فوق ، نمشي
اختيالاً فـوقَ تحـتِ الواطئينـا
وكل أمورنا فـي القـول فـوقٌ
و واقعُنـا لأسـفـل ِ سافليـنـا
متـى نَعقِـدْ قَرينتنـا بحـبـل ٍ
تَجُذُّ الحبلَ ، أو تَقِـصُ القَرينـا
و قد هرّت كـلابُ الحَـيِّ منّـا
لأن طباعَهـا أ ُدرجْـنَ فيـنـا
فكم ذا قـد سرقنـا بيـتَ مـالٍ
وخُنّـا العهـد أو خُنّـا اليمينـا
وكم ذا قـد ولَغنـا فـي دمـاءٍ
زواكيَ ، أو عضضنا مَن يلينـا
و ينبح أيُّ كلـبٍ حيـن يـؤذى
ونـؤذى حيـن ينبـحُ حاكمونـا
وأمّـا بالشعـوب فلـم نـفـرِّط
و كنـا فـي العدالـة مُفرطينـا
ملأنـا الجـوّ أجهـزةَ التـقـاطٍ
و وجهَ الأرض ِ كُلَّـه مُخبرينـا
وكـل مُواطـن ذكـراً وأنثـى
نَصبنـا تحـت شاربـهِ كَمينـا
وإن نبسوا فليـس لهـم صَريـخٌ
من البلـوى ، ولا هـم يُنقَذونـا
صَرفنا عنهـمُ الأسمـاع قصـداً
وأذكينـا المَراصـد والعيـونـا
ومـا مـن أسـرةٍ إلاّ وفيـهـا
لنـا بعـضُ الكـرام الكاتبيـنـا
نحللُ صمتَهم والفكـرَ ، لا بـل
نصـور منهـمُ حتـى الظنونـا
نترجم عنهـمُ الأنفـاسَ ، نصّـاً
صريحـاً ، والتوجُّـعَ والأنينـا
فنحنُ مترجمون علـى اقتـدار ٍ
ونحـن محللـون مصـوِّرونـا
ومـن أنّـا بثثنـا الأمـن فيهـم
نلـقَّـبُ عنـدهـم بالمؤمنيـنـا
نزيد مقاسَ نعل ِ مـن استضفنـا
ونُكسِـبُ قـدره نقصـاً مُشينـا
و يمكـثُ فـي ضيافتنـا مُهانـاً
لياليَ ، أو شهـوراً ، أو سنينـا
وحين يكون لـم يخطـئ بتاتـاً
نقـول لـه : اشتبـاهٌ ، آسِفونـا
تألفنـا الشعـوب بكـل هــذا
فهم – دَعْ مـا يقـال – مُدَلّلونـا
فجعناهـم ضجعناهـم فـذلّـوا
أجعناهـم ، وهاهـم يتبعـونـا
وصادرنـا حناجرهـم ، فهـيّـا
اسألوهـم إن يكونـوا يَنطقونـا
و أخليـنـا أكُفَّـهـمُ ، لكيـمـا
إذا خطـب الزعيـم يُصفِّقـونـا
و هـذي نبـذةٌ مـمّـا لديـنـا
و هـذا بعـضُ حـق مواطنينـا
ديمقراطـيـةٌ لا شــك فيـهـا
سَلوا عنّـا المقابـر والسجونـا
*** ***
فنحـنُ ، ولا أكـرر نـحـن إلاّ
لأصرفَ عـن مَثالبنـا العيونـا
ملكنـا كـل أسبـاب المعـالـي
ولـم نبلـغ كعـاب الأرذليـنـا
و يُرهبنـا الدجـاج إذا يُقـاقـي
و في الإرهاب نحـن مصنَّفونـا
لنا في الغـرب أرصـدةٌ كبـارٌ
و مثقـلـةٌ كواهلُـنـا ديـونـا
رَصدناهـا ليـوم الديـن ذخـراً
فنحـن الآن لا نحـتـاج ديـنـا
و بعضُ ملوكنا فُطِمـوا حديثـاً
و بعضٌ لـم يزالـوا يَرضعونـا
و بعضٌ عاصروا لبَـداً وعـاداً
فعـادوا مُهتـريـن مُخرِّفيـنـا
سليمانـيـةٌ لـهـمُ حـظــوظٌ
فقـد ماتـوا وهاهـم يَحكمونـا
دعا إبليسُ ، فانسحبـت عليهـم
فهم لا شـك بعـضُ المُنظَرينـا
تعوّدنـا نسـيـر مـتـى أرادوا
و نهذر في الشوارع : عائدونـا
و ندري أنـه كـذبٌ ، و لكـن
إذا قلنـا الحقيـقـة أعدمـونـا
و هذا الفيلم مذ خمسيـن عامـاً
فمـا عُدنـا ولا هـم يحزنونـا
لـذا أعداؤنـا هابـوا حِمـانـا
و جُنّـوا مـن مخافتنـا جُنونـا
فهم مـن خوفهـم منّـا تراهـم
بـلا وعـي ٍ إلينـا يزحفـونـا
و نحـن تنجُّسـاً منهـم هربنـا
و هِمنا فـي الشتـات مُشردينـا
فصاروا هم أ ُلوا وطـن ٍ ودار ٍ
و صرنا نحـن عندهـمُ بدونـا
و أحرزنـا كرامتنـا اكتـفـاءً
ببعـض مخيمـات اللاّجئيـنـا
و مـا كنـا بحمـد الله بُكـمـاً
و لكـن قـالـةً ... متكلميـنـا
نطاعنهـم بشجـبٍ واحتجـاج ٍ
إذا فتكـوا بنـا فتكـاً مهيـنـا
وإن غـدروا بنـا أو هاجمونـا
خرجنـا فـي الفضـاء مندِّدينـا
و نرفضُ ثم نرفـضُ لا نُبالـي
إذا مـا جرّبـوا أن يقصفـونـا
و كـم يومـاً تكاتفنـا ألـوفـاً
و سرنـا ضدهـم متظاهريـنـا
و زلزلنـا مضاجعهـم بقصـفٍ
عنيـفٍ مـن هتـافِ مُناضلينـا
و ما هذا فقـط ، لا بـل شجبنـا
مَجازرهـم ، و قلنـا مجرمونـا
فضحناهم على الأشهـاد ، لكـن
تبـيّـنَ أنـهـم لا يخجلـونـا
سَحقنـا أنـف أمريكـا جهـاراً
بهـمّـةِ قــادةٍ متأمركـيـنـا
و كل الغرب إن طاروا وحَطّـوا
فـهـم بإزائـنـا متخلـفـونـا
سبقناهـم بكـل مجـال سَبـق ٍ
فنحـن السابـقـون الأولـونـا
إذا جـاءوا بإنجـاز ٍ ، أتيـنـا
بأكبـرَ مـنـه ، لا متكلفيـنـا
و إن صنعوا صواريخاً ، صنعنا
التماثيـل الضخـام لحاكميـنـا
وإن هم طـوّروا يومـاً سلاحـاً
دعوناهم إلـى التجريـب فينـا
وإن فخروا بحاضرهم ، فخَرنـا
بتـلٍّ مـن عـظـام الميتيـنـا
وإن نحن اشتهينـا القتـل يومـاً
نجـيء بهـم لكيمـا يَقتلـونـا
فهم قومٌ – ولا أخفيـكِ سِـرّ اً ،
لعمـري – قاتلـون مُهذّبـونـا
و ليسوا مثلنـا جافيـن حمقـى
و لكـن يَقتـلـون و يأسفـونـا
لطياراتـهـم شــأنٌ عجـيـبٌ
بـهـا يُحيونـنـا و يُموِّتـونـا
فتُمطِرنـا صواريـخـاً ثـقـالاً
و أكيـاسـاً مُـمَـلأةً طحيـنـا
ولا إبليـسُ يُحسِـنُ مثـل هـذا
و مهمـا كـان مَكّـاراً لَعيـنـا
فنحـن الأسويـاء بكـل حـال ٍ
و ليـس الغـرب أولاد اللذينـا
و نحن الأقوياء ، و دعـكِ ممّـا
تَرَينهُ من صفاتِ الجُبـن ِ فينـا
و نحن الأغنيـاءُ ، وإن يكونـوا
بمليـاراتـنـا يَتـصـرفـونـا
و نحن الأذكياء ، و قد ضَحكنـا
علـى النفَـر اليهـود المُفترينـا
صَدَرنا عن فلسطيـن ٍ بـفلـسٍـ
و أعطينا بني صهيون ,ـطينـا
و هؤلاء نحـن ، وليـس فخـراً
بنـا قـرَّت عيـون الشامتيـنـا
لنـا وجهـانِ ، وجـهٌ عبقـريٌّ
جَلَـوتُ جمـالـه للناظريـنـا
و وجهٌ لسـت أذكـره ، لأنـي
رَحِمتُ الشِّعرَ أن ينحَـطّ دونـا
*** ***
اسكتي يا هـذه ، مـا نحـن إلاّ
ذبـابٌ يَمـلأ الدنـيـا طنيـنـا
حُدَيّا الناس إن وَجدوا – جميعـاً
لنـا شَبَهـاً بجنـس الآدَمينـا .
لمعلقة عمرو بن كلثوم التغلبي
إكتشفت أمريكا قبر الشاعر الجاهلي عمرو بن
كلثــوم التغــلبي ، فأخـذوا خلية من رفــاته ، وبعد
أن تمـت عملـية استنساخه واستـوى رجـلاً ، كان
لا بد أن يقــول معلـقـتـه الشهيرة ، فقـالها ، ولكن
بلسان حــاله كشاعر عـربي مسلم ، في زمن آل
فيه حال الشعر والـعروبة والإسلام إلى ما نرى .
شعر ابراهيم الأسود
ألا هُبّـي بصحنـكِ فاصبحينـا
وحيّـي أهـل ودِّكِ يـا ظَعينـا
وهاتي كل وُجـدِكِ مـن عُقـار ٍ
ُتقَطِّـبُ عنـد لذعتهـا الجبينـا
إذا سطعتْ أنوفَ الشَّربِ خَـرّوا
على حُـرِّ الوجـوه مُصَرَّعينـا
لعـلَّ أوارَهـا يسطـو عميـقـاً
فيُسلي الصبَّ ، أو يُنسي الحزينا
صبنتِ الكأس عنّـا أمَّ عمـرو ٍ
ولا لـومٌ إذا لــم تَصبَحيـنـا
فإنـي إذ توسَّـمـتُ النَّـدامـى
رأيتُ وجـوه خَلْـق ٍ مُنكَرينـا
وقد أرعيتُهم بصـري وسمعـي
فلا اللبسَ ارتضيتُ ، ولا الرَّطينا
وقال البعضُ : هم عَرَبٌ قحـاحٌ
وقال البعضُ : بل هم مسلمونـا
وذانِـكَ تُهمتـانِ ، فلـم أوجِّـهْ
لهـم لغـةً ، ولا آنسـتُ دينـا
وذكّرنـي شبـاب الدهـر دهـرٌ
عجوزٌ ، غابـرٌ فـي الغابرينـا
ولكـن مـا أقـولُ ومـا أداري
لأنـت مصـرّةٌ أن تُحرجينـا ؟!
وعلمي تغلـبٌ فنيـتْ ، وبَكـرٌ
فكيـف لعَمْـرُ خالقنـا حييـنـا
وكنـا قبـلُ لـم نؤمـن ببعـثٍ
ولـم نَـكُ بالتناسـخ مؤمنيـنـا
أراد الأولـون فمـا استطاعـوا
لنـا خُلـداً كمـا قـد تعلميـنـا
بأنّـا نـورد الرايـاتِ بيـضـاً
ونُصدرهنّ حُمـراً قـد روينـا
ونشربُهـا ...لهـا أرجٌ ونـورٌ
وإشفـافٌ كـمـا إذ تَبسِميـنـا
ونمنـع مـا نشـاءُ إذا غضبنـا
ونمنـح مـا نشـاء إذا رضينـا
ونَحمِلُ فـوق ضُمّـرَ سابحـاتٍ
إذا أوجسـن غضبتنـا ضَرينـا
علينـا كـلُّ سابغـةٍ تُمـاهـي
لُعابَ الشمس ، مُحكمـةً وَضينـا
وفـي أيماننـا شُطُـبٌ ظِـمـاءٌ
تُقاوي الكَـفَّ أو تَـردُ الوَتينـا
وسُـمـرٌ لهذَمـيّـاتٌ عَــوالٍ
نَصبنـا فـي أزجَّتِهـا المَنونـا
وأقـواسٌ مُـوَتَّـرةٌ صِــلابٌ
يكـاد يكـون مُرسَلُهـا أذيـنـا
وما أكلـت سبـاعُ الطيـر منّـا
ولا رتعت وحوشُ الأرض فينـا
كذلـك فـي ذُرى العليـاء كُنّـا
وشئنـا للعـروبـةِ أن تكـونـا
وجــاء الله بـالإســلام ردءاً
لعزّتنـا ، وقــوم ٍ أعقبـونـا
فأ ُلبِسْنـا مـن التقـوى جَـلالاً
وأخلاقـاً بَـهـرن العالميـنـا
إلى عـزم ٍ عُروبـيٍّ ، أشَظَّـتْ
قـواهُ بقـوةِ الإيـمـان فيـنـا
فقلنا : يافجـاجَ الأرض ِ كونـي
فكانـت مثلمـا قلنـا وشيـنـا
وجاء الشرقُ يحدو الغربَ حـدواً
وقـالا : قـد أتينـا طائعيـنـا
قصَرنا شأوَ قيصرَ ، ثـم عُجْنـا
لنكسرَ بـأسَ كسـرى عامدينـا
وسُدنا الأرضَ ، أحباشاً وفُرسـاً
وأندلُسـاً وإفرنـجـاً وصيـنـا
وسار الدهرُ ، لا خَبَبـاً ، ولكـن
كما إذ تُلجـمُ الشَّكِـسَ الحَرونـا
قرونـاً جَمَّـةً .. ثـم انتشيـنـا
فـأ ُبْدِلْنـا بجُمّتـنـا قُـرونـا .
*** ***
ألا فليعـلـم الأقــوام أنّـــا
تضعضعنـا ، وأنّـا قـد ونينـا
فصرنا نرفـع الرايـاتِ بيضـاً
نِظافاً ، قد غُسِلـن وقـد كُوينـا
وصرنا نخفـضُ الهامـاتِ ذلاّ ً
وننصـبُ عرضنـا للمُهدِفيـنـا
فمن نكبٍ ، إلى نكس ٍ ، وعُـدّي
مَجازرَ مـا ثُـؤرنَ ولا وُدينـا
إلى كَفر ٍ ، إلى دير ٍ ، و بحـر ٍ
دمــاءٌ لـــذةٌ للشاربـيـنـا
إلى حرم الخليـل ومَـن أبيـدوا
هنالـك راكعـيـن وساجديـنـا
إلى صبـرا ، وشاتيـلا ، وقانـا
و رام الله ... ولا تنسـيْ جِنينـا
متى تُنقَـلْ رحـى قـوم ٍ إلينـا
نكـون بهـا الحميـر الدائرينـا
ندور بها .. تـدور بنـا علينـا
فمفعولـون نـحـن وفاعلـونـا
يكون ثفالُهـا مـا شئـتِ قُطـراً
فمـا امتـدت بـلاد المسلمينـا
سُلبنا القدسَ قـد علمـت معَـدٌّ
وإحدى الضفتين وطـورَ سينـا
وضيّعنـا جَنـوب العـز هـدراً
وجَـولان الإبـا واسكنـدرونـا
وإن غـداً وإن اليـوم رهــنٌ
و بعـدَ غـد ٍ بمـا لا تعلمينـا
ورثنا المجـد ، لكـن للتباهـي
ونعم الإرثُ ، بئـس الوارثونـا
فنحـن الصامتـون إذا أ ُهِـنّـا
ونحـن الصابـرون إذا أذيـنـا
ونحـن الخانعـون إذا ظُلمـنـا
ونحـن الظالمـون إذا وليـنـا
ونحن إذا عمـاد الحَـيِّ خَـرََّتْ
على الأحفاض من هلع ٍ خـ....
إذا حَميَ الوطيس بنـا ، بَرَدنـا
وإن بَرَد الوطيس بنـا ، حَمينـا
ويشربُ غيرُنـا صَفـواً قَراحـاً
ونشربُ وحدنـا كـدراً وطينـا
وفي فتـح القنانـي والجـواري
أشـاوسُ مُعلِمـيـن مُجرّبيـنـا
وفي فتح الحروبِ ، نكون أيضـاً
بمعنـىً أو بـآخـر فاتحيـنـا
فنحن – ولا شماتة – أهلُ عُجبٍ
علـى أنّـا تنـابـلُ مُقعَـدونـا
عشقنا الفَوْقَ فوق العشق ،حتـى
كـأن الفـوقَ إرثُ أبـي أبينـا
فنحلـم فـوق أحـلام الكُسالـى
ونعجَز فـوق عجـز العاجزينـا
ونكذبُ فوق كذب النـاس طُـرّاً
ونجهلُ فـوق جهـل الجاهلينـا
ونصعدُ فوق ، نهبطُ فوق ، نمشي
اختيالاً فـوقَ تحـتِ الواطئينـا
وكل أمورنا فـي القـول فـوقٌ
و واقعُنـا لأسـفـل ِ سافليـنـا
متـى نَعقِـدْ قَرينتنـا بحـبـل ٍ
تَجُذُّ الحبلَ ، أو تَقِـصُ القَرينـا
و قد هرّت كـلابُ الحَـيِّ منّـا
لأن طباعَهـا أ ُدرجْـنَ فيـنـا
فكم ذا قـد سرقنـا بيـتَ مـالٍ
وخُنّـا العهـد أو خُنّـا اليمينـا
وكم ذا قـد ولَغنـا فـي دمـاءٍ
زواكيَ ، أو عضضنا مَن يلينـا
و ينبح أيُّ كلـبٍ حيـن يـؤذى
ونـؤذى حيـن ينبـحُ حاكمونـا
وأمّـا بالشعـوب فلـم نـفـرِّط
و كنـا فـي العدالـة مُفرطينـا
ملأنـا الجـوّ أجهـزةَ التـقـاطٍ
و وجهَ الأرض ِ كُلَّـه مُخبرينـا
وكـل مُواطـن ذكـراً وأنثـى
نَصبنـا تحـت شاربـهِ كَمينـا
وإن نبسوا فليـس لهـم صَريـخٌ
من البلـوى ، ولا هـم يُنقَذونـا
صَرفنا عنهـمُ الأسمـاع قصـداً
وأذكينـا المَراصـد والعيـونـا
ومـا مـن أسـرةٍ إلاّ وفيـهـا
لنـا بعـضُ الكـرام الكاتبيـنـا
نحللُ صمتَهم والفكـرَ ، لا بـل
نصـور منهـمُ حتـى الظنونـا
نترجم عنهـمُ الأنفـاسَ ، نصّـاً
صريحـاً ، والتوجُّـعَ والأنينـا
فنحنُ مترجمون علـى اقتـدار ٍ
ونحـن محللـون مصـوِّرونـا
ومـن أنّـا بثثنـا الأمـن فيهـم
نلـقَّـبُ عنـدهـم بالمؤمنيـنـا
نزيد مقاسَ نعل ِ مـن استضفنـا
ونُكسِـبُ قـدره نقصـاً مُشينـا
و يمكـثُ فـي ضيافتنـا مُهانـاً
لياليَ ، أو شهـوراً ، أو سنينـا
وحين يكون لـم يخطـئ بتاتـاً
نقـول لـه : اشتبـاهٌ ، آسِفونـا
تألفنـا الشعـوب بكـل هــذا
فهم – دَعْ مـا يقـال – مُدَلّلونـا
فجعناهـم ضجعناهـم فـذلّـوا
أجعناهـم ، وهاهـم يتبعـونـا
وصادرنـا حناجرهـم ، فهـيّـا
اسألوهـم إن يكونـوا يَنطقونـا
و أخليـنـا أكُفَّـهـمُ ، لكيـمـا
إذا خطـب الزعيـم يُصفِّقـونـا
و هـذي نبـذةٌ مـمّـا لديـنـا
و هـذا بعـضُ حـق مواطنينـا
ديمقراطـيـةٌ لا شــك فيـهـا
سَلوا عنّـا المقابـر والسجونـا
*** ***
فنحـنُ ، ولا أكـرر نـحـن إلاّ
لأصرفَ عـن مَثالبنـا العيونـا
ملكنـا كـل أسبـاب المعـالـي
ولـم نبلـغ كعـاب الأرذليـنـا
و يُرهبنـا الدجـاج إذا يُقـاقـي
و في الإرهاب نحـن مصنَّفونـا
لنا في الغـرب أرصـدةٌ كبـارٌ
و مثقـلـةٌ كواهلُـنـا ديـونـا
رَصدناهـا ليـوم الديـن ذخـراً
فنحـن الآن لا نحـتـاج ديـنـا
و بعضُ ملوكنا فُطِمـوا حديثـاً
و بعضٌ لـم يزالـوا يَرضعونـا
و بعضٌ عاصروا لبَـداً وعـاداً
فعـادوا مُهتـريـن مُخرِّفيـنـا
سليمانـيـةٌ لـهـمُ حـظــوظٌ
فقـد ماتـوا وهاهـم يَحكمونـا
دعا إبليسُ ، فانسحبـت عليهـم
فهم لا شـك بعـضُ المُنظَرينـا
تعوّدنـا نسـيـر مـتـى أرادوا
و نهذر في الشوارع : عائدونـا
و ندري أنـه كـذبٌ ، و لكـن
إذا قلنـا الحقيـقـة أعدمـونـا
و هذا الفيلم مذ خمسيـن عامـاً
فمـا عُدنـا ولا هـم يحزنونـا
لـذا أعداؤنـا هابـوا حِمـانـا
و جُنّـوا مـن مخافتنـا جُنونـا
فهم مـن خوفهـم منّـا تراهـم
بـلا وعـي ٍ إلينـا يزحفـونـا
و نحـن تنجُّسـاً منهـم هربنـا
و هِمنا فـي الشتـات مُشردينـا
فصاروا هم أ ُلوا وطـن ٍ ودار ٍ
و صرنا نحـن عندهـمُ بدونـا
و أحرزنـا كرامتنـا اكتـفـاءً
ببعـض مخيمـات اللاّجئيـنـا
و مـا كنـا بحمـد الله بُكـمـاً
و لكـن قـالـةً ... متكلميـنـا
نطاعنهـم بشجـبٍ واحتجـاج ٍ
إذا فتكـوا بنـا فتكـاً مهيـنـا
وإن غـدروا بنـا أو هاجمونـا
خرجنـا فـي الفضـاء مندِّدينـا
و نرفضُ ثم نرفـضُ لا نُبالـي
إذا مـا جرّبـوا أن يقصفـونـا
و كـم يومـاً تكاتفنـا ألـوفـاً
و سرنـا ضدهـم متظاهريـنـا
و زلزلنـا مضاجعهـم بقصـفٍ
عنيـفٍ مـن هتـافِ مُناضلينـا
و ما هذا فقـط ، لا بـل شجبنـا
مَجازرهـم ، و قلنـا مجرمونـا
فضحناهم على الأشهـاد ، لكـن
تبـيّـنَ أنـهـم لا يخجلـونـا
سَحقنـا أنـف أمريكـا جهـاراً
بهـمّـةِ قــادةٍ متأمركـيـنـا
و كل الغرب إن طاروا وحَطّـوا
فـهـم بإزائـنـا متخلـفـونـا
سبقناهـم بكـل مجـال سَبـق ٍ
فنحـن السابـقـون الأولـونـا
إذا جـاءوا بإنجـاز ٍ ، أتيـنـا
بأكبـرَ مـنـه ، لا متكلفيـنـا
و إن صنعوا صواريخاً ، صنعنا
التماثيـل الضخـام لحاكميـنـا
وإن هم طـوّروا يومـاً سلاحـاً
دعوناهم إلـى التجريـب فينـا
وإن فخروا بحاضرهم ، فخَرنـا
بتـلٍّ مـن عـظـام الميتيـنـا
وإن نحن اشتهينـا القتـل يومـاً
نجـيء بهـم لكيمـا يَقتلـونـا
فهم قومٌ – ولا أخفيـكِ سِـرّ اً ،
لعمـري – قاتلـون مُهذّبـونـا
و ليسوا مثلنـا جافيـن حمقـى
و لكـن يَقتـلـون و يأسفـونـا
لطياراتـهـم شــأنٌ عجـيـبٌ
بـهـا يُحيونـنـا و يُموِّتـونـا
فتُمطِرنـا صواريـخـاً ثـقـالاً
و أكيـاسـاً مُـمَـلأةً طحيـنـا
ولا إبليـسُ يُحسِـنُ مثـل هـذا
و مهمـا كـان مَكّـاراً لَعيـنـا
فنحـن الأسويـاء بكـل حـال ٍ
و ليـس الغـرب أولاد اللذينـا
و نحن الأقوياء ، و دعـكِ ممّـا
تَرَينهُ من صفاتِ الجُبـن ِ فينـا
و نحن الأغنيـاءُ ، وإن يكونـوا
بمليـاراتـنـا يَتـصـرفـونـا
و نحن الأذكياء ، و قد ضَحكنـا
علـى النفَـر اليهـود المُفترينـا
صَدَرنا عن فلسطيـن ٍ بـفلـسٍـ
و أعطينا بني صهيون ,ـطينـا
و هؤلاء نحـن ، وليـس فخـراً
بنـا قـرَّت عيـون الشامتيـنـا
لنـا وجهـانِ ، وجـهٌ عبقـريٌّ
جَلَـوتُ جمـالـه للناظريـنـا
و وجهٌ لسـت أذكـره ، لأنـي
رَحِمتُ الشِّعرَ أن ينحَـطّ دونـا
*** ***
اسكتي يا هـذه ، مـا نحـن إلاّ
ذبـابٌ يَمـلأ الدنـيـا طنيـنـا
حُدَيّا الناس إن وَجدوا – جميعـاً
لنـا شَبَهـاً بجنـس الآدَمينـا .